كتب نزار بعريني – في اطار استراتيجية قوى الثورة المضادة
إضافة إلى دورها الحاسم ، المتواطئ مع الدور الروسي، في تفشيل جهود السلام السوريّة والإقليميّة خلال ٢٠١١ ، التي كانت اكثرها موضوعيّة ” خطّة السلام العربيّة / التركيّة ٢ ” ، فإنّ أخطر ما قامت به الولايات المتحدّة الأمريكية في مواجهة تحدّي الربيع السوري، ومن أجل هزيمة اهداف المشروع الديمقراطي ، تجسّد في خطوتين رئيسيتين ، مترابطتين ، كان لنتائجهما الدور الحاسم في إنجاح أهداف الخيار العسكري/ الطائفي الميليشياوي، في مواجهة استحقاقات ديمقراطية وطنية شاملة :
١-إجراء “إنسحاب تكتيكي” من بغداد وداخل بعض المدن العراقية ، سمح لإيران ، وعميلها المخلص في بغداد ، زعيم حزب الدعوة ، الذراع العسكري والمخابراتي الإيراني الأخطر ، ( السيّد” نور المالكي” ، الذي ترأّس الحكومة ، بتكليف من طهران ، وتوكيل من واشنطن ، في اخطر مرحلة تاريخية من قيام العراق بعد الغزو الأمريكي ، وفي مواجهة تحدّيات الربيع العربي ، في محطّته السوريّة ، ٢٠٠٦- ٢٠١٤ ) ، بتحشيد ، وتمويل ، عشرات الميليشيات الطائفية المسلّحة، السنيّة ” داعش ” والشيعيّة ” الحشد الشعبي ” التي كان لها الدور الحاسم ، بالتكامل مع جهد سعودي مماثل ، في دفع الصراع على مسار الخيار العسكري الطائفي الميليشياوي، وهزيمة اهداف المشروع الديمقراطي للشعب السوري .
٢- التنسيق محليّا وإقليميّا لإطلاق قوات” أوجلان” التركي ، وفرعه السياسي السوري ، الحزب الديمقراطي ، بزعامة صالح مسلم ، وتأسيس ميليشيا ” قسد “ وتحشيد الكرد ، وباقي ” الأقليّات ، في ” الجزيرة السوريّّة ،خلف مشروع سياسي ، شكّلت ” مسد ” واجهته ” الديمقراطية ، المدنيّة ، و شكّل الهدف الرئيسي له دق اسفين في الجسد السياسي السوري الديمقراطي ، وفصل نضال الكرد التاريخي الوطني الديمقراطي عن مسار النضال السياسي السوري الشامل ؛ إدراكا منهم بأهميّة دور الكرد الحاسمة في انتصار أهداف التغيير ، وباستحالة انتصار أهداف المشروع الديمقراطي السوري ، في معزل عن الكرد ، او في مواجهة مشروعهم الخاص ، نظرا لدورهم الوطني الديمقراطي العظيم في نضال السوريين التاريخي .
من المؤلم القول بنجاح جهود ” قسد ” ؛ بفضل دعم أمريكي غير محدود ،وتواطؤ أطراف المحور الروسي، وبعض قوى ” المعارضات “ ، وتحت غطاء مواجهة “داعش” ، التي كان للولايات المتّحدة الدور الاساسي في اطلاقها من العراق ، ومن خلال واجهتها السياسية “مسد “؛ في وضع الأجندة الكرديّة الخاصّة ، في مواجهة الأجندة الديمقراطية لعموم السوريين ، فحققت بذلك عاملا حاسما في خدمة اهداف اعداء التغيير الديمقراطي في سوريا ، وفي مقدمتهم الولايات المتحدّة الأمريكية، وساهمت في هزيمة اهداف المشروع الديمقراطي للشعب السوري.
تعمل ” قسد اليوم” ، استكمالا لدورها ، من خلال منابر ” مناصريها ” السياسية والثقافية ، ورموز سياسية واعلامية معروفة ، وباستخدام ما يوفرها لها الغطاء الامريكي والروسي من حماية ، ودعم مالي ، مسروق من ثروات السوريين ،” لإستمالة خيرة النخب السياسية” الديمقراطية “ السورية ، للسير في إطار مشروعها ، بما يعمّق اغتراب القوى السياسيّة الوطنية عن مسارات النضال الديمقراطي للشعب السوري ، ويدفعها للإرتهان إلى اجندات قسد ، وداعميها الإقليميين والدوليين، المعادية لأهداف المشروع الديمقراطي.
من المؤسف أيضا القول بما تلاقيه مهمّة” قسد ” من ترحيب في وسط القوى الديمقراطية، وتسابق البعض للحصول على ما تقدّمه من فتات ، نتيجة لحالة إحباط ، وعجز يعزّزها إصرار” امريكي روسي” على ” استبعاد ” القوى الديمقراطية، ورفض ادنى اشكال التغيير السياسي، وما ينتج عنه من اغلاق جميع ابواب الأمل !
ما يؤكّد على موضوعيّة تلك القراءة لدور “قسد “، في إطار علاقاتها البينيّة مع قوى ” الثورة المضادة” ، المحليّة والإقليميّة والدولية، اهميّة مشروع قيام مشروعا في اولويات السياسات الأمريكيّة تجاه الصراع في سوريا ، وإدراك واشنطن لضرورة ” تحييد الكرد ” في إطار إنجاح مشروع الثورة المضادة، الساعية قواه لهزيمة أهداف المشروع الديمقراطي السوري ، عدم تتردد سياسات الإدارات الأمريكيّة المتعاقبة ليس فقط بحجم الدعم المالي والعسكري والسياسي الذي وفّرته لقيادة “قسد” ، وما تزال حتّى اليوم ، بل ، والاهمّ من ذلك ، في ” تخليّها “عن حليف استراتيجي اقليمي ،وشريك كبير في ” حلف الناتو “، باهميّة وموقع تركيا ، التي شكّل لها الموقف الأمريكي اخطر التحديدات في مواجهة آثار ، و اخطار الخيار العسكري، الذي كان من مصلحتها معارضته ،و دعم خطط التسوية السياسية العربية طيلة اعوام ٢٠١١- ٢٠١٢ ، وجميع جهود ايجاد حلول سياسية للصراع ، دون أن تلقى جهودها أذناً صاغية في واشنطن ، وهو ما أدَّى إلى تورّطها في الصراع العسكري ، خاصّة بعد رفض واشنطن القاطع لجهود إقامة منطقة آمنة ، تمنع تدّفق ملايين السوريين إلى الداخل التركي ، وتحول دون قيام ” كيان كردي ” ،وهو ما يفسّر أحد اسباب خيبة امل القيادة التركية ، واضطرارها للتنسيق مع الروس والإيرانيين ، في محاولة لتجنّب أخطار مواجهات عسكرية كبرى في جهودها لتحجيم اخطار المشروع القسدي ، ورغم ما أدّى اليه من وضعها في خندق القوى المعادية للتغيير الديمقراطي ، وعلى حساب مصالح السوريين ، ومقوّمات الدولة السورية.
من الجدير بالذكر لفت انتباه السوريين عموما وشرفاء الكرد الديمقراطيون بشكل خاص ، وقادة قسد ، وحاشيّتها ،ايضا ، على حقيقة انّ المصالح والسياسات الأمريكية في تفشيل اهداف المشروع الديمقراطي للشعب السوري هي التي دفعت واشنطن للرهان على دور الكرد ، ودعم أهداف و أدوات أجنداتهم الخاصّة ، وليس أبدا حرصها على تلبية أهداف وحقوق الكرد المشروعة ، التي لن تتحقق ابدا إلا في إطار الدولة الديمقراطية الوطنية السوريّة ؛ وهو ما يعني استعداد واشنطن للتّخلّي عنهم ، كما فعلت في تعاملها مع “ادوات سابقين ” ، عندما تجد في قوّة أخرى ، سوريّة أو خارجية ، خيارا افضل لضمان استمرار حالة التفشيل الوطني الذي وصلت إليه سوريّة ، وضمان استمرار سياسات العداء لسبل التغيير الديمقراطي .
السلام والعدالة للشعب السوري.
نزار بعريني. ٢٣- ١٠- ٢٠٢١
الآراء الواردة بالمقال تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر عن رأي الموقع
Wassim Hassan
عند حديثك بتسليم بدهي عن خيار امريكا الاستراتيجي ”المعادي لأهداف التغيير الديمقراطي“ تقع في مغالطات كبرى, حيث أكدت الوقائع ان امريكا -ولمصلحة الاقتصاد الامريكي- بعد الحرب العالمية الثانية دعمت قيامة اوربا واليابان وغيرهم من الدول لكن بقي الفارق ان النخب اليابانية والالمانية مثلا تلقفت هذا الدعم الامريكي لتطور مجتمعاتها بنظم ديمقراطية بينما كانت بعكس ذلك في مواضع أخرى كبلداننا, وهنا بيت القصيد، نحن من لا يتلقف الخطط الخارجية لصالح بناء الديمقراطية ومجتمعاتنا لعلة في بنيتنا، فنحن في عداء بنيوي مع البرامج الديمقراطية كنخب وكشعوب ، منذ انتشار الشيوعية الدوغمائية الستالينية والقومية الشوفينية وتهافت الاسلامية الماضاوية يتضح اننا نحن اعداء الديمقراطية (فلتنزاح عننا غشاوة النخب المحملة بالايديولوجيا الدينية او الشيوعية وحتى القومية -اعداء الديمقراطية الاساسيون- والذين يكيلون الاتهام كل من موقعه للاخر بمزاعم مختلفة (امبرياليون- شيطان أكبر – اعداء الشعوب…) ، وهذا موضع الخلاف مع ماذهبت اليه في مقالك عزيزي، مازلت مقالك تنهل من نفس المورد الايديولوجي للاسف.
ولا تأخذني لطفا الى عبارات التكتيكي والاستراتيجي في سياسات الدول وتتناسى عقدة مواقف النخب والمجتمع في بلادنا والتي تجتمع على عداء امريكا وهي التي لاتعرف ان تجد حلولا دون تدخل امريكا نفسها التي يبغضون.
اعتقد شخصياً بضعف التدخل الامريكي لصالح قوى التغيير في سوريا وهو من أحد المواجع الكبرى نظراً لقوة تسلح الطغاة الشديد وفرط استخدامهم الحل الأمني والمليشيات التي يستخدمونها مع حلفاءهم بوجه المدنيين والحراك، ولكن من السهل تعليق اخفاقاتنا كمعارضة على الانسحاب الامريكي وترك الروسي يلعب بالمنطقه، متناسين عدم استجابة المعارضة لنداء التحالف بوجه الارهاب وداعش حيث لبت الادارة الذاتية و “قسد” ذلك فمضت في التحالف مع الامريكي، ولكني لا اتفق معك ان العالم كله بشرقه وغربه (روس وايرانيين وربما صين وغيرها) يخضع لارادة امريكا، ولهذا قد يترك الامريكي المنطقة لحساباته الخاصة واولوياته، اما ان نصور كل حركة امريكية دهاء وانتصارا لامريكا ضد كل العالم فهذا يجافي الحقيقة، فكم من خيبة واخفاق وقعت به سياسات ادارات امريكية متعاقبة، وهنا ايضا بيت القصيد، اخطأت امريكا مراراً وربما ستخطئ لاحقاً وهذا ديدن السياسة، فهي لم تكن كلية القدرة يوماً وان كانت الأقوى عالميا في اقتصادها وقواتها المسلحة ودستورها…الخ .
لن يفيدنا هذا الاتهام الشعبوي المستمر لامريكا بأنها سبب ويلاتنا، ولنبحث عن الحقيقة دون تحييز او مواربة بقصد او بدونه، ولو كان طرحك يكسب بعض التأييد الشعبوي لكنه ينافي الوقائع ويتطلب التفكير بجذر القضية، تقبل مروري عزيزي .
وسيم حسان
نزار بعريني
كلّ الاحترام والتقدير ، لحضرتك ، أستاذ وسيم ، وللموقع ، ولجميع المشاركين في إدراته ، والمساهمين في ما يقدّمه .
اعترف أنّ افكار المقال إشكالية ، لايستسيغها الوعي السياسي النخبوي المعارض، بل وقد يجد البعض في افكارها، عند القراءة الغير متأنيّة ، دعما ، لديماغوجيا المؤامرة الكونيّة، وقواها السياسيّة ، وتحميّل مسؤولية خيار العسكرة لطرف واحد ، دون الآخرين ؛ وهو ما يتناقض تماما مع هدف المقال ، ورؤية الكاتب.
ضمن هذا الهمّ ، ومن اجل توضيح حقيقة موقفي السياسي ، وطبيعة النهج الذي اقرأ بادواته احداث الصراع على سوريا ؛ في طبيعة الصراع الجوهري ، وقواه واهدافها، وطبيعة تحالف قوى الثورة المضادة للتغييرالديمقراطي؛ ارجو ان تتكرموا بنشر الحوار الرائع الذي اعقب نشر المقال على صفحتي ، مع الصديق العزيز، الأستاذ وسيم.
جزيل الشكر، وخالص الودّ.
Wassim Hassan
ينطلق مقال الاستاذ نزار بعريني من مسلمة أن الامريكي عدو الديمقراطية المنبعثة من الربيع العربي وسياساته هي ”لضمان استمرار حالة التفشيل الوطني الذي وصلت إليه سوريّة ، وضمان استمرار سياسات العداء لسبل التغيير الديمقراطي“. متهماً ”قسد“ بأنها أداة هذا المشروع الامريكي ”المؤامرة“.
ويسوق الاستاذ بعريني حججه المليئة بالمغالطات الشعبوية تارةً والايديولوجية تارة أخرى، عمادها الاسطوانة التي طالعتنا بها ابواق القومجية العربية والاعلام الستاليني بنسخته السورية الدوغمائية بوجه ”الإمبريالية“ ويشاركها لسان حال التيار الاسلاموي الذي يرى بها ”الشر الأعظم“ التي تبطن رفض الديمقراطية وحقوق الانسان و كل نتاج المجتمعات الغربية من فكر وسياسة تحت تلك الذريعة (الامبريالية والعداء للشعوب) في حين وصلت شعوباً كثيرة بفضل تلك العلوم وتلك الادارات الى مصاف متقدمة كاليابان والمانيا المهزومتين في الحرب العالمية الثانية، في حين تعذر ذلك على شعوب المنطقة المشبعة بالعقل الماضوي والتفسير المؤامراتي للتاريخ.
بداية دعني أتسائل في صلب المقال : ماهي جهود السلام العربية والتركية عام ٢٠١١؟ وكيف تعتقد ان النظام كان سيقبل بالانتقال السلمي؟ وهو الذي اعد العدة لحرب شاملة مع شعبه منذ عقود، وكيف بنى الاستاذ بعريني ذلك التصور القائل بأن فشل ”المساعي السلمية العربية / التركية“ جاء بسبب دور الولايات المتحدة الأمريكية؟ وهي التي لم تتدخل بما يكفي منذ بداية الحراك وحتى الان -ولن اعيدك الى تصريحات سفيرها الأخير في دمشق روبيرت فورد وما بعده (حيث تعاقبت ادارات ثلاث اوباما-ترامب -بايدن وتوافقت على انسحاب امريكا من المنطقة، بعد انتهاء الحملة على الارهاب والقضاء على دولة داعش).
ثم كيف يسهل للمقال تصوير مسلسل هوليودي عن ”الانسحاب التكتيكي“ الامريكي وبالتالي ترك العراق مقصوداً لإيران والمالكي رجل المليشيات الايرانية وكيف لنا ان نقتنع بوصف المالكي بأنه رجل ايران وامريكا -بنفس الوقت- وهي التي تضع اليوم دعمها لنموذج مختلف كالكاظمي في مسعى لاستعادة سيطرة الدولة وليس استمرار تغوّل المليشيات والحشد الشعبي على البلاد… وكيف استطاع صاحب المقال هضم فكرة التكامل السعودي والايراني في العراق ”في دفع الصراع على مسار الخيار العسكري الطائفي الميليشياوي“ وألحقها في سورية ”وهزيمة اهداف المشروع الديمقراطي للشعب السوري“ ، ثم اين معالم المشروع الديمقراطي في سوريا الذي تصدره الاسلام السياسي معارضة ومسلحين منذ الساعات الأولى للحراك؟ والا يحق لنا ان نتسائل عن المشروع الديمقراطي في سوريا؟ ومن سيصدق ان جبهة النصرة او جيش الاسلام ومن على شاكلتهم -عداك عن داعش- سيرعى مشروعا ديمقراطياً؟؟
ولن يشفع القول بالدور الكردي الوطني الديمقراطي العظيم في نضال السوريين التاريخي، ليعمي بصيرتنا عما حصل في مواجهة ”داعش“ ومحاولات الادارة الذاتية وبالاحرى ”مجلس سوريا الديمقراطية“ على ارساء تجربة بديلة عن استبداد الاسد والتطرف بآن، بالرغم من العيوب التي تعتري تلك التجربة الوليدة وبطئها، بل راح الكاتب الى اتهام ”قسد“ بأنها الاسفين ”في الجسد السياسي السوري الديمقراطي“ والتي ”ساهمت في هزيمة اهداف المشروع الديمقراطي للشعب السوري“ وكأننا أمام دور حقيقي للقوى الديمقراطية السورية وهي الغائبة جدياً والتي لم تشكل -حتى الان- ابسط صيغة حضور أو تحالف او جبهة كي تلعب دورا ما في مواجهة المعارضة السياسية والعسكرية الاسلاموية التي تصدرت مشهد الثورة منذ ٢٠١١ ومازالت تصر على الاقصاء وتغييب المختلف عنها.
ودعني أسالك استاذ بعريني : أين هو ”الجسد السياسي السوري الديمقراطي“؟ وهل من بنية حقيقية تستحق اسمها في في مواجهة قوى الثورة المضادة.
على سيرة الثورة المضادة من تقصد ب قوى مضادة في مقالك؟ وهل الصراع الكردي التركي يضع قسد ”في إطار علاقاتها البينيّة مع قوى الثورة المضادة“ ، لايمكنني استيعاب حرب قسد ل داعش بهذا المجال فادراج عبارة الثورة المضادة هنا مناقضة تماماً لمجريات الارض، فداعش ومن يشبهها هم الثورة المضادة واقعياً ومنهم من نجدهم الان كقوى أمر واقع في شمال سوريا.
وعند الحديث عن جهود التسوية “وجميع جهود ايجاد حلول سياسية للصراع ، دون أن تلقى جهودها أذناً صاغية في واشنطن“ لايمكن الزعم ان امريكا من منع الحل السياسي بسوريا لإن الجميع يعلم ان من يرفض الحل السياسي هو النظام المتعنت بحلول امنية عسكرية مدعومة بحلفاء اقليميين ودوليين ويتلظون خلف الفيتو الروسي والصيني عندما يتطلب الامر دورا اممياً حاسماً، والحقيقة انه لا يدعم القرارات الاممية حالياً سوى الغرب والامريكي واقعياً ولك ان تتخيل ان ينسحب الغرب من المنطقة ومن دعم القرارات الدولية حتى يطبق النظام ومن خلفه الروسي والايراني على البلاد اطباقاً تاماً، جوهر الحكاية يكمن بموازين القوى المحلية وأدواتها الركيكة ويتلخص ايضاً بضعف الاداء الامريكي لرأب هذه الركاكة الموضوعية لدى الثورة وبالتالي الضغط بالاكتفاء بعقوبات اقتصادية لن يجدي وجاءت عقوبات قيصر لتطال الناس دون ان تحقق اي استجابة من النظام على تغيير سلوكه، ولن يغيير سلوكه لان تغيير سلوك النظام يعني رحيله فعلياً.
Nizar Baarini
صديقي االمحترم ، لن اردّ على الاتهامات التي تضمنا الردّ ، معتمدا على ذكاء القارىء المهتم ، وقدرته على رؤية الحقائق . علاوة على ذلك ، فانّ القارىء الكتأنّي سيكتشف اسلوب الردّ الذي استخدمته ، في قطع العبارات والجمل والمواقف من سياقها ، وبالتالي تقديمها بما يناسب افكارك ، وبما تتعارض مع مدلولاتها في السياق العام .
عموما ، اكتفي بالإجابة على بعض الافكار والتساؤلات :
اوّلا ،
اسمح لي ان اجيب على تساؤلك :
ماهي جهود السلام العربية والتركية عام ٢٠١١؟ وكيف تعتقد ان النظام كان سيقبل بالانتقال السلمي؟
١- انا لم اقل انّ النظام يقبّل بها ، او باي حلّ سياسي . واضيف ، هو لايفعل ذلك ليس فقط اعتمادا على دعم روسيا وايران ، بل ادراكا منه بحقيقة الموقف الامريكي ، الذي تحاول افكار المقال توضيح طبيعته. يخطأ كليّا مَن يعتقد ان النظام يعوّل ، في اصراره على رفض التغيير، وعلى السير على طريق الخيار العسكري، على موقف روسي / ايراني ، وهو يدرك موقع البلدين في موازين القوى العالميّة!!
٢- بالنسبة لجهود السلام العربية / التركية ، اسمحلي التوضيح .
منذ اللحظات الاولى لتفجّر الحراك الشعبي السلمي ، سعت القوى المتضررة من اهدافه التاريخيّة ،وما يمكن أن ينتج عنه في سياق الإصلاح السياسي ، محليّا وإقليميّا ودوليّا ، بقيادة الولايات المتحدّة الأمريكية ،( التي ادّعت ” صداقتها ” للشعب السوري ، ومارست عمليّا كلّ ما يدعم مسار الخيار العسكري الطائفي، ويمنع حدوث تغيير سياسي)، لمنع تحقق أيّة خطوات على مسار إيجاد حلّ سياسي ،يلبّي الحد الأدنى من اهداف التغيير الديمقراطي، خشيّة أن يؤسس لمرحلة انتقال سياسي للسلطة ، يضع السوريين على عتبة خارطة طريق بناء مؤسسات الدولة الديمقراطية ، وبالتالي توحيد جهدها ، وتنسيق ادواتها لدفع الصراع على مسارات العنف الطائفي والميلشة، كأنجع الخيارات لتحقيق اهدافها. ضمن هذا السياق العام، تمّت خطوات وآليات “دفن “مسار الحل السياسي” ، ، في محطّتين أساسيتين :
الأولى ،
على الصعيد الداخلي / الوطني .
تمّ تفشيل مؤتمر ” اللقاء الوطني ” التشاوري ، الذي انعقد في 10 يوليو/تموز 2011 ، الذي سعى الداعون إليه، والمشاركين بأنشطته من النخب السياسيّة والثقافية الديمقراطية ، كما أعلن رئيسه ، السيّد ” فاروق الشرع “، ” الإعداد لمؤتمر وطني شامل ، يمكن منه الانتقال بسوريا إلى دولة يحظى فيها جميع المواطنين بالمساواة ويشاركون في صياغة مستقبل بلدهم ” .
لقد شكّلت خطّة السلام العربيّة ٢،
التي فشّلها فيتو روسي / صيني ، في ٤ شباط ٢٠١٢ في مواجهة موقف أمريكي ” معارض ” ، منتقد” بشدّة ” ، مشروع ” حل سياسي سلمي ” متكامل ، يتضمّن النقاط التالية:
١-
“تشكيل حكومة وحدة وطنية خلال شهرين تشارك فيها السلطة والمعارضة برئاسة شخصية متفق عليها تكون مهمتها تطبيق بنود خطة الجامعة العربية والاعداد لانتخابات برلمانية ورئاسية تعددية حرة بموجب قانون ينص على اجراءاتها وباشراف عربي ودولي”.
٢-
تفويض رئيس الجمهورية نائبه الاول بصلاحيات كاملة للقيام بالتعاون التام مع حكومة الوحدة الوطنية لتمكينها من اداء واجباتها في المرحلة الانتقالية”.
٣- “اعلان حكومة الوحدة الوطنية حال تشكيلها ان هدفها هو اقامة نظام سياسي ديموقراطي تعددي يتساوى فيه المواطنون بغض النظر عن انتماءاتهم وطوائفهم ومذاهبهم ويتم تداول السلطة فيه بشكل سلمي”.
٤- “قيام حكومة الوحدة الوطنية على اعادة الامن والاستقرار في البلاد واعادة تنظيم اجهزة الشرطة”.
٥- “انشاء هيئة مستقلة مفوضة للتحقيق في الانتهاكات التي تعرض لها المواطنون والبت فيها وانصاف الضحايا”.
٦- “قيام حكومة الوحدة الوطنية بالاعداد لاجراء انتخابات لجمعية تأسيسية على ان تكون شفافة ونزيهة برقابة عربية ودولية خلال ثلاثة اشهر من تشكيلها وتتولى هذه الجمعية اعداد مشروع دستور جديد للبلاد يتم اقراره عبر استفتاء شعبي واعداد قانون انتخابات على أساس هذا الدستور”.
اذا كنتَ تحيلني إلى تصريحات المسؤولين الأمريكيين ، فانا ادعوك ، والقارىء الكريم ، لفهم منطق المصالح ، الوحيد القادر على فهم حقيقية سياسات الدول .
كيف نفسّر الموقف الأمريكي؟
كان في ” خطط السلام العربيّة ” الأولى ولثانية ،مشروعا متكاملا لإنهاء مسار العنف ،وتجنّب الخيار العسكري الطائفي في مواجهة استحقاقات ديمقراطية ؛ وهو السبب الجوهري لرفضه ، لانّ في تحقيق هذه الأهداف تعارضا جذرّيا مع ادوات السيطرة للولايات المتحدة ، التي اعتمدت تاريخيّا ، طيلة سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية ، على سلطات انظمة استبداد ، معادية للديمقراطية ؟!
ألم يَكُن لتنفيذه أن يقطع طريق ” الخيار العسكري” ، ويفتح ابواب مرحلة تاريخية أرقى لبناء مؤسسات الدولة الديمقراطية الوطنية، لو كانت تتوافق نتائجه هذه مع مصالح وسياسات الولايات المتحدة الامريكية، القوّة الأعظم على سطح الكوكب، وصاحبة اكبر مشروع إستراتيجي في كامل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟
ثانيا ،
اذا كنتُ شخصيا اعتقد ببداهة عداء الولايات المتحدّة الأمريكية لاهداف المشروع الديمقراطي لشعوب المنطقة، منذ بدايات جهودها للسيطرة عليها ، ولإعتمادها على ادوات ، وواجهات محليّة لم يكن بينها نظام ديمقراطي واحد ، ( وهذه حقائق ، وليست فرضيات ) ، فانّي اعتمد في قرائتي للموقف الامريكي في هذا المقال على حقائق ، يصعب ضحدها.
١- مَنْ يستطيع ان ينكر أنّ انسحاب امريكي تكتيكي غير مبرر في ظروف هيجان اقليمي ، لم يساعد موضوعيا على اطلاق داعش ؟ هل كانت لتتمكّن عصابة من بضعة ” آلاف من الميليشيا ” أن تحشّد قواتها ، انطلاقا من بغداد ، و تسيطر على ثاني اكبر المدن العراقية ، لولا ” إنكفاء ” الأمريكان ” بذريعة ” الإنسحاب ؟ هل كان ليبرر احد لواشنطن ذاك النجاح الداعشي، في ظلّ وجودها ؟
٢- الذي صنّع النظام الطائفي العراقي هو امريكا ، وليس وجود ” اغلبية ” شيعية ، عندما حلّت الجيش ، بدلا من اعادة هيكلته على اسس وطنية ديمقراطية ، ليتوافق مع اهداف شراكتها مع النظام الايراني ؟
لماذا نتجاهل أنّ الذي ادّى الى انحسار دور السنّة هو نهج امريكي ، سعى لمشاركة ايران في حكم العراق ؟
فهل كان سيظهّر التطرّف السني ، وداعش ، لو سارات الولايات المتحدّة، كمّا ادّعى قادتها كذبا ، بدعم قيام انظمة ديمقراطية في العراق والمنطقة ؟!
٣- انا لا اعلّق اسباب فشلنا على الولايات المتحدّة، لكنّ ما ذكرته من وقائع ، يبيّن الدور الرئيسي الذي لعبته امريكا ، بواقع كونها قوّة عالمية وإقليميّة ، في نجاح قوى الثورة المضادة؟ فهل نستطيع انكار ما ذكرته من حقائق ؟ وهل نستطيع تجاهل الدور الامريكي الحاسم في تحديد مآلات الصراع في المنطقة ؟
٤- النظام التركي كان في علاقة متميّزة مع النظام السوري ، وسعى طيلة عام ٢٠١١ لاقناع النظام باهميّة ايجاد حل سياسي ، ليس فقط خدمة للإخوان ، او للشعب السوري ، لكن ادراكا منه باخطار الخيار العسكري على بلاده.
انّ نقزّم دور تركيا ومصالحها لصالح دعاية ” اخوانية ” هذا غير موضوعي. النظام التركي ليس اخواني ، وينطلق في سياساته الإقليميّة من ارضية الحفاظ على المصالح العليا للدولة التركية .
ارجو ان اكون قد وفّقت في توضيح وجهة نظري ، التي اتمنى فهم دوافعها ، كما اتفهّم وجهة نظركم ، صديقي المحترم، ودوافعها .
ثالثا ،
١- ما ذكرته عن دعم الولايات المتحدّة الأمريكية قيام انظمة ديمقراطية في اوروبا واليابان صحيح ، ولا يتناقض مع ما ذهبتُ اليه حول عداء امريكا الاستراتيجي لاهداف التغيير الديمقراطي في منطقتنا . يبدو لم تلاحظ انني اتحدّث فقط عن سياسيات الولايات المتحدّة في منطقة الشرق الأوسط ،من الباكستان حتّى المغرب ، وقلبها ، خاصّة ، منطقة مثلث النفط الاستراتيجي العالمي، بين ايران والعراق والسعودية . فهل تتكرّم في اعطائنا مثال عن دعم واشنطن لقيام نظام ديمقراطي على كامل مساحة هذه المنطقة ، منذ مشاركتها في اسقاط حكومة مصدّق الديمقراطية في ايران ، ١٩٥٣ ؛ الاغنى ، والاهمّ في استراتيجيات الهيمنة العالمية ؟
أليست هي المنطقة التي تعنينا في الحديث عن استراتيجيات واشنطن ، وليس سواها ؟
٢- بناء الديمقراطية لا ترتبط بشكل اساسي بطبيعة الشعب وثقافته ، التي لها دور ثانوي. الدور الحاسم في بناء انظمة ديمقراطية يرتبط اساسا بطبيعة السلطة السياسية . عندما تصل الى الحكم قوى تتبنّى بناء نظام ديمقراطي ، عندها تبدأ صيرورة بناء نظام ديمقراطي. مَن يملك السلطة ، وطبيعة ادواته ونهجه في الحكم ، هو الذي يحدد طبيعة النظام . الا ترى معي بسعي واشنطن الحثيث لمنع وصول قوى ديمقراطية الى الحكم ، لكي تمنع بناء مؤسسات الدولةالديمقراطية، من خلال انخيازها ، ودعمها لانظمة العسكر الديكتاتورية ؛ في نموذجيها السعودي والناصري ؟
هل يتحمّل الشعب المصري ، وثقافته ، الذي كان يعيش في ظل نظام ديمقراطي ، ومؤسسات دولة ديمقراطية ، مسؤولية وثوب العسكر الى السلطة ؟ ألم يكن لأمريكا وروسيا السوفياتيّة الدور الرئيسي ؟
٣- اذا كنت اتفق معك حول دور لايدولويات القوميّة والشيوعية في تغييب الوعي السياسي الديمقراطي ، سواء عند الشعوب او النخب ، وما نتج عنه من تهميش دور النخب في سياقات التغيير الديمقراطي، ارجو ان تسمح لي بسؤال :
هل كان فشل النخب السياسيّة والثقافيّة الديمقراطية المعارضة في سوريا ربيع ٢٠١١ ، وعجزها عن قيادة الصراع السياسي، الدور الحاسم في تفشيل خيارات الحل السياسي ، ودفع الصراع على مسارات العنف الطائفي؟
الم تكن جبهة قوى الخيار العسكري، محليّا ( النظام ) وإقليميّا ( ايران والسعودية – كأكبر قوتين معاديتين للتفيير الديمقراطي )، وعالميا ، روسيا والصين والولايات المتحدة، هي الاقدر على دفع الصراع بما يخدم مصالحها ؟
ثمّ،
ألم يكن قرار غالبية السوريين ،في عام ٢٠١١ ، داعما او متعاطفا مع التغيير الديمقراطي، لماذا لم تنتصر إرادة الأكثريّة ؟ إذن ليست افكار الشعوب ، ونخبها ، سواء كانت معادية للديمقراطية ، او مناصرة لها هي التي حددت مآلات الصراع السياسي؟
٤- يبدو لم تلاحظ أنّ اتهامات واشنطن بانّها الشيطان الأكبر ، وانّها تقود مؤامرة كونية ضدّ انظمة المقاومة تهدف الى عكس ما اقوله ، لانّها تحاول اخفاء طبيعة علاقاتها مع الولايات المتحدة، بماهي علاقات تشارك في نهب شعوب المنطقة والسيطرة عليها ، من اجل تضليل جمهورها ، وتغيير طبيعة الصراع الجوهري ، بما هو صراع بين خندق الشعوب وقواها السياسيّة الديمقراطية، في مواجهة خندق القوى المعادية للتغيير الديمقراطي، انظمة محلية وإقليميّة وإمبرياليّة. ما اقدّمه يهدف الى فضح تلك العلاقة ، وتبيان مواقع تقاطع المصالح ، وبالتالي لاداعي لتحميلي مسؤولية ديماغوجيا المقاومة ، أليس كذلك؟
٥- لم ياتي الروس الى سوريا في مواجهة مع الامريكان ، وليس على حساب وجودهم . الوجود الروسي هو بالجوهر في اطار تحقيق هدف مشترك مع واشنطن وطهران : حماية سلطة النظام السوري، وقطع سبل التغيير الديمقراطي.
٤- انا لا اقول بخضوع العالم لارادة أمريكيا . انا اتحدّث عن تقاطع للمصالح ، شكّل ابرز مواقعه انسجام مصالح الجميع ، في مواجهة تحدّي الربيع السوري ٢٠١١ ، في منع قيام تحوّل سياسي ، وانتقال ديمقراطي ، وتجسّد سياسيا في تبادل للإدوار ، لتحقيق هدف مشترك .
لقد تقاطعت مصالح واشنطن وموسكو وطهران في قطع مسار التغيير السياسي، وحماية النظام .
إذن ، انا لا اتهمّ امريكا ، وابرّئء ساحات الآخرين . انا اتحدّث عن تحالف استبداد عالمي ، بقيادة واشنطن ، التقت جميع قواه ، من دمشق الى واشنطن ، ومن طهران الى موسكو ، عند هدف اجهاض اهداف التغيير الديمقراطي للشعب السوري. ضمن هذا السياق العام ، اوضّح من خلال احداث واقعية ، كيف ساهم الجميع في تحقيق هذا الهدف.
لنخرج اذا من سياق الاتهامات ، الى ساحات النقاش الموضوعي ، لتبيّنَ من خلاله خطأ ما اسوقهُ من وقائع ،في اطار اثبات وجهة نظري ، وصحّة قرائتي.
ألا تلاحظ انّ اثبات مشاركة الجميع في إطار حروب الثورة المضادة للتغيير الديمقراطي هو الهدف الاساسي لمقالي ، ولكلّ ما اكتبه حول الصراع السوري، بل وفي قراءة احداث المنطقة .
Nizar Baarini
صديقي االمحترم ، لن اردّ على الاتهامات التي تضمنا الردّ ، معتمدا على ذكاء القارىء المهتم ، وقدرته على رؤية الحقائق . علاوة على ذلك ، فانّ القارىء
المتأنّي سيكتشف اسلوب الردّ الذي استخدمته في الرّد ؛ في قطع العبارات والجمل والمواقف من سياقها ، وبالتالي تقديمها بما يناسب افكاركَ ، وبما يتعارض مع مدلولاتها في السياق العام .
عموما ، اكتفي بالإجابة على بعض الافكار والتساؤلات :
اوّلا ،
اسمح لي ان اجيب على تساؤلك :
ماهي جهود السلام العربية والتركية عام ٢٠١١؟ وكيف تعتقد ان النظام كان سيقبل بالانتقال السلمي؟
١- انا لم اقل انّ النظام يقبّل بها ، او باي حلّ سياسي . واضيف ، هو لايفعل ذلك ليس فقط اعتمادا على دعم روسيا وايران ، بل ادراكا منه بحقيقة الموقف الامريكي ، الذي تحاول افكار المقال توضيح طبيعته. يخطأ كليّا مَن يعتقد ان النظام يعوّل ، في اصراره على رفض التغيير، وعلى السير على طريق الخيار العسكري، على موقف روسي / ايراني ، وهو يدرك موقع البلدين في موازين القوى العالميّة!!
٢- بالنسبة لجهود السلام العربية / التركية ، اسمحلي التوضيح .
منذ اللحظات الاولى لتفجّر الحراك الشعبي السلمي ، سعت القوى المتضررة من اهدافه التاريخيّة ،وما يمكن أن ينتج عنه في سياق الإصلاح السياسي ، محليّا وإقليميّا ودوليّا ، بقيادة الولايات المتحدّة الأمريكية ،( التي ادّعت ” صداقتها ” للشعب السوري ، ومارست عمليّا كلّ ما يدعم مسار الخيار العسكري الطائفي، ويمنع حدوث تغيير سياسي)، لمنع تحقق أيّة خطوات على مسار إيجاد حلّ سياسي ،يلبّي الحد الأدنى من اهداف التغيير الديمقراطي، خشيّة أن يؤسس لمرحلة انتقال سياسي للسلطة ، يضع السوريين على عتبة خارطة طريق بناء مؤسسات الدولة الديمقراطية ، وبالتالي توحيد جهدها ، وتنسيق ادواتها لدفع الصراع على مسارات العنف الطائفي والميلشة، كأنجع الخيارات لتحقيق اهدافها. ضمن هذا السياق العام، تمّت خطوات وآليات “دفن “مسار الحل السياسي” ، ، في محطّتين أساسيتين :
الأولى ،
على الصعيد الداخلي / الوطني .
تمّ تفشيل مؤتمر ” اللقاء الوطني ” التشاوري ، الذي انعقد في 10 يوليو/تموز 2011 ، الذي سعى الداعون إليه، والمشاركين بأنشطته من النخب السياسيّة والثقافية الديمقراطية ، كما أعلن رئيسه ، السيّد ” فاروق الشرع “، ” الإعداد لمؤتمر وطني شامل ، يمكن منه الانتقال بسوريا إلى دولة يحظى فيها جميع المواطنين بالمساواة ويشاركون في صياغة مستقبل بلدهم ” .
لقد شكّلت خطّة السلام العربيّة ٢،
التي فشّلها فيتو روسي / صيني ، في ٤ شباط ٢٠١٢ في مواجهة موقف أمريكي ” معارض ” ، منتقد” بشدّة ” ، مشروع ” حل سياسي سلمي ” متكامل ، يتضمّن النقاط التالية:
١-
“تشكيل حكومة وحدة وطنية خلال شهرين تشارك فيها السلطة والمعارضة برئاسة شخصية متفق عليها تكون مهمتها تطبيق بنود خطة الجامعة العربية والاعداد لانتخابات برلمانية ورئاسية تعددية حرة بموجب قانون ينص على اجراءاتها وباشراف عربي ودولي”.
٢-
تفويض رئيس الجمهورية نائبه الاول بصلاحيات كاملة للقيام بالتعاون التام مع حكومة الوحدة الوطنية لتمكينها من اداء واجباتها في المرحلة الانتقالية”.
٣- “اعلان حكومة الوحدة الوطنية حال تشكيلها ان هدفها هو اقامة نظام سياسي ديموقراطي تعددي يتساوى فيه المواطنون بغض النظر عن انتماءاتهم وطوائفهم ومذاهبهم ويتم تداول السلطة فيه بشكل سلمي”.
٤- “قيام حكومة الوحدة الوطنية على اعادة الامن والاستقرار في البلاد واعادة تنظيم اجهزة الشرطة”.
٥- “انشاء هيئة مستقلة مفوضة للتحقيق في الانتهاكات التي تعرض لها المواطنون والبت فيها وانصاف الضحايا”.
٦- “قيام حكومة الوحدة الوطنية بالاعداد لاجراء انتخابات لجمعية تأسيسية على ان تكون شفافة ونزيهة برقابة عربية ودولية خلال ثلاثة اشهر من تشكيلها وتتولى هذه الجمعية اعداد مشروع دستور جديد للبلاد يتم اقراره عبر استفتاء شعبي واعداد قانون انتخابات على أساس هذا الدستور”.
اذا كنتَ تحيلني إلى تصريحات المسؤولين الأمريكيين ، فانا ادعوك ، والقارىء الكريم ، لفهم منطق المصالح ، الوحيد القادر على فهم حقيقية سياسات الدول .
كيف نفسّر الموقف الأمريكي؟
كان في ” خطط السلام العربيّة ” الأولى ولثانية ،مشروعا متكاملا لإنهاء مسار العنف ،وتجنّب الخيار العسكري الطائفي في مواجهة استحقاقات ديمقراطية ؛ وهو السبب الجوهري لرفضه ، لانّ في تحقيق هذه الأهداف تعارضا جذرّيا مع ادوات السيطرة للولايات المتحدة ، التي اعتمدت تاريخيّا ، طيلة سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية ، على سلطات انظمة استبداد ، معادية للديمقراطية ؟!
ألم يَكُن لتنفيذه أن يقطع طريق ” الخيار العسكري” ، ويفتح ابواب مرحلة تاريخية أرقى لبناء مؤسسات الدولة الديمقراطية الوطنية، لو كانت تتوافق نتائجه هذه مع مصالح وسياسات الولايات المتحدة الامريكية، القوّة الأعظم على سطح الكوكب، وصاحبة اكبر مشروع إستراتيجي في كامل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟
ثانيا ،
اذا كنتُ شخصيا اعتقد ببداهة عداء الولايات المتحدّة الأمريكية لاهداف المشروع الديمقراطي لشعوب المنطقة، منذ بدايات جهودها للسيطرة عليها ، ولإعتمادها على ادوات ، وواجهات محليّة لم يكن بينها نظام ديمقراطي واحد ، ( وهذه حقائق ، وليست فرضيات ) ، فانّي اعتمد في قرائتي للموقف الامريكي في هذا المقال على حقائق ، يصعب ضحدها.
١- مَنْ يستطيع ان ينكر أنّ انسحاب امريكي تكتيكي غير مبرر في ظروف هيجان اقليمي ، لم يساعد موضوعيا على اطلاق داعش ؟ هل كانت لتتمكّن عصابة من بضعة ” آلاف من الميليشيا ” أن تحشّد قواتها ، انطلاقا من بغداد ، و تسيطر على ثاني اكبر المدن العراقية ، لولا ” إنكفاء ” الأمريكان ” بذريعة ” الإنسحاب ؟ هل كان ليبرر احد لواشنطن ذاك النجاح الداعشي، في ظلّ وجودها ؟
٢- الذي صنّع النظام الطائفي العراقي هو امريكا ، وليس وجود ” اغلبية ” شيعية ، عندما حلّت الجيش ، بدلا من اعادة هيكلته على اسس وطنية ديمقراطية ، ليتوافق مع اهداف شراكتها مع النظام الايراني ؟
لماذا نتجاهل أنّ الذي ادّى الى انحسار دور السنّة هو نهج امريكي ، سعى لمشاركة ايران في حكم العراق ؟
فهل كان سيظهّر التطرّف السني ، وداعش ، لو سارات الولايات المتحدّة، كمّا ادّعى قادتها كذبا ، بدعم قيام انظمة ديمقراطية في العراق والمنطقة ؟!
٣- انا لا اعلّق اسباب فشلنا على الولايات المتحدّة، لكنّ ما ذكرته من وقائع ، يبيّن الدور الرئيسي الذي لعبته امريكا ، بواقع كونها قوّة عالمية وإقليميّة ، في نجاح قوى الثورة المضادة؟ فهل نستطيع انكار ما ذكرته من حقائق ؟ وهل نستطيع تجاهل الدور الامريكي الحاسم في تحديد مآلات الصراع في المنطقة ؟
٤- النظام التركي كان في علاقة متميّزة مع النظام السوري ، وسعى طيلة عام ٢٠١١ لاقناع النظام باهميّة ايجاد حل سياسي ، ليس فقط خدمة للإخوان ، او للشعب السوري ، لكن ادراكا منه باخطار الخيار العسكري على بلاده.
انّ نقزّم دور تركيا ومصالحها لصالح دعاية ” اخوانية ” هذا غير موضوعي. النظام التركي ليس اخواني ، وينطلق في سياساته الإقليميّة من ارضية الحفاظ على المصالح العليا للدولة التركية .
ارجو ان اكون قد وفّقت في توضيح وجهة نظري ، التي اتمنى فهم دوافعها ، كما اتفهّم وجهة نظركم ، صديقي المحترم، ودوافعها .
ثالثا ،
١- ما ذكرته عن دعم الولايات المتحدّة الأمريكية قيام انظمة ديمقراطية في اوروبا واليابان صحيح ، ولا يتناقض مع ما ذهبتُ اليه حول عداء امريكا الاستراتيجي لاهداف التغيير الديمقراطي في منطقتنا . يبدو لم تلاحظ انني اتحدّث فقط عن سياسيات الولايات المتحدّة في منطقة الشرق الأوسط ،من الباكستان حتّى المغرب ، وقلبها ، خاصّة ، منطقة مثلث النفط الاستراتيجي العالمي، بين ايران والعراق والسعودية . فهل تتكرّم في اعطائنا مثال عن دعم واشنطن لقيام نظام ديمقراطي على كامل مساحة هذه المنطقة ، منذ مشاركتها في اسقاط حكومة مصدّق الديمقراطية في ايران ، ١٩٥٣ ؛ الاغنى ، والاهمّ في استراتيجيات الهيمنة العالمية ؟
أليست هي المنطقة التي تعنينا في الحديث عن استراتيجيات واشنطن ، وليس سواها ؟
٢- بناء الديمقراطية لا ترتبط بشكل اساسي بطبيعة الشعب وثقافته ، التي لها دور ثانوي. الدور الحاسم في بناء انظمة ديمقراطية يرتبط اساسا بطبيعة السلطة السياسية . عندما تصل الى الحكم قوى تتبنّى بناء نظام ديمقراطي ، عندها تبدأ صيرورة بناء نظام ديمقراطي. مَن يملك السلطة ، وطبيعة ادواته ونهجه في الحكم ، هو الذي يحدد طبيعة النظام . الا ترى معي بسعي واشنطن الحثيث لمنع وصول قوى ديمقراطية الى الحكم ، لكي تمنع بناء مؤسسات الدولةالديمقراطية، من خلال انخيازها ، ودعمها لانظمة العسكر الديكتاتورية ؛ في نموذجيها السعودي والناصري ؟
هل يتحمّل الشعب المصري ، وثقافته ، الذي كان يعيش في ظل نظام ديمقراطي ، ومؤسسات دولة ديمقراطية ، مسؤولية وثوب العسكر الى السلطة ؟ ألم يكن لأمريكا وروسيا السوفياتيّة الدور الرئيسي ؟
٣- اذا كنت اتفق معك حول دور لايدولويات القوميّة والشيوعية في تغييب الوعي السياسي الديمقراطي ، سواء عند الشعوب او النخب ، وما نتج عنه من تهميش دور النخب في سياقات التغيير الديمقراطي، ارجو ان تسمح لي بسؤال :
هل كان فشل النخب السياسيّة والثقافيّة الديمقراطية المعارضة في سوريا ربيع ٢٠١١ ، وعجزها عن قيادة الصراع السياسي، الدور الحاسم في تفشيل خيارات الحل السياسي ، ودفع الصراع على مسارات العنف الطائفي؟
الم تكن جبهة قوى الخيار العسكري، محليّا ( النظام ) وإقليميّا ( ايران والسعودية – كأكبر قوتين معاديتين للتفيير الديمقراطي )، وعالميا ، روسيا والصين والولايات المتحدة، هي الاقدر على دفع الصراع بما يخدم مصالحها ؟
ثمّ،
ألم يكن قرار غالبية السوريين ،في عام ٢٠١١ ، داعما او متعاطفا مع التغيير الديمقراطي، لماذا لم تنتصر إرادة الأكثريّة ؟ إذن ليست افكار الشعوب ، ونخبها ، سواء كانت معادية للديمقراطية ، او مناصرة لها هي التي حددت مآلات الصراع السياسي؟
٤- يبدو لم تلاحظ أنّ اتهامات واشنطن بانّها الشيطان الأكبر ، وانّها تقود مؤامرة كونية ضدّ انظمة المقاومة تهدف الى عكس ما اقوله ، لانّها تحاول اخفاء طبيعة علاقاتها مع الولايات المتحدة، بماهي علاقات تشارك في نهب شعوب المنطقة والسيطرة عليها ، من اجل تضليل جمهورها ، وتغيير طبيعة الصراع الجوهري ، بما هو صراع بين خندق الشعوب وقواها السياسيّة الديمقراطية، في مواجهة خندق القوى المعادية للتغيير الديمقراطي، انظمة محلية وإقليميّة وإمبرياليّة. ما اقدّمه يهدف الى فضح تلك العلاقة ، وتبيان مواقع تقاطع المصالح ، وبالتالي لاداعي لتحميلي مسؤولية ديماغوجيا المقاومة ، أليس كذلك؟
٥- لم ياتي الروس الى سوريا في مواجهة مع الامريكان ، وليس على حساب وجودهم . الوجود الروسي هو بالجوهر في اطار تحقيق هدف مشترك مع واشنطن وطهران : حماية سلطة النظام السوري، وقطع سبل التغيير الديمقراطي.
٤- انا لا اقول بخضوع العالم لارادة أمريكيا . انا اتحدّث عن تقاطع للمصالح ، شكّل ابرز مواقعه انسجام مصالح الجميع ، في مواجهة تحدّي الربيع السوري ٢٠١١ ، في منع قيام تحوّل سياسي ، وانتقال ديمقراطي ، وتجسّد سياسيا في تبادل للإدوار ، لتحقيق هدف مشترك .
لقد تقاطعت مصالح واشنطن وموسكو وطهران في قطع مسار التغيير السياسي، وحماية النظام .
إذن ، انا لا اتهمّ امريكا ، وابرّئء ساحات الآخرين . انا اتحدّث عن تحالف استبداد عالمي ، بقيادة واشنطن ، التقت جميع قواه ، من دمشق الى واشنطن ، ومن طهران الى موسكو ، عند هدف اجهاض اهداف التغيير الديمقراطي للشعب السوري. ضمن هذا السياق العام ، اوضّح من خلال احداث واقعية ، كيف ساهم الجميع في تحقيق هذا الهدف.
لنخرج اذا من سياق الاتهامات ، الى ساحات النقاش الموضوعي ، لتبيّنَ من خلاله خطأ ما اسوقهُ من وقائع ،في اطار اثبات وجهة نظري ، وصحّة قرائتي.
ألا تلاحظ انّ اثبات مشاركة الجميع في إطار حروب الثورة المضادة للتغيير الديمقراطي هو الهدف الاساسي لمقالي ، ولكلّ ما اكتبه حول الصراع السوري، بل وفي قراءة احداث المنطقة .