لقاء القوى الديموقراطية

غالباً ما كان ينظر إلى دور القوى الديموقراطية ولقاءها وتوحيد عملها، من قبل من يمثلون هذه القوى باعتباره هدفاً قادراً على التصدي لِ وحلاً للمشاكل المتعلقة بالوضع السوري بأفضل شكل ممكن، ولكن وكما هو الأمر دائماً، تبقى الآمال والطموحات شيء والوقائع شيء آخر، وهذا ما سنحاول هنا التفكير به بصوت عالٍ.

بداية إن المناخ الذي يمكن أن تعمل فيه هذه القوى وتتطور هو مناخ الحريات الديموقراطية الأساسية: حرية التعبير، حرية التنظيم، حرية الصحافة والنشرالخ. وهذا المناخ لم يتوفر في المنطقة و لا في سورية منذ فترات طويلة. بعد ذلك لابد من الانطلاق من حقيقة أن الثقافة الديموقراطية كانت غائبة أيضاً لفترة طويلة ولكن هذه المرة لأسباب ايديولوجية فالتوجهات الكاسحة في منطقتنا كانت التوجهات القومية والاشتراكية والشيوعية ثم انضافت إليها –وربما أزاحتها- التوجهات الدينية، وجميع القوى التي تعبر عن هذه التوجهات يميناً أو يساراً إما أنها تنعدم لديها أية مرجعية فكرية ديموقراطية، وإما أنها موجودة، خاصة بعد التغيرات العالمية، كمرجعية إضافية وليست أساسية.

في هذا المناخ انطلقالربيع العربيعفوياً دون عمق ثقافي أو نهضوي، ومثل هذا التأسيس  الفكري لم يكن ممكناً ولا مسموحاً، ولكن الضرورة لابد أن تعبر عن نفسها ولا يمكن أن تكون وفق رسم أو تخطيط نظري أو تقليداً لأوضاع بلدان أخرى. ومن جديد وخاصة بسبب طريقة تصدي الأنظمة لهذا الربيع السيئ الحظ، أخذ الصراع شكله العسكري بل الديني والطائفي أيضاً، وكان هذا يعني من جديد دفع الآفاق الديموقراطية الجنينية دفعة قوية إلى الوراء سواء في الانتماءات أو في أشكال العمل.

و قد شهدت الساحة السورية خلال العشرية الصعبة والمكلفة محاولات عديدة لاستعادة دور الفكر الديموقراطي والقوى الديموقراطية، لسنا الآن بصدد مراجعتها، ولابد من فهم ما حدث من فشل و إحباط، ليس باعتباره فقط تعبيراً عن مشاكل تخص بنية هذه القوى: برامجها، أنظمتها الداخلية، قياداتها …. بل باعتباره أيضاًوقبل ذلك- حصيلة ظروف تاريخية وأوضاع سياسية ملموسة.

بعد انقضاء هذه الفترة الصعبة –ولكن الغنية بالدروس- لابد من العودة، دون يأس أو كلل، لمحاولة توحيد عمل القوى الديموقراطية في الساحة السورية.

إن نقطة الانطلاق في مثل هذه المحاولة هي البرنامج الذي يقر بسورية المستقبل كبلد ديموقراطي تعددي، بلد يعترف ليس فقط بالتنوع الثقافي لساكنيه بل بالتنوع القومي الذي يجب مراعاته وإيجاد الحلول المناسبة له انطلاقاً من المواثيق الأممية، كما يجب الاتفاق أن تحقيق هذا البرنامج هو رهن بداية مرحلة انتقال سياسي بإشراف دولي اعتماداً على القرارات الأممية الخاصة بسورية. وهذا التصور يعتمد على حقيقة موضوعية يمكن إجمالها بعدم قبول المجتمع الدولي لإعادة العلاقات الطبيعية مع النظام السوري وعدم قدرة الأخير هو وحلفاءه على إعادة بناء سورية أو توحيدها من جديد تحت سيطرته.

وحتى تنجح هذه المحاولة يجب أن لا ترتهن بأجندات سياسية إقليمية أو دولية تفرض شروطها على التوجهات أو البنى التنظيمية المرجوة، لابد من التعامل مع جميع الإرادات المحيطة بنا، خاصة التي تتوافق معنا في أفق الحل السياسي، ولكن دون الارتهان لها لأي سبب، لذلك إذا تم التفكير بمقر عمل فيجب أن يكون في حيز جغرافي لا يفرض تبعية أو إملاءات من أي نوع.

إن التوجه الديموقراطي للقوى الراغبة في تحقيق العمل والتعاون من خلال بنية مؤسسية ما، يجب أن يبتدع الأساليب الديموقراطية في العلاقات الداخلية التي تكفل التشاركية ونجاح العمل وتصحيح الأخطاء بشكل مستمر.

إن أحد عوامل نجاح هذا المشروع هو توسيع أفق الفضاء الديموقراطي –حيث أمكن- داخل سورية وخارجها،  ليشمل منظمات المجتمع المدني المهنية والثقافية والنسوية والطلابية، فبدون هذه المنظمات لا يمكن تأسيس كتلة اجتماعية وازنة ومؤثرة. وعند السعي لتوسيع أطر هذا العمل يجب الابتعاد عن هوس التمثيل الحصري والإحلال والإقصاء، والانشغال بالعمل الإيجابي والبحث عن التقاطعات الممكنة مع القوى التي ربما لا تشاركنا البرنامج نفسه ولكنها تتقاطع معنا في نقاط برنامجية أساسية. فالتمثيل موضوع يتم اختباره في الحياة والممارسة وليس بمجرد الادعاء به، والاختبار الحقيقي لموضوع التمثيل يكون بعد بدء حياة سياسية في مناخ الحريات المأمول. وفي المرحلة الأولى من العمل –على الأقل- قد توجد عدة أطر تحالفية، وهذا تعبير عن أوضاع مفهومة، سواء بسبب اختلاف الأوضاع بين داخل وخارج سورية، أو حتى الاختلافات الناجمة عن تنوع ظروف العمل في المنافي وبلاد اللجوء، ولا يجب اعتبار ذلك سلبياً وهو سيسهل فيما بعد التقارب بين هذه الأطر أو على الأقل تحقيق الأشكال الممكنة من التعاون.

إننا فيتيار مواطنة” –ورغم جميع التحديات- لن نكل ولن نمل العمل أولاً من أجل جبهة ديموقراطية عريضة للسوريين ومن ثم العمل مع جميع السوريين الذين يريدون تحقيق الانتقال السياسي في سورية والانتهاء من نظام الاستبداد وأشباهه من قوى الأمر الواقع، لوضع حد للمٍأساة السورية المزمنة.

تيار مواطنة – مكتب الاعلام  ١٩-١٢-٢٠٢١

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة