الصراع الراهن على مناطق “مسد “، في السياق والاهداف والقوى – نزار بعريني

مقالات 0 admin

علم قوات سوريا الديمقراطية

في حيثيّات  المعركة الحالية ، ربّما الأخيرة ، نقرأ ما أتى في تعقيب واضح الدلالة ، بعد  نهايةلقاء ساخن” جمعه بنظيره الأمريكي، جو بايدن،  في روما ، ٣١ ت١ ، ٢٠٢١ ، حين  اعتبر الرئيس التركي ، السيّد” ر. أردوغان” ” أنّ عملية دعم الولايات المتحدة للمسلحين الأكراد في سوريا لن تستمر على النحو الذي جرت به حتى الآن” ، وأنّ هذه العملية التي استمرت حتى الآن لن تتواصل على هذا النحو لاحقا”

    في ضوء ما اعلنه ” الرئيس التركي “،  يمكن تلمّس بعض اسباب الصراع السياسي التركي/ الأمريكي ،و قراءة  ما يشير إلى  استمرار الجهود الأمريكيّة المكثّفة،  بالتنسيق مع  شريكيها الرئيسيين ، تركيا وروسيا، لإيجاد مخرج  ما  لحالة ” الفشل” التي وصلت اليها ” الترتيبات” الروسية/التركية السابقة   لتنفيذ بنود أتفاق وقف إطلاق النار،و ” اعلان مبادئ” تفاهمات شاملة حول إدلب وشمال شرق سوريا  في ٥/٣/٢٠٢٠؛ التي حاولت في حينها  وضع اسس ” تسوية ” سياسية  قابلة للإستمرار، تنتزع فتيل صراع  النفوذ ، الذي أوشّك أن يتحوّل إلى حرب مفتوحة بين البلدين.

علاوة على ذلك ، يمكن  ملاحظة شعور الرئيس التركي، في اعقاب لقائه مع بايدن،  بأنّه قد حصل على “ضوء أخضر” ، لفتح معركة جديدة ضدّ ” قسد ” ، بخلاف ما استنتجه  خصومه في قيادتها ،   من قراءة نتائج  اللقاء، وما صدر عنه  من تصريحات !!

على أيّة حال، اعتقد أنّه من الضروري، لإدراك طبيعة الصراع الحالي، واهداف القوى المتورّطه فيه، أن نضعه في سياقه التاريخي.

في السياق ” الخاص ” للجولة الراهنة من  الصراع ، أعتقد بضرورة التذكير بواقع أنّ الأسباب التي وضعت  مصالح  وسياسات روسيا  وتركيا / تركيا والولايات المتحدة الأمريكية،  في حالة صدام متواصل ،رغم حرص القيادتين الروسية والتركية على وجود تنسيق دائم، ترتبط  بشكل وثيق بسياسات استراتيجية، روسيّة /أمريكيّة، تمحورت أهدافها التكتيكيّة حول الحفاظ على سلطة النظام؛ في مرحلة الخيار الأمني الأولى، خلال  سنوات ٢٠١١- ٢٠١٤، المرحلة الأولى من خيار الحلّ الأمني / العسكري، (١)؛ وحول  “إعادة تأهيله”، (٢) ، في المرحلة الثانية ، خلال سنوات ٢٠١٥- ٢٠٢٠؛ في تجاهل واضح لمصالح تركيا ، الدولة الإقليميّة الكبرى ،  الأكثر تضررا من نتائج الخيار العسكري ؛ وقد تكامل الجهد الأمريكي والروسي مع جهود قوى تحالف واسع لقوى وانظمة ، تقاطعت مصالحها في تحقيق  الاهداف المشتركة  !

اذا اقتصر التحليل على المرحلة الثانية من الحرب، بعد التدخّل العسكري المباشر، الأمريكي والروسي( ٢٠١٤- ٢٠١٥ )، يبدو التنسيق، وتكامل الأدوار الأمريكية الروسية واضحا ، ويصبّ في إطار  إزالة “العقبات ” التي تركتها حروب المرحلة الأولى، من أمام تقدّم  بلدوزر ” إعادة تأهيل”  الروسي :

  في حين  تكفّلت الولايات المتحدة بمهمّة هزيمة   “داعش” ؛  التي اصبحت قبل التدخّل الأمريكي تسيطر، بفضل تسهيلات متعددة الأشكال، قدّمها الجميع في اطار انجاح اهداف المرحلة  الأولى من الخيار العسكري، بأذرع  الميليشيات  الطائفية؛ على أكثر من ثلثي مساحة البلاد؛  بأستخدام تحالف دولي واسع، شكّلت رأس حربته  ” قسد” ، (أحد أذرع النظام” الأمنية  ” ، الذي  ولد، وتمدد،  بالتنسيق مع  قيادات حزب العمال الكردستاني التركي، في إطار تكتيك تفتيت حراك السوريين السلمي في ربيع ٢٠١١، ونهج وضع اجندة “الكرد القوميّة”  في مواجهة الأجندة الديمقراطية الوطنية  لعموم السوريين؛ ، اخذت روسيا على عاتقها  مهمّة “اخضاع ” الوجود المسلّح لفصائل ومجموعات “المعارضة المسلّحة” ، بالإعتماد على الميليشيات الإيرانيّة، وفائض قوّة سلاحها الجوّي ، في ظروف موازين قوى عسكرية غير متكافئة  !

  رغم كلّ ذاك  التحشيد العسكري / اللوجستي ، عدم سير رياح الحرب الأمريكية الروسية ، كما اشتهت دفتي  القيادة  في واشنطن وموسكو، يفسّره ، في تقديري ، ليس فقط “عدم عدالة” الحرب ، من وجهة نظر مصالح  الشعب السوري  ، بل ، أيضا   فشل مزدوج في التعامل مع  العقبة الأساسيّة التي واجهت استراتيجيتها ، على الصعيد الإقليمي ،  برزت  بتناقض واضح بين  طبيعة ادواتها ؛ ” قسد ” و “الميليشيات الإيرانيّة “؛ من جهة ،  مع مصالح  أقوى دولتين  في المحيط الجيوسياسي السوري ، تركيا وإسرائيل ، من جهة ثانية ، وتفاقمت ، بتناقض، وازدواجيه ، سياسات التعامل معهما  :

في حين عملت  السياسات المشتركة للولايات المتحدة وروسيا على مواجهة ” هواجس ” تلّ ابيب ” بأسلوب ” الجزرة ، لم يخلُ نهج مواجهة “هواجس انقرة ” من التشكيك ، وممارسة شتّى أشكال الضغوط، دون الأخذ بعين الإعتبار ما تركته مرحلة  حروب “أذرع  الثورة المضادة الميليشياويّة” الأولى  من عواقب على “الأمن القومي” التركي ، وجدّية القيادة التركية  في مواجهتها؛  التي شكّل أخطرها ، تواجد ملايين اللاجئين ، وقيام كانتون “كردي” معاد، مقاتل، وتمدده على تخومها الجنوبيّة  ، بدعم مباشر من الولايات المتحدة الأمريكية، ودعم لوجستي روسي  !

ضمن هذا السياق، كان من الطبيعي أنّ يصطدم الجهد الحربي والسياسي  الروسي المتواصل منذ ايلول ٢٠١٥ ، في إطار تفاهمات شاملة مع  واشنطن  ، بإرادة المواجهة  التركيّة ، التي بلغت  ذروتها  في حادث ” اسقاط ” السوخوي ٢٤  الروسية، في ٢٤ ت٢ ، بعد أقلّ من شهرين على التّدخل الروسي ،   والتي لم تضعفها  محاولة ” الإنقلاب الفاشلة ، ٢٠١٦  ، وسلسلة متواصلة من الصدامات والمعارك والتحشّدات العسكرية ،ولم تحقق تطلّعاتها بالوصول إلى صفقة سياسيّة شاملة عشرات اللقاءات  في إطار ” الدول الضامنة “!

بالتأكيد ، ليس خارج هذا  السياق التاريخي  يأتي ما يحدث  اليوم من صراع   في المناطق المتنازع  عليها بين الأتراك وبين “شركائهم ” الأمريكان والروس  ، استكمالا  لخطوات “إعادة التأهيل ” ، واستمرارا لضغوط متعددة الأشكال ، يمارسها الأمريكان والروس،  في مواجهة شروط”  صفقة التسوية ” التركيّة  :
تفكيك سلطة ” قسد ” هو الثمن المطلوب تركيّا ، مع بعض الضمانات الأمنية التي يوفرها شريط   ا“ديموغرافي” ،على امتداد   تخومها الجنوبية ،  مقابل عدم الوقوف في وجه تقدّم بلدوزر التأهيل الروسي / الأمريكي!
  
في مواجهة الشروط التركيّة ، و في محاولات لتحجيم اهدافها  ، و تفريغها من مضمونها ،  تارة  ، وبالتوافق معها ، أوالتصافق على حساب السوريين ، معظم الأحيان ، مع الأتراك وغيرهم من قوى الثورة المضادة  ، أدار الروس ، بغطاء سياسي  أمريكي، حلقات  حروب ” إزاحة”   فصائل ” المعارضة المسلحة ” ، عبر سلسلة من الحروب ، ودرجات متفاوتة من الحصار ،  و أشكال مختلفة من ” المصالحات ، المذلّة ، وما رافقها ، ونتج  عنها ، من تهجير وتدمير، وإعادة فرز ، وتموضع ل”مجاهدي الثورة المضادة “، التي  كانت قد وجد بعضها   ، بتواطؤ روسي ، في مناطق “الحماية” التركية  بعض الأمان ، ووجدت فيها تركيا “ورقة” رابحة ، لخوض معاركها ، وكان ما حدث في درعا ، خلال الصيف الماضي،  أحدث مشاهدها الدامية ؛ بموازاة  ما يحدث في “السويداء ” من” ترتيبات”  ، لنفس الهدف ؛ إعادة السيطرة شبه الكاملة على مناطق الجنوب !

    يبدو جليّا في هذه المرحلة ، أنّ العقبة الأساسيّة التي تواجه ” بلدوز التأهيل ” الجيوسياسي الروسي/ الأمريكي هي ذراعي” الثورة المضادة”  ، وسلطتيهما  ، ” النصرة “، في إدلب ، و ” قسد ” في منطقة” الحكم الذاتي “!!

 رغم الاتفاق على مبدأ ” المقايضة”، يبقي التناقض الرئيسي المتحكّم  بالعلاقات بين روسيا والولايات المتحدة، من جهة ،  وتركيا، من جهة ثانية، يتمحور حول أولوية إعادة السيطرة المباشرة  :
في حين  تشترط تركيا المباشرة بتفكيك سلطة “قسد “، وضمان شريط حدودي آمن ، يصل إلى عرض  ٣٠ كم في عمق الاراضي السورية  أولا ، سعى الروس ، والأمريكان ، لإعطاء الأولوية لمعالجة  وجود ”النصرة”  ، وتوابعها ، في ادلب، وعارضا تجاوز ”الشريط الحدودي الآمن”، شروط اتفاقية  ” أضنة “، ١٩٩٨، التي يتخذ منها الأتراك مبررا شرعيا  لدخول الأراضي السوريّة ، حتّى  دون “دعوة ” من النظام ، حينما “تعجز” السلطة السورية عن منع تمدد pkk على حدودها  !!
سنوات طويلة من التفاهمات ، والتفاهمات ” المضادّة ؛ تخللها معارك  كرّ وفرّ، ذهب ضحيتها  مدنيين  أبرياء، عبر هجمات مباشرة،  او قنابل متخفّية؛ لم تؤدّي ِ الى زحزحة مواقف ايّ من أطراف الصراع ، إلى أن جاء الفرج ، أخيرا :
في أعقاب لقاء القمّة الثنائية  بين” بوتين وأردوغان” ،  في نهاية أيلول الماضي ،  وبالتنسيق المباشر مع واشنطن ، تظهر مؤشّرات  “صفقة  ” جديدة، قد تكون شاملة ، ونهائية؛  بعد تهديدات امريكيّة “ انسحابيه” ،  ضاغطة على  جميع الأطراف  من اجل  الوصول الى تسوية، تسمح بتغيير خارطة  السيطرة الحالية ، لصالح  أهداف  إعادة التمدد ” التأهيليّة  على مناطق النزاع  ، يعززها  أمل القيادة التركية بأن ينعكس انفراج في مأزق سياساتها  في سوريا ، إيجابيّا على الإنتخابات  القادمة  !

 في ظنّي ، لابدّ لأيّ صفقة قابلة للحياة إلّا ان تأخذ بعين الاعتبار الأوّل ”مصالح” الاتراك ،   ومخاوف قادة  ”قسد“، وبما  يخلق آليات ضغط متكاملة ، روسيّة / تركية / أمريكية  ، تضع قيادة ” قنديل ” بين خيارين، يصبّ كليهما في خدمة الأجندة المشتركة :
مواجهة حرب تركيّة شاملة، لن تتوقّف قبل دفع قيادة “قسد” إلى الرضوخ للشروط الروسيّة؛ “الضامنة” لعودة “مناطق الحكم الذاتي”  إلى ” حضن الوطن“، واعادة ”قادة قنديل” إلى “أوكارهم”  في شمال العراق؛ او الوصول إلى صفقة مع ”الروس” تضع مناطق الإدارة الذاتية تحت سلطة النظام، التي لن تتوانى، حينها عن ”إعادة هيكلتها“،  بما يتوافق مع الشروط التركيّة ؛ وبما يصبّ في نهاية المطاف في تحقيق اهداف الأجندة الأمريكية/ الروسية  : ازالة الحواجز المعيقة لتقدّم ” البلدوزر ” الروسي ، ودفع جميع التناقضات على مسارات  الحل ، المؤديّة إلى تحقيق خطوات إعادة التأهيل “!!

اذا كانت  من اهمّ اوراق القوّة” القسدية ” ، وعوامل تعزيز سلطتها، هو تجييرها لتناقضات الشركاء، خصوما واصدقاء،  للنجاة من محاولات ” ابتلاع”،  اصبح خطرها داهما، (٣) ، فأنّ نقاط الضعف “القاتلة” في استراتيجية الصمود “القسديّة “لا ترتبط فقط بظروف تشكلها التاريخية ، وارتهان وظيفتها  السياسي، وبندقيتها، بل أيضا بعدم إدراكها  لطبيعة سياسات ”العرّاب” الأمريكي ، التكتيكية، وحتميّة تغيّرها، بتغيّر دوافعها، وبالتالي عواقب هذا التغيير على  مصيرها، عندما تربطه باستمرار الوجود العسكري الأمريكي .

ففي مواجهة اجواء التصعيد، والاستعدادات التركية لتوجيه ضربة عسكرية لمناطق” قسد”، تخييب  الضغوط الأمريكية المتزايدة آمال قيادتها بالحصول على دعم رادع ، وتدفعها  للقبول بشروط الروس،  الذين بدورهم يجيّرون التهديد العسكري التركي لوضع المزيد من الضغوط ، تجبر قسد على  الخضوع لإملاءاتهم ، و تصعّب عليها إمكانية المناورة ، واللعب على  تناقضات مصالح الأطراف .

صحيح أنّ  احتمال  شن حرب تركية كبيرة على مناطق ” مسد ” غير وارد ؛ ليس فقط  بسبب حجم التحشيد العسكري لجميع الأطراف ، وتداخل جبهاته، بل والاهمّ من ذلك ، على الصعيد السياسي ، هو ما يُراد لحرب تركية جديدة من قبل الجميع ، وفي مقدمتهم الأمريكان والروس ، فقط أن تشكّل أداة ضغط ، قويّة بما يكفي لدفع قيادات ” قسد ” على قبول ” الشروط ” الروسيّة لإنهاء ” دورها الوظيفي “،  باقلّ الخسائر  للجميع،  وإلحاقها بالنظام؛ في سياق صفقة شاملة، تركيّة أمريكية روسيّة، تعمل على  تفكيك جميع الألغام  التي تشكّلها سلطات “أمر الواقع“، التي تُعيق تقدّم قطار”إعادة التأهيل” ، الذي تقوده واشنطن وموسكو منذ اللحظات الأولى لبداية تدّخل جيشيهما في الصراع المسلّح، ٢٠١٤- ٢٠١٥ !
لكن ، في حال اخطأ قادة قسد في تقدير الموقف، لايمكن استبعاد حدوث عمليات سريعة ،مؤلمة ،بالتنسيق مع الروس والأمريكان ،  في عمق مناطق قسد ، تبرّد  اصحاب الرؤوس الحامية، وتدفع باتجاه تسوية شاملة مع الروس،  قد تسّهل  لاحقا الوصول  الى ترتيب أسرع  في إدلب ،  ينهي إلى حدّ كبير ، حالة ” تعدد ” سلطات السيطرة، على مستويات أذرع الثورة المضادة، ويمهّد لإكتمال شروط التسوية السياسيّة النهائية  بين اللاعبين الكبار !!
مما لاشكّك فيه بوجود  مصلحة سوريّة وطنية  أن يُدرك عقلاء “الشعب الكردي” المخلصين لقضاياه الخاصّة، وقضيّة النضال الديمقراطي الوطني لعموم السوريين، حقيقة اقتراب موعد  إنهاء” الدور الوظيفي” لقيادة “قسد”، رغم ما ينتج عن عمليتها، ويرافقها،  من خيبات أمل ومخاطر على مناطق الحكم الذاتي وتهديد إيجابيات تجربة الإدارة  الذاتية؛ وهو ما ينبغي ان يساعد الجميع على استخلاص الدرس  الصحيح:
   الحماية، والدعم، التي وفّرها الأمريكان، وغيرهم، لمناطق  “الحكم الذاتي” لم تكن في سياق رفع المظالم التاريخية التي انتقصت من حقوق الكرد القوميّة ،ولا بهدف إقامة ” نموذج ديمقراطي ” ، دعما لأهداف المشروع الديمقراطي للشعب السوري ، بجميع مكوّناته ، بل كانت في إطار تحقيق اهداف الثورة المضادة، ومن خلال تجيير نضالات الكرد، واهدافهم العادلة ، وطموحاتهم القومية المشروعة، في تحقيق اهداف الخيار العسكري، وقد وجدوا ب ” ثوّار قنديل ” افضل مَن يمثّل هذا الدور؛ ولا يتعارض مع هذا الاستنتاج، بل يؤكّده ، ان يكون قد بدأ العرض المسرحي بإدارة النظام  منذ ٢٠١٢  ، لينتهي بالعودة إلى حضنه الحنون، طالما أنّ الهدف الإستراتيجي المشترك للجميع هو قطع سبل التغيير الديمقراطي للشعب السوري، عبر وضع اجندة  اهداف المشروع التحرري الكردي الخاص، في مواجهة استحقاقات ديمقراطية وطنية شاملة!

كما تعرّض السوريين عموما لتضليل واسع حول طبيعة الحرب واهدافها، وادوار  قواها، خاصّة الدور الأمريكي القيادي، وحول مسرحية ” مسار جنيف للسلام  “و …، في ظل  غياب وعي سياسي نخبوي موضوعي،  تعرّض الكرد لخديعة كبرى تقول بأنّ ما يحدث في اطار تجربة “الإدارة الذاتية”  هو إرادة كردية خالصة، نابعة من الحرص على مصالح الكرد، وتعمل على تلبية طموحاتهم، وهي في إطار مشروع ديمقراطي سوري شامل.
ما حدث ليس له علاقة بهذا السيناريو الجمييل!!
من الافضل أن يُدرك الجميع، حتّى بعد فوات الأوان ، حقيقية الدور المعادي لأهداف الشعب السوري الديمقراطية، الذي قام به بعض المرتزقة من  قيادة “حزب العمال الكردستاني التركي”، المتمركزين في شمال العراق وايران، في سياق حروب هزيمة حراك السوريين السلمي، وإجهاض اهداف الأنتقال السياسي، لصالح  أصحاب مشاريع محليّة وإقليمية وأمريكية / روسية؛ وهو لايختلف من حيث الهدف، عن ما لعبه  مرتزقة ”الاسلام السياسي” ، في قيادات جميع الفصائل والميليشيات الطائفية دون استثناء !!

  في ظلّ معطيات موازين القوى الحالية، التي اصبح فيها ثقل الرأي العام الديمقراطي السوري، وممثليه، عديم الوزن، أعتقد انّه من الافضل لجميع السوريين، وفي جميع المناطق، انهاء صراعات  التوكيل، وإعادة  السيطرة، التي تخوضها اطراف قوى الثورة المضادة، بعيدا عن  قرقعة السلاح وسفك الدماء، والمزيد من عمليات التدمير والتهجير، التي يدفع ثمنها فقراء الشعب السوري.
عبثيّةهي  كلّ تضحيات جديدة يقدّمها السوريون ، طالما أنّها لا تصبّ في خدمة اهداف التغيير الديمقراطي للشعب السوري!!
السلام والعدالة لنا جميعا، ضحايا حروب الاستبداد !!

▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎

(١)-

تواصلت ” المرحلة الأولى ” من خيار العسكرة والتطييف، خلال الاعوام ٢٠١١- ٢٠١٤، وسعت  الى هزيمة اهداف المشروع الديمقراطي للشعب السوري، وتدمير قواه وحواضنه الشعبية ؛  بمشاركة   تحالف واسع ، ( تحالف الأستبداد )، ضمّ جميع القوى ، محليّا وإقليميّا وإمبرياليّا، التي تتعارض مصالحها مع امكانية حدوث انتقال سياسي ، وتغيير ديمقراطي، بقيادة الولايات المتحدّة وروسيا ؛ وقد نجحت   أطراف تحالفه ، بجهد مشترك ، متكامل، وبأذرع الثورة المضادة الميليشياويّة، في هزيمة  الحراك الشعبي السلمي،  وتفشيل  جهود حلّ سياسي قابل للإستمرار، وإجهاض اهداف التغييرالديمقراطي .

   مازالت تتجاهل معظم النخب السياسيّة والثقافيّة السوريّة ،  في جميع مواقع تخندقاتها ، لأسبابها  الخاصّة،أنّ التوافق الاستراتيجي الروسي الامريكي حول” مصير النظام “  قد تشكّل  مبكّرا،  مع وصول الحراك الشعبي السلمي إلى مرحلة اللاعودة  خلال صيف ٢٠١١ ، واضعا تحالف “القوى المعادية للتغيير الديمقراطي”، بقيادة واشنطن وموسكو،أمام خيارين ، لا ثالث لهما :

القبول بتحوّل سياسي ، على الطريقتين التونسيّة ، والمصريّة ، وما قد يؤدّي اليه ، في ظروف المدّ الثوري الديمقراطي، من تحوّلات استراتيجية تخرج عن إطار مصالح الجميع، المعادية في الجوهر ، والرافضة لمسارات التغيير الديمقراطي للشعب السوري ؛ أو اللجوء الى الخيار الأمني /العسكري، لسحق تطلّعات الشعب السوري، وهزيمة قواه ونخبه الديمقراطية.

تجسّدت  المصالح والإرادة المشتركة للولايات المتحدّة الأمريكية وروسيا  في قطع سبل الانتقال السياسي والتحوّل الديمقراطي،و في تعزيز جهود  دفع الصراع السياسي على مسارات العنف، ليس فقط بدعم ، وغضّ النظرعن ،سياسيات وآليات مواجهة الحراك الشعبي السلمي  ،  بجميع وسائل العنف المتاحة ، بل ايضا بتكامل سياسات القوتين الأعظم في تفشيل جهود إطلاق حلّ سياسي للصراع ، طيلة العام ٢٠١١ ، (التي كان أبرزها ، و كان لها ان تقطع مسار الخيار العسكري، لولا تعارض نتائجها وسياقها مع مصالح وسياسات الولايات المتحدة وروسيا، اعظم قوتين عالميتين ، واصحاب  مصالح جوهرية في كامل منطقة الشرق الأوسط   )،  جهود داخلية سوريّة ؛ داخل النظام وعلى صعيد النشطاء والنخب الديمقراطية الوطنية؛  وجهد اقليمي ، عربي / تركي ،مثّلته ” مبادرة الجامعة العربية ” وخطّتها الثانية للسلام ، التي اسقطها في مجلس الأمن، فيتو روسي / صيني ، في ٤ شباط ٢٠١٢ ، طبعا ، بضوء أخضر أمريكي ، ليعمل الأمريكان والروس على استبدالها ” بمسرحية  جنيف ”  ، وما تفتقد إليه من  آليات،  وإرادة  ايجاد حل سياسي  ،  بديلا للحل العسكري ، وليس مواز له  !!

(٢)-
وهي صيرورة متواصلة ، كانت قد بدأت مع التدخّل العسكري المباشر، الأمريكي والروسي، ٢٠١٤- ٢٠١٥ ،  وقد سعى العاملون عليها إلى إعادة سيطرة السلطة  “على كامل  الجغرافيا التي خرجت عنها  ، في أعقاب مرحلة  حروب” الخيار العسكري الميليشياوية !

بخلاف ما يعتقده الوعي السياسي النخبوي، سوريّا وإقليميّا ،( الذي يعتقد ، ويروّج لفكرة ” استحالة ” إعادة التأهيل ” ، لربطها ذاتيّا ، ومساواتها  ،ب مفهوم ،” إصلاح النظام “؛ رغم تناقض المسارين  !)،  ليست إجراءات ” إعادة التأهيل ” ممكنة ، وواقعية ، بل  ، لقد بدأت صيرورتها  مباشرة بعد انتهاء مرحلة الحرب الأولى، بين ٢٠١١- ٢٠١٤ ، ومنذ اللحظات الاولى لتدخّل جيوش شركاء الخيار العسكري، الولايات المتحدة الأمريكية، ٢٠١٤ ، وروسيا ، ،٢٠١؛ ووصلت  إلى
مرحلة متقدّمة  ، مع إجراءات إعادة التأهيل إلى جهود ” الجامعة العربية ” !

هل هو استنتاج غير موضوعي ؟
اذا كانت الخطوة الاولى، الإساسية ، في صيرورة “إعادة تأهيل النظام ” هي استعادة سلطته على ” الأرض المحررة ” التي خضعت  لسيطرة سلطات أذرع” الثورة المضادة “( القوى التي تصنّفها واشنطن وموسكو ” إرهابية “، وتضم طيف واسع من الميليشيات الطائفية المسلّحة، بدءا بداعش ، وانتهاءا  بالنصرة ، وما بينهما من ” فصائل المعارضة ” ، في سياق تحقيق اهداف الخيار العسكري-  هزيمة اهداف الإصلاح ، وتدمير قواه وحواضنه الشعبية وتفشيل نخبه- ٢٠١١- ٢٠١٤  )،
وقد اطلقت هذه الصيرورة جهود متكاملة ، أمريكيّة روسيّة ، ما تزال النخب تعتقد بتعارضها !!

(٣)-

تقول السيدة “الهام احمد ” في مقابلة على شاشة تلفزيون” الغد “:

ما هي خياراتكم لمواجهة الاعتداءات التركية ؟
تتحمّل المسؤولية الاولى الولايات المتحدّة وروسيا، اللتين وقعتا اتفاق وقف اطلاق نار مع تركيا ٢٠١٩ .
على  هذه  الدول أن تلتزم بالضغط على تركيا وإلزامها بوقف اطلاق النار .يجب أن يكون هناك موقف دولي واضح من كل التهديدات التركية ، التي تتصاعد بشكل يومي على امننا وحياتنا في هذه المناطق ، خاصّة هجّرت مئات آلاف من سكان هذه المناطق وتمارس عمليات تغيير ديمغرافي ، تبني مستوطنات ، وتتعرّض ثرواتها للنهب من قبل الفصائل
على ماذا تعتمدون بهذه الثقة على الحليف الأمريكي؟
ما هي الضمانات التي قدّمها لكم الأمريكيون؟
اخبرتنا امريكا في كلّ الاجتماعات واللقاءات مع المسؤوليين انّهم باقون في المنطقة. بمعنى، يعتبر الأمريكيون أنّ بقائهم في المنطقة هو ضمان بعدم حصول هجوم تركي آخر. وهم باقون إلى أن يتمّ الحل السياسي النهائي؛ وهو ما طلبناه منهم حقيقة، ركّزنا على هذه النقطة. الوجود الأمريكي في المنطقة، وهو ضامن لقيام حل سياسي.
▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎ ▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎

نزار البعريني ٢٧-كانون ثاني – ٢٠٢٢

الآراء الواردة بالمقال تعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة أن تعبر عن رأي الموقع

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة