داعش لغز أم حقيقة


غالباً ما يأخذ الحديث عن داعش، طابع الغموض وطرح الأسئلة وافتراض المؤامرات … الخ، أكثر بكثير مما يأخذ طابع التحليل الملموس ورصد الوقائع وتحليل توافق أو تعارض المصالح.
في سورية ومنذ وجود القاعدة ثم داعش والنصرة، لا يزال وسم داعش باللغز هو الغالب. لكننا نكتفي بالقول بوضوح إن “داعش” و”القاعدة” و”النصرة” تنظيمات دينية متطرفة ذات استقلال حقيقي، لم يصنعها أحد، وهي تقاتل من أجل أهدافها المعلنة، ولها مؤيدون في كل مكان، ولديها من البراغماتية ما يجعلها قادرة على التحالف مع /أو القتال ضد الطرف نفسه عندما تعتقد أن ذلك يخدم مصالحها، مثلما كان الأمر واضحاً في أفغانستان مثلاً، وهذه الاستقلالية لا تتعارض مع إمكانية التأثر بسياسات بعض الدول أيضاً بسبب الضرورات اللوجستية أو توافق المصالح كما هو الأمر في العلاقة مع تركيا، كما لا تتعارض مع المحاولات المستمرة للأجهزة الأمنية في توظيف المتطرفين لخدمة سياسات خاصة كما جرى عندما كان النظام السوري يسهل إرسال المقاتلين إلى العراق بعد التدخل الأمريكي عام 2003.
يعاني الوضع السوري في الفترة الأخيرة من انسداد في أفق الانتقال السياسي مع فشل اللجنة الدستورية وفشل استانة وسوتشي، بل وفشل محاولات بعض الدول العربية في استعادة العلاقات الديبلوماسية بقصد التمهيد لتطبيع وضع النظام عربياً وربما بعد ذلك دولياً، وذلك رغم الرفض الغربي والأمريكي خصوصاً، هذا في الوقت الذي يصر فيه سفاح سورية على عدم تقديم أية تنازلات تسمح بتقدم العملية السياسية، مدعوماً بقوة من إيران ومراهناً على دعم أكبر بعد فك الحصار الغربي عنها، وهو بالتأكيد يعتمد على الدعم الروسي الذي قد تكون له تصوراته المتواضعة عن تغيير سياسي ما، يساعد في إعادة إدماج النظام في المجتمع الدولي، لكن لا يبدو أن الروس قادرين على فرض تصوراتهم هذه.
وفي حين استطاع النظام في السنة الفائتة معالجة وضع درعا، آخر المناطق التي لم يكن يسيطر عليها تماماً، فإن منطقة الشمال الغربي، التي تحظى بدعم تركي وبوجود النصرة، لا تزال عصية على الحل بدون وجود توافق دولي، ومناطق شرق الفرات التي تسيطر عليها “قوات سورية الديموقراطية”، ذات القدرة القتالية والتعبوية العالية، وبدعم أمريكي واضح أساسه الاستمرار في مواجهة داعش وعدم السماح بعودته من جديد، وهذا الأساس هو ما بقي واضحاً من جملة الأهداف المعلنة سابقاً والتي تخص حرمان النظام من موارد النفط والضغط عليه لقبول الإنتقال السياسي وفق القرار /2254/ . ورغم تعارض النظامين التركي والسوري في الشمال الغربي فإن مصالحهما تتوافق في شرق الفرات، النظام السوري لا يمانع، بل يرغب، في إضعاف سيطرة “قسد” بالتهديد والقصف التركي، والنظام التركي، الذي يعتبر “قسد” والكرد عموماً هم الخطر الأكبر عليه، لا يمانع بل يرغب، في توسيع نفوذ النظام السوري، الموجود أصلاً في المربع الأمني وبعض القرى في بعض مناطق “الحسكة”.
هكذا وجد النظام السوري فرصته في توسيع نفوذه عن طريق ما سمي بالمصالحات، بالمراهنة على عنصر التعارض الاجتماعي الموجود بين المكونات في المنطقة، تلك المصالحات التي فشلت بسبب رفض قسد، خاصة أن مكونات المنطقة غير الكردية مشاركة في “مجلس سورية الديموقراطي”، لكن هذا الاشتراك لا يلغي الحساسيات القائمة التي يحتاج تجاوزها إلى جهود الجميع، وخاصة جهود الطرف الأقوى والمسيطر “قسد”، وهذا التجاوز له أهمية كبرى في تهيئة الأجواء المحلية لتحقيق الانتقال السياسي عندما تتوفر الظروف الإقليمية والدولية اعتماداً على تجربة سياسية جاذبة لعموم الشعب السوري.
في المناخات المذكورة أعلاه، حصلت أحداث سجن “الصناعة” المستمرة، والتي شارفت على نهايتها، ستتكشف فيما بعد التفاصيل الدقيقة لهذه الأحداث وما يهمنا الآن هو محاولة فهم مواقف الأطراف المختلفة والمصالح المتعارضة بعيداً عن منطق المؤامرة الشائع، وبعيداً عن التعصب المسبق لأي طرف.
يضم سجن “الصناعة” في حي “غويران” ما يقارب ثلاثة آلاف وخمسمائة داعشياً وفق مصادر قسد، هؤلاء تحولوا إلى عبء حقيقي على سجانيهم، فالدول العربية والأوربية التي جاؤوا منها لا تريد استعادتهم، بل هي ترفض استعادة مواطنيها من عائلاتهم، نساءً وأطفالاً، الموجودين في مخيم ” الهول”، عدا حالات إنسانية قبلتها بعض الدول الأوربية.
هكذا بقي السجن لغماً مؤقتاً كبيراً، يقدم الغرب دعماً لوجستياً لاستمراره على حالته الراهنة بدون وجود أي أفق لاستعادة السجناء إلى بلادهم الأصلية أو لإخضاعهم لمحاكمات دولية في تلك الدول، كما لا تملك “قسد” منظومة قضائية معترف بها دولياً تستطيع إنجاز هذا العمل الذي يتطلب إمكانات واعترافاً رسمياً. وخارج السجن، وليس بعيداً عنه، لا تزال توجد خلايا نائمة لداعش تلقت ضربات موجعة لكنها ليست قاتلة، وهي منتشرة في الصحاري الحدودية وأحياناً الداخلية، وهي تنفذ بين فترة وأخرى ضربات ضد خصومها من القوات السورية الأسدية أو قوات “قسد” المدعومة أمريكياً، معتمدة على استمرار الأوضاع العسكرية والسياسية غير المحسومة.
كان موقف النظام السوري لافتاً في التعبير بكثافة عن موقفه فوفقاً لموقع التلفزيون الروسي وجريدة الوطن ينص بيان الخارجية السورية على أن سورية “تجدد إدانتها للأعمال التي أدت إلى نزوح آلاف المواطنين السوريين في محافظة الحسكة، وزيادة معاناتهم وتطالب بانسحاب القوات الأمريكية من شمال سوريا الشرقي والقوات التركية من شمال سوريا الغربي”. وأضافت الخارجية أن ما “تقترفه القوات الأمريكية وميليشيات “قسد” من أعمال ترقى إلى مستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية”. هكذا يتجاهل البيان أن “داعش” هي التي نفذت الهجوم ويحاول إثارة المشكلة في جانبها الإنساني، وبالتأكيد فإن نزوح بضعة آلاف هو أمر غير مقبول إنسانياُ، ولكن هل كان النظام مهتما بنزوح ملايين السوريين؟ طبعا لسان حال النظام يقول أن مشكلته مع “داعش” أبسط من مشكلته مع “قسد” وأنه سيكون قادراً علي التعامل مع “داعش” بعد الانتهاء من التعامل مع “قسد”.
و قد أدانت الولايات المتحدة “الهجوم الذي شنه تنظيم داعش يوم الخميس على سجن تابع لقوى الأمن الداخلي في محافظة الحسكة في شمال شرق سوريا في محاولة لإطلاق سراح مقاتلي التنظيم المحتجزين.” و أشادت “بقوات سوريا الديمقراطية على ردها السريع والتزامها المستمر بمحاربة “داعش” في شمال شرق سوريا.
الموقف التركي تم التعبير عنه عملياً بقصف مدفعي عنيف من قبل المدفعية التركية مترافق مع هجوم لميليشيات الجيش الوطني منذ الصباح الباكر على بلدة عين عيسى وإرسال مسيرات وحدوث تفجيرات في محيط الرقة.
ووفق بيان صادر بتاريخ 23/01/2022 عن” القيادة العامة لقوات سورية الديموقراطية” أن العمليات العسكرية قد شارفت على نهايتها وأن سجن الصناعة أصبح تحت السيطرة مع استمرار عمليات التمشيط في حي “غويران” المجاور حيث التجأ إليها الفارون من السجن.
كما أشار بيان قسد إلى أن اعترافات عناصر داعش، الذين تم القاء القبض عليهم، والتي أكدت على تواجد قياداتهم في سري كانيه/ رأس العين التي تخضع لنفوذ الفصائل الموالية لتركيا، وأن تزامن الهجوم على السجن مع هجوم تلك الفصائل على نقاط تمركز قوات قسد في عين عيسى ومحيطها ليست صدفة.
أخيراً قد لا تكون مواقف الأطراف المختلفة مفاجئة لأحد لكن الأكثر أهمية الآن هو طريقة التعامل مع نتائجها والعمل على قطع الطريق على تسلل داعش من جديد بمزيد من اليقظة، رغم علمنا أنه قد جرى سابقاً إحباط عدة محاولات مشابهة وأن مثل تلك الأحداث جرت وتجري في سجون دول تملك إمكانيات أكبر بكثير من التي تملكها “قسد”، وقد يكون مفيداً التوجه نحو الأمم المتحدة والدول الغربية لإيجاد حل مناسب وفق القانون الدولي لترحيل السجناء ومحاكمتهم. وكما أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية “على الحاجة الملحة لبلدان المنشأ إلى استعادة مواطنيها المحتجزين في شمال شرق سوريا وإعادة تأهيلهم ودمجهم ومقاضاتهم متى اقتضى الأمر ذلك”.
ولكننا نعتقد أن الأكثر أهمية الآن هو المزيد من تطوير العلاقة والتضامن بين جميع مكونات المنطقة الاجتماعية والسياسية لتقوية الجبهة الداخلية ليس فقط ضد تطرف “داعش” وإرهابها بل وأيضاً ضد طغمة السلطة في دمشق المصرة على الاستفراد والاستبداد والطامحة الى إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء على حساب آلام وتضحيات الشعب السوري بجميع مكوناته.

تيار مواطنة- نواة وطن
المكتب الإعلامي 24 كانون الثاني/ يناير 2022

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

4 تعليق على “داعش لغز أم حقيقة”

  1. نشر الاستاذ نزار البعريني التعليق التالي على افتتاحية تيار مواطنة – نواة وطن :
    شو راييكم؟
    《هل يمكن أن نضع الحدث ، على درجة خطورته ، في إطار أسلوب “توجيه الرسائل ” ، الذي استخدمه جميع اللاعبين في المنطقة ،و بدماء السوريين، وارزاقهم؟
    إذا كان الحال هكذا ، فهل هي رسالة للأمريكان ؛ تقول بأوضح العبارات :
    إمّا “أنا ” ، أو” داعش”؛ أم من الأمريكان ، للداخل الأمريكي ؛ شعب ومؤسسات؛ تسعى لتمديد “شهر العسل” السوري !!
    في كلا الحالتين، لا يخف تتقاطع مصالح” الشركاء” في” قنديل” و واشنطن، على حساب أمن وحياة ابناء المنطقة ،دون استثناء، ومتطلّبات السلام في سوريا !! (١)
    قد يقول البعض ، ربّما تكون رسائل تركية / روسية / ايرانية …، وأنا اقول ؛ لا فرق ، طالما أنّ ” داعش ” هي مجرّد ” أداة ” قذرة ، على غرار باقي “أذرع الثورة المضادة” ، للعب بالدم السوري ،وقضاياه العادلة، يستخدمها الجميع ، عندما تقتضي مصالحهم الخاصّة !!
    هل ” نتّهم ” الأمريكان ، كالعادة ، اصحاب “القلوب البيضاء “، والإيادي “النظيفة” ، كجميع شركائهم في المقتلة السورية؟
    تاريخيّا ، نجحت سياسات الطغمة ” الإمبريالية ” الحاكمة في ” واشنطن ” ليس فقط بدعم جهود منع حدوث انتقال سياسي؛ كان الطريق الوحيد لإنقاذ سوريا ، ٢٠١١،؛والمساهمة في جهود الجميع لنقل الحراك السلمي على خيار ” العسكرة والتطييف “، ( عبر إطلاق الوحش الداعشي من دهاليز” أبو غريب” العراقي ، ٢٠١٢ ، بمعيّة شريكها الإيراني ، وبجهود وكيليهما ” نور المالكي “)، بل أيضا
    وجدت في قيادة ” قسد “اللاعب الافضل بين ” فصائل المعارضة الثورية “، للقيام بمهمّة تحييده ، عند انتهاء دوره ؛ فكبُرت ” قسد” ،في سياق تحقيق انتصاراتها التاريخية ضدّ داعش ،الى درجة اقنعت بعض النخب السياسيّة السورية ، كردا وعربا ، بأنّ حلمهم الموعود ” القومي / الديمقراطي ” ، قد أصبح ” قاب قوسين او أدنى من التحقق ” ، على يد واشنطن ، وقيادة أوجلان ” الديمقراطية “، فأداروا ظهرهم لقضية السوريين المركزية – الأنتقال السياسي- بذرائع شتّى ، كان اكثرها إثارة للجدل ، مفهوم ” حق تقرير المصير “، واكتفوا باجترار وَهْم النجاة على ظهر المركب الأمريكي!!
    لقد نجحت واشنطن، مرّة أخرى، بتغذية اوهام غير موضوعية ، عمّقت اسباب تفتيت وحدة القوى الديمقراطية السورية، واشعلت فتيل حرب ضروس في ساحات الصراع القومي / القومي ، تكاملت مع جهود التفتيت الطائفي ، وساهمت ، مع جهود ” الخيار العسكري الطائفي “،في تحويل السورين إلى شحادين ، يتسوّلون دعم الدول التي ساهمت حكوماتها في تدمير اهداف قضيتهم النبيلة !!
    على ايّة حال ، تواجه قيادة” قسد ” ضغوط جدّية ، تضعها أمام خيارات ” نهاية الدور” ؛ لن تجدي محاولات تأخيرها ، أو الهروب من قدرها ، بشتى الوسائل ، حتّى ولو كانت الاستعانة بشريكها اللدود!!
    صحيح أنّ صفقة انهاء دور” قسد” ليست على نار حامية ، لأسباب أمريكية بالدرجة الأولى، لكنّها خيار لابديل عنه في سياق تحقق أهداف استراتيجية أمريكية ، قادرة على التمييز بين الأدوات والشركاء!!
    من جهة ثانية ، إذا كانت تُدرك قيادة ” قسد ” هذه الحقيقية ، وتستخدم جميع اوراقها لتغيير المصير المحتوم ، فلماذا يقف “خصومها ” ، اصحاب المصلحة في ” سورنه ” ” التجربة الديمقراطية “، عاجزين عن استخدام ما يملكون ، من اوراق ،على قلّتها ؟
    السؤال المهمّ الذي يطرح نفسه :
    اليس من مصلحة الكرد السوريين ، اوّلا ، وجميع السورين ؛ داخل ” قسد “وفي ” مسد ” والإدارة الذاتية”، وعلى امتداد ساحات النضال الوطني الديمقراطي” ، الذين يتطلّعون لوحدة الصف الوطني الديمقراطي السوري، أنّ يوحّدوا صفوفهم لإستغلال ظروف قيادة” قنديل” ، وتحرير التجربة من سطوتها ، وإعادة اللحمة الى النضال السوري؛ أم اننا ما نزال بعيدين عن الخطوة الاولى، التي تقتضي عودة النخب إلى ارض الواقع ، وإدراك الغيورين على مصالح الكرد أوّلا ، والسوريين ، ثانيا ، طبيعة الخديعة الامريكية و أهدافها ، وطبيعة أذرعها ؟!
    بكلّ الأحوال ،اهمّ حقائق الصراع التي ينبغي على الجميع استيعابها ، تقول أنّ المركب السوري واحد ؛ فإمّا أن يغرق الجميع ، كما يحدث منذ ٢٠١١ ، او أن ننجو معا !!
    السلام لأهل الحسكة ، ولسوريا !
    (١)-
    وزارة الخارجية الأمريكية
    مكتب المتحدث باسم وزارة :
    نواصل الوقوف إلى جانب شركائنا في المنطقة لمواجهة فلول داعش ..
    تبقى الولايات المتحدة ملتزمة بتحقيق هزيمة داعش الدائمة على المستوى الدولي، وذلك بالعمل من خلال التحالف ومع شركائنا المحليين.”.
    من جانبه، كتب القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية ، ” مظلوم عبدي” على تويتر:
    “قتالنا ضد داعش مستمر ولن نتوقف حتى يتم وضع جميع العناصر الإجرامية وراء القضبان”.

  2. ردي على تعليق الاستاذ نزار البعريني على الافتتاحية حول أحداث “سجن غويران” ومحاولة هروب عناصر لداعش من السجن:
    كما تعرفني استاذي الكريم لست من أنصار التحليل المؤامراتي والدوغماتي-الذي يتميز به ردك- ولا أضع الحدث (اشتباكات الحسكة وسجن الصناعة) في إطار أسلوب “توجيه الرسائل“ ، أذ اعتقد أن العفن والتخلف في بيئتنا ينتج داعش والتطرف في كل المكونات السورية وهذا وحده قادر على ”العبث بدماء السوريين“ والعالم بما يبثه من خطاب الكراهية وعنف يرقى الى مستوى الارهاب الحقيقي، والذي يستفيد منه كل اللاعبين ويستثمره ولكن لا أقر بأن اللاعبين الدوليين هم من يصنّعه كما تشير أنت، حيث دائماً هنالك فوائد قد يحصدها كل طرف فاعل بالمنطقة من فرصة تحرك الاسلاميين الجهاديين المتكررة كما فعلوا للافلات من السجون وهي ليست المرة الأولى (لاننسى اعتصام سجن صيدنايا -وغيره- الذي يحرسه أقوى نظام أمني عرفناه في المنطقة حيث لا الامريكي ولا الايراني او التركي من يلعب بالسجناء بل قناعاتهم الايديولوجية أولاً وقدرتهم احياناً على ”الاستشهاد في سبيل الله“) أما أن نتهم ان ”قسد“ بأنها أرادت هذا وقتلت عناصرها وتقف وراء تمرد هذا السجن ”غويران“ وكل هذا الهجوم المدبر والمخطط له عسكرياً بعناية ومنذ أشهر وله من التسهيلات اللوجستية الكافية، فلعمري هذا غرق في التفكير المؤامراتي الذي لا أتفق معك به، (يذكرنا بتحليل كثيرين لنشوء ”فايرس كورونا“ بأنه مصمم للقضاء على الأمة العربية والاسلامية، فراح هذا الفايروس يقتل ويفتك بأعداءها بالملايين -وهم الذين صمموه- قبل أن يفعل غايته في الامة تلك).
    ان ”داعش“ ليست فقط مجرّد ” أداة ” قذرة، على غرار باقي “أذرع الثورة المضادة“ بل هي من رحم مجتمعاتنا وابنة حقيقية للفكر الجهادي الذي ينهل من النص ”المديني“ وفتاوى “ابن تيمية” وغيره (أما توزيع الحلوى في بعض شوارعنا اليوم سنداً لداعش وللجولاني وطالبان ليس مؤامرة بل واقع وذو دلالات) وهنا بيت القصيد الذي يكمن في دراسة الواقع والاسباب وليس استبدالها بالنتائج، (داعش واقع، استثمارها نتيجة) حيث تستطيع بالنتيجة دوائر عديدة استثمار هذه البنية القذرة، ليس أقلها النظام السوري و“قسد“ ومليشيات الحشد بالعراق وملالي إيران وأردوغان تركيا وبوتين روسيا وسياسيين أمريكان وكل من له فاعلية وحسب توفر عناصر تتبع له في جسد هذه القطعان المنفردة والمجتمعة.

    لا اتفق معك حينما تقول (تاريخيّا ، نجحت سياسات الطغمة “الإمبريالية” الحاكمة في ”واشنطن“) بل حصدت سياسات أمريكية خاطئة العديد من الفشل وفي عديد من الساحات ليس آخرها العراق، وفيما يخص الملف السوري وحكاية ”داعش“ لا اقتنع باختصار هذا الملف على اطلاق المالكي للجهاديين وكذلك الاسد لجهاديي صيدنايا ولا أنفي تورط الايراني بدعم القاعدة، فالمأساة والتطرف تعودان لاسباب عميقة موغلة في التاريخ ومرتبطة بمشاعر عقد الاضطهاد وبارانويا أن العالم قاطبة يستهدف هذه الأمة، التي لم تخرج منها خطابات الائمة والمشايخ وحتى النخب عبر عقود الهيمنة القومجية وربما قرون من الموروث الاسلاموي.
    وكذلك عندما تقول (لقد نجحت واشنطن، مرّة أخرى، بتغذية اوهام غير موضوعية، عمّقت اسباب تفتيت وحدة القوى الديمقراطية السورية، واشعلت فتيل حرب ضروس في ساحات الصراع القومي/القومي، تكاملت مع جهود التفتيت الطائفي، وساهمت، مع جهود “الخيار العسكري الطائفي”،في تحويل السورين إلى شحادين، يتسوّلون دعم الدول التي ساهمت حكوماتها في تدمير اهداف قضيتهم النبيلة !!) لاتصف الواقع بل تخرج الافكار من الايديولوجيا الماركساوية التي تحملها وهنا تلعب الايديولوجيا بوصفها قناع أو وهم -كما يصفها عبدالله العروي- لتحرف تحليلك عن قراءة الواقع الملموس بقراءة ملموسة، فالقوى الديمقراطية غير فاعلة وليست ذات أثر لاعددياً ولا نوعياً -حتى اللحظه- ولم يعبث بها أحد حتى تتفتت وحدتها المزعومة, أما نضال الكرد فهو مرتبط تاريخياً بحاجات القضية الكردية التي باتت تستثمر حالياً تناقضات المصالح الدوليه الامريكية/الروسية والاقليمية الايرانية/التركية/الاسرائيلية، وكذلك ”السوريين أصحاب القضية النبيلة“ لا ينقص كثيرون منهم كما الترك والفرس -عبر التاريخ- تلك الشوفينية القومجية والاسلاموية المتجذرة قبل وجود أمريكا نفسها، وهي ليست ”أوهام غير موضوعية“ بل تشكل عُقداً وأمراض تاريخية لدى أقوام المنطقة والبشر المتمسكون بالايديولوجية القومية وعقدها عبر القرون.
    وقبل توجيهك النصح والارشاد الى النخب الكردية الذين ”يتطلّعون لوحدة الصف الوطني الديمقراطي السوري“ أعتقد أنه علينا نحن السوريين من كل المكونات أولاً بث ممارسة وخطاب حقوقي قانوني ودستوري يضمن التواصل واحترام الحقوق القومية والمواطنية لهم ويطمئن أكثريتهم بدل خطاب التخوين والتنمر عمّال على بطّال.
    ولا أنسى ان أثني على ايجابية العبارة العاطفية التي ختمت بها مشكوراً (أنّ المركب السوري واحد ؛ فإمّا أن يغرق الجميع، كما يحدث منذ ٢٠١١ ، او أن ننجو معاً !!)
    وسيم حسان ٢٦-١-٢٠٢٢

  3. أتفهّم اسبابكم لتجاهل نتائج ما يقدّمه نهج التحليل السياسي الموضوعي ، وإصراركم على وسمه بالتفكير المؤامراتي”  ، وارجو أن لا يطول بكم الوقت لإدراك خطأ رؤيتكم ؛ فانتم لنا قدوة ، وأمل ، ونتطلّع إلى جهودكم لإحداث فارق في الواقع السياسي السوري!
    احاول أن ابيّن ما يبدو لي اخطاء سياسية ومنهجية في ردّكم الطويل على مقالي .
    ١-هل يتوافق مع اسلوب التحليل العلمي ( الغير مؤامراتي )  أن نحمّل ” العفن الثقافي  ” مسؤولية ظهور” ميليشيات طائفية ”  ، ونتجاهل مصالح وسياسيات قوى سياسية ، عملت طيلة عقود طويلة على ترسيخ ادوات سيطرتها ، ولا تأبه بأستخدام هذا “العفن ” ، طالما يشكّل اداة استمرارها، ووسيلة لتحقيق  اهدافها السياسية  ؟
    كيف تفسّر حضور هذا” العفن الثقافي” ، الإرهابيّ لشعوب المنطقة في تشكيل ” داعش ” والنصرة ” وجميع ميليشيات ” الاسلام السياسي ” وغيابه عن صناعة ” النموذج الديمقراطي ، العلماني ” الذي تقوده ” قسد ” في شمال وشرق سوريا ؟ هل مناطق سيطرة” الادارة الذاتية القسدية” خارج السياق التاريخي لنطوّر شعوب المنطقة، وتمّ استيراد سكّانها من أوروبا الديمقراطة / العلمانية ؟
    اريدكم فقط ان تحاولوا الإجابة على سؤال جوهري :
هل داعش  وغيرها ( ثمرات هذا العفن ) هي نتيجة ، لما وصلنا، في سياق تبنّي الخيار العسكري الطائفي ، وجهود عسكرة الثورة ، أم سبب له ؟ 
اذا كانت سبب ، بيدكم حق ، واعتذر عن تحميل غيرها المسؤولية !!
أما اذا كانت نتيجة ، فلماذا اصراراكم على تغييب نهج البحث والتحليل في الاسباب الحقيقة ، التي انتجت داعش ؟ 
ما هي مصلحتكم في تغييب قوى محددة ، استخدمت جهد عسكري ومالي ضخم مترافقا مع استخدام اعلى درجات العنف ضدّ متظاهرين سلميين  ، لتحويل الصراع السياسي إلى مجزرة طائفية، وتبرئة القوى التي نفذته ، او دعمته ، بالقول أن سبب تشكيل الميليشيات الطائفية هو ” التراث والبيئة “؟
    اليس تحميل التراث سبب ظهور ميليشيات الاسلام السياسي ، السنّي والشيعي ، يبرّىء اصحاب الفعل، ويغطّي على شبكة المصالح والسياسات المرتبطة به؟
الحقيقية ، ليس عندي جواب !
    هل هو مجرّد جهل بطبيعة تلك القوى ، واهدافها ، وسعيها لسحق ثورة الربيع السوري؟! أم ثمّة اسباب أخرى ؟ أنّي اتّهم ، واريدكم توضيح الموقف !
٢- ثمّ ، تتحدث عن فشل الولايات المتحدة!!؟ 
هل تستطيع أن تُنكر حقيقة أنّه  عشية ثورات الربيع العربي ،  وبفضل  سلسلة حروب استمرت منذ ١٩٩١ ،
بلغت ذروتها في غذو العراق ٢٠٠٣ ،( وما ادّى إليه من تغيير خارطته السياسية ، لصالح شراكة سيطرة ونهب تشاركية مع نظام ملالي طهران ؛ وقد  كان لرئيس حكومتها ” نور المالكي دور حاسم في ضخم ملايين الدولارات ، وعشرات الوف المقاتلين في اطار خيار النظام العسكري الميليشياوي )،   وصلت الولايات المتحدّة الى تحقيق اعظم انتصاراتها التاريخية في المنطقة ، واسست لهيمنة مشتركة مع النظام الإيراني ، على العراق وسوريا ولبنان وفلسطين !!
هل هذه نظرية مؤامرة ، صديقي الموضوعي !؟؟
٣- في نقطة ثالثة  ،انا لا اتهم  ، او ابرأ ،  قسد في جريمة السجن، على ارضية عقلية إيدلوجية  !
استخدمُ  احد ادوات نهج تحليل علمي لقراءة الحدث ، عبر محاولة الاجابة على السؤال : 
مَن المستفيد ؟
هل تحاول الاجابة على هذا السؤال بنزاهة  وموضوعية ، دون أن تحمّل الولايات المتحدة وقسد ، بالدرجة الأولى، المسؤولية ؟ 
ام هو ” نهج مؤامراتي “!؟ 
هل من مصلحة النضال السياسي الديمقراطي الوطني انّ نلوي عنق الحقائق ، لأسبابنا الخاصة ؟ 
٤- تستخدم سيف الإتهام “بنظرية المؤامرة ” في الردّ على معظم تحليلاتي لواقع الصراع واحداثه .
اسمح لي أن ابيّن مَن منّا يمارس هذا النهج ، من خلال مثال بسيط ، وانا اقبل حكمكم العادل  :
    هل تنكر  طبيعة الحراك السلميّة  ، الوطنية، في بدايات تفجّر الثورة  ؟ 
حتّى النظام لم يفعل ؟
لنتفق انه كان هناك حراك سلمي ، وتمّ تحويله ، بفعل فاعل ، وعن سابق إرادة وتصميم  الى حروب طائفية ، أليس كذلك. !
كيف نقرأ اسبابه ؟! 
▪ انا اتحدّث عن مصالح تحالف دولي، على غرار تحالف غزو العراق ، سمح  بإجهاض مسارات الحل السياسي ، ودفع الصراع على مسارات العنف الطائفي الميليشياوي ؛ ولم تكن تقتصر قواه على الولايات المتحدّة وشركائها الإقليمين ، وفقا “لنظرية المؤامرة الكونية ” ، بل جسّدته مصالح وسياسيات مشتركة للولايات المتحدة وروسيا.
▪النظام يقول ان سبب تحوّل الصراع السياسي في ٢٠١١ / ٢٠١٢ الى حروب طائفية هو ” اطراف المؤامرة الكونية الأمريكية “،  لتبرئة نفسه ، ويغييب اسباب الثورة الموضوعية / السورية !
▪  انتم تقولون أن سببها ” العفن الثقافي والديني ” المتأصل ، وتغيبون جهود النظام وشركاؤه ، والاسباب السياسية الاستبدادية للثورة، اليس كذلك ؟ 
فمَن هو الذي يتقاطع مع نهج التحليل المؤامراتي ، يا صديقي ، الذي اصبحتم تستخدمون تهمته كسيف في وجهي  !؟
    نزار البعريني

  4. اشكركم ، أستاذ وسيم حسّان المحترم.
    ارجو ان يتابع قرّاء صفحكتم ما يدور من نقاش ، حول قضايا هامّة ، تتجاوز المفاهيم النظرية ، وترتبط بفهم طبيعة الخيار العسكري الطائفي، في اهدافه ، وقواه ، ومراحله ، كخطوة اساسية لمعرفة طبيعة المشهد السياسي والعسكري السوري الراهن، ومآلاته ، وبالتالي تحديد دور القوى الديمقراطية، وآليات عملها.
    موّدتي واحترامي .

التعليقات مغلقة