ثــــــــورة أم “لا ثورة” !! – نزار البعريني
في تقديري ، كشفت حوارات ندوة “تيّار مواطنة-نواة وطن” في “منتدى المواطنة” بتاريخ ٢٠ك٢ ، ٢٠٢٢، المخصّصة للإستماع إلى ، ومحاورة الدكتور” حسام الدين درويش” ، حول أفكار مقاله التي تناولت بالنقد أطروحات “بيان إندماج تيّار مواطنة ونواة وطن“، والتي أدارها الأستاذ “وسيم حسان“، عن ” إشكاليات” عديدة في وعي أصحاب البيان السياسي، نجحت محاولات “محامو الدفاع” فقط في زيادة غموضها، و مداخلات بعض الضيوف “الموتورين” في إظهار درجة فقدان البوصلة الوطنية التي وصل إليها السوريون؛ رغم كلّ ما تضمنته من إيجابيات!!
أوّلا ،
اهمّ القضايا الخلافية التي أثارتها حوارات الندوة ،ترتبط ب :
١- توصيف الحراك / التمرّد الذي قام به ملايين السوريين في ربيع ٢٠١١ ،في مواجهة سلطة استبداد معنّدة ، وموضوعية توصيفه ب”الثورة” ، ام “الحراك”،”التمرّد” ، ..
٢- جدلية العلاقة بين الأسلمة و البيئة الثقافية الدينية النصيّة، و تجاهل العامل السياسي في تحوّل الحراك السلمي إلى صراع طائفي“، وإثارة جدل بيزنطي حول مفاهيم نظرية، ترتبط بالعلمانية.
٣- مفهوم “حق تقرير المصير” للكرد السوريين، السياسية والقانونية والتاريخية.
ثانيا ،
في نقد إطروحات الندوة، وافكار البيان.
يبدو لي أنّ أهمّ القضايا الخلافية مع افكار “البيان” لاتقتصر على مفاهيم نظرية محددة، وعلى لغة إشكالية- تناولها الدكتور حسام مشكورا بتفصيل دقيق، وفنّد مواقع قصورها، بموضوعية وجدارة عالية – بقدر ما ترتبط بوعي سياسي نخبوي، يركّز منظار رؤيته على أحد مشاهد الصراع، متجاهلا جوانب أخرى، و مقدّما قراءة تاريخية مجتزأة، يُبنى عليها إستنتاجات غير موضوعية!!
تبدو لائحة الإتهام طويلة؛ ارجو ان يتحلّى الأصدقاء ببعض الصبر لسماع تفاصيلها!!
أوّلا ،
بخصوص الخلاف حول “التوصيف” ، ثورة أم “لا ثورة ” !!.
دون الخوض في جدال سابق، اثاره بعض المفكرين الذين تناولوا بالتفصيل تحليلا وتوصيفا أحداث الصراع السوري ،مشككين في مشروعية الأسم، اشار إليهم الدكتور راتب شعبو، أعتقد بلاموضوعية تشكيك لغة البيان بالطبيعة الثورية لحراك ربيع ٢٠١١ بخلاف ذلك، أعتقد بامتلاك تمرّد السوريين في ربيع ٢٠١١ لأهمّ مقوّمات، ومعايير “ثورة ديمقراطية “ وطنية ؛ ولن يُغيير من طبيعتها، ومشروعيتها مآلات الثورة اللاحقة، التي صنعها فعل سياسي / عسكري محدد، مرتبط بقوى “الثورة المضادة”، وليس بالثورة، نفسها !!
١- السياق التاريخي .
لم تكن محطّة تمرّد السوريين الواسع ، الذي انخرط ملايين السوريين في صفوفه، في ربيع ٢٠١١ ، من جميع الشرائح والطبقات والإنتماءات القومية والأثنية والمذهبية، خارج السياق التاريخي لنضال سياسي واسع، تمحورت أهدافه حول تحقيق اهداف “الثورة الديمقراطية البرجوازية” ، وكان للمشاركين في كتابة البيان، وتشكيل التجمّع السياسي، شرف المشاركة في بعض محطّاتها، ودفع أثمان النضال من أجل تحقيق اهدافها، في مقارعة سلطة الإستبداد .
٢- أهدافها .
لم تخرج اهداف الحراك الشعبي السلمي في ربيع ٢٠١١ ، عن اهداف “الثورة البرجوازية الديمقراطية“، في سياق ثورات الربيع العربي، ولا عن السياق التاريخي لثورات شعوب أخرى، بدءا بالثورة الديمقراطية البرجوازية “الفرنسية ، ١٧٨٩ ، وليس انتهاء بالثورة “الديمقراطية الروسية” في ١٩٠٥ – ١٩١٧ ، و سعت فيها القوى الديمقراطية لتحقيق أهداف سياسيّة، تتمحور حول “برنامج مشروع ديمقراطي” متكامل، يبدأ بإسقاط سلطة استبداد سياسية قائمة، ويصل إلى بناء مؤسسات الدولة الديمقراطية، عبر خارطة طريق محددة الأهداف والسياق .
هو ليس إتهام” إيدولوجي” أجوف !!
لقد برزت في وقت مبكّر من حراك السوريين أهداف سياسية، تبلورت تدريجيا، وعبر مخاض عسير، كثّفها بشكل واضح بيان “الهيئة العامة للثورة السورية “، التي تأسّست في ١٨ آب ٢٠١١ ، في تركيا ، وضمّت أكثر من أربعين تشكيل من “ لجان التنسيق“، القيادة الوطنية الديمقراطية للحراك.
جاء في برنامج “الهيئة العامة للثّورة السورية”
《 …. تعمل من أجل إقامة حكومة دستورية وديمقراطية تحترم التنوّع الثقافي والسياسي والديني وحقوق الإنسان عبر إرساء مؤسسات مدنية وديمقراطية. وتنادي الهيئة بالحرية استناداً إلى حقوق الإنسان والعدالة والمساواة والكرامة، كما تطالب بإسقاط نظام الأسد وترفض كل أشكال الحوار أو التفاوض معه، وتدعو إلى محاكمة شخصيات النظام المسؤولة عن قمع المعارضة“.
الهدف واضح ، تحقيق جميع أهداف “الثورة الوطنية الديمقراطية” .
الأدوات ، أكثر وضوحا في بيان
《المبادئ العامة للهيئة العامة للثورة》.(١)
هل يؤكّد هذه القراءة ، أم ينفيها ، أن يكون قد حدث تغييرات على “أدوات” تحقيق هدف الثورة المركزي “انتقال سياسي” ، وهل يُدين هذا “التغيير فعل قوى الثورة” ، أو فعل قوى “الثورة المضادة” ؟!! هل تتحمّل الثورة، وقواها ، واهدافها وسياقها مسؤولية تغيير أدواتها، وتغيير طبيعتها السلمية، الوطنية، أم مَن يتحمّل ذلك “الثورة المضادة”، بقواها واهدافها وسياقها ؟!
ألم يكن أجدر بالوعي السياسي المعارض أن يوضّح طبيعة الأسباب القاهرة ، التي ظهرت خارج سياق الثورة ، وشكّلت أدوات قوى “الثورة المضادة “، وأجبرت ” الهيئة العامة للثورة ” على تبديل مواقفها ؟ اليست تلك الجهود ، والسياسات التي تقف خلفها جزءا أساسياً من مشهد الصراع ؟ لماذا يغيب عنها منظار البيان ، ويتجاهلها كاتبوه ، مستسهلين إنكار الطابع الثوري للحراك ، ومتجاهلين مرحلته الثورية ، تماما كما تفعل دعاية النظام ؟!
هل هزيمة الثورة ، عبر تطييفها ، وتحويلها إلى حرب أهلية / إرهابية ، يعني انّها لم تكن موجودة ؟
١– هل نجهل طبيعة الأدوات التي استخدمها النظام وشركاؤه؛ “العنف والأسلمة ” وادوات التفتيت الطائفي والقومي؟
ألم يسعى استخدام الغعل العنيف، الطائفي والعسكري، لخلق ردود أفعال، من نفس الطبيعة، وبنفس الأدوات، من اجل نقل الصراع من مستواه السياسي المدني ، السلمي، السوري، إلى مستوى حروب طائفية، إقليمية ودولية؟.. وهنا جدلية العنف والأسلمة، هي حقيقة واقعية، لايمكن الفصل بينهما .
٢–هل نجهل حزمة الاهداف التي سعوا لتحقيقها ، والتي تتمحور حول تحويل طبيعة الصراع ، على المستويات التالية :
أ—
تحويل الحراك السلمي ، وفعالياته المدنية ، بما هي ثورة سلميّة/ مدنية ، تتخذ من المظاهرات والاحتجاجات وفضح ادوات العنف الطائفي الميليشياوي أدوات لها الى حروب ميليشياوية ، إرهابية، تبرر تدميرها.
ب– بما هو صراع بين ثورة شعبية ديمقراطية ضد سلطة استبداد ، من اجل فرض انتقال سياسي وتحوّل ديمقراطي ، إلى صراع بين نظام ومعارضة صراع تفاوضي / تصافقي ، وبما يحوّل هدف الثورة المركزي ، انتقال سياسي ، إلى أهداف أدنى ، لن تتجاوز في افضل الأحوال ما قد يَنتُج عن صفقة مفاوضات سياسية، بين النظام وقوى معارضة له ، يحدد شخصياتها ، وسقفها السياسي شركاء النظام الإقليميين ، والدوليين ، وبما يحافظ على السلطة القائمة ، ويُعيد تأهيلها ، على طريقة ” مسار جنيف ” وتفريعاته .
ت– بما هي ثورة وطنية ، تتخذ من الوحدة الوطنية ، وحدة جميع السوريين ، على الصعد الاجتماعية والثقافية والقومية والإثنية ، والمذهبية ، من جهة ، ورفض مبدأ الارتهان إلى الخارج ، من جهة ثانية ، لأنّ الثورة من أجل التغيير عمل وطني ، ينجزه السوريون بقواهم وقدراتهم“.
السؤال الذي يطرح نفسه :
كيف نفهم عدم حرص وعي سياسي معارض على تأكيد وجود الثورة ، وطبيعة الحراك الثورية ؟
قد نجد ما يوضّحه في إدراكنا للفرق النوعي بين طبيعة ” المعارضة“، التي ينتمي إليها أصحاب البيان، وطبيعة “الثورة المهزومة” ، على المستويات التالية:
أ– الهدف!
في حين ناضلت قوى الثورة لتحقيق هدف الثورة المركزي، انتقال سياسي، تسعى المعارضة للوصول مع السلطة إلى “صفقة“، شرط حصولها ، بقاء السلطة ؛ على أمل تحقيق بعض المكاسب الخاصة بنخبها او قواها !
ب– الاداة !
في حين سعت قوى الثورة لتوحيد وحدة جمهور وقوى الصف الوطني الديمقراطي السوري لتحقيق فرض اهدافها ، تسعى نخب المعارضة لإستثمار كافة التناقضات والإيديولوجيات والمفاهيم من اجل فرض حضورها على موائد القوى الخارجية ، التي تعتقد أنّ جميع الاوراق في يدها .!!
ج– الطريق !
في حين تعتقد قوى الثورة أنّ الثورة من أجل التغيير هي عمل وطني “ينجزه السوريون بقواهم وقدراتهم” ، وباستخدام كافة ادوات النضال السياسي السلمي ، يراهن اطراف المعارضة على “صفقة سياسية ” ( يسمّوه تضليلا ” حل سياسي )، يقودها ” المجتمع الدولي ” ( امريكا وروسيا )، لفرض تسوية، يكون لهم فيها دور، ومكاسب !
هل يوضّح هذا السياق واقع تقاطع مصالح “بعض نخب المعارضة” الديمقراطية و”دعاية النظام” ، رغم أختلاف الدوافع والتبريرات، في إنكار “مرحلة الثورة ” ، في صيرورة “الصراع على سوريا ” ، المستمرّة منذ آذار ٢٠١١ ؟
نزار البعريني ٢٥-كانون ثاني – ٢٠٢٢
الآراء الواردة بالمقال تعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة أن تعبر عن رأي الموقع
▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎
(١).
• الالتزام بهدف الثورة الأساسي وهو إسقاط النظام السوري التسلطي اللاشرعي، من أجل تمكين شعبنا السوري بمكوناته المختلفة من بناء دولته المدنية الديمقراطية، وتحقيق تطلعاته في الحرية والمساواة والكرامة واحترام حقوق الإنسان.
• الالتزام بمبادئ الثورة الأساسية، وهي: الوحدة الوطنية وسلمية الثورة ولا طائفيتها.
• الثورة من أجل التغيير عمل وطني ينجزه السوريون بقواهم وقدراتهم.
” الالتزام بمبادئ الثورة الأساسية، وهي:
الوحدة الوطنية وسلمية الثورة ولا طائفيتها.”
“الثورة السورية ثورة شعبية سلمية وليست تحت أية مظلة دينية أو طائفية أو عرقية إثنية بعينها أو أيديولوجيا سياسية محددة.”