النظام السوري واللعب على الوقت

في خطوة وصفت بالمفاجِئة، في التاسع من تشرين الثاني الجاري، وصل وزير خارجية الإمارات “عبد الله بن زايد“، برفقة مسؤولين إماراتيين، إلى دمشق، والتقى رأس السلطة-الطغمة، في زيارة تعد الأولى من نوعها لمسؤول عربي بهذا المستوى، وذلك منذ انطلاقة الثورة السورية وبعد أن علّقت جامعة الدول العربية عضوية سوريا في 12 تشرين الأول 2011.

وقد برر الوزير زيارته زاعماً ”أن بلاده تدعم جهود الاستقرار في سوريا، وأن الوضع السوري قد أثَّر على كل الدول العربية“ وأنها تأتي في سياق سعي من الإمارات من أجل ”تجنيب المنطقة المزيد من الاحتقان والصراعات المستمرة“.

وكانت الفترة الأخيرة قد شهدت إقبال عدد من الدول العربية على التواصل وحتى إعادة العلاقات مع النظام، وكأننا أمام مسار تطبيع عربي متسارع، حيث أعادت الإمارات والبحرين فتح سفارتيهما منذ أواخر 2018، على مستوى القائمين بالأعمال، ثم ما لبث الأردن أن فتح الحدود الأردنية السورية، كما أجرى الملك الأردني عبد الله اتصالاً مع رأس النظام في مطلع تشرين الأول المنصرم، وفي العشرين من الشهر نفسه اتصل ولي عهد أبو ظبي ”محمد بن زايد آل نهيان“ بالأسد  لفك ”العزلة العربية“ عنه. 

وفي ردها على هذه التحركات، جاء تعبير الخارجيّة الأمريكيّة عن قلقها عما يجري بلهجة دبلوماسية، فأكدت: “كما قلنا من قبل، لن تعرب الإدارة الأمريكيّة عن أي دعم لجهود تطبيع أو إعادة تأهيل لبشار الأسد“. ومازالت الولايات المتحدة تلاحق أفراداً ومؤسسات تابعة للنظام، المتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وبانتهاكات حقوق الإنسان وباستخدام أسلحة محرمة دولياً عبر شن هجمات بالأسلحة الكيماوية على المدنيين، لذلك قامت بتجميد عملية إعادة الإعمار، وفق عقوبات قانون قيصر في 17 حزيران 2020، وذلك حتى يمتثل النظام ويمضي بالانتقال السياسي طبقاً لقرار مجلس الأمن  2254 .

صحيح أن الزيارات والاتصالات العربية غير قادرة -من وجهة نظرنا- على انتشال النظام من أزماته ولا من فك الحصار الغربي المفروض على عملياته المالية، وبالنتيجة هي عاجزة عن تحقيق الحل السياسي وفق تصور روسيا وإيران، والبدء في إعادة الإعمار ورفع العقوبات، وجل ما يمكن أن تحققه هذه الاتصالات التطبيعية لن يتجاوز المكاسب الإعلامية لنظام الأسد، والتي يمكن أن يستثمرها في إلهاء وتخدير مناصريه الزاحفين إلى بلاد اللجوء نتيجة التعب واليأس في صفوفهم على أثر الإصرار على حله الأمني العسكري المنهِك معيشياً وأمنياً ومن كل النواحي.

 من جهة المعارضة، وبمبادرة من “هيئة التنسيق الوطنية”، التقى وفد من الهيئة مع قيادة “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة“ في اسطنبول في خطوة تأخرت كثيراً، وعلى الرغم من ذلك يمكن المراهنة والبناء عليها -رغم تواضع نتائجها المبدئية والخلاف على اقتسام التمثيل في هيئات المعارضة الرسمية- في مواجهة فشل التفاوض مع سلطة دمشق بعد الدورة السادسة لاجتماعات اللجنة الدستورية، وضرورة الانفتاح على شرق الفرات- وهو ما تدفع الولايات المتحدة إليه، منعاً لارتماء ”قسد“ في حضن الأسد وإيران أمام التهديدات التركية بين الحين والآخر، وحيث يمكن لهيئة التنسيق أن تلعب دوراً وازناً في هذا السياق، خاصة عندما نشهد تخفيف لهجة أردوغان وتراجع تهديداته العدوانية تجاه الكرد تحت وقع الإصرار الأمريكي على حماية ”قسد“ وعلى إيقاع التحضير للانتخابات التركية ومحاولة شراء أصوات الكرد المؤثرة داخل تركيا، ودون إغفال أثر تراجع الاقتصاد وتدهور قيمة الليرة التركية المتسارع، على سياسات أنقره وخياراتها. 

وفي المشهد السياسي الأوسع، يجري التحضير لبدء مفاوضات الملف النووي الإيراني، في فيينا، في التاسع والعشرين من تشرين الثاني الجاري، كما هو مقرر، وتقدم الدوائر الغربية تساهلات شكلية لتمرير اللقاء وعقد الاتفاق الجديد، كما يجري في الوقت نفسه العمل على تسوية سعودية-تركية، وهما البلدان صاحبتا المصلحة بتقويض نفوذ إيران في المنطقة، تلك التسوية التي نعتقد أنها بالطبع لابد أن تمر عبر ملف سوريا ولبنان حيث النفوذ الإيراني الوقح، ودون أن نستبعد وجود تنسيق إماراتي-إسرائيلي لإغواء الأسد بإنعاشه والإبقاء على سلطته عبر السّعي لفك عرى تحالفه الوثيق مع طهران، الأمر الذي تؤكد الوقائع صعوبته حد الاستحالة، فسقوط تحالف الأسد مع إيران، في كل المقاييس، يعني انهيار نظامه. لقد عودتنا السلطة-الطغمة على استثمار التناقضات الإقليمية والدولية، بمهارة تتعلم منها الشياطين، وحيث الثورة المضادة بوجهيها السلطوي العسكري-الأمني، والإسلاموي الفصائلي-السياسي، قد سحقت المواطن السوري في مناطق نفوذها عموماً وجعلت همه الحقيقي تأمين أبسط متطلبات الحياة اليومية، وأبعدته -وهو عماد الثورة- عن المشاركة الفاعلة في صنع مصيره.

نرى في “تيار مواطنة” أن حجم تعقيدات الساحة الدولية والإقليمية قد انعكس بقوة على الساحة السورية، ولكن تأخر تضامن المعارضة السورية، بشقيها شرق الفرات وغربه، في مواجهة النظام، سمح ومازال يسمح لسلطة الأسد باستغلال ضعف الطرف الآخر واللعب على الوقت -رغم استمرار العقوبات الغربية- والمراهنة على فك العزلة السياسية والاقتصادية بالترافق مع الانفراج المتوقع تجاه حليفه الإيراني، هذا إن أثمرت لقاءات فيينا اتفاقاً نووياً جديداً.

تيار مواطنة – مكتب الاعلام – ٢٥تشرين ثاني/نوفمبر٢٠٢١

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة