تحلّ المعارِضة السورية البارزة المهندسة لينا وفائي، المعتقلة السياسية السابقة في سجون الأسد الأب، وعضو المكتب السياسي لـ “تيّار مواطنة”، والعضو المؤسّس في “الحركة السياسية النسوية السورية”، والعضو السابق في “شبكة المرأة السورية”، ضيفةً على مركز حرمون للدراسات المعاصرة، في هذه الفسحة الحوارية.
ضيفتنا ابنة مدينة حمص، من مواليد عام 1959، وهي حاصلة على بكالوريوس في الهندسة المدنية، وقد اعتُقلت سنة 1987، ضمن حملة شنّتها أجهزة الأمن السورية على “حزب العمل الشيوعي”، في ثمانينيات القرن العشرين، وبقيت في سجون الاستبداد الأسدي ثلاث سنوات من دون محاكمة، في غرفةٍ في قبو تحت الأرض، في (الفرع 235) المعروف بـ (فرع فلسطين) سيئ السمعة، ثم عادت بعد إطلاق سراحها عام 1990 للنشاط السياسي، من خلال “ورشة دمشق للعمل الديمقراطي”، وما تزال تواصل نضالها السياسي من أجل تحقيق حلمها بسورية القادمة، سورية التي تضمّ كلّ السوريين، من كلّ الأديان والطوائف والأعراق والقوميات، ومن مختلف الآراء السياسية والقناعات، سورية التي يقبل فيها الجميع الآخرَ المختلفَ عنهم.
غادرت المهندسة لينا وفائي سورية في عام 2013، متّجهة إلى مصر، ومن ثمّ إلى ألمانيا، حيث تقيم حاليًا، وهي تعمل الآن، إضافة إلى نشاطاتها السياسية، في مشاريع خاصّة بالمرأة اللاجئة.
هنا نص حوارنا معها:
كيف تعرّف المهندسة لينا وفائي نفسها، إنسانيًا وسياسيًا؟ وكيف تبلورت فكرة العمل في مجال العمل السياسي؟
سؤالك كيف أعرّف نفسي أعادني لتعريف الهوية، ففكرتُ طويلًا في الإجابة، ويمكنني أن أقول: أنا امرأة سورية، وأعتقد أنّ سوريتي هي أوّل تعريف يمكن أن أعرّف به نفسي، فهي هويتي الرئيسية.. أنا امرأة عاملة طوال حياتي، كنتُ مهندسة لمدة 31 عامًا في سورية، والآن أعمل في تمكين اللاجئات في بلد المنفى، في ألمانيا.
وأنا أمٌّ، وقد كانت أمومتي عاملًا مهمًا في رسم شكل حياتي، وأنا الآن جَدّة. أنا امرأة حملت طوال حياتها الهمّ العامّ، فشكّل هويتها واهتماماتها، فتشكّلت كمناضلة سياسية ونسوية، ناضلت وما تزال تناضل ضدّ كلّ أشكال الاستبداد. أعمل في السياسية منذ عام 1980، وبدأت ذلك خلال مرحلة الدراسة الجامعية، من خلال العلاقة مع “حزب العمل الشيوعي”. في ذلك الوقت، كان الصراع بين نظام حافظ الأسد وجماعة “الإخوان المسلمين” على أشدّه، وكنتُ أرى القمع الذي يمارسه نظام الأسد الأب، من خلال وسطي المحيط، أوّلًا كابنة لمدينة حمص (جارة حماة)، وثانيًا من خلال دراستي في دمشق العاصمة، كنت أبحث عن أجوبة وعن طريق لمواجهة الاستبداد، قراءاتي كانت تُبعدني عن خيار التديّن والتنظيمات الإسلامية، وهكذا وجدت نفسي -عبر علاقاتي وصداقاتي ومحيطي- في وسط “حزب العمل الشيوعي”، ووجدتُ لديه جوابًا لأسئلتي. وأنا الآن عضو في “تيّار مواطنة”، وفي “الحركة السياسية النسوية السورية”.
لا حلّ لسورية إلّا بدولة المواطنة الكاملة لكلّ مواطنيها
ماذا يعني لك أنّك عضو مكتب سياسي لـ “تيار مواطنة”، وعضو في “شبكة المرأة السورية”، وعضو في “الحركة السياسية النسوية السورية”؟ وكيف تنسّقين بين مهامك السياسية تلك وبين واجباتك كأم وربّة منزل؟ وهل تعدّين نفسك مناضلة نسوية؟
عند انطلاق الثورة السورية عام 2011، ظهرت أمامي أسئلة عدة: ما الذي أستطيع أن أفعله الآن؟ كيف أستطيع أن أساعد؟ وأين؟ ومن أجل ذلك، شاركت مع أصدقائي في تشكيل “تيّار مواطنة”، ونشطت سياسيًا من خلاله، حيث إن التيّار يؤمن بدولة المواطنة المتساوية للجميع، ويناضل من أجلها.
طال أمدُ الحراك السوري، وما زالت الطريق طويلة، وشيئًا فشيئًا بدأتُ التحوّل نحو النضال النسوي، ردًا على التهميش الذي عانته المرأة السورية بعد انطلاق الثورة، وشاركت في المؤتمر التأسيسي لـ“شبكة المرأة السورية” في القاهرة عام 2013، ومن خلال الشبكة، كنتُ أعمل من أجل المرأة السورية بشكل خاصّ، إضافة إلى النضال السياسي العامّ لسورية. وفي نهاية عام 2017، اجتمعنا -مجموعة من النسويات المهتمّات بالسياسة- على تشكيل “الحركة السياسية النسوية السورية”، وبهذا تحقّق حلمي بالربط بين نضالي السياسي والنسوي.
أنا الآن جدّة، ومهماتي أخفّ كثيرًا من مهمات الأم، وعلى الرغم من ذلك، لكوني امرأة عاملة ولست متفرغة للعمل بالشأن العامّ، أعاني ضيق الوقت، وذلك ما دفعني إلى التقليل من مهماتي، فاستقلت من عضوية المكتب السياسي في “تيّار مواطنة”، وعدت إلى صفوف الهيئة العامّة، وغادرت “شبكة المرأة السورية” نهائيًا.
إنّ السؤال الموجّه يفترض سلفًا أنّ هذه المهام هي مهامي كامرأة فقط، وأن الرجل غير معني بها؛ إذ إنه يقول: كيف استطعتِ التنسيق بين المهام السياسية ومهام الأمّ وربّة المنزل؟ لا أعتقد أنّ هذا السؤال يوجّه إلى رجل، فنحن نفترض أنّ من الطبيعي أن يقوم الرجل بمهام سياسية، وأن يكون لديه اهتمامات خارج مهامه الأسرية، أما الأم فذلك يتطلّب تنسيقًا، ويجب ألا يكون على حساب دورها داخل المنزل. إذا كان هناك توزيع عادل للمهام الأسرية والعمل المنزلي، فالطرفان عندئذ معنيان بهذا التنسيق، وهما يقومان بذلك معًا، إلّا إذا كان أحدهما طرفًا وحيدًا مع أطفاله، فهذا يجعله يحمل عبئًا إضافيًا. ولكنّي أعتقد أنّه ليس هناك توزيع عادل في أغلب الأسر السورية، حتى التي تهتمّ بالشأن العامّ، وتطرح تغييرًا وتطويرًا لمفاهيم المجتمع، وهذا يحمّل المرأة العبء الأكبر، ويجعل القدرة على التنسيق من مسؤولياتها.
كنت سابقًا أمًا وحيدة -بسبب اعتقال زوجي لمدة 15 عامًا- وعاملة، وقد جعل ذلك نشاطي السياسي في تلك الفترة يتراجع، وألاحظ الآن وضع صديقاتي الأمهات، ففي إحدى الاجتماعات الفيزيائية لـ“الحركة السياسية النسوية السورية”، كان علينا تأمين رعايةٍ للأطفال، وذلك لأنّ إحدانا كانت تحضر الاجتماع مع طفلة صغيرة لم تبلغ العام بعد، أعتقد أن المطلوب من كلّ التنظيمات تفهّم هذا الوضع، وتأمين مساعدة لتقوم المرأة بدورها، ونعتبر في “الحركة السياسية النسوية السورية” أنّ ذلك حقّ لها، وليس منّة من التنظيم. نناضل كنسويات لتحقيق توزيع عادل للأعباء المنزلية، يتيح للمرأة الوقت الكافي واللازم لتقوم بدورها في الشأن العامّ.
اعتُقلتِ سنة 1987 ضمن حملة على “حزب العمل الشيوعي”، وبقيت في معتقلات الأسد الأب ثلاث سنوات؛ فما تأثير هذه التجربة عليك؟ وما الذي أضافته إليك كإنسانة وكناشطة سياسية ونسوية؟
عمومًا، نتشكّل خلال التجارب التي نمرُّ بها في الحياة، وقد تكون تجربة السجن أهمّ هذه التجارب، لكونها تترك ندوبًا عميقة لا يمكن الشفاء منها، ولكنّها أيضًا تضيف إلى خبراتنا وحياتنا وشخصياتنا. شخصيًا، علمني السجن القدرة على التحكم في غضبي أكثر، وجعلني أكثر قدرة على تفهّم الآخر، علّمني أن أعيش مشاعري بدون خجل، فلا أخجل من ضعفي في لحظاته، كما لا أفتخر بلحظات قوتي، فلحظات الضعف والقوة هي لحظات إنسانية تشكّل حياة الإنسان.. علّمني أن أحترم حزني ولا أخجل به، أن أبكي علنًا ولا أدّعي القوة لأخبئ لحظة الضعف والبكاء. سياسيًا، غيّر السجن من قناعاتي، فبعد السجن، صرتُ أرى أنّ الأهمّ هو النضال من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وأن لا شيء إطلاقًا يبرر الدفاع عن الدكتاتورية، حتى لو كانت دكتاتورية البروليتاريا التي اعتُقلت لأجلها.
أما على الصعيد النسوي، فلم أكن قبل الثورة السورية أؤمن بالنضال النسوي، إذ كنت دومًا أدافع عن أولوية النضال العامّ، وأنّ النضال النسوي هو نتيجة لهذا النضال العامّ، إلى أن جاءت الثورة السورية، وتظاهرت المرأة مع المتظاهرين، ولكنّها استُبعدت من الوجود السياسي، بحجّة عدم الأهمّية وأولوية النضال ضدّ نظام الأسد، وعندئذ بدأت أدرك أهمّية النضال النسوي، وأنّه جزء مهمّ من النضال ضدّ الاستبداد، فلا ديمقراطية دون أن تنال النساء حقوقها.
هل تغيّرت نظرتك إلى الحياة بعد تلك التجربة القاسية؟ وما الذي أخذه منك ظلام السجن واستبداد السجان؟
ذكر عبد الرحمن منيف، في روايته (شرق المتوسط مرّة أخرى)، أنّنا “نغادر السجن، ولكنه لا يغادرنا”، تترك هذه التجربة آثارًا تحفر عميقًا في النفس، وقد فعلت فيّ ذلك، كما الآخرين، نتعايش مع هذه الآثار ولكنّها لا تختفي، لهذا كان قراري واضحًا، بعدم الرغبة في العودة لخوض التجربة مرّة أخرى، وهذا ما دفعني إلى مغادرة سورية بعد الثورة.
إلى أي مدى غيّرت الثورة السورية من أفكارك ومواقفك السياسية؟
ذكرت سابقًا أنّه قبل الثورة السورية كانت قد تبلورت آرائي السياسية، وصرتُ أرى أنّ الأهمّ الآن هو الوصول إلى الديمقراطية، بعد الثورة، وخصوصًا ما واجهته ثورتنا من صعاب، وبعد تحوّل الوضع إلى حرب أهلية ذات امتدادات إقليمية ودولية، وبعد التشظّي المجتمعي الذي عانيناه إثر هذه الحرب، صرت أكثر إصرارًا على فكرة الديمقراطية والمواطنة، فلا حلّ لسورية إلّا بدولة المواطنة الكاملة لكلّ مواطنيها، المواطنة المتساوية، بغض النظر عن الدين والقومية والاثنية والطائفة والجنس. وقد ذكرت أنّ الثورة حوّلتني إلى النضال النسوي، الذي بتُّ أراه بأهمّية نضالي السياسي، وأراهما مترابطين، ولا يمكن الفصل بينهما.
المرحلة الآن تستدعي موقفًا نقديًا ومراجعة لكلّ ما حدث
بتقديرك، ما هي برأيك المخاطر التي تنتظر الثورة السورية في المرحلة المقبلة؟
أعتقد أنّنا الآن في مرحلة ثورة مضادّة، فما يحدث الآن هو حرب بين استبدادين، استبداد الطغمة الحاكمة في دمشق، واستبداد ديني تقوده الفصائل الإسلامية، إضافة إلى الفصائل المرتهنة إقليميًا والتي تخوض حربها لصالح داعميها الإقليمين. وبالتالي يجب التفكير في المرحلة القادمة بشكل مختلف.
إنّ أهمّ خطر سوف نواجه ناجم عن عدم الوقوف على الحقائق، والاستمرار في التعمية والوعود والآمال الكاذبة، المرحلة الآن تتطلّب موقفًا نقديًا ومراجعة لكلّ ما حدث، وقراءة واقعية للحدث، ودراسة الأخطاء التي وقعنا فيها وساعدت لإيصالنا لهذه اللحظة، ودراسة الظروف الموضوعية، المساعدة منها والمعيقة، لمعرفة استغلال الظرف المناسب وتجنب المعيق. دون دراسة واقعية ومراجعة نقدية لما حدث، سنكرر بكلّ أسف كلّ أخطائنا السابقة، ولن نستطيع تجاوز عنق الزجاجة الذي وصلنا له.
كعضو مؤسّس وعضو الأمانة العامّة في “الحركة السياسية النسوية السورية”، ما هي مهمة الحركة الأساسية في الوقت الراهن، من منظورك ومعين تجربتك؟
أوّلًا، لم أعد عضو أمانة عامّة في “الحركة السياسية النسوية السورية”، ففي الحركة هناك انتخابات سنوية للأمانة، وأنا لم أرشح نفسي من عامين، في الحركة نؤمن بدور الجيل الشاب، وبأهمّية حصوله على فرصته، لذلك تتألف الأمانة الآن من شابات يدرنّ الحركة، ونحن نبقى مستشارات لهنّ عبر اللجنة السياسية على سبيل المثال وغيرها من اللجان، التي لها دور استشاري.
الحركة هي حركة سياسية نسوية سورية، أي أنّها تهتمّ بالشأن السياسي العامّ، ولكنّها تعالجه من منظور نسوي، وهي ترى نفسها ليست مرحلية، ولكنّها تتطلّع للتواجد في مستقبل سورية، فهي إذًا لها موقف سياسي مما يجري الآن في سورية، ولكنّ موقفها يأخذ بعين الاعتبار حقوق النساء السوريات ومصلحتهنّ.
وأذكر مما جاء في الرؤية التأسيسية للحركة: “بناء دولة ديمقراطية تعدّدية قائمة على أسس المواطنة المتساوية، دون تمييز بين مواطنيها على أساس الجنس أو العرق أو الدين أو الطائفة أو المنطقة أو أي أساس كان، دولة القانون التي تساوي بين نسائها ورجالها دون تمييز، بضمانة دستور متوافق مع منظور الجندر يكون أساسًا لإلغاء جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة على جميع الأصعدة السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بالاستناد إلى جميع المعاهدات والاتّفاقيات الدولية المتعلّقة بحقوق الإنسان وخاصّة اتّفاقية (السيداو)”. وعليه الحركة تعمل لمستقبل سورية ولكنّها ترى أنّ ذلك لا يتحقّق بدون النساء، لذلك تناضل أيضًا من أجل تواجد أكبر للنساء في مراكز صنع القرار، وتطالب بكوتا ٣٠٪ كحد أدنى وصولًا إلى المناصفة، وقد جاء مؤتمرها الثالث والأخير تحت شعار “لا شرعية بدون النساء” للتأكيد على مطالبها هذه.
وبالنظر إلى ما سبق ذكره، ترى الحركة أهمّية النضال من أجل حرّية سورية، ومن أجل حرّية نسائها وحقوقهنّ في ذات الوقت. وترى أيضًا، أنّ لا حرّية لسورية إذا لم تنل النساء السوريات حقوقهنّ كاملة، وإذا لم تتمكّن من المشاركة الفعالة في كلّ الشؤون العامّة، فالحرّية دونهنّ منقوصة.
كيف كانت مشاركة المرأة منذ انطلاق ثورة الحرّية والكرامة، في منتصف آذار/ مارس 2011؟ وهل طُرحت قضاياها بجدّية؟
شاركت المرأة السورية في الثورة منذ انطلاقتها الأولى، فتظاهرت وشاركت في التنسيقيات وفي أعمال الإغاثة، ولكنّها استُبعدت من العمل السياسي، فالتشكيلات السياسية التي ظهرت بُعيد الثورة السورية لم تهتمّ أغلبها بالحضور النسائي لديها، بل كانت في معظم الأحيان بيئة طاردة، فرأينا حضورًا نسائيًا سياسيًا لا يتوازى مع حجم مشاركتها الفعلية بالثورة. ونتج عن هذا الاستبعاد عدم نظر هذه التشكيلات إلى حاجات المرأة السورية وحقوقها؛ إذ إنّ الثمن الذي دفعته كان في الأغلب مضاعفًا، وأنا لا أتحدّث هنا عن الثمن الذي دفعته الثائرات فقط، بل عن الثمن الذي دفعته المرأة بشكل عامّ.
دفعت الثائرات ثمنًا أكبر، فهنّ اعتُقلن كما الرجال، وتعرّضن لما تعرّضوا له من تعذيب، وقضين في سجون النظام مثلهم تمامًا، ولكنّ الرجال غالبًا يخرجون أبطالًا، يستقبلهم محيطهم بالاحترام والتبجيل لتضحياتهم، وخصوصًا إذا كان هذا المحيط من مناصري الثورة، بينما تخرج المعتقلات للعالم، وهنّ يحملن وصمة اعتقالهنّ، كثيرات منهنّ تعرّضن للطلاق ولخسارة أطفالهنّ، وبدلًا من احتوائهنّ ومساعدتهنّ، بعد تجربة المعتقل المريرة، يُحارَبن ويُنبذن، فيصبح الألم بعد الخروج للحرّية مضاعفًا، وتصبح القدرة على العودة للاندماج في الحياة أصعب.
وجدت المرأة نفسها، بعد الحرب السورية المريرة، وحيدة في مواجهة الحياة، نازحة أو لاجئة مع أطفالها، من دون الزوج الذي اعتُقل، أو استُشهد، أو غاب دون أن تعرف مصيره، وحيدة ولا تمتلك الكفاءة اللازمة لمواجهة الحياة، فعلى الأغلب تمّ تزويجها صغيرة، ولم تنل التدريب اللازم، وفي ظلّ بيئة قانونية معيقة، فهي لا تمتلك وصاية على أطفالها، ولا تمتلك حقوق ملكية متساوية مع الرجل. إذًا؛ هي سلفًا في موقع أضعف، وتواجه صعوبات مزدوجة، ناتجة عن الحرب وآثارها وعن التهجير والنزوح، وعن خصوصية وضعها كامرأة في بيئة لا تراعي حقوقها.
من كلّ ما سبق، يتبيّن أنّ الاضطّهاد الذي تعانيه المرأة السورية مزدوج، هو من جهة الاضطّهاد العامّ الذي يعانيه الشعب السوري، نتيجة استبداد طال أكثر من خمسين عامًا، واضطّهاد خاصّ يطالها كامرأة. فهل استطاعت التشكيلات السياسية والمدنية بالعامّ التعبير عن هذا الوضع، ومحاولة إيجاد حلول له؟ وهل تبنت هذه القضية؟ بالطبع لا، فهي في أحسن أحوالها تجاهلت ذلك، ولم تأخذ خصوصية وضعها كامرأة بعين الاعتبار، إذا لم نقل إنّها بالعكس زادت من هذا الاضطّهاد، وكانت أحد الأطراف التي تزيد من اضطّهادها كامرأة.
في بعض الأحيان، استغلت هذه التشكيلات وضع المرأة وادّعت الدفاع عنها، فتكلمت باسم أمهات وزوجات الشهداء من دون أن تقدّم لهنّ شيئًا، وكانوا بالنسبة إليها إحدى الكليشات المعهودة لادّعاء النضال. وفي ظلّ هذا الوضع، ظهرت التشكيلات النسائية والنسوية، محاولة سدّ هذه الثغرة، والدفاع عن النساء وحقوقهنّ، سواء حقّ المشاركة السياسية، أم الحقّ القانوني الذي يساعدهنّ في مواجهة الصعاب التي خلقها الوضع السوري، وبدلًا من دعم هذه التنظيمات، يتمّ تسفيه نضالها، بحجّة الأولويات، وكأن ليس من الأولويات أن تجد امرأة نازحة أو مهجرة عملًا تعيل به نفسها وأطفالها، أو أن ترث ملكية تركها الزوج أو الأب تساعدها في تدبير أمورها، أو أن تملك وصاية على أطفالها، أو أن تعطيهنّ جنسيتها، فيصبح أطفالها سوريين يمتلكون قيودًا مدنية ولو كان الأب مجهول المصير.
الآن، بعد أكثر من عشر سنوات من عمر الثورة، كيف ترين وضع المرأة السورية بشكل عام؟
ذكرت سابقًا الوضع الصعب الذي تعانيه المرأة السورية، والاضطّهاد المزدوج الذي تتعرّض له، ولكن المرأة بالرغم من ذلك استطاعت بنضالها تحقيق بعض الإنجازات البسيطة على طريق حرّيتها، فالثورة فتحت أفاقًا استطاعت من خلالها تحقيق بعض المكاسب الصغيرة، فهي الآن أكثر حضورًا في المشهد السياسي، وتشارك في صياغة دستور سورية المستقبل في “اللجنة الدستورية” -في حال نجاح هذه اللجنة في ذلك، وهو ما أراه بعيدًا جدًا- كما استطاعت كثير من النساء امتلاك خبرات مهنية وحياتية أفضل، نتيجة للوضع الجديد، وتغيّر الوضع النمطي لها، فهي اضطّرت إلى أن تخرج للعمل في أماكن النزوح واللجوء، وفي الداخل السوري أيضًا.
في حوارٍ تُجريه “الحركة السياسية النسوية السورية” مع النساء السوريات في الداخل السوري، وفي دول الجوار -حول مواضيع عديدة لإنتاج أوراقها السياساتية- تحدّثت كثيرات منهنّ حول وضعهنّ الجديد، وما قدّمته هذه السنين العشر لهنّ، وعن إصرارهنّ على عدم العودة إلى الوراء. لكنّنا ندرك أنّ طريقنا طويل ويحتاج إلى الصبر والعزيمة، فعلى سبيل المثال، تتعرّض هذه المكتسبات الآن لحرب شعواء تشنّها علينا قوى تدّعي الثورية، ولكنّها -باسم الدين والحفاظ على التقاليد- تريد من المرأة خسارة مكتسباتها، من دون أن تقدّم لها دعمًا أو بديلًا، فقط “عودي للمنزل كي لا تتشبهي بالمرأة الغربية”، ولكنهم ليسوا مسؤولين عن إطعامها هي وأطفالها، وليسوا مسؤولين عن مستقبل أطفال من دون آباء ودون هوية!
المطلوب هو عقد يشكّل هوية سورية جامعة
ما تقييمك للدور الذي تؤديه المرأة السورية حاليًا في المؤسّسات السياسية المعارضة، بخاصّة “الائتلاف الوطني لقوى الثورة السورية”، و“الهيئة العليا للمفاوضات” و“اللجنة الدستورية”، والقبول أو لنقل الاستكانة لمبدأ (الكوتا) التي حُدّدت بـنسبة لا تقل عن 30%؟
الاستكانة أو القبول لمبدأ الكوتا؟! وهل استطعنا الوصول إلى هذه الكوتا. ما زال الوجود النسائي في تشكيلات المعارضة محدودًا جدًا، فهو محكوم بالعقلية الذكورية المسيطرة التي تستبعد حضور النساء ودورهنّ، ومحكوم بالمحاصصة بين الأحزاب والتيّارات التي في الأغلب ليس لديها عدد عضوات كاف، ففي “اللجنة الدستورية”، على سبيل المثال، تمّ تعديل نسبة الوجود النسائي من خلال الثلث الثالث، ثلث المجتمع المدني، الذي اختارته الأمم المتّحدة بالتشاور مع الدول المتدخلة في الوضع السوري. وإضافة للوجود العددي المحدود تواجه النساء محاولة للإقصاء والتهميش، وتأطير دورها والحدّ منه، ولكنّ كثيرًا من المناضلات السياسيات استطعن مواجهة ذلك، وإثبات حضورهنّ. تحتاج المرأة -إضافة للكوتا- إلى الكفاءة اللازمة لتستطيع تأدية دورها، وهو ما تعمل عليه الآن المنظمات النسائية والنسوية، إضافة إلى مطالبتها الدائمة بالكوتا، الكوتا التي يمكن اعتبارها شرطًا لازمًا وغير كاف لحضور نسائي فاعل.
أطلقت “الحركة السياسية النسوية السورية”، في آب/ أغسطس 2020، ورقتها السياساتية الموسومة بـ “تطلّعات السوريات نحو عقد اجتماعي عادل وهوية وطنية جامعة وسلام مستدام”. سؤالنا: أي عقد اجتماعي تتطلّع إليه النساء السوريات؟
مما جاء في هذه الورقة: “ترى النساء أنّه، في سياق بناء هوية سورية جامعة، لا بدّ للسوريات والسوريين من إبداء التعاطف فیما بینھم وتشكیل إرادة جامعة في إيقاف الحرب وتأسیس سلام مستدام، أوّل أسسه هو الاتّفاق على حلّ سلمي وانتقال سياسي إلى جمهورية جدیدة عمادھا المواطنة المتساویة، وأنّ السلام المستدام لا يمكن ضمانه إلا بمحاسبة كلّ مرتكبي الجرائم بحق المدنیین من كافة الجھات المتقاتلة”.
إذًا، ترى السوريّات أنّ العقد الاجتماعي المطلوب هو عقد يشكّل هوية سورية جامعة، ولا يمكن تحقيقه إلّا بدولة المواطنة المتساوية، دولة المواطنة المتساوية تعني أنّ الجميع من النساء والرجال متساوون في القانون وأمامه، ولهم الفرص ذاتها، وذلك يوجب صياغة دستور جديد. وقد تحدّثت النساء عن هذا الدستور، في ورقة أخرى، وجاء فيها: “وضعت النساء المشاركات في سلسلة الجلسات التشاورية في ما يمكن تسميته بـ (مانيفستو حقوقي نسوي) غطين فيه كافة مجالات الحقوق السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية التي يطمحن أن تكون واردة في الدستور الجديد أو أقلّه تضمينه مجموعة من القيم والمبادئ التي تتعلّق بالمساواة وإلغاء التمييز على أساس النوع الاجتماعي. وكانت النساء قد خلصن إلى مجموعة من الخطوات العملية والتوصيات التي يردن للدستور الجديد أن يتضمّنها، ليكون حساسًا لقضايا النوع الاجتماعي ولحقوقهنّ كمواطنات متساويات في المجتمع. وبالرغم من عدم استطاعتهنّ تحديد شكل الحكم المنشود والذي يجب أن يتضمّنه الدستور الجديد، سواءً كان برلمانيًا أم رئاسيًا أم مختلطًا، أكّدت النساء، بكلّ وعي نسوي وثقافة سياسية، أنّ أبرز المبادئ التي يجب أن تنعكس على مضمون الدستور الجديد هي الديمقراطية والتعدّدية، وذلك عبر تفعيل نظام المراقبة والمحاسبة، وضمان عدم تمتع الرئيس بصلاحيات مطلقة، وتفعيل مبدأ فصل السلطات”.
ما برامج وآليّات “الحركة السياسية النسوية السورية” لإيصال رأي النساء السوريات إلى مراكز صنع القرار السوري، وإلى صُنّاع القرار في البلدان الإقليمية والدولية المؤثّرة في القضية السورية، وإلى قوى المجتمع الدولي، وفي مقدّمتها هيئة الأمم المتّحدة؟ وهل تلمسون استجابة من هذه الأطراف وتفاعلًا يُسهم في دعم ومناصرة قضايا السوريات/ين ضحايا هذا الصراع الذي لا يزال مستمرًّا؟
منذ نشوء “الحركة السياسية النسوية السورية”، أخذت على عاتقها أن تكون صوت المرأة السورية، ولأجل ذلك كان لا بدّ من التواصل معها أينما كانت، في سورية الداخل، تحت سيطرة قوى أمر واقع مختلفة ومتحاربة فيما بينها، وفي دول الجوار وبلدان اللجوء في أصقاع الأرض، ولأجل ذلك، أنشأت الحركة برنامجها للمشاورات الوطنية، ويشرفني أن أكون جزءًا منه، وقد أصدرنا حتى الآن ست ورقات سياساتية تناولت مواضيع مختلفة، من الدستور إلى إعادة الاعمار، مرورًا بعودة اللاجئات واللاجئين، وحقوق اللاجئات في دول الجوار، إلى حين العودة الطوعية، والهوية الوطنية والعقد الاجتماعي، والأمان الاقتصادي، والآن، توجد قيد الإصدار ورقة جديدة بعنوان “لا انتخابات بدون أصواتنا”، كما نعمل حاليًا على ورقة بعنوان “العدالة من منظور النساء”. في كلّ جولةٍ قابلنا حوالي 150 امرأة، يتوزعنّ في مناطق داخل سورية وفي دول الجوار، وصل عدد المناطق إلى 15 منطقة تقع تحت سيطرة النظام، أو خارج سيطرته في شمال غرب سورية وشمال شرقها، إضافة إلى لبنان والأردن وأربيل وتركيا. كلّ جلسة هي عبارة عن جزئين: الجزء الأوّل تقوم فيه الباحثة بسؤال النساء عن آرائهنّ حول الموضوع المتّفق عليه معها، وذلك من دون أي تدخّل من قبلنا، حيث نكون مستمعات في هذا الجزء، ومن دون أن نُدخل آراءنا تتمّ كتابة الورقة، والجزء الثاني هو حواري، بين الحركة متمثّلة بعضواتها وبين النساء المشاركات حول الموضوع. بعد انتهاء الورقة، تقوم الحركة بتنظيم إيفنتات عدّة لإيصالها وإيصال صوت النساء إلى مراكز صنع القرار المحلية والعالمية. وإضافة إلى ذلك ترسل الحركة دومًا رسائل إلى الأمم المتّحدة ومراكز صنع القرار، والدول المتدخلة بالوضع السوري، لإيصال صوت السوريّات والسوريين، وتسعى دومًا لتنظيم مشاركات دولية، منها -على سبيل المثال- المشاركة الأخيرة في الإحاطة مع المبعوث الأممي الخاصّ إلى سورية السيد غير بيدرسون، في مجلس الأمن. إنّ موضوع الاستجابة مرهونٌ بالظرف السياسي السوري والدولي، ونحن ندرك أنّه قد لا تكون الاستجابة سريعة، ولكنّنا نؤمن أنّ ذلك يجب ألّا يشكّل عائقًا، وأن نستمرّ في المحاولة، وفي النضال لإيصال صوت السوريات والسوريين.
إلى أيّ مدًى يمكن للحركة أن توجد أرضية مشتركة بين كلّ القوى النسائية الفاعلة، في الداخل السوري المحرّر وفي الساحة الأوروبية، خدمة لقضايا المرأة السورية أينما وُجدت؟
تسعى الحركة لأن توجد أرضية مشتركة للنساء السوريات أينما كنّ، فهي تضمّ عضوات وأعضاء نسويات ونسويين، يتوزعون في كلّ أماكن الوجود السوري، في الداخل وفي الشتات، وبعلاقتهم ببعض يشكّلون ملاطًا لجمع السوريين، رجالا ونساء، نحن نعمل معًا في أوروبا، وفي المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، أو التي تحت سيطرته، ونضع خططنا معًا لخدمة المرأة السورية والدفاع عن حرّيتها وحقوقها. طوّرت الحركة عملها أخيرًا، وشكّلت لجنة تواصل داخلية للجمع بين الشتات والداخل، وبهذا نبقى على تواصل ونبقى نفكّر ونعمل معًا.
ما الذي يمكن أن تقدّمه “الحركة السياسية النسوية السورية” للنساء السوريات في الجغرافيا السورية الممزقة والمحكومة بثلاث سلطات أمر واقع، في ظل النفوذ الروسي والإيراني والأميركي والتركي، بما يحقّق تطلّعاتهن في صناعة مستقبل سورية الديمقراطي؟
في جلساتنا التشاورية، نحرص على نقل الرأي في المناطق الأخرى للنساء، ومن ملاحظاتنا غالبًا ما تلتقي آراء النساء، بالرغم من اختلاف المنطقة، فالجميع يعاني الاضطّهاد وانعدام الأمان تحت سيطرة قوى الأمر الواقع. إنّ المشتركات بين السوريات هي فعلًا أكبر من الخلافات، وهذا التشظّي السوري الذي نراه على وسائل التواصل الاجتماعي نادرًا ما نلمسه خلال الجلسات. لهذا وغيره نؤمن أنّ للمرأة دورًا مهمًّا في إنهاء الصراع السوري، وأنّ لا سلام مستدامًا بدونها، وقد أكّدت تجارب الشعوب ذلك، ولهذا أصدرت الأمم المتّحدة القرار 1325 الذي يتحدّث عن دورها في إنهاء الصراع.
كانت لنا تجربة بجمع السويداء مع المعرّة، في جلسة واحدة، وكانت فعلًا جلسة مهمّة، حيث سمع كلّ منهنّ الآخر، ووجدن المشتركات بينهنّ. أما ما الذي تستطيع الحركة تقديمه، فهو الاستمرار في ما تعمله، بإيجاد المشترك، وإدارة الحوار بينهنّ، وبإيصال صوتهنّ جميعًا إلى حيث تستطيع.
مخاوف من عودة الدكتاتورية ضمن نظام رئاسي
ما السبل الناجعة لتعزيز الوعي الجمعي بدور المرأة، خاصّة مع ما نعرف من موروث العادات والتقاليد الاجتماعية التي أسهمت في تنميط المرأة، والحدّ من دورها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي والإعلامي؟ وما هي مشاريعكم للنهوض بالسوريات وتنويرهنّ، باعتبارهنّ ركيزة من ركائز قيام نهضة المجتمع السوري؟
العمل الجاد والدؤوب والهادئ، العمل المستمرّ الذي لا يأس معه، إدراك أنّ طريقنا طويل، ولكن لا بدّ أن نصل يومًا، وأنّ أيّ إنجاز -مهما صغر- هو خطوة على طريق الوصول. الدفع بالمرأة السورية أكثر للانخراط بالشأن العامّ، فمن خلاله تتمكّن أكثر من كلّ الدورات التي يمكن أن تقدّم لها. كلّ ذلك يمكن أن يكون مساعدًا في تعزيز الوعي الجمعي، ولكنّي أعتقد أنّ هذا التعزيز يجب أن يكون للرجال والنساء معًا، فنحن شركاء، ولا يمكن تحقيق أي خطوة إلّا معًا، ليست قضيتنا في مواجهة الرجال، وإنّما فّي إيجاد صيغة للحياة المشتركة لا تكون ظالمة لنا.
وتقدّم الحركة دورات تدريبية لمواضيع مختلفة، بهدف صقل القدرات والتمكين، وقد افتتحت على موقعها زاوية للتدريب الذاتي، يمكن من خلالها أن تقوم عضواتها وأعضائها بالتدريب الذاتي، من خلال بوابة التدريبات، التي يحمّل عليها كلّ المواد التدريبية التي قامت بها الحركة، لتكون متاحة للجميع. وابتدأت الحركة أخيرًا برنامج الإرشاد السياسي، الذي يجمع بين مخضرمات بالعمل السياسي وشابات، ويتمّ من خلاله تبادل المعلومات والخبرات، وبذلك تكتسب الشابات الخبرة السياسية من المخضرمات، وتأخذ المخضرمات منهنّ المرونة بالمقابل، وهذا يخلصهنّ من الجمود السياسي الذي يميّز السياسة التقليدية عادة.
بعد كلّ ما عاينته من أحداث، ولا سيما في العقد الأخير، نسأل: ما نظرتك اليوم إلى مفهوم الوطن والهوية؟
اعتاد الشعب السوري، طوال عقود- النظر إلى الوطن والوطنية بدلالة الخارج، وهو ما عمل الاستبداد على تأكيده، فكانت الوطنية تتعلّق بالمواقف الخارجية فقط، ولا يمكن لأي استبداد داخلي أن ينقص منها، من هنا جاءت مفاهيم الصمود والممانعة، واعتبرت هي معيار الوطنية. الآن، أعتقد أنّ الوطنية يجب أن تعود لمعناها الحقيقي، أي بدلالة الداخل، فالوطنية هي انتماء إلى وطن واحد يمتلك فيه الجميع الحقوق المتساوية، ومن هنا، فإن النظام السوري الذي دمّر سورية واستبدّ بأهلها، ليس وطنيًا، وكذا حال كلّ من أجرم بحق الشعب السوري من كلّ الأطراف.
سورية لكلّ السوريين، جمعت بيننا جغرافيا شُكّلت باتّفاقيات دولية، ولكن يجب أن يجمع بيننا الحرص على العيش المشترك، ولذلك يجب تشكيل هوية سورية جامعة، تأخذ بمعاني الوطنية بدلالة الداخل، يكون فيها الجميع متساويين، لهم الحقوق ذاتها، وعليهم الواجبات ذاتها، هوية لا تتعارض مع الهويات الجزئية وإنّما تحترمها، فهي تجمع الجميع في الوطن الواحد، ولكنّها تعترف بخصوصية كلّ منهم.
هل لديكِ مخاوف على الحرّيات العامّة في سورية ما بعد سقوط نظام الأسد، من تيارات الإسلام السياسي، وكذلك من أي حكم ذي خلفية عسكرية؟
نحن الآن في وضع لا منتصرَ فيه في سورية، وإذا تمّ التوصّل إلى حلّ الآن، فأعتقد أنّه سيكون توافقيًا، بين الدول المتدخلة في سورية وذات المصلحة وأذرعها على الأرض، ولذلك لا أعتقد أنّ الإسلام السياسي سينتصر وسيستطيع الحكم وفق قوانينه. وكذلك لن يستطيع العسكر، إذا سقط الأسد (لن يسقط إلا بالحلّ السياسي التوافقي كما ذكرت) التفرّدَ بالحكم في سورية، ولذلك لا أعتقد أنّ هناك تخوّفًا من حكم استبدادي جديد، إذا استطعنا الوصول إلى الحلّ السياسي الشامل.
ما رؤيتكم في “الحركة السياسية النسوية السورية” لشكل الدولة المستقبلية، وشكل الحكم فيها؟
جاء في الرؤية السياسية، للمؤتمر الأوّل للحركة، أنّه “لا حلّ في سورية إلّا حلّ سياسي، يضمن وحدة سورية أرضًا وشعبًا، ويضمن الانتقال إلى دولة ديمقراطية تعدّدية ودولة المواطنة الكاملة والمتساوية لكلّ مواطنيها، بغض النظر عن الجنس والدين والعرق وأي انتماءات أو تصنيفات أخرى، دولة تضمن تداولًا سلميًا للسلطة، من دون وجود لأي استبداد على أراضيها، سواء استبداد النظام السوري أو قوى الأمر الواقع المختلفة، ومن دون أي وجود أجنبي على أراضيها، سواء من الميليشيات الطائفية الأجنبية أو المقاتلين الأجانب أو الجيوش الأجنبية”. وهنا نرى شكل الدولة التي تسعى إليها الحركة، إنها دولة تحقّق المواطنة المتساوية والكاملة للجميع، وترعى حقوق النساء.
في الورقة التي ستصدر قريبًا، والتي عملت عليها “الحركة السياسية النسوية السورية” ضمن مشروع التشاورات الوطنية، والتي تتناول موضوع الانتخابات من وجهة نظر النساء، لم تستطع النساء تحديد شكل الحكم، أسيكون برلمانيًا أم رئاسيًا أم مختلطًا فيما بينهما، ولكنّها أبدت مخاوفها من عودة الدكتاتورية ضمن نظام رئاسي، كما أبدت مخاوفها من عدم قدرة النساء والمهمّشين من الوصول إلى البرلمان، وهي بالتالي قدّمت أهمّ النقاط لتشكيل بيئة آمنة ومحايدة للانتخابات، يمكن للمختصّ من خلالها رسم الشكل الأفضل للنظام في سورية القادمة.
مركز حرمون – 16 أيلول/سبتمبر 2021