شيء حول المعضلة الإيرانية – موفق نيربية
في أحد أيام آب/ أغسطس من عام 1967 نقلت يونايتد بريس، أن حشوداً من الحرس الأحمر الصيني؛ كانت تلوح بالكتب الحمر التي تحتوي على خلاصات مقتطفة من «أفكار» ماو تسي تونغ؛ وهي تقتحم السفارةَ البريطانية في بكين وتضرم حرائق هائلة فيها، حدث ذلك بعد أكثر من عام على بداية «الثورة الثقافية»، بإصدار بيان أيار/مايو الذي يقول إن التحريفيين تسللوا إلى الحزب والدولة، ووجب تدمير «الأفكار القديمة والتقاليد القديمة والعادات القديمة والثقافة القديمة»، وتدمير من يحملونها. أغلقت المدارس والجامعات، ونُهبت الكنائس والمقابر والمكتبات والمتاجر والمنازل، حيث يعشش بقايا الإقطاع والبورجوازية.
وفي منتصف نهار الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر 1979، اقتحم ما بين 300 و400 طالب جامعي مقر السفارة الأمريكية وسط طهران، بعد تسلّق أسوارها. لم يخفوا أبداً كونهم من أتباع الإمام الخميني، وطالبوا بتسليم محمد رضا بهلوي، الذي تمت الإطاحة به قبل أشهر، وكان يخضع للعلاج في الولايات المتحدة.
اجتاح الطلاب الذين كانوا «مسلحين بالهراوات» السفارة «بعد ثلاث ساعات من المقاومة أطلقت خلالها عناصر المارينز قنابل الغاز المسيل للدموع، قبل أن يتم احتجازهم رهائن، من بين أكثر من 60 رهينة أمريكية، كُبّلت أيديهم وعُصبت أعينهم، قبل أن يطلق سراح بعضهم، ليواجه 52 منهم المحنة بأكملها.
في نيسان/ إبريل 1980، انتهت خطة إنقاذ عسكرية أمريكية سرّية أطلق عليها «عملية مخلب النسر» بكارثة، عند نقطة تجمّع وإعادة تزويد بالوقود في الصحراء، على بعد نحو 400 كم جنوب شرق طهران، بعد مواجهة عاصفة رملية مفاجئة.
تمّ تحرير الرهائن في يوم تنصيب ريغان رئيساً في أيلول/سبتمبر 1980، بعد وساطة جزائرية ناجحة، وكان أن تحوّلت السفارة في ما بعد إلى متحف تجددت جدارياته «الثورية» في الذكرى الأربعين للعملية، حين قدّم قائد الحرس الثوري اللواء حسين سلامي الجداريات الجديدة التي رسمها طلاب من الباسيج، الميليشيا الطلابية التابعة للحرس الثوري، والتي يقارب تعدادها ربع المليون مقاتل، والتي تُستخدم في بعض المهام القمعية الداخلية خارج إطار الدولة.
لم يأخذ أيّ رئيس أمريكي بالثأر لكرامة البلاد منذ ذلك اليوم، ولم يستطع حتى الانتصار على الشيوعية أن يغطّي ذلك، ولا انتصارات الثأر من أفغانستان التي هُجِرت مؤخراً، أو حرب العراق التي استعجلت وأخطأت أهدافها.. في حين تشتبك الحرب على «داعش» مع مسار استعادة الاتفاق النووي مع إيران واحتمالاته الخطرة.. مع هجوم الأولى بشراسة على سجن الحسكة السورية، وهجوم الثانية – غير المباشر- بشكل نوعي جديد وغير مباشر على مطار بغداد.
تنص المادة 143 من الدستور الإيراني على أن» يتولى جيش جمهورية إيران الإسلامية مسؤولية الدفاع عن استقلال البلاد ووحدة أراضيها، وعن نظام الجمهورية الإسلامية فيها». والمادة 144 على أنه «يجب أن يكون جيش جمهورية إيران الإسلامية جيشاً إسلامياً، أي جيشاً ملتزماً بالعقيدة الإسلامية وبالشعب، وأن يضم أفراداً يؤمنون بأهداف الثورة الإسلامية، ويعملون بإخلاص من أجل تحقيقها» حيث تحدد مهمة الجيش في المادة الأولى كغيره من جيوش العالم، وتحدّ الثانية من حياديته وتركّز على عقائديته، التي نعرف مثيلات لها في الصين وكوبا وكوريا الشمالية وسوريا.
في حين تبرز بلاغة النصّ في المادة 150 التي تنصّ على أنه» تبقى قوات حرس الثورة الإسلامية، التي تأسست في الأيام الأولى لانتصار هذه الثورة، راسخة ثابتة من أجل أداء دورها في حراسة الثورة ومكاسبها. ويحدد القانون وظائف هذه القوات ونطاق مسؤوليتها بالمقارنة مع وظائف ومسؤوليات القوات المسلحة الأخرى، مع التأكيد على التعاون والتنسيق الأخوي في ما بينها»، ثم يأتي قانون الحرس الثوري ليحدد مهامه على الصعيد الداخلي والخارجي بما يلي:1 ـ حماية الثورة وأمنها،2 ـ دعم حركات التحرر في العالم، 3 ـ حراسة الثورة وقادتها وأهدافها من العدو الأمريكي والصهيوني وعملائهم في المنطقة.. ثمّ يتمّ ذكر مهمة الحفاظ على أمن الحدود، ليُستنتَج بسهولة أن للحرس مكانة خاصة في الدستور، ودوراً مركزياً في الدفاع عن النظام ورجاله، غالباً عن طريق حريته في العمليات الخارجية ومهمة «دعم حركات التحرر».. التي يحققها لواء القدس على وجه الخصوص، إضافة إلى الجانب العسكري، للحرس الثوري قوة اقتصادية حرة الأيدي وضاربة، خصوصاً من خلال مؤسسة «خاتم الأنبياء» التي كانت مطلقة الصلاحيات في عملية إعادة البناء بعد الحرب مع العراق، وتأمين تمويل بعضه عن طريق الميزانية الرسمية للدولة أو غيره، لتلك العملية وكلّ ما تلاها. و»مؤسسة المستضعفين» التي استحوذت على كلّ ما كان تحت أيدي الشاه وعائلته ورجاله، لكن الأكثرَ دلالة دورُ الحرس الثوري في الحياة السياسية الداخلية، من ذلك ترشيح ممثليه إلى البرلمان والانتخابات البلدية والرئاسية، بحيث يبقى صاحب النفوذ الحاسم دائماً من الناحية السياسية، بما يضمن تنفيذ مهمته في حماية واستمرار النظام في أزماته المتنوعة، ويزيد من تدخله بالتدريج، حتى الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أطبق فيها على مفاصل الدولة، ومنع احتمالات إصلاحها من داخلها في المستقبل.
إذن، نحن أمام نظام شمولي واستبدادي معاً، يتحكم من خلاله «الولي الفقيه» أو «المرشد الأعلى» بالمجتمع والدولة، وبالنزاعات الخارجية التي تبقي التوتّر قائماً بشكل دائم، وتخلق باسم الدعوة والدين بؤر حروب لا تنتهي، كما تفعل في العراق وسوريا ولبنان واليمن، تحت رايات الكفاح ضد إسرائيل وأمريكا، فلن يستطيع الاتفاق على الاتفاق النووي إغراء ذلك النظام بالتخلّي عن أسباب وجوده واستمراره، ولن يحدث شيء مثل ذلك أو على طريقه إلّا من خلال حرب مجهولة العواقب، أو خصوصاً من خلال عوامل داخلية مجهولة العوامل حتى الآن، ولكن مع عوامل أخرى خارجية معروفة العوامل. في العامين الأخيرين، ابتدأت خسارات إيران في العراق من خلال الحركة الاحتجاجية القوية، التي كانت نواتها الفاعلة، قد جاءت من» حاضنتها» الاجتماعية ذاتها.. حيث وجعها الرئيس. كما تراجعت أسهم حزب الله في سوريا ولبنان، وابتدأت سمعة النظام الإيراني أيضاً بالتراجع، مع إجهاد وتعب الكثير من أدواتها وآليات عملها في البلدين.. وفي كلّ تلك الأماكن، كانت الخسارة فادحة، لأنها تضرب على العصب الأكثر أهمية، وسبب الوجود والاستمرار، وهو» الدعوة»، أو العامل الأيديولوجي بطريقة تعبير أخرى. فلا يمكن في النهاية أن تنتهي تلك القضية بتصعيد أدواتها التي تغذّي التعارض السني – الشيعي وتتغذّى عليه، بل بما يعادلها وينفيها في الجانب التاريخي- المستقبلي الآخر، وهو مسألة الحرية والكرامة والسلام والتنمية، والعودة إلى سياق الحداثة ومقتضياتها. وسيكون الدور الحاسم للحركات الشعبية في العراق وسوريا ولبنان واليمن والمنطقة عموماً، وفي إيران ذاتها قبل أيّ مكان آخر. ولعلّنا نحن أصحاب المصلحة نستطيع النظر إلى الموضوع من هذه الزاوية، فنحدّد بشكل أفضل متطلباتنا المتنوّعة الأكثر نفعاً وأماناً. وإلّا، فإن أطروحات يومية تتجمّع وتتزايد – للأسف- وتدعم الرأي الذي لا يجد مخرجاً إلّا على طريقة حلّ الإسكندر الأكبر للعقدة الغوردية! هنا تلتقي الاستراتيجية الإسرائيلية بحكومتها الدينية اليمينية المتطرّفة، مباشرة مع الاستراتيجية الإيرانية بقيادتها الدينية – اليمينية المتطرفة أيضاً، خصوصاً عن طريق حرسها الثوري وفيلقه المتقدّم إلى جبهات بعيدة وتتوسع باستمرار!
القدس العربي – 1 – فبراير/شباط – 2022
الآراء الواردة بالمقال تعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة أن تعبر عن رأي الموقع
Nezar Baarini
افكار عامّة ، متداخلة ، لايمكن لها ان تفسّر حقائق الواقع ، التي تقول بنجاح ادوات المشروع الايراني بالتمدد والسيطرة على قلب منطقة الشرق الأوسط، التي هي تاريخيا اهم مراكز السيطرة الأمريكية .
سؤالين ، لايقدّم لهما المقال اجابة واضحة ، واكتفى بحشو معلومات غير مترابطة :
١-فهل نحن امام هزيمة تاريخية لادوات واهداف المشروع الأمريكي، في مواجهة ادوات واهداف المشروع الايراني ؛ وهذا يتناقض مع حقائق موازين القوى الإقليمية والدولية؟
٢- هل نحن امام حالة تشاركية ؟ كيف ؟
مودتي واحترامي