بين درعا والسويداء .. الاقتصاد المجتمعي طريق الحل المنتظر
سالم ناصيف
بلغت الحالة الاقتصادية التي تعيشها سوريا بشكل عام، والجنوب السوري بشكل خاص، حداً ينذر بكارثة انسانية قد تتخطى حدود الفقر وتدفع بمعظم السكان إلى قاع المجاعة، في وقت تبدو فيه الحكومة السورية عاجزة عن إيجاد أية حلول عملية تحافظ فيها على اقتصادها المتهالك جراء الحرب الطويلة والعقوبات المفروضة على السلطة.
وبعد التحذيرات التي أطلقها برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة في تقريره منتصف عام 2020 والذي أكد أن نحو 9 مليون ونصف إنسان في الداخل السوري باتوا عرضةً لأزمة غذائية غير مسبوقة، جراء انهيار قيمة العملة الوطنية ، و ارتفاع الأسعار المرعب الذي رافقه، بات من الواجب التفكير في سبل جديدة تخفف عن الأهالي بعض من تداعيات انعدام الأمن الغذائي من خلال الاعتماد على وسائل جديدة قد يكون الاقتصاد المجتمعي البديل أحد أشكاله المقترحة.
الانتاج الزراعي بين الكساد وتراجع الإنتاج
تشير تقارير صادرة عن منظمة الإسكوا (escwa) التابعة للأمم المتحدة أواخر العام 2020، أن الانتاج الزراعي من الخضروات في درعا انخفض بعد العام 2011 بنسبة 57% أما إنتاج القمح فقد تراجع من 120 ألف طن سنويا، إلى ما دون 25 ألف طن، نتيجة الأعمال العسكرية وعدم الاستقرار, أما في السويداء فقد طغت مشكلة الكساد الاقتصادي على الانتاج الزراعي وخاصة محصول التفاح الذي تقدر كميات انتاجه خلال العام الماضي بنحو 40 الف طن بتراجع ملحوظ عن السنوات الماضي، نتيجة الأحوال الجوية ونقص الأسمدة ومستلزمات الرعاية الزراعية فضلاً عن التعديات على الأشجار المثمرة لأغراض التدفئة، في حين حاول الكثير من المزارعين الحفاظ على محصول القمح وعدم بيعه للدولة التي كانت تحدد أثماناً لشرائه ككل عام بغية وضعه ضمن المخزون الاحتياطي.
مقترحات للتعاون بين درعا والسويداء
خلال السنوات الماضية حاولت العديد من الأوساط الاجتماعية في درعا والسويداء ترسيخ قواعد يحافظ فيها الجانبان على السلم الأهلي، وتحقيق التعايش الذي بقي هشاً وعرضة لأحداث أمنية هددت في معظم الأحيان باندلاع حروب بين الجارتين. ولكن يبدو أن العلاقة المتوترة بين محافظتي درعا والسويداء قد تسير نحو الحلحلة وترتقي من مستوى التعايش إلى التعاون والتشارك فيما لو جرى العمل على خلق دائرة اقتصادية تبادلية تستند إلى ضوابط أمنية محددة يعمل الطرفان على تعزيزها والحفاظ عليها.
يقول أحد تجار الجملة في السويداء: “إن معظم أسعار الخضار والفاكهة المستوردة من دمشق تحمّل زيادة في الأسعار تتراوح ما بين الربع إلى الثلث بسبب أجور النقل والأتاوات المفروضة على التجار المحليين في المحافظة”، بالمقابل تؤكد أوساط واسعة في درعا أن حجم حركة توريد الخضار من درعا إلى دمشق لم يبلغ ربع ما كان عليه قبل العام 2011 وهذا الأمر أدى إلى ركود النشاط الزراعي، بالإضافة لما ألحقته الحرب من خسائر أدت إلى صعوبة في تصريف المنتجات الزراعية، وبالتالي فقدان أعداد كبيرة من العائلات فرصة تأمين رزقهم؛ ودفع بهم إلى خطوط الفقر.
وفرة في التكاليف وسرعة في تلبية السوق المحلية
تؤكد جميع المعطيات أن خلق فرصة لتبادل الخضروات والفاكهة والمنتجات الزراعية الأخرى بين درعا والسويداء قادرة على تحقيق وفرة تبلغ الثلث في إجمالي الأسعار. وأن تلك التكاليف تنفق كأجور نقل وإتاوات مدفوعة على الحواجز الأمنية، ففي حين يحتاج مزارعو درعا قطع مسافة تبلغ 100 كلم لبيع الخضار في سوق الهال في دمشق، بينما يحتاج أهالي السويداء لقطع ذات المسافة لاستيرادها، أما المسافة بين المحافظتين فتبلغ نحو 40 كلم، فضلا عن انها توفر على المورد والمستورد ما ينفقونه من أموال تدفع كرشاوى لعناصر وقادة الحواجز الأمنية.
يقول الكاتب الصحفي “علي عيد”: إن التعاون الاقتصادي بين محافظتي درعا والسويداء هي فكرة خلاقة لمعالجة الخلل المفتعل في العلاقة لسببين، الأول اجتماعي والثاني اقتصادي. اقتصادياً يمكن للتعاون عبر خلق دورة تفاعل وتبادل المنتجات المحلية أن تغطي قسماً من حاجة محافظة “درعا”، ومعها محافظة “السويداء” عبر تنظيم اتفاق يحدد حاجة المنطقة، ثم يجري توزيع الإنتاج لمنع التضارب وتحقيق التكامل، وهذا كفيل بتخفيف الكلف. وكذلك ارتفاع جدوى الإنتاج، خصوصاً الزراعي، فالسويداء يمكنها تزويد درعا بكميات وافرة من الفاكهة، فيما يمكن أن تغطي درعا حاجة المنطقة من الخضروات، وينسحب الأمر على تجارة المواشي و منتجات أخرى مثل اللحوم والدواجن، وكذلك الصناعات الغذائية البسيطة، وهي متوفرة لدى الجانبين.
_ التنظيم شرط يقع على عاتق المجتمع
ويؤكد “عيد” أن هذا النوع من التعاون يحتاج لتنظيم دقيق، يمكن أن يبدأ بسلعة ويتطور لتغطية سلع ومنتجات أخرى، ويمكن تنظيم قطاعات أخرى مثل الري، فهناك حاجة لمياه الشرب في السويداء، بينما تحتاج درعا لقسم من مياه سدود السويداء لري الأراضي البعلية.
مثل هذا التعاون يفتح على ترابط اجتماعي وتفكير مشترك بأهمية هذه العلاقة، واستعادة الجذر الثقافي لبيئة نادرة من التنوع.
معوقات لا بد من تذليلها
في ظل الفوضى الأمنية يبقى انتشار عصابات الخطف والسلب والإجرام هي المعوق الرئيسي لتنفيذ أي اتفاق محتمل بين درعا والسويداء، فمن المعلوم للجميع أن تلك العصابات الإجرامية باتت تتغذى على القطيعة ومحاولات اشعال فتيل الحروب المفتعلة بين الجانبين، وهذا الواقع يفرض على اللجان الأهلية المشتركة تطوير اتفاقات السلم بين المحافظتين والارتقاء إلى التعاون في حماية قوافل التجارة، الأمر الذي قد يعيد بعضاً من الثقة الأمنية بين المحافظتين بحسب الإعلامي “أسامة أبو ديكار” الذي يؤكد أن هناك إمكانية لتطوير عمل اللجنة الأهلية المشتركة التي تأسست بعد أحداث بصرى والقريا، ورعت الاتفاق بينهما بعد أن شهدت البلدتين حوادث أمنية مؤسفة في العام 2020.
أما الكاتب “علي عيد” فيرى أن هذه الخطة يمكن أن تبدأ في منطقة تماس جغرافي محددة مثل محور صماد – بصرى – جمرين في درعا، والقريا عرى المجيمر في السويداء، وفي هذا بعد أخلاقي يتعلق برفع الوعي والانتماء للأرض وحماية التنوع بين تلك المكونات الأصيلة دون أي بعد طائفي.
ويشير المتحدث إلى أن العامل الأمني هو الأهم، إذ لا بد من أن تترافق خطوات التعاون الاقتصادي الاجتماعي مع تشكيل فريق مشترك يبحث تأمين بيئة هذا التعاون، وهذا يقع على عاتق أبناء المنطقة فقط دون إدخال أو الاعتماد على أية عناصر أخرى.
ربما تبدو هذه المقترحات صعبة التحقق في الوقت الراهن، لكنها قد تكون بداية لعودة التشارك والتعاون بين درعا – السويداء المحكومتين بالعمل للنجاة من الفقر والعوز بعد أن أصبح مشهد الجوع هو المخيم على الواقع السوري، وهنا يبرز تعاون المجتمعات في الأزمات لتحقيق الحد الأدنى من الأمن المطلوب للاستمرار وبلوغ مستقبل أفضل يطوي صفحات الخلافات والحروب والفرقة.
صدى الجنوب السوري – 6-4-2021
الآراء الواردة بالمقال تعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة أن تعبر عن رأي الموقع