عن التضامن المدني – ردود على نقد المادة
راتب شعبو
رداً على نقد الاستاذ نزار بعريني
فرصة لتوضيح إساءات فهم ممكنة لمقالي عن التضامن المدني
في مقال نشره على موقع تيار مواطنة، ينتقد الأستاذ نزار بعريني، مشكوراً، الأفكار التي يتضمنها مقالي المنشور في العدد الخامس عشر من مجلة قلمون الصادر في 30 نيسان/أبريل 2021، بعنوان (التضامن المدني مدخلنا إلى الديموقراطية). سوف أناقش فيما يلي نقد الأستاذ بعريني لمقالي، وهي فرصة لتوضيح بعض إساءات الفهم المشروعة والتي أتقاسم مسؤوليتها مع ناقدي، أنا من حيث أنني قصرت في التشديد على ما كان يبدو لي مسلما به ولا يحتاج إلى تشديد، وهو من حيث أنه استسهل “سوء الفهم” والوصول إلى نتائج “نقدية” غير ناضجة المستندات.
هي فرصة لأن ما استقر في وعي الأستاذ بعريني لدى قراءة مقالي المذكور، يمكن أن يستقر في وعي آخرين كثر، ومن شأن هذه المناقشة أن تعيد للأفكار المطروحة فيه حقها المسلوب بسوء الفهم، وأن تمهد للتعاون الفكري في فتح طريق نضالي قد يكون مثمراً.
- يفهم الاستاذ بعريني أنني أدعو إلى ديموقراطية مباشرة بحسب التعريف الأوروبي، أي قدرة المواطنين على اقتراح أو إلغاء قانون ما، عبر استفتاء شعبي مباشر، يتفوق على تصويت البرلمانات. لا يتضمن مقالي هذا الطرح، ولكنه يسمح بهذا السوء من الفهم لأني استخدمت التشبيه البعيد للقول إن أساس السلطة هي للناس وليس “للمُنتَخَبين” أو “للنواب”. القليل من التركيز في قراءة المقال كانت ستنقذ المقال والقارئ من سوء الفهم هذا الذي أثر على كامل مقال ناقدي.
المقال المنقود يركز على الطابع النضالي للفاعلية المدنية، والنضال يعني مواجهة سلطة قائمة وتكريس أكثر حضوراً لسلطة “غير مندوبة” أو “غير مفوَّضَة”. ويكون هذا عبر إحياء وعي الناس بمصالحهم المباشرة، وتحفيز دخولهم المستمر في المجال العام الذي هو مجالهم أساساً قبل أن تحتكره السلطات. أما تنظيمياً فيحتاج الأمر إلى شبكات حماية مدنية، باتت وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة فعالة في دعمها، وهذا باب للابتكار والتفكير المشترك، بعد الاتفاق على أهميته الحاسمة.
- لا يوجد علاقة مباشرة بين النضال المدني وتنظيم دفاع الناس عن مصالحهم المباشرة، وبين الديموقراطية التمثيلية. بمعنى أن النضال المدني لا يتطلب، وليس فقط لا يشترط، أن يكون ثمة ديموقراطية تمثيلية في البلد المعني، كما يفهم الاستاذ بعريني، وهو ما يجعله يرى كلامي متناقضاً فيسأل: “كيف تستطيع شعوب وصلت فيها حالة الفشل المزمن إلى عجز بنيوي عن بناء ديموقراطية تمثيلية أن تقفز إلى مرحلة بناء ديموقراطية مباشرة بما تمثله من مرحلة تطور تاريخية أرقى”؟
أولاً، يقوم الاستاذ بعريني بنزع الدسم كاملاً من مقالي في تصوير غاية المقال على أنها الديموقراطية المباشرة كما أوضحنا آنفاً. ثانياً، ينسى أن الديموقراطية التمثيلية هي، تاريخياً، أرقى من الديموقراطية المباشرة التي شهدتها اليونان قبل ميلاد المسيح. ثالثاً، يغفل الاستاذ بعريني عن أن غاية مقالي هي الخروج مما أسماه “عجز بنيوي” (لا أرى العجز بنيوياً في الشعب بل في أنظمة الحكم)، عبر السعي إلى جر الناس إلى الاهتمام بالشأن العام الذي هو شأنها.
- من أخطر ما في نقد الاستاذ بعريني هو استنتاجه بأن قولي “بعدم صلاحية هذا الشكل من النظام الديموقراطي (يقصد الديموقراطية التمثيلية) للحالة السورية”، هو “تبرير غير مباشر لظروف استمرار الوضع الحالي، بغض النظر عن هدف الكاتب”.
أولاً، يستغرب المرء كيف يمكن لقارئ أن يخرج بهذا الاستنتاج من مقال يدافع عن النضال، وكل نضال هو مواجهة لسلطة أو لسلطات قائمة. كيف يمكن اتهام من يدعو للنضال بأنه “يبرر الوضع الحالي”؟ ثانياً، المقال لا يرفض الديموقراطية التمثيلية هكذا “قشة لفة”، بل يقول إنها لا تحمل الحل إذا كان الناس سلبيين ومنسحبين من المجال العام، وإذا كان المجتمع خاضعاً لعلاقات أهلية تلجم التضامن المدني. وقلنا إن تشارك الأمرين (النضال المدني والديموقراطية التمثيلية) يعززهما معاً.
هنا نصل إلى مفصل مهم في إساءة الفهم التي يعرضها الاستاذ بعريني في نقده، وهي القول إن مقالي المنقود يهمل النضال السياسي، وهكذا نراه يغدق بالأسئلة: هل يعتقد الكاتب أن السلطة يمكن أن تغض النظر … ؟ بماذا تختلف عن الطرح الرسمي إذا كنت ترى إنه يمكن معالجة الفساد خارج سياق السياسة؟ هل يمكن فصل الكفاح ضد الفساد عن اصلاح نهج الحكم السياسي؟
نعتقد أن هذه الأسئلة تصبح خارج الموضوع إذا قرأنا المقطع التالي من المقال المنقود:
“إن تحقيق التوازن في مجتمعاتنا بين الدولة والمجتمع يتطلب بناء نشاط مدني مستقل ومواجه للدولة، إلى جوار النشاط السياسي المعارض ومستقل عنه أيضاً. النشاط السياسي المعارض يوسع مجال العمل المدني الذي يعود، حين يحد من سلطة الدولة في المجال العام، بالفائدة على العمل السياسي المعارض. استقلال هذين النشاطين عن بعضهما البعض يجعلهما متساندين”.
- يشترك ناقدي مع كثيرين في نقد النضال المدني من باب إن السلطة المستبدة لا تسمح به، وكأن السلطة المستبدة تسمح بالنضال السياسي. يلفت النظر أن الاستاذ بعريني يتساءل عن آليات عمل “النشاط المدني”، هل هو تظاهر أم إضراب أم بيانات … الخ، ولا يشعر بحاجة للتفكير في آليات النشاط السياسي (هل تعفيه “آلية الانقلاب العسكري” من هذا التساؤل؟). الحقيقة أن الوسائل التي يذكرها هي نفسها وسائل النشاط السياسي، ولا ندري لماذا يستنكرها هنا على النشاط المدني، ألأن هذا النشاط لا يستهدف الوصول إلى السلطة، كي يعيد الاستبداد دورته الأولى؟ يبدو أن كل نضال لا يستهدف الاستيلاء على السلطة السياسية لا يملأ الرأس، وهو ما يجعل ناقدي يقول بسخرية: “أم هل يكفي تبادل إحساس التضامن بين “المضطهدين” (لا أدري لماذا يضع الكلمة بين مزدوجتين هنا) لإقناع السلطات بإظهار الرحمة”؟
- في تكريس نهائي لسوء الفهم، يتساءل ناقدي: “ما الذي يمنع أن نبدأ بأقل أشكال الديموقراطية فاعلية (تبادل سلمي للسلطة) لنعمل على تطويرها؟ … هل تشكل عيوب الديموقراطية التمثيلية العامة مبرراً لرفضها في حالتنا الخاصة؟
أولاً، إذا كان الأمر اختياراً، كما يختار المرء من فاترينا معروضة، فلماذا لا نختار أكثر، وليس أقل، أشكال الديموقراطية فاعلية؟ أما وأن الأمر ليس كذلك، فكيف يفترض ناقدي إنه يمكننا الوصول إلى تداول سلمي للسلطة قابل للتطوير كما يقول؟ هل تداول السلطة سلمياً في لبنان والعراق نموذج مرغوب في سورية ويستحق مليون شهيد للوصول إليه؟ ثانياً، المقال لا يرفض الديموقراطية التمثيلية، بل يقول إن الشروط في مجتمعنا “غير الحديث والضعيف المدنية” تحيل هذا “المعبود” إلى هيكل فارغ، وهذا لا يعني رفض “الديموقراطية التمثيلية”.
إذا كان المقال قد ركز على النصال المدني، فلأن هذا النضال مهمل في حين أننا نراه لب النضال الديموقراطي. ولا نفصله عن العمل السياسي إلا كما يفصل الجسم عمل الرئة عن عمل القلب مثلاً، منفصلان ومتكاملان، وأي تداخل “زائد” بينهما سوف يودي بالجسم إلى الهلاك.
أخيراً أشكر الاستاذ بعريني على اهتمامه وجهده الواضح، وأشكر موقع “تيار مواطنة” على نشر مقالي المنقود في جوار مقال ناقد.
نزار ابو نوّار
كلّ الإحترام والتقدير لتفضّل الدكتور راتب شعبو بتوضيح وجهة نظره حول اهمّ الأفكار المطروحة للنقد ، بما يساعدنا جميعا على فهم واقعنا ، وافضل سبل لتجاوزه ، نحو امل بناء مقومات المشروع الديمقراطي للشعب السوري.
التحيّة والتقدير أيضا لموقع مواطنة ، وللصديق العزيز، الأستاذ عصام دمشقي، لإتاحة هذه الفرصة الكريمة .
نزار بعريني.