اقتحام درعا؛ كشف حساب لسياسة السلطة وحلفائها
منذ ما يزيد عن شهرين، تواجه درعا البلد وبعض القرى في حوران محاولات إخضاع حثيثة من قبل الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد- شقيق رأس السلطة- وبعض الفصائل المحلية المرتبطة بها، في تعبير واضح عن ضيق صدر السلطة باتفاق التسوية في الجنوب السوري والذي رعاه الروس منذ صيف 2018 بدون خروقات تذكر. فهل جاء هذا التحرك بسبب الاغتيالات التي يقوم بها بعض الملثمين من خلال اغتيال بعض رموز المصالحات المرتبطين بقوة بالأجهزة الأمنية أم بسبب غياب محافظة درعا عن مشهد المناطق الخاضعة لسيطرة السلطة بشكل شبه كامل، أم لأسباب أخرى متعلقة ببدء العملية السياسية ورغبة السلطة في تقوية أوراقها التفاوضية من خلال السيطرة الكاملة على الجنوب أو سعيها الحثيث للوصول الآمن إلى معبر “نصيب” مع الأردن، أم أن إيران تحاول الاقتراب من الحدود الجنوبية مع إسرائيل؟
قد تكون بعض تلك الأسباب مجتمعة هي السبب الكامن وراء ذلك التصعيد السلطوي، لكن المؤكد أن هناك سبباً أساسياً يكمن خلف ذلك الهجوم والصمت الروسي؛ يمكن التعبير عنه باستعادة هيبة سلطة رأس السلطة في تلك الجغرافيا التي استعصت حتى الآن على آلة القمع الهمجية السلطوية.
من المؤكد أن هذه الهجمة لم تكن مدعومة جوياً من قبل الروس، ويمكن القول أن مشاركة بعض القوات من جيش السلطة المتواجدة في حوران لم تكن فعلية كما هي مشاركة الفرقة الرابعة وبعض مفارز الأمن العسكري والمخابرات الجوية في المعركة على درعا البلد وقراها بل اكتفت هذه الوحدات بالاستنفار والاشتباك في محيطها كالفرقة الخامسة والفرقة الخامسة عشر.
بدأت السلطة- الطغمة مطالباتها بتعديل اتفاق المصالحة 2018 وتسليم عدد من قطع السلاح الخفيف الذي بقي في أيدي مقاتلي المعارضة برعاية روسية منذ صيف 2018، كما طالبت بإقامة نقاط عسكرية داخل درعا البلد وبترحيل 180 شخصية من الذين طالتهم التسوية التي جرت بعد المصالحة لاتهامهم من قبل السلطة بإشاعة الفوضى في المنطقة بالإضافة إلى رغبة السلطة بالقيام بتفتيش أمني لمنازل المدينة. كما جرى الضغط على بعض أفراد التسويات في بلدات طفس وكناكر- ريف دمشق- من أجل الترحيل إلى الشمال، وقد نجحت السلطة في ترحيل البعض من تلك البلدات، لكنها اصطدمت بممانعة كبيرة من أهالي درعا البلد ومحيطها وصلت إلى محاولة فرض هذه المطالب عبر التهديد باجتياح المنطقة واحتلالها عسكرياً. وبعد خروج معظم المطلوبين إلى الشمال قدم النظام ثلاثة مطالب جديدة تتمثل باعتبار المنطقة تحت سيطرة جيش النظام وبأن رئيس النظام منتخب ديمقراطياً وبأن جميع المؤسسات الحكومية يجب أن ترفع علم النظام. ويمكننا القول أن جميع هذه المطالب الإضافية جاءت على خلفية عصيان درعا وإحجام مشاركة الأهالي في جميع الانتخابات التي جرت خلال عقد كامل من الزمن، مما جعل السلطة- الطغمة مصرة على كسر إرادة أهل حوران.
بعد أكثر من سبعين يوم من الحصار والقصف وصلت المفاوضات مرحلة باتت فيها غالبية المنازل والأحياء مدمرة كلياً أو جزئياً، بالإضافة إلى ترحيل العشرات إلى الشمال السوري مما قد يضطر الأهالي عبر اللجان المركزية إن يقبلوا بالوساطة الروسية وبتدخل اللواء الثامن، وهو ما قد يقلل من احتمال استباحة قوات النظام لمنازل وأحياء درعا البلد وغيرها من القرى، لكن هذا التقليل من الخسائر سيعني الكثير للأهالي وسيعني أكثر من أي شيء انتصارهم المعنوي على آلة التدمير السلطوية وعلى التخاذل الروسي.
وبالمحصلة، لا يمكن، ولا يجب أن نطلب أكثر من الممكن ومن المعقول من أهالي حوران، فما قدموه مفخرة لكل السوريين. ويشكل صمودهم دعوة للتفكير في هذا الأسلوب للدفاع عن مكاسب الثورة التي تحققت خلال عقد كامل. ويبدو أن مناطق كثيرة أخرى قصرت عما فعله أهالي حوران لأسباب كثيرة من أهمها، بالمقارنة، اتساع منطقة حوران، وتلاحم أهلها الاجتماعي، ونشوء قوة ترعى المصالحة مع الضامن الروسي وتتبنى سياسة معادية للسلطة بجلاء.
ختاماً، لا يبدو أن الاتفاق الوشيك سيكون كما الاتفاق السابق بل قد يكون تسليماً بطلبات السلطة إلى حدّ ما وتراجعاً عن الاتفاق السابق. وقد لا تكون درجة التراجع نوعية كما يرغب النظام، لكنها قد تعني الكثير لجهة محاولة السلطة وحلفائها في الوصول إلى حل نهائي- بالتأكيد كما يريده النظام- للوضع في سوريا عامة وليس في حوران فقط، وقد يكون الاتفاق الجديد نقطة تحول في فهم المعارضة السورية عامة للدور الروسي الذي سيبقى في صف السلطة على الأقل في المدى المنظور وبالتالي خطأ المراهنة على مسارات أستانة وسوتشي وضرورة التمسك بالحل الأممي وفق مرجعية جنيف وقرارات مجلس الامن. ولا شك لدينا في تيار مواطنة أن هذه الهجمة على منطقة درعا البلد وبعض قرى حوران وسكوت راعي الاتفاق السابق عنها إنما تعبر عن توجه السلطة الطغمة وحلفائها في الحل الذي ترغب به لسوريا المستقبل ووفق منطق إما أن يركع السوريون أو نبيدهم، لكن، وعلى ما يبدو من التطورات الأخيرة “لم يعد الليل يجيء كما يشتهي الحرامي”.
تيار مواطنة
31 آب/ أغسطس 2021