رد على افتتاحية موقع مواطنة (“الأقلية والأكثرية” والمواطنة)- أ. نزار بعريني
مادة الأستاذ نزار بعريني رداً على افتتاحية موقع مواطنة (“الأقلية والأكثرية” والمواطنة):
الأصدقاء الأعزّاء ، جزيل الشكر والتقدير لقبول طلب انضمامي لصفحتكم الموقّرة .
أرجو أن تقدّم مشاركتي الفائدة المرجوّة ، بما يعزّز ثقافة المواطنة الديمقراطية .
بعض الملاحظات حول مقال في ” الأقليّة والأكثريّة ” والمواطنة . الصديق المحترم، الأستاذ عصام دمشقي ، الأصدقاء الأعزّاء في “تيار مواطنة ” ، مع كامل الإحترام والتقدير لجهد الكاتب ، ومحاولته الإحاطة بمعظم جوانب المسألة المطروحة ، أعتقد أنّ ثمّة أكثر من نقطة مهمّة، لم يؤكّد عليها التقرير: اوّلا ، أعتقد انّ الأكثر أهميّة ؛ في هذه المرحلة من الصراع على سوريا، والمنطقة ، ومن أجل خلق وعي سياسي دقيق لطبيعة الصراع ، من أن نعرف ” أية نسبة عددية تسمح بالقول أن مجموعة ما إثنية أو قومية أو دينية هي أقلية” أو من أن نتحدّث عن وجود، أو عدم وجود، معيار ” لتحديد ” أعداد المجموعات القومية في بلد ما”، ولا بالطبع معرفة أنّ “أصل التسمية هو حقل العلوم الإنسانية، وتعبير الأقلية هو تعبير نسبي وليس صفة عضوية ترتبط بمجموعة ما عرقية أو قومية”، وغير ذلك من التفاصيل التي تحدّث عنها التقرير ؛ هو أن نوضّح الفرق بين وجود أقليّة عددية ، إثنية او طائفية على الصعيد الاجتماعي ، او الديني ؛ والتي تشكّلت في ظروف سياق تاريخي محدد ؛ وبين الظروف السياسيّة التي يتمّ فيها إعطاؤها ، بمجموعها الخاص، دوراً سياسياً ، لتصبح ” اقليّة” أو ” أكثريّة ” سياسية ” . بمعنى أنّ عدم شرح طبيعة ” النظام السياسي ” ، والمصالح السياسية لسلطة النظام السائد ، التي تؤدّي ممارساتها في سياسات الحكم ، إلى خلق ، ” أقليات ” وأكثريات ” سياسيّة هي نقطة الضعف الأساسيّة في التقرير؛ إذ لم تكن الإشاره العامّة حول إمكانية ” التمييز بين أقلية-أكثرية مجتمعية وأقلية-أكثرية سياسية، فالأولى لها درجة من الثبات النسبي عبر التاريخ ومجالها هو المجتمع، في حين تشتغل الثانية في الفضاء السياسي وتتغير خلال فترات زمنية، قصيرة عموماً، تختلف وتتنوع حسب الأوضاع السياسية المعنية”،واضحة بما يكفي .
في ظنّي ، الطرح الدقيق يجب ان يوضح الفرق التالي : اذا كان وجود ” الأقليات الدينية او الطائفية او الإثنية / القومية ، كمجموع عددي ، بالمقارنة مع مجموع سكان دولة ما ، هو حالة طبيعية ، بسبب السياق التاريخي لتشكّل تلك الدول ، فإن إعطاء تلك ” المجموعات ” صفة سياسيّة ، تحت مسمّى ” اقليّة ” سياسيّة ” هو استخدام سياسي ، يرتبط بطبيعة السلطة السياسية المسيطرة ، اوّلا ، ويتعلّق ، ثانيا ، بعلاقات تبعيتها البنيويّة لسياسات ومصالح مراكز النظام الرأسمالي العالمي الإمبريالي، بشكل عام ، والولايات المتحدة الأمريكية، بشكل خاص . فإذا كانت الآراء السياسيّة للأفراد ، بغضّ النظر عن طبيعة وشكل علاقات ارتباطهم بالمجموعة المحددة ، هي انعكاس للمصالح الاقتصادية الخاصّة بالافراد انفسهم ، يستحيل ان تتوافق مصالح جميع افراد ” قوميّة ” او ” طائفة ” لكي يربطهم هدف سياسي واحد . ففي المجموعة ذاتها يوجد تناقضات في المصالح بين شرائح اجتماعية مختلفة ، تجعل من تباين مواقفها السياسيّة أمراً حتمياً . ليصبح السؤال الرئيسي: ما هي الغاية السياسيّة من ترويج المصطلح في مفهومه السياسي ، وبأيّة ظروف ؟ اعتقد أنّ ترويج المفهوم ليصبح بديهياً في الوعي السياسي لدى النخب والعامّة يأتي في سياق السعي لتكريس أنظمة ” الديمقراطيات الطائفية ” التي تحاول الولايات المتحدة الأمريكية وشركاؤها في مراكز النظام الرأسمالي العالمي الإمبريالي تعميمها في المنطقة ، في مواجهة ، ولمنع قيام انظمة ديمقراطية وطنية ، وفقا لدستور علماني ، ومن اجل إبقاء شعوب المنطقة ممزقة ، متصارعة ، حول قضايا دينيّة طائفية ، او قوميّة ، وتفشيل مؤسسات الدولة، كأفضل سبل للسيطرة ، بعد إفلاس ” الديكتاتوريات العسكرية ” التي شكّلت طيلة عقود ما بعد الاستقلال النموذج الأفضل لضمان استمرار السيطرة الإمبريالية على المنطقة ، وقسم كبير من دول العالم. لقد بدأ تكريس هذا النهج السياسي للحكم في لبنان ، وفقا لاتفاق الطائف ، وعملت الولايات المتحدة الأمريكية على بنائه ، وحمايته ، في العراق ، ويشكّل الوجه الآخر لسلطات ” الدول الإسلامية ” في السعودية وإيران .
إنّه الشكل الأسوأ لشعوب المنطقة، ودولها ، والأفضل لحماية المصالح والسياسات الأمريكية، وشركائها الإقليميين والمحليين ، رموز هذا النظام ! يؤكّد هذه الرؤية واقع الحال في العراق ولبنان ، وواقع دعم الولايات المتحدة الأمريكية لحروب الثورات المضادة، في مواجهة استحقاقات ديمقراطية وطنية شاملة، منذ نهاية ٢٠١٠ ، خاصّة لوصول ، وسيطرة قوى ” الاسلام السياسي ” ، ويؤكّده أيضا أن يتمّ تكريس المفهوم من قبل ” إعلان الأمم المتحدة لعام 1992 بشأن حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو إثنية وإلى أقليات دينية ولغوية الذي يعتبر المحدد الأساس الذي يوجه أنشطة الأمم المتحدة في هذا المجال، كما جاء في إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الأقليات” . فليست الأمم المتحدة إلّا اداة في تحقيق الاهداف الاستراتيجية للقوى الإمبريالية التي تشغّلها ، وتصرف عليها ، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية. ثانيا ، نقطّة ثانية تستحق التوضيح . إذ أتفق مع الأستاذ العزيز عصام دمشقي حول “إنّ حلّ المشاكل المتنوعة المتعلقة بالأقليات المجتمعية ممكن من خلال دولة المواطنة ومن خلال اعتبار حقوق وحريات المواطن الفرد هي الأساس ” ، أودّ أن اوكّد على أنّ في ” دولة المواطنة ” الخيار الوحيد القادر ، في سياق تاريخي متّصل ، وفي تبنّيه من قبل السوريين ، على التصّدي لمعالجة آثار ،ونتائج ،حلقات الحروب المتتالية،المدمّرة ؛ التي تنتج عن الصراع على السلطة، للوصول اليها، والتشبّث بها؛ بل وإزالة الاسباب الجوهرية التي تصنع الظروف الموضوعيّة، والذاتيّة، المولّدة لكلّ أشكال الصراع بين السوريين ، وكيفيّة منع نشوئها، وتجدّدها ، ” النظام الديمقراطي …الطارد لكل عناصر الإستبداد والتمييز بين السوريين. وهنا أتفق تماما مع الدكتور عارف دليلة عندما يؤكّد ، كما جاء في إحدى ندوات” أمارجي” ، على أنّ الحل الوحيد لمعالجة آثار الواقع المريع ” هو في السير على طريق بناء ” نظام عصري، حديث، يقوم على حسن إستثمار الموارد الماديّة ، والبشريّة ،في موضعها الصحيح”، بما يؤدّي إلى ” بناء قيامة سوريا الجديدة، كدولة حضاريّة، قيام الدولة السورية الجديدة ، الدولة الديمقراطية ، بما هي دولة لكلّ مواطنيها ، لايوجد فيها، حالات عدائيّة بين مواطنيها، لا على أساس القوميّة ، او الإثنيّة ، او الدين ، أو الطائفة، او غير ذلك” .
فإذا كان ” النظام الديمقراطي ” هو طريق ايجاد الحلول لجميع مشاكل السوريين ، وإزالة اسباب المظالم التاريخية ، بأشكالها المختلفة، القومية والاجتماعية والثقافية و السياسيّة التي تعرّضوا لها خلال عهود الاستبداد ” القومي ” المتلاحقة ، عبر ارتكازه على دستور عادل ، فلماذا نشترط مسبّقا ، وقبل الدخول في صيرورة بناء مؤسسات الدولة الديمقراطية الوطنية، أن يكون الإعتراف ب ” قضايا الأقليات القومية” هو المعيار الحقيقي” لجدّية أية قوة سياسية سورية” ! فكيف يمكن للقوى السياسية السوريّة ان تعبّر عن اعترافها ، طالما هي خارج السلطة السياسية ، ولاتملك امكانيات وضع دستور وطني ديمقراطي، ولا ، مؤسسات تنفيذه ؟
عندما يصل الديمقراطيون السوريون الى السلطة ، يصبح من الضروري تبنّي “دستور ديمقراطي ،علماني “، يساوي بين الجميع في الحقوق والواجبات، وعندها ، عندما يتساوى العربي والكردي امام القانون ، وفي الممارسة السياسية، فما هو معنى ان نشترط على العربي الإعتراف بحقوق الكرد ، او العكس ؟! فهل يغيّر كثيرا اذا اعترف ” العرب” اليوم “بالحقوق القومية للأقليات القومية في سورية” طالما انّهم لايملكون سلطة من اجل “حل جميع المشاكل المتعلقة بهذه الأقليات” ، وهل ” الحوار والنقاش ” هو القادر على ذلك ؟
كلّ التحية والتقدير لجهودكم.
نزار بعريني.
الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر صاحبها.