في المشهد السياسي السوري الراهن ، واسألته الجوهرية ! – نزار بعريني
في العلاقة الإشكالية بين “إعادة التأهيل” و” الإصلاح” !
الجزء الأوّل :
“إعادة التأهيل” ، بالمعنى الحرفي للمفهوم ، قد تُشير إلى عملية إخضاع احد اعضاء الجسم المعطوب لعلاج فيزيائي ، يعمل على استعادته لأدواره الوظيفية ، في إطار آليات أنظمة الجسم ، وبالتكامل مع أعضائه الأخرى ؛ وقد يتوسّع المفهوم قليلا ،عندما يرتبط بإعادة تأهيل ” مجرم سابق ” أنهى عقوبته القانونية ، ويُراد له أن يعود إلى نمط حياته الطبيعي بين أفراد اسرته، ودوره الإجتماعي!
من الطبيعي ان تتوسّع معاني المصطلح ، وتأخذ أبعادا أشمل ، عندما يقصد به توصيف مجموعة إجراءات ترتبط ب”إعادة تأهيل” سلطة سياسية، تعرّضت لحالة ” تفشيل ” بنيوية ، في سياق حرب طويلة ، تصارعت فيها أذرع ميليشياويّة طائفية ،
جعلتها في حالة إعاقة ، تمنع قيام مؤسسات نظامها بدورها الوظيفي ،الإجتماعي ،او السياسي أو الحكومي ، السلطوي ، وأصبح من الضروري العمل على” إعادة تأهيل” مؤسساتها ، بما يُعيد تمكينها من القيام بوظائفها الطبقيّة ” الوطنيّة “، وفي إطار شبكة مصالح وسياسات قوى النظام العالمي، إقليميّا وعالميا !
بداية ، من الجدير بالملاحظة أنّ معاناة ونتائج الصراعات التي تنتج، وتواكب ، سيرورة” إعادة التأهيل” تصبح اكثر قساوة، عندما تتزامن مع نتائج سياسات مشروع “ الخصخصة ” ، على الشعوب، ومؤسسات” الدولة الإجتماعيّة “، على حدّ سواء ؛ التي تَتّخذ سلطات النظام الحاكم إجراءاتها الاقتصادية القاسية في سياق إندماجها الكامل “مع آليات وشباك نهب مؤسسات “العولمة ” الإمبريالية، و خضوعها لإملاءاتها و ” نصائحها ” ، متخلّية بطريقة مؤلمة و مهينة ، عن دور الدولة الإجتماعي ، الذي يشكّل صمام أمان في بلدان ” هشّة ” كسوريا ، لم تصل إلى حالة استقرار سياسي ، مُقَونَن ! (١) .
قد نتصوّر عمق معاناة السوريين، إذا ادركنا ما أصاب وسائل وآليات ” حماية المستهلك ” الحقيقية من تهميش و إقصاء ( رغم تعدد اسماء الوزارات التي تحمل الاسم، وتنوّع يافطات جمعيات ” العمل الإنساني ” !)، في ظلّ سياسات سلطويّة ، استعلائية ،تصنعها، عن سابق اصرار وترصّد ، سياسات ” مبتكرة ” ، تستغلّ ظروف الحرب ، وتتغطّى ببقايا شرعيّة منخورة، ويستقوي القائمون عليها بمظلّة احتلالات متعددة الطبقات والجنسيات، تتجسّد في سياسات “خصخصة” من طبيعة ” خاصّة ” ، تطال بنى الدولة ” الإجتماعية ” والسياسية “، وتسعى لخلق ” تجانس “فريد ،يُعيد فرز ما تبقّى من السوريين ، الذين خرجوا في ٢٠١١ طلبا للإصلاح ، وتوقا للكرامة والحريّة ، وتطلّعا لبناء دولة القانون ،إلى طبقتي “الأسياد” والعبيد”؛ في إنكار مهين للثمن الباهظ الذي دفعه الجميع على مذبح التحرر من جميع أشكال الظلم ، لحرب ظالمة ، لاناقة لهم فيها ولاجمل ، تجاوز عدد ضحاياها مئات الألوف ، بين قتيل ومغيّب وجريح ومعاق ، وخلّفت مدناً مدمّرة بطريقة وحشية ؛ ليصبح مفهوما ، بعد كلّ ما حدث ، أن لا يحظى كلّ هذا التدمير والتهجير الممنهج من ردود أفعال حقيقية رادعة ، من قبل الولايات المتحدّة ومجتمعها الدولي ، أكثر ما يرفع العتب ، ويضلل السوريين والرأي العام، ويؤكّد التورط المباشر بالصراع ، والمسؤولية الاولى عن مآلاته ، وما نتج عن مسارات تحقيق اهدافه !!
قد تفسّر تعقيدات هذا الظرف العام” إرتباك ” الوعي السياسي المعارض عند محاولة التصدّي لإشكالية العلاقة بين ” إعادة التأهيل ” و”الإصلاح“، في محاولة نخبه قراءة المرحلة الحالية من الصراع ، وما ينتج من استنتاجات غير موضوعية ؛ وهو ما يجعل من ضرورة إزالة الإلتباس الذي تخلقه طبيعة تلك العلاقة ” الإشكالية ” ، سواء في توافقها او تعارضها ، مهمّ جدّا ، في سياق الجهود الساعية لإعطاء توصيف موضوعي للوضع السياسي السوري الراهن، والوصول إلى استنتاجات واقعية ، وعلى أمل استشراف المستقبل ، بمآلات حركته الرئيسة .
من هنا تأتي اهمية حوار افكار “الفرضية ” التي يطرحها الرأي العام النخبوي ، التي تقول :
طالما تتساوى اهداف” الإصلاح ” مع اهداف” إعادة التأهيل ” ، وطالما أنّ في إمكانية الإصلاح استحالة ، يصبح من المنطقي الإستنتاج أنّ تحقيق اهداف مشروع “إعادة التأهيل” غير واقعي، وأنّ في إطلاق صيرورته عدم إمكانية !! (٢).
شخصيّا ، ازعمُ ليس فقط بتناقض صيرورتي “الإصلاح”( التغيير )و”إعادة التأهيل ” في الحالة السوريّة، بعكس ما يحاضرون ، بل و أن إمكانية تحقق أهداف مشروع “إعادة التأهيل” قد تجاوزت الفرضيات ، و أصبحت واقعا ، بعد حوالي ست سنوات من إطلاقها ؛ بتقاطع في الجهد والمصالح بين اقوى دولتين إمبرياليتين ؛ الولايات المتحدة الأمريكية ، وروسيا الاتحادية ؛ مباشرة بعد تدخّل جيشيهما في الصراع المسلّح ،خلال ٢٠١٤- ٢٠١٥ !
من حقّ البعض أن يستغرب هذه الرؤية ،لإنها تنسف مجمل افكار ” منظومة الوعي السياسي” الذي يعتقدون بموضوعتيها ، وتكشف طبيعة الاوهام التي يبنون عليها تطلّعاتهم السياسية !!
من هنا ، أحاول في هذه الدراسة كشف عدم موضوعية الاستنتاج النخبوي القائل بعد إمكانية حصول ” إعادة التأهيل” ،التي أعتقد انّ صيرورتها قد بدأت قبل سنوات ، وانّ تحقيق اهدافها شكّل الدافع الأساسي لتدخّل جيوش الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الآنف الذكر .
▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎
(١)-
تحاول” افتتاحية ” العدد١٠٤٦ لجريدة” قاسيون “، التي تفضّل الصديق “ كريم شحود ” بنشرها على صفحته ، القاء الضوء على بعض اوجه الكارثة في نهج ” الخصخصة ” السوريّة !!
” إذا كانت عملية رفع الدعم قد بدأت بشكل تدريجي مع انطلاق ما سمي «اقتصاد السوق الاجتماعي» عام 2005، وكانت تصب بشكل مباشر في مزيد من التشوه في العلاقة بين الأجور والأرباح، وترجمت نفسها بارتفاع نسبة الفقر خلال 5 سنوات من 30% إلى 44% من السوريين، فإنّ ما يجري من عمليات رفع دعم هذه الأيام يهدف إلى ما هو أبعد من مجرد تعظيم النهب…
أيّ جهاز دولة كان، له من حيث من المبدأ وظيفتان أساسيتان: القمع والتنظيم. القمع بمعنى استخدام القوّة، أو الإيحاء باستخدامها، للحفاظ على نمط توزيع ثروة محدد، والتنظيم بما يتضمنه من وظائف اجتماعية متنوعة لجهاز الدولة.
عملية رفع الدعم الجارية تستهدف إنهاء أي دور اجتماعي لجهاز الدولة، وتالياً تحويله إلى أداة قمع عارية بأيدي أصحاب النهب… وهذا لا يهدد المنظومة السياسية الاقتصادية الاجتماعية فحسب، بل ويهدد وجود جهاز الدولة نفسه، ووجود الدولة نفسها“ .
(٢) –
اتفقت جميع آراء الضيوف الكرام ، الدكتور” عبد الله تركماني” والدكتور” لؤي صافي” والأستاذ” موفّق نيربية” ، المشاركين في الندوة الاولى التي اقامتها “ أمارجي– لجان الديمقراطية السورية” بتاريخ ١٣ت٢ ، بعد إنعقاد مؤتمرها السنوي الثاني في ٢٦ أيلول ٢٠٢١ ، على عدم إمكانية تأهيل النظام ، اعتقادا منهم بعدم إمكانية إصلاحه ، مفترضين ضمنا بتساوي صيرورتي الإصلاح وإعادة التأهيل .!
ما جاء في طرح الدكتور “ عبد الله تركماني ” هو التعبير الأكثر وضوحا عن ربط إعادة التأهيل بالإصلاح ،والقائل بعدم إمكانية إعادة التأهيل ،بل وعبثيّة محاولات تحقيق صيرورته :
” …..لايمكن تأهيل النظام ! الحكي عن إمكانية تأهيل النظام ، الذي ينتشر في هذه الفترة ، خاصّة بعد زيارة عبد الله بن زايد ، وزير خارجية الامارات، وتصريحات وزير خارجية الجزائر .
اعتقد ، كما يقول المثل ” يللي يَجرّب المجرَّب، عقله مخرّب ” !
طيلة سنوات ، منذ ٢٠٠٠، وقعت محطّات عديدة لإمكانية التأهيل والإصلاح ، وفتح افق جديد لسوريا ، والشعب السوري ، ولكن ، عمليا ، بنية هذا النظام ، لأتقبل ، حتّى الإصلاح التدّرجي !
بمعنى ، انّه إعادة التأهيل غير ممكنة ، بحسب اعتقادي “.
يؤكّد الدكتور لؤي صافي هذه الفكرة :
في تناوله للأبعاد الأربعة المرتبطة ب”إشكالية العلاقة بين التأهيل والتغيير ” ، العنوان الرئيس للندوة ،ذكر الدكتور العوامل الداخلية ، المتعلّقة بسلطة النظام والمعارضة ، والخارجية ، المرتبطة بالعامل الإقليمي والدولي ،مبيّنا عدم إمكانية إصلاح النظام ، ليصل إلى استنتاج :
” هناك جهد كبير من قبل روسيا ، والمنظومة العربية الإقليمية ، لتأهيل النظام . وأنا اعتقد أنّ هذا الجهد سيفشل . سيفشل ..”.
مما جاء في إطروحة الأستاذ ” موفّق نيربيه“:
” نحن يجب ان نكون مع الإصلاح ، خصوصا عندما نرى أن الإصلاح يمكن أن يكون أكبر من ثورة ،( كما قال الياس مرقص، خصوصا ). نحن يجب ان نكون مع الواقعية السياسية…”، وبعد أن يستطرد بأثبات عدم إمكانية إصلاح النظام، يقول :
“فيما يخصّ إمكانية ” إعادة التأهيل النظام ” ،
لن يصعب ابدا إثبات أنّ هذا النظام عصيٌّ على إعادة التأهيل، ممتنع عن تأهيل سلوكه ، عاجز عن تغيير سلوكه !.
يبدو واضحا الربط بين إعادة التأهيل، وتغيير السلوك ” الذي لن يأتي سوى في سياق الإصلاح .
إذا كانت دلائل عدم إمكانية إصلاح النظام ، وأسبابها، ( التي لاتقتصر ، كما اكّدت دروس الحرب الأخيرة ، على العامل الذاتي ،ولا حتى على العامل الإقليمي ، بل تشمل شبكة علاقات “صموده ” العالمية في وجه حركة التغيير والإصلاح )، غير قابلة للدحض ، ولا يمكن إنكارها ، او تجاهل منطقها ، كما يؤكّد ضيوف الندوة، فكيف يمكن تجاهل أحداث واقعية، تدلل على إطلاق صيرورة “إعادة التأهيل ” ، بمعاركها وقواها واهداف مشروعها ، في اعقاب التدخّل العسكري المباشر لجيوش الولايات المتحدّة وروسيا، ٢٠١٤-٢٠١٥ ، واستمرارها حتّى الآن ، والوصول الى الإستنتاج بتساوي ، صيرورة المشروعين ، الإصلاح ، وإعادة التأهيل، من حيث السياق التاريخي ، والأهداف ، والقوى، وبالتالي ، استحالة حدوث مشروع ” إعادة التأهيل”؟!.
▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎
الجزء الثاني :
في العلاقة الإشكالية بين
“إعادة التأهيل“ الإصلاح“!
أحاول في هذا الجزء من الدراسة كشف عدم موضوعية الاستنتاج النخبوي القائل بتساوي صيرورتي” الإصلاح” و”إعادة التأهيل” ، وبعدم إمكانية حدوث “إعادة التأهيل” ،التي أعتقد انّها قد بدأت قبل سنوات ، وانّ تحقيق اهدافها شكّل الدافع الأساسي لتدخّل جيوش الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا المباشر في الصراع المسلّح، خلال ٢٠١٤ – ٢٠١٥ .
لنبدأ بالسؤال التالي :
متى تتساوى اهداف” الإصلاح “مع اهداف” إعادة التأهيل“، وتأتي في سياق صيرورة واحدة؟
تتقاطع أهداف ” مشروع ” إعادة التأهيل ” مع أهداف مشروع ” الإصلاح/ التغيير ” ، في سياق صيرورة واحدة ، فقط عندما يستهدف” مشروع الإصلاح” ، إصلاح ” الخلل البنيوي ” الذي يعاني منه النظام السياسي السوري، المهيمن على السلطة منذ ١٩٦٣ ، ولا يقتصر فقط، كما يحدث منذ ٢٠١٥ ، على سياسات ” إصلاح تأهيلي ” لآليات عمل اجهزة ومؤسسات سلطتة القائمة ، التي اصابتها نتائج الحرب بأضرار مختلفة الأشكال والمستويات ، أصبحت تُعيق استمرار دورها الوظيفي ، في إطار نهج النظام القائم نفسه ، وبما يعانيه من عطب بنيوي، وفي سياق سياسات تعميق ارتهانه لشباك النهب التشاركي الإمبريالي .
بمعنى ، تتوافق أهداف ” إعادة التأهيل ” مع ” الإصلاح السياسي” عندما يشكّل هدف ” إصلاح” العطب البنيوي ، المتمثّل في الطبيعة الإستبدادية ، أساس ومنطلق “صيرورة إعادة التأهيل” ، التي تتضمّن عندئذ ، بالضرورة ، تنفيذ حزمة إجراءات ، تبدأ بخطوات انتقال سياسي ، وتحوّل ديمقراطي ، وهذا غير وارد في مصالح وسياسات القوى التي تقود ، وتنفّذ مشروع إعادة التأهيل منذ ٢٠١٥ ، كما بيّنت سياسات واشنطن وموسكو ، بما يؤكّد حالة التناقض القائمة بين صيرورتي إعادة التأهيل و الإصلاح، في الأهداف والقوى والسياق التاريخي!
كيف نفهم طبيعة العلاقة الجدلية بين إعادة التأهيل والإصلاح في الحالة السوريّة ؟
“الإصلاح السياسي ” هو مسار تغيير تدريجي ، غير عنيف ، لآليات ونهج الحكم التسلّطي، ينسجم مع الإتجاه التقدّمي في حركة التاريخ ، ويلبّي شروط الضرورة التاريخية ، ويحقق مصالح جميع السوريين ، وأمالهم في بناء مقوّمات مشروع ديمقراطي ، حضاري ، حديث . هوهو صيرورة معالجة الخلل البنيوي ، التاريخي، المرتبط ، بشكل خاص بقضيّة ” الشرعية الدستورية ” التي مكّن افتقادها السلطة ، من منع حدوث “اصلاح سياسي” عام ٢٠١١ ، ( ودفع الحراك الشعبي السلمي، المطالب بالإصلاح، على مسارات حرب مدمّرة ،كان يمكن تجنّبها ، في ظل حكم القانون )، وانتج ” تهميشها ” ، خلال العقود الأربعة السابقة على الحرب ، أسباب تفشيل شامل لآليات عمل النظام ، وأدخله، وسوريا ، في نفق الإستبداد المظلم !
” إعادة التأهيل “ من جهة ثانية ، هي بالدرجة الأولى عمليات ” إصلاح ” ما نتج عن مسار الحرب من “تفشيل” شامل او جزئي لآليات عمل النظام ،ومؤسسات سلطته ، وفي مقدمتها إنهيار سيطرته السياديّة على مناطق الجغرافيا السوريّة التي خرجت عنها خلال مراحل الحرب الأولى، والتي باتت في مطلع ٢٠١٥ تقع تحت سيطرة سلطات الأمر الواقع ، أذرع الثورة المضادة .
علاوة على ذلك الأختلاف في السياق والقوى.
في حين يشترط تتحقق أهداف ” الإصلاح السياسي مشاركة فاعلة، وبجهد مشترك ، وفي سياق سيرورة تراكم نضالات السوريين من جميع اطياف وشرائح الشعب السوري، المدنية والعسكرية ، ونخبه السياسية والثقافية، الوطنية والديمقراطية ، من خلال مسار إصلاح سياسي تدريجي، تراكمي ، يبدأ بخطوة الإنتقال السياسي، و يضع السوريين على طريق التحوّل السياسي الديمقراطي ، ويفتح ابواب ومسارات صيرورة بناء مؤسسات الدولة الديمقراطية الوطنية ؛ تعود ولادة صيرورة” إعادة التأهيل ” إلى فترة منتصف ٢٠١٤- وخلال ٢٠١٥ ،( التي اعقبت المرحلة الأولى من حروب الثورة المضادة ، بين ٢٠١١- ٢٠١٤ ، التي شهدت تقدّم خيار “الحل العسكري الطائفي”، الذي تبنّاه ، ودفع الصراع السياسي إليه، تحالف قوى الاستبداد، في مرتكزاته السورية والإقليمية والدولية؛ تلك الدولة والأنظمة التي تقاطعت مصالحها، وتكاملت جهودها ، حول تحقيق الهدف الإستراتيجي لقطع مسار الحل السياسي، و الإصلاح، والحفاظ على سلطة النظام، بقيادة واشنطن وموسكو)،الذي قادته ، وانخرطت في حروبه بشكل مباشر ، الولايات المتحدّة و روسيا، ساعية لتحقيق الخطوة الاهمّ في صيرورة إعادة التأهيل؛ استعادة الجغرافيا المتمّردة.
اذا اقتصر التحليل على المرحلة الثانية من الحرب، بعد التدخّل العسكري المباشر الأمريكي والروسي (٢٠١٤- ٢٠١٥)، يبدو التنسيق، وتكامل الأدوار الأمريكية الروسية واضحاً، لإزالة “العقبات” التي تركتها حروب المرحلة الأولى من أمام “إعادة تأهيل” سلطة النظام ، سياديّا :
في الوقت الذي تكفّلت فيه الولايات المتحدة بمهمّة تحييد ” داعش “؛ التي اصبحت تسيطر ، بفضل تسهيلات متعددة الأشكال، قدّمها الجميع في اطار انجاح الخيار العسكري الميليشياوي الطائفي ، على أكثر من ثلثي مساحة البلاد؛ بأستخدام تحالف دولي واسع، شكّلت رأس حربته السوريّة “قسد” ، أخذت روسيا على عاتقها مهمّة “اخضاع ” الوجود المسلّح لفصائل ومجموعات “المعارضة المسلّحة” ، بالإعتماد على “الميليشيات الإيرانيّة“ وفائض قوّة سلاحها الجوّي في ظروف موازين قوى عسكرية غير متكافئة ، في مسعى من قبل تحالف اعداء التغيير السياسي ، وانصار الحفاظ على أركان نظام الإستبداد ،بقياده الولايات المتحدة وروسيا ؛ إلى تحقيق مجموعة اهداف مترابطة ، يأتي في مقدمتها ، إعادة فرض “سلطة النظام ” ، على المناطق الجغرافية التي خرجت عنها ، في سياق الحراك الشعبي السلمي ، وخلال حروب الثورة المضادة اللاحقة ، في المرحلة الأولى من الحرب ، بين ٢٠١١- ٢٠١٤ .
في هذه المرحلة من التحليل ، نصل الى السؤال الكبير :
هل تتوفّر في هذه المرحلة ، في ظل طبيعة السلطة الراهنة ، وواقع تفتت معارضتها وارتهان قواها ، وفي ضوء حقائق الصراع التي تقول بتقاطع مصالح السلطة ، وارتباط بقائها بشبكة مصالح جيوسياسية ، إقليمية وإمبرياليّة ( أمريكيّة ، بالدرجة الأولى )،إمكانيّة توافق اهداف مشروعي الإصلاح ، وأهداف المرحلة الراهنة من إعادة التأهيل ، عبر مسار حل سياسي ؟
بناءٍ عليه، أعتقد ثمّة شبه استحالة ؛ طالما لم يطرأ تغيير جذري اوّلاً على واقع انعدام الثقل السياسي لقوى وجمهور التغيير الديمقراطي للشعب السوري ،وثانيا ، على سياسات ومصالح الدول الصانعة لصيرورة الصراع ، خاصّة ، على مستوى قيادة النظام الرأسمالي ، ومراكزه العالمية ؛ وبشكل أخصّ ، على صعيد الولايات المتحدّة الأمريكية، زعيمة النظام العالمي ، وصاحبة اكبر مشروع إقليمي؛ يحوّلها من مناصر لشتّى أشكال سلطات الاستبداد ، إلى داعم لأهداف التغيير الديمقراطي ؛ وهو ما يبدو غير وارد ، في المدى القريب ، على الاقل ، بالنسبة لطبيعة ” السلطة العميقة” ، المهيمنة على انظمة مراكز النظام الرأسمالي العالمي عموما ، والولايات المتحدة ، على وجه الخصوص، والمرتبطة بشكل عضوي مع مصالح المافيات الإمبريالية الصهيونية عبر العالم !
مالعمل، إذن ، في ظلّ حقائق الصراع ؟
هو السؤال الجوهري ، الذي لم تصل بعد نخب المعارضة السياسية والثقافية السورية إلى مرحلة طرحه ، لفشلها في رؤية حقائق الصراع الأساسية وتعيّشها على اوهام، ورؤى سياسية منفصلة تماما عن الواقع ، وحقائقه الكبرى !!
—————————————————–
نزار بعريني – ت٢ / ٢٠٢١
الآراء الواردة بالمقال تعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة أن تعبر عن رأي الموقع.