في نقد افكار الدكتور” راتب شعبو” بمقاله حول “التضامن المدني مدخلنا إلى الديموقراطية”
نزار بعريني
على امل اغناء الحوارات التي طرحها العدد الخامس عشر من “ مجلّة قلمون” ، نيسان/ إبريل ٢٠٢١ ، بعنوان، “العقد الاجتماعي للدولة الوطنية السورية“ ، بمناسبة الذكرى السنويّة العاشرة لإنطلاق الثورة السورية، الهادف إلى خلق “فكرة جامعة ، تكون منطلقًا لسلم اجتماعي وسياسي طويل الأمد بين أفراد المجتمع السوري جميعهم وقواه المختلفة”، اوّد أن أحاور بعض أفكار مقترح الباحث، الدكتور راتب شعبو، كما عرضها مقاله” التضامن المدني مدخلنا إلى الديمقراطية “، في المحور الخامس ،” بعض الضمانات الضرورية لحماية العقد الإجتماعي “.
في البداية ، اوّد أنّ أسجّل احترامي وتقديري للجهد الكبير الذي بذله الدكتور المحترم “راتب شعبو ” في كتابة مقاله ، وعلى إنحيازه المبدئي لقيم العدالة والديمقراطية.
أستميح الدكتور راتب العذر في مساجلة بعض أفكار المقال كما تبدو لي ، على أمل أن تساعدنا جميعا في تعميق وعينا السياسي للواقع السوري الراهن ، وسياقه القريب ، وبالتالي معرفة سبل إخراجه من محنته ؛ وهو ، كما أعتقد ، حافزنا جميعا للتفكير والكتابة ، والحوار ، والعمل السياسي والثقافي، أيضا.
أوّلا ،
بعض المفاهيم التي استخدمها الكاتب، والتي قد تخلق تشويش في ذهن القارئء ، في حال عدم التمييز في سياق إستخدامها.
أ- “الديمقراطيّة التمثيلية ” ، بما هي آليات ووسائل عمل مؤسسات وهيئات النظام الديمقراطي، والتي يقوم نهج الحكم فيها على ” التمثيل ” ، او ” الإنابة ” ، عبر صناديق الاقتراع ، في مستوياته السياسية المختلفة، ويشكّل مبدأ تبادل السلطة سلميّا اهمّ مرتكزاتها .
ب- ” الديموقراطيّة المباشرة ” ، البديل التاربخي لنظام الديمقراطيّة التمثيلية “، الذي يقترحه الدكتور راتب ، بما هي الشكل الأرقى ، والأكثر تطوّرا في آليات عمل النظام الديمقراطي، حيث يتمّ استبدال آليات التمثيل الغير مباشرة ، بهيئات المجتمع المدني ، بما يعزز نهج الحكم الديمقراطي ، من خلال النشاط المدني المباشر.
ت- الأداة ، أو السبيل ، بما هي اشكال مختلفة من آليات النشاط المدني ، غير السياسي. (١).
ثانيا ،
من خلال فهمنا الشامل لأفكار المقال ، يمكن تكثيف اهدافه الأساسيّة بما يلي :
في المستوى الاوّل ، هو البحث عن أدة ، سبيل لتحسين أداء وآليات عمل “ الديمقراطيّة التمثيّلية ” في الدول الديمقراطية ، وتحويلها إلى ” ديمقراطية مباشرة ” .
في المستوى الثاني ، هو
البحث ” عن سبيل إلى الديموقراطية” ؛ بمعنى البحث عن ادوات ، وطرق الإنتقال إلى الديمقراطيّة ، حيث تُسيطر سلطات انظمة معاديّة للحريات ، والنضال الديمقراطي، بما يخلق بيئة طاردة لجميع أشكال النشاط المدني المستقلّ عن اهداف السلطة ، كما هو الحال في سوريا .
لقد رسمت تفاصيل المقال رؤية دقيقية حول طبيعة أداة تحقيق الهدفين ، وسبل عملها :
الأداة ، و السبيل ، الذي يتمحور حوله المقال هي
شكل من أشكال التنظيم المدني ، وعبر إنشاء ” فاعلية مدنية”، يناضل نشطاؤها المدنيون من أجل تحقيق مجموعة أهداف؛ تتدرّج في مستويات أهميّتها ، وظروف عملها ، بين المستويين السابقين :
في المستوى الأوّل ، يهدف النشاط المدني ، ويناضل من اجل
“الحدّ من سيطرة النخب السياسية على المجال العام”، وتشذيب آليات عمل ، ومؤسسات “نظام الديمقراطيّة التمثيلية” ، وتحويلها إلى ” ديمقراطيّة مباشرة “(،أوروبّا الديمقراطيّة !)؛
وفي المستوى الثاني،
النضال المدني ، “غيّر المسيّس” من أجل مواجهة الإستبداد على مستويات منخفضة” “وبما يجعل منها” مدخل إلى الديمقراطية “وسبيل انتقال” إلى النظام الديمقراطي ، في ظل سيطرة أنظمة إستبداد ، معادية للديمقراطية .
ثالثا ،
اوّد أن اكثّف تسلسل افكار المقال ، كما يطرحها الدكتور راتب :
١- لاتتوفّر في سوريا عوامل بناء نظام ديمقراطي تمثيلي ، ولا يملك السوريون وسائل بناؤه ، وهو ما يدفعنا الى البحث عن سبل بناء “ ديمقراطيّة مباشرة ” ، دون الحاجة لعبور مرحلة ” الديمقراطيّة التمثيليّة ” ، وفي تجاوز لعيوبها؛ وهو الهدف الأساسي للمقال ؟
٢- من واجب النخب السياسية والثقافية السورية أن تركّز جهدها على بناء
أداة ، وسبيل الأنتقال الى الديمقراطيّة المباشرة ، والتي يجسّدها ” النشاط المدني ” ؛ بما يجعل منها ” سبيل ” و ” مدخل ” للديمقراطية.
٣- عوضا عن التركيز على أهداف النضال السياسي ، وبوسائل تبدأ من الأعلى ، لتفكيك ادوات سلطة الإستبداد ، والإنتقال الى مرحلة ” الديمقراطيّة التمثيلية “، يجب العمل مباشرة ، بغضّ النظر عن وجود سلطة نظام الإستبداد وسياسياته المعاديّة للتغيير الديمقراطي، على بناء النشاط المدني ، ليكون اداة ، ومدخل لبناء نظام ” الديمقراطيّة المباشرة “!
رابعا ،
من نافل القول أنّه لا خلاف مع هذا الهدف الذي يطرحه المقال لتعزيز آليات عمل ” الديمقراطيّة التمثيليّة ” ولا مع أداة تحقيقه ، التي تتمحور حول فكرة ” إنشاء فاعليّة مدنيّة “؛ طالما أنّ القضيّة تتعلّق بالدول ” الديمقراطيّة ” التي نجحت شعوبها في الإنتقال إلى مرحلة بناء مؤسسات الدولة الديمقراطية ” التمثيليّة ، وتسعى دائما لتحسين أدائها ، بما يتوافق مع متطلّبات الحياة ، ومقتضيات التطوّر، الغير محدودة . هنا يكتسب الحديث عن وسيلة “ النشاط والتضامن المدني” ؛ في كونها أداة لتحسين أداء ” الديمقراطيّة التمثيلية“؛ في دول الديمقراطيات القائمة ، مشروعية موضوعيّة وهو ، في الواقع ، طرح عملي ، قد يشكّل إحدى اهم ادوات تطوير ” الديمقراطيات التمثيلية ” في اوروبا و الولايات المتحدة الأمريكية ، التي أظهرت ” الترامبيّة ” مؤخّرا درجة الإفلاس التاريخي التي وصلت إليها!
الخلاف الأساسي مع الافكار التي يطرحها الدكتور راتب تتعلّق بالمستوى الثاني ، وتتمحوّر حول ثلاث نقاط رئيسيّة :
الأوّلى ،
تربط بموضوعيّة الفكرة التي يطرحها حول كون ” النشاط المدني ” أداة ،
ومدخل ، للانتقال من نظام الاستبداد ، إلى ” النظام الديمقراطي ” ؛ بشكل مستقل عن وسائل وادوات النضال السياسي الديمقراطي المعروفة، أوّلا ، وفي مواجهة ” غير سياسية ” مع وسائل وادوات سلطة نظام الإستبداد القائمة، ثانيا .
الثانيّة ،
ترتبط بما يسوقه الكاتب من أسباب تفتقد إلى الدقّة الموضوعيّة ، في محاولته للتأكيد على فكرة أنّ ” الديمقراطية التمثيليّة ” ،ليست الحلّ للحالة السوريّة ، وشعوب المنطقة، ( هل الديمقراطية هي الحل )، تصل بالتحليل الى الاستنتاج ليس فقط بعجز السوريين ، تاريخيّا وراهنا ، عن تأسيس وبناء نظام الديمقراطيّة التمثيلية، بل وبعدم صلاحية هذا الشكل من النظام الديمقراطي للحالة السوريّة ؛ وهو ما يبدو ، في المحصلة ، تبرير غير مباشر لظروف إستمرار الوضع الحالي، بغضّ النظر عن هدف الكاتب!
عمليا ، يحمل طرح الدكتور حول إمكانية أن يكون ” النشاط المدني ” مدخل السوريين لبناء الديمقراطية المباشرة ، أكثر من تناقض !
نقطة التناقض الأولى :
كيف تستطيع شعوب وصلت فيها حالة الفشل المزمن إلى عجز بنيوي عن بناء ” ديمقراطيّة تمثيليّة“ ، أن تقفز إلى مرحلة ” بناء ديمقراطيّة مباشرة ” ،بما تمثّله من مرحلة تطوّر تاريخيّة أرقى ، يحتاج الوصول إليها تراكمات طويّلة ، ما تزال بعض دول ” العالم الديمقراطي ” تتعثّر في مسارها ؛ كما يؤكّد الكاتب في طرح ” النشاط المدني ” كأداة لتحسين آليات عمل ” الديمقراطية التمثيليّة “!
نقطة تناقض ثانية :
اذ يمكن للنشاط المدني أن يكون اداة لتطوير الديمقراطية التمثيلية إلى مباشرة ، في ظل نظام ديمقراطي ، فهل يمكن له ان يكون ” مدخل ” للإنتقال من حالة الاستبداد ، إلى حالة الديمقراطيّة المباشرة؟
هل يملك نشاط العمل المدني ما يكفي من القدرة الإنتقال حتّى إلى ” الديمقراطيّة التمثيلية “، في ظلّ هيمنة سلطات الإستبداد القائمة ؟!
نقطة تناقض ثالثة ،
تشكّل موضع خلاف جوهري ، ترتبط مباشرة بما قدّمه الصديق العزيز في سياق التحليل من قراءة غير موضوعية لأسباب هزيمة أهداف المشروع الديمقراطي لشعوب المنطقة ،التي تحمّل الشعوب، وعجزها التاريخي المسؤولية ، وتتجاهل وسائل وأدوات قوى الثورة المضادة لتفشيل سبل وقوى التغيير الديمقراطي ،في أعقاب تمردات ” الربيع العربي” !
داخل هذا الإطار العام ، وفي محاولة لتوضيح صحّة ما وصلت إليه من إستنتاجات ، أحاول تناول أفكار المقال بالنقد ؛ مع الإشارة ، والإعتذار ، لعدم إتساع مقالي الحالي لعرض نقاط مضيئة ، جديدة ، تظهر قدرة الكاتب على الإبداع ، وإدراكه للأهميّة العملية والسياسيّة لتطوير ثقافتنا النضاليّة ، ووعينا السياسي الديمقراطي؛ وهو ما نكنّ له كلّ الإحترام والتقدير .
أوّلا ،
١- المسألة الأولى تتعلّق بواقعية طرح “سبيل النشاط المدني” ك”مدخل” للديمقراطيّة ” و إمكانيات تحققه ؛ عندما يتعلّق الهدف والوسيلة بدول ما تزال خارج سياق صيرورات التطور الديمقراطي، حتّى في أدنى أشكاله ، تعيش ظروفا معقّدة ، تجعل من إمكانيّة حدوث تغيير ديمقراطي مسألة تتجاوز حدود المحلّي ،و ترتبط بشباك مصالح أشمل ، يتداخل في حياكتها المحلّي والإقليمي والدولي ، لتلتقي حول هدف منع قيام أنظمة ديمقراطية.(٢).
كما أرى ، لايملك طرح الدكتور مقومات النجاح الموضوعيّة ، في ظل هيمنة سلطات أنظمة استبداد إقليمية ومحليّة ” ، تستقوي على شعوبها، ليس فقط بأدوات سيطرتها الطبقيّة الخاصّة ،المنفلتة من ايّ ضوابط رادعة ، قانونيّة او أخلاقيّة، بل ، علاوة على ذلك، بشبكات وآليات سيطرة ونهب متعددة الأشكال والصعد ؛ وهو ما تتجاوز القدرة على مواجهته إمكانيات الشعوب المحليّة ؛ بشكل منفرد ، خاصّة في ظلّ بيئة أمنية إستبداديّة تحول دون قيام “عامل ذاتي ثوري” ، جذري ؛ ناهيكم عن قدرة ” النشاط المدني المستقل على الحياة !
يقول الكاتب ، في سياق تحديد طبيعة ” السبيل ” ، و أهدافه .
“ما سبق يفترض النظر بعين جديدة للبحث عن مقاربة نضالية ، تعيد التوازن بين المجتمع والدولة، وتفكك أو تضعف قيود الاستبداد الراسخة والمزمنة فيه. ”
ما هي “ المقاربة النضاليّة ” التي تملك تلك القدرة ،الخارقة على ” تفكيك وإضعاف قيود الإستبداد الراسخة ” ، وفي ” نشوء وإستمرار نظام ديمقراطي “؟
إنّها،
” التضامن المدني،
الاشتباك مع الطغيان على مستويات منخفضة ”
” … المشاركة المباشرة للناس على مختلف مستويات حياتهم اليومية،…”
في الواقع ، كلّ ما يسوقه الكاتب من حجج للتأكيّد على الخصائص التي تميّز النشاط المدني،وفاعليّة آليات عمله ، تجعل من قيامه شبه استحالة !
“النشاط المدني الذي يخلق شبكة حماية للأفراد في وجه الدولة، هو نشاط مواجهة مع السلطة”
أ- إذن ، النشاط المدني ، هو من جهة أولى “، في مواجه مع سلطة الاستبداد ،وهو ، من جهة ثانية ، منفصل عن” أدوات النضال السياسي الديمقراطي” التقليديّة ، كونه ” لا يستهدف الوصول إلى السلطة، ولا تعنيه أيديولوجيا السلطة ولا لونها ولا من يشغلها”؛ وغير معني” بالتعددية السياسية” ، مثلاً، ولا ينشغل بشرعية أو نقص شرعية السلطة السياسية القائمة؟
فهل يعتقد الكاتب أنّ السلطة يمكن أن ” تغضّ النظر عن نشاط في مواجهة معها ، لأنّه لايستهدف سلطتها ؟ وكيف لها أنّ تتأكّد من ” حسن نوايا ” هذا النشاط ضدّها ؟
ب-” يحتاج النشاط المدني إلى نخب مدنية ترى أهمية
هذا النشاط وأهمية ابتعاده عن الارتباط السياسي، سواء من ناحية الصلة بالأحزاب أو التشكيلات السياسية القائمة، أو من حيث التلوث بالميل الحزبي الذي يعني السعي إلى السلطة.”
كما هو واضح ، ينبغي على هذا النشاط المدني ، أن يقطع صلاته بوسائل و أدوات النضال السياسي الديمقراطي المعارضة ، وميولها السياسيّة ، السلطويّة !
ت- علاقة النشاط المدني بالنخب المعارضة ، وضرورة بقائه مستقلّا عنها ، ليس فقط لأنها
،” حين تشير إلى مصاعب الناس وحاجاتهم ومعاناتهم، فإنها تتوسل ذلك لغاية سياسية، أي إنها لا تفعل ذلك لإرغام السلطة على تذليل الصعوبات وتلبية الحاجات ورفع المعاناة” ، بل ولأنّها غير صادقة ، ولا ” تريد لذلك أن يتم فتسقط، من يدها وسيلة تحريض “سياسي”.
ث- ما هي آليات عمل ” النشاط المدني ” ؟
كنّا نتمنى على الكاتب أن يوضّح لنا آليات عمل ” النشاط المدني ” و أدواته النضالية لتحقيق أهدافه
المتعددة المستويات .
هل يستخدم ” النشاط المدني “وسائل ” النضال السلبي “، التي عرفتها تجارب الشعوب ، في نضالها من أجل تحسين ظروف حياتها ، و ” تلطيف ” وسائل النهب ، كالتظاهر ، او الإضراب، أو البيانات …؟
أم هل يكفي تبادل إحساس التضامن بين ” المُضطَهَدين ” لإقناع السلطات بإظهار الرحمة ؟
أم يكفي هذا” النشاط المدني” قوّة أنّه يستخدم ظاهرة الفساد” …. كموضوع نضال مستقلّ “؟!!
من المفيد الإشارة هنا إلى تجاهل للفرق بين ظاهرة الفساد في ظل” الأنظمة الديمقراطية ” و ” الأنظمة الديكتاتورية “، وضرورة التمييز بين طبيعتيهما وآليات مكافحتهما في كلا الحالتين ؟
يقول الدكتور راتب: “…..الفساد في سورية،….، من الطبيعي أن يدفع النخب بالأحرى إلى جعله موضوع نضال مستقل، دون تأجيله بدعوى ارتباطه “العضوي” بالنظام السياسي”!
اذا كان يرى بإمكانية معالجة اسباب الفساد في سوريا خارج سياق السياسة ، فبماذا يختلف عن الطرح الرسمي ؟ ألّا يدّعون بأنّهم يحتلّون موقعا متقدّما في سلّم الدول التي تكافح الفساد ، و أنّ القضاء السوري يعالج آلاف القضايا المرتبطة به ؟!
هل يمكن فصل آليات مكافحة الفساد في سوريا ، مثلا ، بمعزل عن إصلاح نهج الحكم السياسي ؟
في خلاصة القول، ما يبدو غير واقعي في خصائص وآليات عمل ” النشاط المدني “، وبجعل منه أداة غير ناجعة ، هو ما يطرحه المفكّر الدكتور راتب
” أمام ” النشاط المدني” من “ مهام ذات طابع سياسي ؛ كتفكيك الاستبداد ،و تحقيق التوازن بين الدولة والمجتمع ، وفي كونه ” مدخل إلى الديمقراطية ،في مواجهة مع سلطات الاستبداد ؛ بوسائل غير سياسيّة ؛كا انفصاله عن النشاط السياسي الديمقراطي المعارض ، وادواته ونخبه واحزابه وإيدولوجياته؛ بما يجعلنا نشكك بواقعيّة هذا الطرح ، وإمكانيات قيامه!
٢- يؤكّد شكوكنا، لوجود ما يشبه الإستحالة في أن تكون “ الفاعلية المدنية ، “مدخلا ” ، أو أداة مناسبة لحدوث تغيير ديمقراطي ، تساؤل الكاتب :
“هل يمكن بناء شبكة حماية مدنية في ظل نظام يمنع أي نشاط مستقل؟ وكيف ومن أين يمكن البدء؟ وما علاقة هذا النوع من النشاط مع النشاط السياسي المعارض؟ ”
يُعطي الدكتور راتب الجواب في سياق بحثه :
” دائماً كانت تمتلئ سجون نظام الأسد، مثلاً، بأشخاص عبّروا عن تذمرهم من أشياء فرعية، من ارتفاع الأسعار أو من الفساد أو من التشبيح. فالسلطة ترى في أي رفض فردي أو أي تذمر من تجاوز أو خلل أو صعوبة ما في الحياة اليومية، رفضاً لها وتذمراً منها، وتعالج الأمر على أنه كذلك، وتزج بالمتذمرين في السجون” .
عوضا عن إعطاء جواب واضح بعدم إمكانية سبيل ” “النشاط المدني” تحقيق الحدّ الأدنى من أهدافه ، كشبكة حماية مدنيّة ، في ظل نظام يمنع اي نشاط مستقل “، وعلى جميع الصعد والمستويات، والوصول إلى الاستنتاج الصحيح بعدم فاعليّة هكذا أداة لتحقيق أهداف سياسيّة كبرى ؛
يحتاج إنجازها إلى أدوات نضال سياسي شامل ، بتراط ، ويتكامل ،مع كلّ أشكال” النشاط المدني” ؛ دخل الكاتبُ في شروحات نظرية ، تبالغ في قدرات ” النشاط المدني “، وتدفع القارىء للوصول إلى استنتاج مختلف ، ليس بعدم صلاحيتها، كأداة ، في ظلّ المرحلة الراهنة، بل بعجز شعوب ونخب المنطقة عن إحداث تغيير ديمقراطي !
لنتابع :
ثانيا ،
يتساءل الدكتور :
“هل الديمقراطيّة هي الحل ؟ ”
١- تقتضي الدقّة ، والمصداقيّة التوضيح أنّ ”
الديموقراطيّة ” التي لايجدها الدكتور مناسبة ، أو يعتقد أنّها أصبحت تحتاج إلى تحديث ، هي الديموقراطية بشكلها” التمثيلي” ، التي فصّل في عدم أهليتها في فرنسا ، وفشل شعوب وأنظمة ونخب المنطقة في بنائها ، ليس فقط خلال ثورات الربيع العربي، بل وفي سياق تاريخي متّصل ، يمتد إلى بدايات الاستقلال السياسي :
▪︎” تدور فكرة الديموقراطية، كما يبدو في المشهد السياسي الحالي، حول الانتخابات وصناديق الاقتراع. ويمني الديموقراطيون أنفسهم بأن اعتماد الانتخابات لإنتاج السلطة السياسية، سوف يكون بداية لتعميق المشاركة والمبدأ الديموقراطي في مفاصل المجتمع “.
يطرح الدكتور حججا عديدة ، للتأكيد على صحّة استنتاجه، بعدم صلاحيّة ” الديمقراطيّة التمثيلية :
▪︎” لم يكن إذن جان جاك روسو متحمساً للديموقراطية التمثيلية، ولم يكن بعيداً عن فكرة الديموقراطية المباشرة التي تحقق التوازن بين المجتمع وسلطة الدولة، ليس عن طريق التعددية الحزبية والانتخابات وحرية الإعلام ” .
▪︎” الديموقراطية التمثيلية وتداول السلطة وغياب الديكتاتور الفرد، لم يكن سبيلاً إلى تحرير المجتمع
من الفساد والقمع ولا إلى تعزيز الاجتماع الوطني. “
٢- في نفس الإطار ، “، يستشهد بما حدث في “مصر ” في أعقاب الإطاحة برأس السلطة :
“بهذا المعنى شهدنا تجربة ديمقراطية في مصر بعد ثورة يناير 2011، انتهت إلى عودة الديكتاتورية العسكرية بأسوأ مما كانت عليه قبل الثورة.”
” هشاشة الديموقراطية المصرية القصيرة الأمد ……جاءت من كونها كانت أقرب إلى المعنى
الفعلي للديموقراطية.”!!
ثمّ يتابع بعرض ما يقدّمه الواقع من أمثلة ، تثبت وجهة نظره:
“كما أننا نشهد منذ سنين تجربة ديموقراطية انتخابية في لبنان والعراق. في كلا البلدين تقوم الديموقراطية على تقاسم طائفي تعزّزه أحزاب طائفية”… !!
٣- إنّ البديل الذي يطرحه الدكتور ، كما نفهم من خلال أفكار المقال ، هو “ الديموقراطيّة المباشرة ” ، التي أصبحت ضرورة موضوعيّة ، مصيريّة ، في دول” الديمقراطيات العريقة “!
ما هي آليات عمل الديموقرطيّة المباشرة ؟
هنا تتقاطع رؤية الدكتور مع آليات النشاط المدني:
“… عن طريق المشاركة المباشرة للناس في تقرير شؤونها الحياتية، هذه الشؤون التي لا تفوض أو تناب إلى أي سلطة” !
ثالثا ،
مع كامل الاتفاق حول ” عيوب الديمقراطيّة التمثيلية “( وشكلها الطائفي المدمّر، خاصّة ، الذي يعملون على تعميمه في المنطقة )، وما كشفته سياقات قيامها من عجز في تحقيق مبادىء الحريّة والعدالة والمساواة ، ليس فقط على صعيد” أوطانها ” فحسب ، بل وفي دول العالم ، بما جرّته ممارسات سلطاتها السياسية الإمبرياليّة من ويلات وحروب ، كلّفت البشرية أثمانا باهظة ، ما يزال يدفع السوريون بعض فواتيرها حتّى اللحظة ، أجد من الضرورة تقديم الملاحظات التالية، من خلال بعض التساؤلات :
أ- طالما أنّ الهمّ الأساسي للمقال هو البحث عن” سبل إلى الديمقراطية ” ،
▪︎فهل يمكن تحقيق الانتقال السياسي إلى نظام الديمقراطية المباشرة ” عبر الوسيلة التي يطرحها المقال،”النشاط المدني”، في ظروف سوريا السياسيّة الراهنة ، وفي تجاوز لقيام آليات ” مرحلة ” الديمقراطيّة التمثيلية ” ؟ ( دستور يساوي بين السوريين في الحقوق والواجبات ، وفصل بين السلطات ، و ” التبادل السلمي للسلطة “)
▪︎اذا كانت قدّ تكشّفت عيوب ” الديمقراطية التمثيلية “في “فرنسا ” بعد مرور حقب زمنية طويلة على بدء تجربة بناء النظام الديمقراطي ،ألا يدلل ذلك إلى الطبيعة التراكميّة لصيرورة بناء ” الديمقراطيّة المباشرة” ؟
بناءا عليه، مالذي يمنع من أن نبدأ بأقل اشكال الديمقراطية فاعلية ( تبادل سلمي للسلطة )، لنعمل على تطويرها ، بجميع الوسائل الممكنة، ومنها ” النشاط المدني “؟
▪︎هل تشكّل عيوب ” الديمقراطيّة التمثيلية “العامة مبررا لرفضها في حالتنا الخاصّ ؟
ألا تمثّل بالنسبة للوضع السوري الراهن خطوة تاريخية عظيمة إلى الأمام ؟
▪︎ألا يكفي الديمقراطية ، بأسوأ أشكالها ، فخرا أنّها تشرعن التبادل السلمي للسلطة، وتمنع الحروب التدميريّة للوصول اليها والإحتفاظ بها ؟
▪︎ألا تدلل تجربتنا السوريّة الخاصّة ،في ربيع ٢٠١١، أنّه كان يمكن لحدوث انتقال السلطة الى نائب الرئيس، وفقا لخطّة السلام العربيّة ، أن يمنع استمرار الخيار العسكري الطائفي، وما نتج عنه من ويلات ، وكوارث ؟
▪︎اذا كنت تعتقد بإمكانية تطوير الديمقراطية التمثيلية الى مباشرة ، في اوروبا ، فكيف تتجاهل ما تفرضه متطلّبات التطوّر التاريخي التراكمي الكمّي لشعوبنا ، بما يجعل من البدأ ببناء شكل ما من أشكال الديمقراطيّة التمثيلية ( يحدده طبيعة موازين القوى )، خطوة تاريخية إلى الأمام ؛ ليحتلّ هدف تطويرها ، وتحسين إداء آلياته، االأولوليّة في جدول أعمال القوى السياسية الديمقراطية الوطنية ؟
ب- هل حقّا كان سبب فشل تمرّدات الربيع العربي هو العجز المزمن لشعوب المنطقة، أم هناك أسباب أخرى ، أكثر جوهريّة ؟
أعتقد أنّ استعانة الكاتب بالتجربة المصرية ” الفاشلة “، لتدعيم وجهة نظره الرافضة” للديمقراطيّة التمثيلّية “، غير موفّقة بتاتا لما تحمله من تجاهل لطبيعة احداث السياق التاريخي التي صنعت الحدث” الديموقراطي ” المصري ؛ وهو ما ينطبق تماما على قراءته لطبيعة لأنظمة” الديمقراطية الطائفية” في العراق ولبنان !
بغض النظر عن النوايا الحسنة ، والمقاصد المختلفة ، ففي محاولة الدكتور لإثبات أنّ “الديمقراطيّة التمثيليّة” ليست هي الحلّ يقدّم قراءة مجتزأة ، غير موضوعية لأسباب ” فشل تجارب “ثورات الربيع العربي” الديمقراطيّة .
ضمن هذا الإطار ، يضع فشل الشعوب في ثورات الربيع العربي في سياق تاريخي متّصل، يعود إلى سنوات الاستقلال الأولى ، بما يوحي بأنّه
كان من الطبيعي أن تصل ” ثورات الربيع العربي ” إلى ما وصلت اليه ، بسبب ذاك الفشل المتأصّل؛ وهو
ما يمكن أن نستنتجه من ربط الدكتور لثورات الربيع العربي بتجارب الشعوب التاريخية طيلة سنوات ما بعد الاستقلال، وهي بتقديري رؤية قاصرة ، لاتأخذ بعين الأعتبار ترابط عوامل عديدة ، شكّلت التدخّلات الإقليميّة والإمبريالية أكثرها حسما !!
رابعا ،
في العودة إلى سياق الصراع السياسي الذي فجّره في سوريا حراك شعبي سلمي ، مطلبي ، ديمقراطي ، هل من الموضوعيّة انّ نحمّل السوريين ، عامّة ، أو المنخرطين مباشرة في الحراك ، المسؤولية الوحيدة لتحوّل الحراك الشعبي السلمي إلى عنف طائفي مسلّح؛ وهو ما أدّى إلى هزيمة أهداف التغيير الديمقراطي ؟
اذا غضينا النظر عن مسؤولية سلطة النظام المباشرة ، هل يحقُّ للباحث الموضوعي أن يتجاهل ما قدّمته الدول الإقليمية من جهد لإنجاح خيار العسكرة والتطييف والميلشة؟ حتّى النظام لاينكره جزئيا ، عندما يحمّل إحدى محاوره ، السعودية وتركيا وغيرها، مسؤولية دعم ” الإرهاب ” !!
يتابع الدكتور :
” أمامنا اليوم تجربة جديدة تقول إن الثورات الشعبية، السلمية وغير السلمية، فشلت في تحقيق ما تصبو إليه من انتقال سياسي ديموقراطي، بما
فيها المجتمعات التي لم تصل فيها الثورة إلى العسكرة، واستطاعت أن تسقط طاغيتها سلمياً، مثل مصر، وأن تجري انتخابات رئاسية فعلية، ولكن دون أن تستطيع، مع ذلك، حماية هذا التحول وترسيخه، وارتدّت إلى حال أسوأ من الحال الذي انطلقت منه” .
أمّا “أسباب الفشل” ، من وجهة نظر الكاتب، فهي ”
” التراجع المزمن لعموم الناس عن الانخراط في المجال العام، بفعل غياب فكرة المشاركة … وبفعل انشغال النخب بالهم السياسي بمعناه المباشر (السعي إلى السلطة السياسية)” .
هل حقّا كانت تلك أسباب الفشل(٤) ، وهذه حالة ” الشعوب المتمرّدة، في بدايات وخلال “ثورات” الربيع العربي؟
ربّما كانت هي حال الشعوب طيلة عقود ما قبل النهوض الثوري ، كما فصّل في أسبابها الدكتور راتب .
لقد تغيّر الواقع جذريّا!!
فقد أخرجت ألسنة اللهب التي التهمت جسد الراحل ” البوعزيزي ” الشعوب من سلبيتها ، على شكل حلقات تتسع بأطراد ، ودفعتها إلى ساحات
النضال ، في مدن وساحات وشوارع الاعتصام والتظاهر ، تتعلّم في مدرسة الثورة كيف تنخرط في المجال العام ، و كيف تمتلك الوعي السياسي للصراع !
▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎
(١) –
يقول الدكتور راتب ، لتوضيح طبيعة الأداة ، وأهدافها :
” بناء شبكة حماية مدنية تطال كل جوانب التعدّي الممكنة على شروط حياة الأفراد هو النشاط الذي يتطلبه مجتمعنا، وهو المجال الذي يقترب من فكرة الديموقراطية المباشرة التي تلتفت إليها الشعوب الأوروبية اليوم وهي تتلمس حدود الديموقراطية التمثيلية وتبحث عن سبل المشاركة المباشرة).
(٢)-يتحدّث المفكّر اللبناني الفرنسي، جلبير الأشقر، في كتابه “ الشعب يُريد –
عن ما يوضّح حجم العقبات التي تواجهها سبل التغيير الديمقراطي في المنطقة ، وسوريا ، وبما يكشف عدم موضوعيّة ” السبيل” الذي يطرحه الدكتور راتب، بالمقارنة :
“الواقع أنّ العراقيل التي يتعيّن على سكّان الفضاء الناطق باللغة العربية تجاوزها لكي يفرضوا في بلدانهم المكاسب الديمقراطية التي تحققت في بلدان أخرى تقطنها غالبية من المسلمين مثل اندونيسيا وتركيا والسنغال لهي عراقيل بالغة الضخامة ، لاتقتصر على سيطرة الدول الريعيّة في المنطقة العربية، لكنّها تشمل ايضا دعم القوى العظمى العالمية للنظم الإستبداديّة في هذه المنطقة ، وبوجه الخصوص الدعم المقدّم لهذه النظم من قبل دول تدّعي أنّها نماذج للديمقراطية وحقوق الإنسان. لذا فخلف ” الإستثناء الإستبدادي العربي “، كان يكمن إستثناء غربي مؤيّد للإستبداد “.
فبينما دفعت نهاية الحرب الباردة الحكومات الغربية للنّأي بنفسها عن الدعم المقدّم لنظم ” سلطويّة “، وهو الدعم الذي كان مبررا بأيام مكافحة النظم الشموليّة الشيوعيّة ، حرصت تلك الحكومات على أن لاتشمل دعواتها لإحترام الديمقراطية و حقوق الانسان المنطقة العربيّة ، اللهمّ إلّا بطريقة شكليّة ، وبصوت خافت “!
(٣)-
دعونا نقارن قراءة الدكتور راتب في عوامل فشل ” ثورات الربيع العربي ” ، مع ما قدّمه رفيق نضاله السياسي في تجربة ” حزب العمل الشيوعي ” المتميّزه ، الراحل “ سلامه كيله“:
《” فعَّلت الثورات في تونس ومصر الحراك السوري، الذي تعاطف معها، ومن ثم السعي لصنع ثورة. وساعد ما حدث في درعا، من عنف في مواجهة مطالب شعبية، على أن تنفجر الثورة. لكن هذه الثورات فعَّلت أيضاً عنف النظام السوري ….
كذلك استثارت الثورات أيضاً نظماً إقليمية، بدرجات متفاوتة القوة، فأصبحت تلك النظم معنية بوقف هذا الزحف المخيف، الذي يتضخّم يوماً بعد يوم.
وكذلك استثارت النظم الرأسماليةَ،… التي كان عليها أن تنشط من أجل إخماد تلك الثورات بكل الأشكال الممكنة.
كل ذلك كان يعني التوافق مع النظام علناً أو سراً، والشغل على تشويه الثورة عبر تحويلها إلى صراعات «طائفية»، و«حرب أهلية»، ونزاع مسلح». ومن ثم الانتقال إلى «الحرب ضد الإرهاب» بعد تسريب مجموعات من تنظيم القاعدة وتشكيل داعش.
كل تلك النظم، من النظام السوري والدول الإقليمية والإمبريالية الأميركية عملت على ذلك بتناسق كامل. فالأهم كان تدمير الثورة، وتحويلها إلى مجزرة تكون مثالاً لشعوب العالم التي تتحفز للثورة كي تتردد ولا تجرؤ على التحرك.》.
(٤)-
في مصر ، كما في جميع دول” ثورات الربيع العربي”، وفي مواجهة حراك الشعوب السلمي ، ومن اجل قطع طرق انتقال للسلطة ، قد يفتح الباب أمام بدء صيرورة بناء مؤسسات الدولة الديمقراطية ، لجأت قوى الثورة المضادة، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية،وشركائها الإقليميين والمحليين، إلى سبيلين رئيسيين، وبأدوات “الإسلام السياسي ” ، الأخواني ، والجهادي !
أ- التضحية برأس السلطة السياسية، لضرب اكثر من عصفور بحجر واحدة؛
الحفاظ على أركان النظام الرأسمالي التابع ، وتفتيت شارع الثورة ، وجمهورها ونخبها ، وخلق حالة من “الاسترخاء الثوري “، من خلال دفع الناس للإعتقاد أنّهم ، بتغيير الرأس ، قد حققوا أهداف التغيير التي تمرّدوا من أجل تحقيقها .
فلم يكن الذهاب في تغيير” ديمقراطي شكلي ” ، عبر ” احزاب وقوى الإسلام السياسي ” ، ودخول” الأخوان” المشهد السياسي من أوسع أبوابه” الديمقراطية” ، تحت سلطة الجيش ، وبرعايته ، في سياق تطوّر تاريخي ، طبيعي ، كي نحكم من خلالها على فاعليّة ، أو عدم فاعلية ” النموذج “، أليس كذلك؟ !
ب- الدفع بالحراك السلمي على مسارات العنف الطائفي والميلشة.
في نفس الإطار، طبيعة المسارات التي أخذتها لاحقا تمرّدات الشعوب وحراكها السلمي ، لم يكن بسبب طبيعة الشعوب ذاتها ، في كون بعضها ” سلمي ” والآخر “غير سلمي” ، فجميعها كانت سلميّة ، خاصّة في سوريا واليمن .
أعتقد أنّ اهمّ العوامل التي دفعت حراك الشعوب السلمي على مسارات العنف الطائفي والميلشة ترتبط أساسا برؤى ، وخيارات سلطات أنظمة الاستبداد المحليّة ، اوّلا ،وشركائها، الإقليميين والدوليين ، ثانيا ، وما وجدته بخيار العسكرة والتطييف من أفضل سبل لمواجهة حراك الشعوب، ومنعها من تحقيق أهداف التغيير الديمقراطي.
فالتغيير في قمّة هرم السلطة السياسية، الذي حدث في تونس ومصر ، لم يكن انتقالا سياسيا شاملا ، وفي سياق مرحلة انتقالية ، تعود فيه السلطة إلى هيئة حكم انتقالية ، حياديّة تجاه القوى السياسية الفاعلة ، تتيح للأفضل والاكثر قوّة شعبية الوصول الى السلطة الجديدة . ما حدث أبقى أجهزة وأدوات سلطات النظام في قبضة اركان النظام العسكرية ، المرتبطة مباشرة بالولايات المتحدة الأمريكية ، التي عملت على دفع ” الاسلام السياسي ” الى الواجهة ، في مواجهة وعلى حساب القوى السياسية الديمقراطية ، واليساريّة . لم يكن هذا خيارا ، وفعلا محلّيا فقط ، بل مثّل أيضا خيارا أمريكيا بالدرجة الأولى، سعت الولايات المتحدة الأمريكية بكل ما تملكه من وسائل لإنجاحه.
في الحالة العراقية ، لاينبغي أيضا أن نتناسى أنها لم تكن تعبيرا عن إرادة الشعب العراقي الحرّة ، وأنها قد فُرضت من قبل العدوين الأساسيين لمستقبل العراق الديمقراطي ؛ الولايات المتحدة الأمريكية والنظام الايراني ، وهو ما لايختلف عن الظروف التاريخية لقيام النظام الديمقراطي الطائفي في لبنان ، خاصّة في محطّة اتفاق الطائف ، ١٩٨٩!
فهل يتحمّل النموذج الديمقراطي ” او الشعوب مسؤولية هذا الشكل من ” الدمقرطة ” الذي تصنعه قوى الإحتلال لتحقيق اهدافها ، على حساب مصالح الشعوب ، ودماء أبنائها ، ومقومات السيادة الوطنية؟!
هل من الموضوعيّة أنّ نحمّل الشعب المصري، أو غيره، والديمقراطيّة، المسؤولية؟!
الآراء الواردة بالمقال تعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة أن تعبر عن رأي الموقع