أين أمست شعارات الثّورة في ذكراها العاشرة

خرجت في منتصف آذار الجاري مظاهرات لإحياء الذكرى العاشرة للثورة السورية في عدد من المناطق الخارجة عن سيطرة السلطةالطغمة، كما في دول الشتات التي يتواجد فيها سوريون. المشهد اللافت كان رسم لوحة لعلم الثورة في الساحة الرئيسية في إدلب، معقل هيئة تحرير الشام (النصرة)، وبدا جلياً تفاعل وسعادة الناس بتلك اللوحة التي سرعان ما انتهت في اليوم التالي مطليةً باللون الأسود على يد نشطاء هيئة تحرير الشام، الأمر الذي لم يكن مستغرباً البتّة، فلا يمكن لهيئة تحرير الشام، على الرغم من محاولات بعض القوى الإقليمية والأفراد لتلميعها أن تبدل جلدها وتقبل بابتعاد الناس عن مشروعها الاسلامي المتشدد ورسم أو رفع علم الثورةالعلماني، وفق وصفها.

أما الأمر الآخر فيتعلق بالشعارات التي سادت تلك المظاهرات، والتي جاءت مكررة ولم يطرأ عليها أي تغير منذ عشر سنوات رغم أن مياهاً كثيرة قد جرت، ليس أولها شعارالثورة مستمرة، وليس آخرها الهتافات الاسلامية التي رددها نشطاء في استنبول وبعض مناطق الداخل السوري.

  من المؤكد أن الحلم مستمر ولا يستطيع أحد سرقته من أي إنسان، وبالتالي لا يمكننا إلا أن نتفهم شعارالثورة مستمرة، لكن لم يعد لهذا الحلم حوامله على الأرض ولا يعدو اليوم أن يكون سوى شعاراً رمزياً، فلم يبق من الثورة غيره في عواطف ومشاعر السوريات والسوريين في الشتات وفي المناطق الخارجة عن سيطرة السلطة في الشمال والجنوب، والجميع يعلم بأن الثورة هي فعل ونشاط في نهاية المطاف، لم يتبق منه أثر واقعي في مناطق سيطرة السلطة، وإن بقيت الفكرة حيّة في ذاكرة الناس وأنفسهم.

أما بقية الشعارات التي يحرّض عليها الإسلام السياسي أو التي تحمل بعداً طائفياً، والتي في الغالب تعود إلى فئات ذات خلفية أصولية متشددة، كمناصري هيئة تحرير الشّام وحزب الدّعوة وحرّاس الدّين وأمثالهم، هذه الشعارات تبحث دوماً عن فجوة لتعبّر عن وجودها، فتهيمن على خطاب الفئات الأخرى وتقصيها. لهذا الخطاب أيضاً مريديه لأسباب أيديولوجية وقناعات دينية من جهة،  ولاستمرار النهج الطائفي من قبل السّلطة ومليشياتها وحلفائها على الأرض من جهة أخرى، وعلى الرغم من فشل مشروعالدّولة الإسلاميّة  فشلاً ذريعاً ومدمراًـ، مازال كثير من السوريين يعتقدون أنالإسلام هو الحل، بصيغة أهل السنة والجماعة،  الأمر الذي لا يعدو ان يكون ضرباً من الإغراق في الوهم التاريخي, حيث لا حوامل واقعية له دولياً أو اقليمياً, فضلاً عن كونه الوصفة السحرية الأكيدة لاستمرار الصراع والنزاع في سورية التعددية.

يقول رولان بارتالإنسان لغة، ويحق لنا أن نأخذ هذه العبارة لنقول إنالثورة، في جزء منها، لغة،  وأن عدم الاعتراف بالهزيمة وتجاهل وإنكار كل المآلات والتحولات التي حصلت على الأرض السورية، ما هو إلا دعوة للتعلق بالوهم الذي لا يفضي إلى أي مستقبل أو أمل أو عمل أو حتى لتحليل أسباب تلك الهزيمة، وليس استمرار الشعارات القديمة  إلا تجسيداً للعجز والفشل في تجاوز هذه الحال وعدم القدرة على خلق خطاب جديد يتعلم من الدّروس والوقائع، إنه تعبير جليّ عن الفشل في تحليل لغة الاستبدّاد وتفكيكها وبالتالي إعادة إنتاج لغة جديدة تشبه ما يستحقه السّوريون، لغة عقلانيّة واقعيّة من لحم ودم، تحتفي بالإنسان السّوري وكرامته وحريته، لغة عموميّة يمكن أن يتبناها السّوريون بكافة ألوانهم، لغة جامعة لا تقوم على الاقصاء أو على التفريغ عن الغضب عبر الشّتيمة والتّخوين، لغة تستطيع إعادة ربط الجميع بمشروع سوريّ معاصر يشكّل جزءاً من الخطاب الإنسانيّ، يعيد ربط قضيتنا بالقضايا الإنسانية الكبرى، وصولاً للحريّة والدّيمقراطيّة والعلمانيّة والمساواة.

بإمكاننا بعد سنوات من القتل والتّدمير والسّياسات الكارثية أن نستفيد من تجاربنا وتجارب الدول القريبة منّا  وربما البعيدة ايضاً بما يمكنه نقلنا خطىً إلى الأمام، من حيث إدراك نقاط الفشل والنّجاح وتبني الواقعيّة السّياسيّة في وضع البرامج والخطط، والعمل على خطاب عقلانيّ لا يتلاعب بمشاعر وعواطف السّوريات والسّورييّن، وقد تكون تجربة السّودان، كما نراها، خير مثال قريب على كيفية السّير بخطى واضحة تدرك أهميّة الدّيمقراطيّة والعلمانيّة للنهوض بالبلد وإنهاء النّزاع الدّاخلي والخروج من عدميّة العنف وخطاب الكراهيّة والاقصاء.

تيار مواطنة

المكتب الإعلامي 31 آذار/ مارس 2021

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة