اللوحة السورية القاتمة والمجتمع الدولي- ريزان شيخموس

مقالات 1 admin

الثورة السورية التي هزت العالم بصداها السياسي والإنساني والاعلامي لم تتمكن حتى الآن أن تحقق للشعب السوري أهدافه وغاياته، استفاد منها الجميع واستثمرتها كل الدول الاقليمية والدولية ماعدا الشعب السوري الذي قدم ضريبتها الدموية غالياً جداً، هذه الثورة التي وحدت السوريين، وأخرجتهم من منازلهم بحثاً عن حريتهم وكرامتهم، ورفضاً للظلم والقمع والاستبداد وكل أشكال الفساد والعنف.
تعدّ الثورة السورية التي دخلت عامها الحادي عشر من الثورات التاريخية في طولها الزمني وحجم الكوارث التي حلت بشعوبها كالثورات الأمريكية والفرنسية والبريطانية وثورة هاييتي وغيرها من الثورات العظيمة التي حققت أهدافها، وأدخلت التغيير الكبير في أوطانها وفي شعوبها، وسجلت في التاريخ من حيث التأثير العميق في المفاهيم السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية والحقوقية والتغيير الجدّي في خريطة العالم وقوانينه، ولكن هل ستكون لثورتنا السورية آفاق لبناء سوريا الجديدة؟ وهل حافظت على أهدافها وقيمها وتركيبتها؟
إن الشعب السوري امتلك جرأة لا مثيل لها في العالم في مواجهته لنظام دموي معجن بالخبرات والمعارف الأمنية والسياسية والديكتاتورية في قمع الاحتجاجات والتظاهرات وتصفية المعارضين، هذا النظام الذي استخدم كل أشكال القمع والإرهاب واسلحة الفتك والتدمير  في مواجهة شعبه الاعزل الذي يستحق أن يعيش كغيره من الشعوب الآمنة والمستقرة في أوطانهم.
والسؤال المهم في هذا المجال: هل  مازال هذا الشعب يملك مقومات وإمكانات المواجهة في تحقيق أهداف ثورته التي مر على انطلاقتها أكثر من عشر سنوات صعبة جداً، حيث قتل وجرح مئات الآلاف من أبنائه ولازال مثلهم مصيرهم مجهول وشرد الملايين منهم في كل أصقاع العالم ودمر نصف المدن السورية وقسمت سوريا إلى مناطق نفوذ متعددة الجنسيات؟ هل مازال لدى الشعب السوري إرادة التغيير وتحقيق الأهداف الرئيسية للثورة في بناء سوريا الجديدة، سوريا كل السوريين ومحايدة لكل أبنائها وينال الجميع حقوقهم العادلة؟
إن التقييم الموضوعي للثورة السورية بعد عشر سنوات من انطلاقتها، وبعد كل هذه التضحيات التي قدمها الشعب السوري والتي تكاد تكون الأولى عبر الثورات التاريخية من حيث التضحيات الجسام، يحتاج الى الكثير من البحث والتمحيص والمناقشة، رغم ذلك يمكن التأكيد بأن الثورة فشلت مرحلياً في تحقيق أهدافها وسببت كارثة حقيقية على الشعب السوري، ونجحت الثورة المضادة في مخططاتها وأهدافها، ولكن هذا لا يعني مطلقاً أن الجولات انتهت بل هناك الكثير من الجولات والتي سيحقق الشعب أهدافه، وبناء دولته رغم كل المصاعب الذاتية والموضوعية التي تعترض مسيرته.
يمكن القول بكل بساطة ومن حيث النتيجة أن المعارضة السورية المتمثلة رسمياً في قيادة الثورة لم تكن أبداً في مستوى الحدث السوري رغم كل ما قدمت له من الدعم السياسي والدبلوماسي والعسكري والمادي  وسيطرتها على ثلثي مساحة سوريا، وتلقت الاعتراف من أكثر من مائة وعشرين دولة .
إن اللوحة السورية الحالية تتلخص بمجموعة تغييرات كبيرة حصلت في سوريا وأهمها:
⁃    فقد الشعب السوري وقواه السياسية والعسكرية وكل أطراف الصراع قراه الوطني
⁃    اقتربت سوريا لتكون في مصافي الدول  الفاشلة على المستوى العالمي وخاصة بعد الانهيار الاقتصادي الحاد وفرط قيمة الليرة السورية لأدنى مستوياتها في العالم .
⁃    الفقر المدقع للشعب السوري
⁃    تقسم سوريا عملياً الى العديد من الدويلات ذات سلطات الأمر الواقع ، وكل دويلة تدعمها إحدى الدول المتنفذة في سوريا وتستقوي مصالحها بها .
⁃    نظام الأسد مازال مصراً ان يبقى رغم مسؤوليته  الكاملة عن الكوارث التي حلت بسوريا
⁃    نصف الشعب السوري بين مهجر ونازح في الداخل والخارج .
⁃    مئات الآلاف من الشعب السوري مازال معتقلاً او مختطفاً أو مجهولي المصير رغم مرور عشرات السنوات ، وهذا ماكان له آثار خطيرة على العائلات المنتمية لها هؤلاء المفقودين .
⁃      أكثر من ثلث المدن السورية مدمرة ومهجورة .
⁃    فشل التعليم في المدارس والدراسة في الجامعات على كامل الأراضي السورية ونتائجها الكارثية على مستقبل سوريا عموماً .
⁃    تقسيم الشعب السوري والتخندقات الحاصلة في سوريا بين مكوناتها القومية او الدينية والطائفية وماله من آثار عميقة على طبيعة هذا الشعب في المستقبل .
⁃    الاحتلال التركي لعفرين وسري كانييه وكري سبي والعديد من المناطق السورية الأخرى والانتهاكات المستمرة بحق أبناء شعبنا في هذه المناطق من قبل ما يسمى بالجيش الوطني وانعكاسه على المعارضة السورية وعلى العلاقة بين المكونات السورية.
⁃    التغيير الديمغرافي الحاصل في العديد من المناطق في سوريا منها في دمشق ودرعا وعفرين من قبل ايران وتركيا والميليشيات التابعة لهما .
⁃    ضعف المعارضة وتفتيتها بشكل مفرط وإنشاء الكثير من المنصات وتسمياتها وفق الدول التابعة لها وفقدان الائتلاف صداقة أكثر من ١٢٠ دولة له رغم كل الدعم الدولي لها نتيجة عدم امتلاكه أي مشروع وطني جامع يحقق الشعب السوري الثائر طموحه في بناء سوريا الجديدة .
⁃    التفتيت الحاصل في المعارضة السورية العسكرية الى العشرات من الميليشيات والفصائل العسكرية وتحويل القسم الاكبر منها الى مرتزقة ابتعدت كلياً عن أهداف الثورة والشعب السوري في استعادة حريته وكرامته .
⁃    ابتعاد الآلاف من الضباط وصف الضباط والعساكر الذين انشقوا عن النظام السوري والتحقوا بالثورة عن المعارضة العسكرية لإفشالها والابتعاد عن أهدافها .
⁃    استمرار حزب الاتحاد الديمقراطي وإدارته الذاتية في ارتباطه الوثيق بحزب العمال الكردستاني وانعكاساته على القضية الكردية والاستمرار في انتهاكاته بحق الشعب الكردي وقواه السياسية وخاصة أنصار المجلس الوطني الكردي وخطف الأطفال وتجنيدهم وتهديد عوائل البيشمركة والتجنيد الاجباري للشباب الكردي وعدم قدرة هذه الادارة على تحسين الوضع المعيشي للناس الصامدين رغم كل الدعم الأمريكي المقدم له  .
⁃    استمرار التهديد التركي والميليشيات التابعة لها باقتحام المناطق الكردية الاخرى وتأثيرها على الوضع الكردي عموماً .
⁃    عدم توصل المجلس الوطني الكردي و أحزاب الوحدة الوطنية إلى أي اتفاق بعد مرور أكثر من سنتين على مفاوضاتها رغم الدعم الاميركي والاوروبي والكردستاني لهذا الحوار والسعي لإنجاحه بسبب تعنت حزب ال ب ي د   وتعطيله لهذا الحوار.
⁃    رغم انعقاد الجلسة السادسة من المفاوضات بين النظام والمعارضة في الأيام جنيف لكتابة الدستور بقيت النتائج صفراً والمراوحة والتراجع هو العنوان الأبرز لهذه المفاوضات بسبب هدر نظام الأسد للوقت ودون ممارسة المجتمع الدولي أي ضغط على النظام بالانتهاء من هذا الموضوع المصيري .
⁃    استمرار روسيا وإيران بدعم نظام الأسد ومحاولاتهم بتقديم كل المساعدات له وفتح قنوات للحوار مع بعض الأطر للعودة في النهاية إلى حضن النظام .
⁃    فشل المعارضة السورية في طرح مشروع وطني جامع يستقطب كل مكونات الشعب السوري وكل القوى السورية، ولم يتمكن من طرح حل موضوعي للقضية الكردية في سوريا كإحدى القضايا المصيرية والتي يفترض ان تتبناها المعارضة كأساس لحل الأزمة السورية عموماً .
في ظل هذه القتامة في اللوحة السورية التفصيلية لا يبدو في الأفق أي حل قريب لهذه الازمة التي تتجاوز مدتها عشر سنوات ، حيث لازلت الأزمة السورية متراوحة في مكانها بل احيانا تتراجع كثيراً إلى الوراء  ولكن لايبدو في الافق اي تقدم نحو إيجاد حل سياسي حاسم ينهي هذه المقتلة السورية ويعيد للشعب السوري حقوقه الوطنية والانسانية وكرامته وحريته المغتصبة ويوقف هذا النزيف المستمر وحذف اللجوء من قاموس أبنائه، ويعيد الابتسامة لأطفاله . حيث  هناك فجوة كبيرة بين اللاعبين الرئيسيين الدوليين والإقليميين في سوريا لتنفيذ بنود القرار الدولي ٢٢٥٤ والذي لازال يعتبر المشروع الدولي الوحيد لحل الازمة السورية ، والكل يدير هذه الأزمة وفق أجندته ومصالحه في السورية ، ولا مجال للشك بأن الجميع استفاد من الثورة السورية والدم السوري المراق  واستثمرها لمصالحه دون مراعاة هذا الشعب ومصالحه.
وهذا يؤكد بأن المسؤولية الأساسية لا تقع فقط على النظام الأسدي في سوريا الذي استخدم حتى السلاح الكيماوي ضد شعبه بل يتحملها أيضاً المجتمع الدولي الذي لم يمارس الضغط الكافي، كما مورس ضد الانظمة البقية في المنطقة . لذلك لابد أن يتوحد المجتمع الدولي ويتغاضى عن مصالح بعض دولها و يمارس مهامه في تنفيذ القرار الدولي ٢٢٥٤ ويوضع من خلاله حد للمقتلة السورية . كما أنه يتطلب من المعارضة السورية إجراء مراجعة جدية لهذه المسيرة الطويلة من كل النواحي والدعوة لعقد مؤتمر وطني جامع تحضره كل المنصات والقوى السياسية وممثلي كل المكونات وإشراك النخب الثقافية والفكرية السورية والاتفاق على مشروع وطني جامع يعبر عن طموح الشعب السوري في بناء دولته الوطنية المحايدة لكل ابنائها ومناقشة القضايا المصيرية ومنها قضية الشعب الكردي وتبنيها وإيجاد حل دائم لها وفق دستور عصري لسوريا واستقطاب كل المكونات  على قاعدة الشراكة الوطنية الحقيقية لكل مكوناتها .

ريزان شيخموس – تيار مستقبل كردستان سوريا – ٣-١٢-٢٠٢١

الآراء الواردة بالمقال تعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة أن تعبر عن رأي الموقع.

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

1 تعليق على “اللوحة السورية القاتمة والمجتمع الدولي- ريزان شيخموس”

  1. في نقد قراءة الأستاذ ” رِزان شيخ موس ” للوضع السياسي الراهن .
    الجزء الأوّل،
    يتوقّع صديقنا الجميل الأستاذ “رِزان شيخ موس” في مقاله ” التشاؤمي ” على صفحات موقع ” تيّار مواطنة ” المحترم ، بعنوان “اللوحة السورية القاتمة والمجتمع الدولي ” ، بتاريخ ٤ ك١ ،٢٠٢١ ، أنّه لا يوجد ” تقدّم نحو إيجاد حل سياسي حاسم ينهي هذه المقتلة السورية “، وأنّ السبب الاساسي ،( إذا أضفنا لمسؤولية النظام وطبيعة سلطته ، وعدم إمكانية إصلاحها ، العامل الخارجي )، هو وجود ” …فجوة كبيرة بين اللاعبين الرئيسيين الدوليين والإقليميين في سوريا لتنفيذ بنود القرار الدولي ٢٢٥٤ ” !
    بداية ، أوّد التوضيح أنّ التأكيد في هذا المقتبس الموجز من تحليل الصديق على العلاقة الوثيقة بين عدم تنفيذ قرارات مجلس الأمن وتقدّم خطوات ” حل سياسي “، وبين صراعات” قطبيه” الرئيسيين، الولايات المتحدّة وروسيا، يترك انطباعا قويّا لدى القارئ بإمكانية خروجنا من الحالة الكارثية فقط عبر توافق سياسات الدولتين حول طبيعة الحل السياسي،” المؤجّل”، وبالتالي انّ سبب استمرار الصراع طيلة هذه السنوات العشر العجاف هو عدم حصول هذا التوافق ،وهي “حقيقة” لا تحتاج إلى دليل !!
    إذ اسجّل اعتراضي على هذه القراءة ، أحاول أن ابيّن طبيعة الخلل الذي يصل بالتحليل إلى هذا الربط ، بين استمرار حالة التعفّن ( تغييب الحل السياسي)، وتناقض سياسات الروس والأمريكان ، ويقوم على أرضيّة وعي سياسي نخبوي عام ، ترتكز قناعات حامليه على طبيعيّة ، وبديهيّة، استمرار ذاك التناقض بين سياسات واشنطن وموسكو تجاه قضيّة الصراع الأساسيّة في سوريا، المرتبطة ب “مسألة “مصير سلطة” النظام ، ورئيسها ؛ طالما تستمر روسيا بانحيازها لصالح بقاء ” النظام ” ، وإصرارها على تفشيل مسار “الحل السياسي” الأممي ، الذي يدعو، وينصّ على ضرورة تجاوز عقدة ” الأسد ” ،وحصول انتقال سياسي؛ وبما يضع الولايات المتحدّة في خندق ” أنصار ” الحل السياسي الأممي” ، و مراحل ” الإنتقال السياسي” ، والتحوّل الديمقراطي، وبما يؤجّل تنفيذ مشروع الحل ، لحصول ذلك التوافق ، الذي لايبدو انّه ممكن في المدى المنظور ، وهو ما يفسّر ” قتامة المشهد ” ، وفقا لرؤية صديقنا !!
    شخصيّا ، اعتقد بعدم موضوعية التحليل ، وما يصل إليه من استنتاجات ، ويطرحه من رؤية لطبيعة المرحلة الراهنة من الصراع ،عندما يُبنى على فرضية وجود تناقض بين سياسات واشنطن ومسكو حول القضيّة الجوهرية في الصراع ؛مسألة الأنتقال السياسي ؛ وذلك لتوافق مصالح الدولتين حول عدم حدوث تغيير سياسي ، وسعيهما المشترك للحفاظ على السلطة القائمة ، كما تبيّن جميع احداث السياق التاريخي للصراع ، على الاقل الممتدّ منذ ربيع ٢٠١١ .
    اعتقد أيضا أنّ إطروحة هذا التناقض ؛ وما يبنى عليها من استنتاجات حول دعم الولايات المتحدة الأمريكية ، ووقوفها لجانب الشعب ، ومناصرتها لقضاياه، وانحيازها لخيار” حل سياسي” ، وتحويلها ؛ إلى” مسلّمة “في الوعي السياسي النخبوي المعارض ، ليست سوى نتيجة لتأثير افكار دعاية أمريكيّة ، شاركت في صناعتها شخصيات الصفّ الأوّل في الإدارات الأمريكية المتعاقبة!!
    تاريخيّا ، خلال مظاهرات الحراك السلمي في صيف ٢٠١١ ، نتذكّر جميعا إصرار السفير الأمريكي، السيّد ” روبرت فورد ” على حضور المظاهرة الضخمة في حماه ، وحرصه على نقل رسالة واضحة ،تقول بمناصرة الولايات المتحدّة لحراك السوريين ، وعدم السماح بأستخدام العنف ضدّه ؛ وهو ما شكّل تحريضا مباشرا على التصعيد ، وعزز فكرة رفض الحوار مع النظام ، في حين كان من الطبيعي بالنسبة لفورد ، شخصيّا ، وعلى واشنطن عموما ، معرفة بخطط استعداد النظام ، وشركاؤه ، لحل امني ، بأي ثمن !
    لايمكن أن تخرج عن إطار الجهد المشترك ، الساعي لقطع صيرورة الحراك الشعبي السلمي ،الجهود التي بذلها “فورد”، وأركان إدارته ،لتضليل السوريين حول حقيقة الموقف الأمريكي من” بقاء الأسد”، والتي شكّلت محور تصريحات ” السيّدة كلينتون ” ،ورئيسها ” أوباما “، في تصاعد طردي مع ازدياد منسوب العنف السلطوي ضدّ الحراك، وتزايد إصرار السوريين ، رغم ثمن المواجهة الباهظ!
    لقد تكثّف هذا الجهد الأمريكي، على جميع الصعد ،في محطّات تاريخية لاحقة ،شكّل أبرزها ردود افعال السيّدة كلينتون” الغاضبة “على تفشيل” خطّة السلام العربية” بفيتو مزدوج ” روسي / صيني” ، بتاريخ ٤ شباط ٢٠١٢،وتحميل الروس وحدهم مسؤولية “وأد” مسار حل سياسي، يملك آليات التنفيذ ؛ وقد أصبح مألوفا في اعقاب معظم قرارات محطّات مسار جنيف “، بدءا من نقاط “كوفي أنان”الست ، وحتّى آخر إجتماع للجنة الدستوريّة ،أن بتحفنا الروس والأمريكان بأجمل نغمات “جدل بيزنطي” ، حول تفسير بعض القرارات ،خاصّة ، المرتبطة بمصير” رئيس النظام “، بما يوحي ، ويحاول إقناع السوريين ، والرأي العام ، بالانحياز الدائم لسياسات الولايات المتحدّة لصالح اهداف الشعب السوري العادلة، في مواجهة ” تعنّت “روسي، ظالم ، داعم للنظام !!

    بخلاف دعاية” تناقض سياسات واشنطن وموسكو ” وما نتج عنها من عدم تطبيق القرار ٢٢٥٤ ، اعتقد انّ حصول توافق أمريكي روسي على منع حدوث انتقال سياسي ، وبقاء السلطة ، هو أهمّ العوامل التي تفسّر نجاح سلطة النظام “، بالتكامل مع جهود “خصومه” وحلفائه، على حدّ سواء ،إقليميّا ، وعلى الصعيد العالمي ، في دفع الحراك السلمي للشعب السوري ٢٠١١ على مسارات العنف الطائفي والميلشة ، وما ادّى إليه الخيار العسكري من حروب ، ومآلات ؛ وقد تقاطع بداية عند هدف تفشيل جهود و خطط الحل السياسي خلال ٢٠١١- ٢٠١٢ ، وتساوق لاحقا ، في مرحلة التدخّل العسكري المباشر، الأمريكي ، ٢٠١٤ ، ثمّ الروسي تاليا ، في ٢٠١٥ ، ليقودا، ويتشاركا معا ، في جهود ” اعادة بسط سلطة النظام على الجغرافيا السوريّة التي خرجت عنها في سياق تحقيق اهداف الخيار العسكري ! (١).
    على الصعيد الحربي ، هذا التوافق الامريكي الروسي هو العامل الوحيد القادر على تفسير مآلات الصراع المسلّح في المرحلة الثانية ، بعد ٢٠١٥ ، حين تكامل جهد عسكري وسياسي ، أمريكي روسي ، لتحقيق اهم اهداف مشروع ” إعادة تأهيل ” السلطة، المتمثّل في إعادة بسط سلطة النظام على الجغرافيا التي خرجت عنها ، وعبر جهد مشترك “لتفكيك” سلطات الأمر الواقع ، التي بنتها أذرع الثورة المضادة الميليشياويّة!!
    على الصعيد السياسي ،تفسّر هذه الرؤية ايضا الهدف الحقيقي للجهود التي قادتها الدولتين ، وعبر استخدام ” مسار جنيف”، كغطاء ، ووسيلة لشراء الوقت ، إفساحا في المجال لتحقيق هدفي الخيار العسكري الرئيسيين ، في مرحلتين مترابطتين من الخيار العسكري :
    ” الحفاظ على سلطة النظام،في المرحلة الأولى،
    ٢٠١١- ٢٠١٥، وإعادة تأهيله ، في المرحلة الثانية، التي وصلت اليوم إلى مرحلة متقدّمة ، وتسير بخطى متسارعة ؛ وهو ما يفسّر طبيعة مسار جنيف ، وحقيقةاهدافه ، وما وصل اليه من فشل ، من وجهة نظر مصالح الشعب السوري ، اوّلا ، وما يتحقق اليوم من سياسات في إطار إعادة التأهيل!
    على صعيد” قوى المعارضة والثورة “، عامل توافق المصالح، وتنسيق السياسيات بين القوتين الأعظم، هو الوحيد القادر على تفسير ما لحق بقوى واحزاب وشخصيات المعارضة الديمقراطية السورية من تهميش ، وتشظّي ، وما وصلت اليه من إرتهان لهذا الطرف او ذاك ، من القوى الإقليمية والدولية المعادية للتغيير الديمقراطي. الحقيقة المرّة التي يتجاهلها الوعي السياسي النخبوي لا تربط فقط بتوافق سياسات واشنطن وموسكو ،وما وصل إليه البلدان بفضلها من القدرة على التحكّم بسلوك سلطة نظام ضعيفة ، ومرتهنة ، بل ، وعلاوة على ذلك ، من ضبط ايقاع حركة المعارضة ، على الصعد السياسية والثقافية ، احزاب ونخب ، وبما يصبّ، في المآل الأخير ، في خدمة اهداف مشروعهم المشترك ، ويؤدّي إلى اجهاض اهداف التغيير ، ومساراته ، وتفشيل قواه ، وتدمير حواضنه وجمهوره !!
    مقابل هذه الحقائق الموضوعية ، التي تدلل على وصول الصراع السياسي والحربي إلى نهايته المرجوّة أمريكيّا وروسيّا ، من خلال قطع مسار الحل السياسي، وتحقيق هزيمة تاريخية لقوى واهداف ” الثورة “، مايزال الوعي السياسي النخبوي المعارض يروّج لأفكار تحليل غير موضوعي ، مضلل للسوريين ، ويغييب حقائق الصراع :
    • فالقتامة التي يجدها رِزان “في اللوحة السورية التفصيلية “، موجودة فقط على الجزء من المشهد الخاص بالقوى المهزومة ، “جمهور وقوى الثورة”، ولا تعكس حالة ” سلطة النظام ” وشركائها ، الذين ينعمون بنتائج النصر الأمريكي .
    •اعتقاده بعدم وجود ” في الافق اي تقدم نحو إيجاد حل سياسي حاسم ينهي هذه المقتلة السورية ويعيد للشعب السوري حقوقه الوطنية والانسانية وكرامته وحريته المغتصبة ويوقف هذا النزيف المستمر..”، إلى نهاية هذه السلسلة من الأمنيات الساذجة ،يعود لإنخداعه بدعاية وجود حل سياسي ، اممي ، تناصره الولايات المتحدّة، يدعو إلى انتقال سياسي، وتغيير ديمقراطي، لكنّه لم يبصر النور بسبب وجود “فجوة كبيرة بين اللاعبين الرئيسيين الدوليين والإقليميين في سوريا لتنفيذ بنود القرار الدولي ٢٢٥٤” .
    • اعتقاده بأنّ مسار جنيف ” ” ما يزال “المشروع الدولي الوحيد لحل الازمة السورية” ، هو تأكيد على حالة الانفصال التي يعيشها الوعي السياسي النخبوي عن الواقع ، وحقائق الصراع ، وهي نفسها التي تجعل الأستاذ رِزان يتمنّى “أن يتوحد المجتمع الدولي ويتغاضى عن مصالح بعض دولها و يمارس مهامه في تنفيذ القرار الدولي ٢٢٥٤ ويوضع من خلاله حد للمقتلة السورية ” ، ” ، وأن تقوم “المعارضة السورية ” بإجراء” مراجعة جدية لهذه المسيرة الطويلة من كل النواحي “!!
    ربّمإ يكون الاستنتاج الصحيح الذي وصل اليه هو القول ” بأن المسؤولية الأساسية لا تقع فقط على النظام الأسدي في سوريا الذي استخدم حتى السلاح الكيماوي ضد شعبه بل يتحملها أيضاً المجتمع الدولي ” ، دون أن يفسّر لماذا ” لم يمارس هذا” المجتمع الدولي” الضغط الكافي، كما مورس ضد الانظمة البقية في المنطقة ” ، ولإنّه يجهل حقيقية الأسباب التي ادّت إلى تمزيق صف ” قوى الثورة “، يعود إلى خانة الرغبات، داعيا ” لعقد مؤتمر وطني جامع تحضره كل المنصات والقوى السياسية وممثلي كل المكونات وإشراك النخب الثقافية والفكرية السورية والاتفاق على مشروع وطني جامع يعبر عن طموح الشعب السوري في بناء دولته الوطنية المحايدة لكل ابنائها ومناقشة القضايا المصيرية ومنها قضية الشعب الكردي وتبنيها وإيجاد حل دائم لها وفق دستور عصري لسوريا واستقطاب كل المكونات على قاعدة الشراكة الوطنية الحقيقية لكل مكوناتها “، في تكرار لعبارات عامّة ، اثبتت فشلها في تحقيق أيّة خطوة على طريق قيام جسم سياسي معارض ، فعّال ، ويملك ثقل حقيقي في موازين قوى الصراع !
    مع الأسف الشديد،
    تُظهر القراءة التي يقدّمها الصديق المحترم إلى أيّة درجة نجحت الدعاية المضادة لقوى التغيير السياسي للشعب السوري؛ التي تكاملت ، موضوعيّا، في ترويج أكاذيبها “دعاية” مشتركة ، أمريكية/ روسية ، (٢) في صياغة الوعي السياسي النخبوي ، وتوجيهه بما يزيد من تضليل السوريين، ويعمّق من تفتيت صفوفهم ، وتهميش مواقفهم السياسية !
    في وقوع العقل السياسي النخبوي تحت تأثير الدعاية الأمريكيّة/ الروسية ، التي تضع سياسات واشنطن في مواجهة سياسات روسيا ، خاصّة فيما يرتبط بجوهر الصراع السياسي، حول مصير السلطة ، ورئيسها ، يصبح عاجزا عن فهم طبيعة مصالح و علاقات ،و اهداف سياسات الدول المتورّطة بشكل مباشر في خيار الصراع المسلّح، خاصة الدور القيادي الذي تمارسه الولايات المتحدّة الأمريكية، على الصعيدين الحربي والسياسي؛ الدولة الأكثر تأثيرا على رسم المشهد السياسي السوري الراهن.
    في هذا الوعي السياسي النخبوي، مثال على عجز النخب السياسيّة والثقافيّة السوريّة المعارضة عن صياغة وعي متكامل لطبيعة الصراع في سوريا ، في اهدافه وقواه ، وسياقه التاريخي، وطبيعة الحل السياسي ” الأممي “، وتعيّشها على اوهام، ورؤى سياسية منفصلة تماما عن الواقع ، وحقائقه الكبرى ؛ وهو في تقديري احد اسباب الازمة الراهنة التي تعاني منها ” قوى اليسار الديمقراطي”، واهمّ عوامل فشل جهود اطرافها السياسية والثقافية لخلق حالة من “التشبيك” بين التعبيرات الديمقراطية السياسية النخبويّة، التي يشترط نجاحها انتاج ، وبلورة وعي سياسي موضوعي ، يشكّل القاعدة للتجميع ، وتقاطع البرامج والمواقف !!
    شخصيّا ، اعتقد أنّ الخطوة الأولى للخروج من حالة ” الحلقة المفرغة ” التي تعيشها النخب ، على صعيد الوعي السياسي ، اوّلا ، والممارسة ، ثانيا ، هي طرح الاسئلة الصحيحة ، وتقديم إجابات موضوعية :
    ■ كيف نفهم طبيعة الصراع ، السياسي والعسكري ، المستمرّ منذ ٢٠١١، في سياقه واهداف قواه ، ومراحله ، وطبيعة المرحلة الراهنة ، وآفاق المستقبل ؟
    ▪︎ كيف نفهم ، ونفسّر طبيعة التحالف المعادي للتغيير الديمقراطي، الذي قادته الولايات المتحدّة وروسيا ، وأدّى إلى قطع مسارات الحل السياسي، وهزيمة اهداف التغيير الديمقراطي للشعب السوري؟!
    احاول تقديم مساهمة في القسم الثاني، على أمل أغناء النقاش حول أهمّ الأفكار المطروحة .
    ▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎
    (١)-
    اعتقد أنّ إطلاق صيرورة استعادة سلطه النظام على ” الأرض المحررة ” التي خضعت  لسيطرة سلطات أذرع” الثورة المضادة ،الميليشياوية ، في اعقاب التدخّل العسكري المباشر لجيوش الولايات المتحدّة وروسيا ، ومن قبل جهود متكاملة ، أمريكيّة روسيّة ، (وليست روسية فقط !!) ، عبر جهد حربي  ،مشترك ، سعى إلى ” تحييد ” داعش”، وإخضاع ” الفصائل المعارضة ” ، وفي مواجهة اوراق القوّة التركية،(الدولة الإقليمية الوحيدة التي تعارضت مصالحها مع جهود الولايات المتحدّة وروسيا لإعادة السيطرة الحكومية، خارج إطار ” حل سياسي ” شامل ، يلبّي شروطها؛ قضية اللاجئين، وتفكيك سلطة “قسد ”  )، هو الدليل القاطع على ” توافق ” الروس والأمريكان حول مسألة الصراع الجوهرية ؛ بقاء السلطة ، وإعادة تأهيلها ؛ وهو تكامل واضح ، لا يقبل الشكّ :
    في حين  تكفّلت الولايات المتحدة بمهمّة  تحييد ” داعش “؛  التي اصبحت تسيطر ، بفضل تسهيلات متعددة الأشكال، قدّمها الجميع في اطار انجاح الخيار العسكري الميليشياوي الطائفي،  على أكثر من ثلثي مساحة البلاد؛ بأستخدام تحالف دولي واسع، شكّلت رأس حربته السوريّة “قسد” ، أخذت روسيا على عاتقها مهمّة  “اخضاع ” الوجود المسلّح لفصائل ومجموعات “المعارضة المسلّحة” ، بالإعتماد على “الميليشيات الإيرانيّة“ وفائض قوّة سلاحها الجوّي في ظروف موازين قوى عسكرية غير متكافئة!
    (هي “دعاية”  امريكيّة/ روسيّة   ، شغّلت  ماكينة تضليل اعلامية وسياسية ضخمة ، ساهم في التبويق لها قادة سياسيون ومثقّفون  على مستوى الصف الاوّل  ، محليّا وإقليميا وإمبرياليا ، سعت  لإخفاء الحقائق ، وتضليل السوريين  ، وتحفيز ارتهان النخب السياسيّة والثقافيّة السورية !
في سياق تحقيق اهداف الخيار العسكري  ، تمظهرت  الدعاية الأمريكيّة الروسية في شكلين رئيسين ، تكاملت  فيهما الاهداف ، رغم التناقض الشكلي المخادع : 
١- دعاية ” نظرية المؤامرة الكونية” ، التي تروّج لها ابواق المحور الروسي، المقاوم، والنخب المرتبطة بها ، وتؤكّد على صراع القطبين الروسي / الإمريكي ، وتخفي طبيعة الصراع السياسي، كصراع ديمقراطي إصلاحي ، في مواجهة سلطات انظمةالإستبداد وشركائها ، ليصبح الإرهاب والحرب ضدّه، هي السبب الجوهري للصراع !! 
٢- دعاية” الإنسحاب الإمريكي” ، ومحاربة الإرهاب ، التي تروّج لها نخب المعارضة ، و المقاومة ، على حد سواء ، لدوافع مختلفة؛ وتنظّر  لحالة “تراخي استراتيجي”  امريكي في المنطقة ، لصالح ” إنسحاب ”  شرقا ، لمواجهة ” القطب الصيني ” الصاعد ، وما نتج عنه من ” استغلال ” روسي لحالة ” الفراغ الاستراتيجي ” والقفز الى المنطقة ، وإلى آخر هذه الأسطوانة المشروخة ، التي تتجاهل الفرق بين الانسحابات الاستراتيجية والتكتيكية التي تجريها الدول ،من موقع السطوة ،  ولأسباب مصالحها الخاصة ؛  وقوّة العلاقات  الاستراتيجية بين الولايات المتحدّة وشركائها في مراكز النظام الرأسمالي، في الصين وروسيا وغيرهما ، من موقع القيادة ، التي تحوزه واشنطن في اعقاب نتائج  حروب القرن العشرين ، الاولى والثانية والباردة !!
    ▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎¤▪︎▪︎▪︎▪︎
    نزار بعريني.
    ك١- ٢٠٢١

التعليقات مغلقة