السويداء.. محنة البقاء تحت سلطة الأسد..الافتتاحية

الافتتاحية 0 admin

ما يجري اليوم في محافظة السويداء يعيدنا إلى السنوات العشر ونيف السابقة سواءً أكان لجهة المطالب المحقة للمنتفضين السوريين أم لجهة سلوك السلطة الطغمة التي آثرت السلطة على مصلحة السوريين، كل السوريين.

نحن ندرك أن من أهم آليات عمل “الدولة”- أي دولة- هو سيطرتها على مناطق حكمها، لكن بالمقابل فإن  على هذه”الدولة” أن  تقدم أهم أساسيات الحياة الكريمة لشعبها الذي قبل “العقد الاجتماعي” مع هذه الدولة- السلطة؛ ولعل أهم هذه الأسس العامة:

  • الدفاع عن سيادة الدولة.
  • حماية المواطنين.
  • حماية حقوق الحياة والعمل والتعليم.
  • ضمان تطبيق العدالة وصياغة القوانين والتأكد من تنفيذها.
  • الرعاية الاجتماعية والتنمية الاقتصادية.
  • وأخيرا، التمثيل الخارجي والعلاقات مع الدول الأخرى.

لكن هذه الأساسيات التي تعرفها المجتمعات عامة تغيب جزئياً أو كلياً عن “الدولة- السلطة” السورية. لذلك لا يمكن فهم ما يجري في السويداء خاصة ودرعا والجنوب السوري عامة دون نظرة سريعة على العقد المنصرم.

المزاج الشعبي لم يكن في صف المعارضة الوطنية الديمقراطية، لأسباب كثيرة أهمها مخاوف الشارع من النزعة الإسلامية ومن توريط المحافظة مع السلطة الطغمة وغياب أي دعم إقليمي يشكل حماية لأهالي المحافظة التي ينتمي معظم سكانها إلى الموحدين الدروز

بسبب التلاحم الاجتماعي القوي في محافظة السويداء استطاعت بعض الرموز الاجتماعية والدينية ضمان حد أدنى من الحياد في الصراع الدائر ونجح فصيل مشايخ الكرامة في حماية الآلاف من الشباب من الالتحاق بالخدمة الإلزامية كما أمن العناصر التي كانت ترفض الالتحاق بقطعاتها. كما شكلت الحاضنة الشعبية في المحافظة منطقة آمنة لآلاف النازحين من ريف دمشق ودرعا وغيرها.

أظهرت التطورات على الساحة السورية ضعف المعارضة داخل محافظة السويداء، على الرغم من استماتة هؤلاء المعارضين ومحاولاتهم المتكررة للخروج في تظاهرات وفي تأسيس الجمعيات والتجمعات الداعمة للثورة السورية، مما يشير إلى أن المزاج الشعبي لم يكن في صف المعارضة الوطنية الديمقراطية، لأسباب كثيرة أهمها مخاوف الشارع من النزعة الإسلامية ومن توريط المحافظة مع السلطة الطغمة وغياب أي دعم إقليمي يشكل حماية لأهالي المحافظة التي ينتمي معظم سكانها إلى الموحدين الدروز.

أن أجهزة المخابرات السورية قد وضعت هذه العصابات في مواجهة أي تحرك سياسي أو مطلبي في السويداء، بدءاً من 17 نيسان 2011 وانتهاءً بالتحركات المطلبية الأخيرة 2021

الآن، وبعد أن استقر الأمر للسلطة وبعد أن هزمت المعارضة الإسلامية العسكرية وانحصرت في الشمال والشمال الغربي لا تملك السلطة السورية مخرجاً لتبرير تقصيرها الفاضح في كل واجباتها تجاه قرابة 16 مليون نسمة يعيشون تحت سلطتها. بل يمكن القول أن هذه السلطة باتت تطلب من الشعب السوري القيام بواجباتها بدلاً عنها. ويمكن ببساطة ملاحظة ما تفرضه السلطة الطغمة على هذا الشعب في كل مناطق سيطرتها وفي المنطقة الجنوبية خصوصاً، فاستقتلت في دعم ميليشيات الدفاع الوطني الممولة والمدربة والمسلحة بغالبيتها من قبل الحرس الثوري الإيراني، وعندما فشلت هذه الميليشيا استعانت بأعنف العصابات التابعة لها وربطت قياداتها بجهاز المخابرات العسكرية وقدمت لهم التغطية الأمنية والعناصر اللازمة. وحاولت عبر السنوات الخمس الماضية افتعال الكثير من المعارك مع الجوار عبر عمليات الخطف والخطف المضاد والسرقة والتعفيش وكل ما يمكن أن يثير القلاقل في الجنوب عموماً وفي السويداء خصوصاً. ويمكن القول أن أجهزة المخابرات السورية قد وضعت هذه العصابات في مواجهة أي تحرك سياسي أو مطلبي في السويداء، بدءاً من 17 نيسان 2011 وانتهاءً بالتحركات المطلبية الأخيرة 2021؛ حيث قام الشبيحة بضرب واعتقال وتصوير وملاحقة الناشطين، لكن حين فشل هؤلاء كانت الأجهزة الأمنية تقوم بواجبها القمعي المقدس، فالسلطة لا تريد المواجهة المباشرة مع مجتمع الأقليات إلا عند الضرورة. وبنظرة عجلى ما تقوم به السلطة نعرف الأسباب الحقيقية والمحقة لتحرك أهالي السويداء والتي نرجو أن تنتقل إلى كل مناطق سيطرة النظام:

أولاً، تسمح السلطة الطغمة لكل العصابات التي تشكلت على هامش الاحداث أن تضم أعضاءً لها بكامل حريتهم وبدفع منها وبدفع جزء من رواتبهم التي تعادل 4 أضعاف رواتب موظفي القطاع العام أو اكثر (راتب الشبيح من 400 ألف إلى 500 ألف ل.س). طبعاً، لا يمكن تفسير هذه الظاهرة وخاصة في محافظة السويداء سوى بانسحاب السلطة من مهمتها في حماية المجتمع بل على العكس، تشجيع العصابات في التسلط على رقاب الشعب.

أن عصابة راجي فلحوط- قوات الفجر- قد نصبت نفسها مدعياً عاماً وقاضياً وسلطة تنفيذية خلال العام الماضي

ثانياً، تفرض السلطة ضرائب طائلة على الخدمات التي تقدمها للمواطنين، وبالمقابل تنسحب بصفاقة من مهامها في حماية المواطنين وفي حماية حق الحياة عبر تعريضهم لخطر الموت بكل الطرق عبر القصف والتهجير والحصار والاعتقال والتعذيب وسوء المعاملة. ولا عجب أن طبقة من أثرياء الحرب قد أثرت بشكل جنوني وتعيش بوقاحة في مطاعم وفنادق المدن السورية وكأنهم يشمتون من فقر ومأساة السوريين.

ثالثاُ، تنسحب السلطة من دورها في تطبيق القانون وحماية القضاء وتبيح حياة الشعب السوري للعصابات والميليشيات الخارجة عن القانون. ومما يجدر ذكره أن عصابة راجي فلحوط- قوات الفجر- قد نصبت نفسها مدعياً عاماً وقاضياً وسلطة تنفيذية خلال العام الماضي وقامت بتصفية العديد من الشباب بدعوى انضمامهم لقوة مكافحة الإرهاب أو معارضة الدولة وفرضت صلحاً مهيناً على ذوي الشهيد مجد سريوي الذي اختطفه المدعو فلحوط ثم قتله بدون أي سبب، وأخيراً، قامت بخطف المواطن جاد الطويل من محله في مدينة شهبا بحجة تمويل خارجي وبعد المفاوضات ادعى فلحوط أمام مفاوضيه من الوساطات الأهلية ترحيله إلى فرع التحقيق العسكري في دمشق (؟) ليخطف تاجرين وطالبين آخرين داخل مدينة السويداء ليعزز موقفه في إذلال الأهالي. ومن اللافت أن السلطة الطغمة لم ترسل أي قوة عسكرية خلال الاشتباكات الدموية التي استمرت يومي 26 و27 تموز في محيط قريتَي عتيل وسليم، ولم يصدر عنها أي موقف رسمي عما يجري وكأن السويداء خارج سوريا، أو الأصح، كما يقول أنصار هذه السلطة “بطيخ يكسر بعضه”.

رابعاَ، ومما يتضح من سيادة إيران وميليشياتها وتركيا وميليشياتها وروسيا وفيالقها ومما نشاهده يومياً من القصف الإسرائيلي لأهداف داخل سوريا، فقد باتت هذه الدولة مسرحاً للقوى الخارجية ولتصفية حساباتها على أرضنا، بينما يتسمر النظام وكأنه ليس معنياً وليس من مهامه حماية سوريا من الاعتداءات الخارجية.

خامساً، ليس لنا أن نعدد جميع المهام التي استقال النظام منها وأوكلها إما إلى عصاباته أو إلى الشعب لكي يأكل بعضه، ففي الازمات تنحط القيم ويسود الفساد وتكثر الجرائم ويأكل الناس بعضهم ويكفي أن نذكر أن محاولات تهريب المخدرات والأسلحة إلى الأردن تتم أسبوعياً. فهل هذا ما تقصده السلطة من شعارها “الأمل بالعمل”!

لقد تخلت “الدولة السورية” عن مهامها بسبب عجزها التام، لكنها تمسكت بواحدة فقط؛ الحفاظ على السلطة مهما كلف ذلك الشعب من دمار وتهجير وقتل وغيره، وهذا أهم دلالة على أن “الدولة” السورية هي أداة رخيصة في يد السلطة بعكس الدولة الطبيعية.

نعتقد في تيار مواطنة- نواة وطن أن الأوان قد حان لأن تأخذ منطقة الجنوب مصيرها بيدها عبر المصالحة والتقارب بين درعا والسويداء والقضاء على كل مسببي الفتن.

السويداء وحوران عموماً صارت خارج السيطرة المباشرة للسلطة الطغمة وفقط رموز الدولة ظاهرة، لكن السلطة تلجأ إلى حصار البلدات والمدن مثل طفس واليادودة في درعا عندما تتهدد أدواتها أو رموزها، ومن خلال دعمها العلني لعصابات الخطف والتهريب والمخدرات في السويداء للسيطرة على المنطقة، لكن وكما يبدو من مجريات الأيام المنصرمة فقد صارت المنطقة موحدة في رفضها لسياسات التركيع والسيطرة وأنها مستعدة جيداً للضرب بيد من حديد على رأس أدوات السلطة وهو نفسه الذي سيقضي على الوجود الإيراني في الجنوب بخروج أدواته من عصابات وميليشيات.

في الختام، نعتقد في تيار مواطنة- نواة وطن أن الأوان قد حان لأن تأخذ منطقة الجنوب مصيرها بيدها عبر المصالحة والتقارب بين درعا والسويداء والقضاء على كل مسببي الفتن. وقد تكون المرحلة القادمة مناسبة أيضاً للتفكير بتأسيس نويات مجالس محلية منتخبة- خاصة أن السلطة ستنسحب أكثر من الجنوب كما تظهر المجريات الإقليمية والدولية- مهمتها إدارة المناطق وفق مصلحة الأهالي في حال غياب السلطة ومؤسساتها؛ فلا يمكن ترك المنطقة بدون إدارة مدنية حيث تقوم بعض الفصائل المشكلة من قبل هذه الإدارة بتنفيذ أوامرها وبضبط الأمن الداخلي وبحماية المنطقة محلياً. وقد تكون الخطوات الأولى دافعاً ملموساً لدفع المجتمع الدولي للتعجيل في حلّ سياسي للقضية السورية أو في البحث عن سبل لدعم الحوكمة المحلية طالما أنها تساهم في استقرار جنوب سوريا وتقدم الخدمات الأساسية للمواطنين وبالتالي، تشكل نموذجاً جاذباً للحوكمة والإدارة المحلية.

لروح شهداء انتفاضة السويداء الرحمة والسلام

الحرية لكل السوريين

تيار مواطنة-نواة وطن

مكتب الإعلام 27 تموز/ يوليو 2022

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة