الذكرى العاشرة للثورة: هي قامت لتبقى ولتصل لأهدافها
عقد كامل مضى على قيامة السوريين، على انتفاضتهم على الاستبداد والقمع والفساد والإذلال الذي قهرهم لعقود، لكن الذكرى العاشرة للثورة ليست بعدُ مناسبة للاحتفال أو للبهجة عند النظر للوضع الإنساني الكارثي الذي يعيشه الشعب السوري، وهي بالتأكيد ليست مناسبة مبهجة للمعتقلين والمعتقلات والمختفين والمختفيات قسراً أو لذويهم، وكذلك لمئات آلاف الأمهات اللواتي فقدن أولادهن وبناتهن قتلاً واعتقالاً واختفاءً وتهجيراً، لملايين اللاجئين الذين يعيشون في المخيمات وللذين يعانون الذل في أماكن نزوحهم، هي ليست كذلك لأهلنا في الداخل حيث الفصائلية والميلشياوية والاحتلالات وتجار الحرب والذين يعانون من القمع والتجويع والفقر وانفلات الأمن، لكن ذكرى الثورة بالتأكيد هي مناسبة سنوية للتذكّر والتفّكر والمراجعة، مراجعة الذات ومراجعة البرامج ووضع التصورات للجولة أو الجولات القادمة، فالثورة فكرة والأفكار لا تموت والثورة مجموعة قيم والقيم لا يمكن أن تنهزم.
إذن فلنتذكر إنّه في آذار 2011، انتفض السوريون والسوريات ضد الاستبداد وإنّه في هذا اليوم سمع السوريون لأول مرة أصواتهم وتعرفوا على امكاناتهم وجربوا طعم الحرية، حتى لو كانت مجرد كلمة في الفم، منهم من تلعثم ومنهم من اكتفى بالصراخ ومنهم من لم يجد الوقت لنسج الجمل ومنهم من خرج صوته مشروخاً، ومنهم من لم تستجب حباله الصوتية، لكن في مطلق الأحوال كانت الثورة حدثاً تاريخياً مدهشاً، لم يدهش أصحاب القضية وحدهم بل أدهشت العالم قاطبةً.
هي مناسبة لرواية السرديات، كل من مكانه ومن خلال تجربته، مناسبة للحوار والنقاش بين السوريات والسوريين الذين اختاروا الخروج في هذا الطريق الشاق والباهظ الثمن، يختلفون حول مآلاتها؛ هل هزمت أم هي مستمرة؟ حول من ساهم في هزيمتها، تتوسع الرؤيا كل عام لتشمل زوايا جديدة، تتوسع شريحة الكافرين بها ويزداد عدد الذين يجلدون أنفسهم أو يجلدون الآخرين، ينتقدون ويتباحثون حول الأسباب والنتائج ، يستعرضون لوحة مأساوية لم تكن لتخطر في بال أحدهم، لوحة قاتمة لذكريات القتل والقهر، لحرب ضروس استخدمت فيها كافة أنواع الأسلحة، يتذكرون أحبتهم الذين قضوا بأسى، فأرواحهم لا زالت تنتظر العدالة والإنصاف، كل ذلك يحدث في خندق الثورة، ألم عميق وتحسر وتأسف وجلد وانتقادات وتحميل مسؤوليات، كل هذه الأعراض تؤكد أن الثورة قيمة وأن من انخرط فيها اكتشف عالماً أكثر اتساعاً مما كان فيه قبلها، فعلى الرغم من الخسارات الكبيرة والاثمان الباهظة ، سنبقى نكتشف أن لحظة واحدة من الحرية تعادل حيوات نعيشها كالعبيد، وأما في الطرف المعادي للثورة ، فهناك ثبات وسبات وعقم أخلاقي وإنساني شديدين.
كثيرة هي الذكريات حول الثورة السلمية، حول الأشهر الستة الأولى من عمرها والتي يكاد يجمع السوريات والسوريين على أنها كانت سلمية وعفوية ووطنية جامعة، على التظاهرات التي انتقلت كالعدوى في الهواء بين المدن والبلدات السورية، لكننا سنبقى طويلا نتذكر بالمقابل خطابي بشار الأسد في 28 آذار و18 حزيران 2011، كلماته الصاعقة حين وصف المطالب المحقّة للمنتفضين بالمؤامرة الكونية، ووصف المطالبين بالكرامة والحرية وبمحاربة الفاسدين بالجراثيم وبالمندسين والمتآمرين، سيتذكر هذا اليوم كل الذين لم يكونوا يتصورون بأن الأسد سيقدم اعتذاراً لكنهم انتظروا رغم ذلك وعداً كاذباً لتجنب الكارثة، ذاكرة السوريين والسوريات ستقف طويلاً كل عام عند اللحظة التي أنهى بها خطابه ذاك معلناً بكل عزمٍ وتصميمٍ حربه على الشعب السوري.
الذكرى العاشرة للثورة هي مناسبة لطرح الأسئلة حول ما وصلنا اليه اليوم وحول الاحتمالات التي سيقدمها لنا الغد، دورنا، أدوارنا، ما الذي نريده وكيف سنصل إليه؟ هي مناسبة للحديث عن المستقبل والتخطيط للجولات القادمة، فليس من المخجل القول إننا هزمنا مرحلياً، لكن سيكون من العار أن نقف هنا، أن نستمر في التأسف والندب، يجب أن ننهض ونحضر خططنا وتحالفاتنا وتكتلاتنا، عملنا وأملنا وإرادتنا، يجب أن تكون جميعها جاهزة لجولة، ولجولات قادمة.
أخيراً، تبدو كلمات الراحل الوطني النبيل، الأستاذ حسان عباس هي الأكثر تعبيراً عنها، عن ثورة السوريين المدهشة: ”
” سموها ما شئتم، انتقدوها كما أحببتم، اخدعوها، راودوها، تحايلوا عليها، احفروا الأرض تحت أقدامها، لّونوها، العنوها، افعلوا ما شئتم… فهي، وبمحاكاة لما قاله غاليليو غاليليه لمرهبيه: ومع ذلك فهي تثور. هي باقية، وهي أصلا لم تبدأ إلا لتبقى، حتى تصل إلى ما يريده أهلها: حياة كريمة بلا ظلم ولا ظلامية”.
تيار مواطنة
المكتب الإعلامي 17 آذار/ مارس 2021