قسد بين البندقية الأمريكية وطغمة دمشق

 

اندلعت الاشتباكات بين خلايا لتنظيم داعش وقوات سوريا الديمقراطية، عشية 20 كانون الثاني 2022،  في سجن الصناعة ومحيطها في محافظة الحسكة، الذي يخضع لنفوذ الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال شرق سوريا، والذي كان يضم، حسب مصادر الإدارة، حوالي 3500 سجيناً إلى جانب 700 طفلاً (أشبال الخلافة)، وصفت داعش معركتها بعملية تحرير أسراها المحتجزين في سجون قسد، في حين قالت قسد أنها معركة “مطرقة الشعوب”، وتزامنت هذه الاشتباكات مع عصيان للسجناء داخل السجن واحتجاز بعض الحراس والعاملين في مطعمه، وكذلك بهجوم بري لقوات من المعارضة السورية المدعومة من تركيا على قرى تابعة لعين عيسى.

وفق بيان القيادة العامة لقسد بتاريخ 31 كانون الثاني، كانت حصيلة الضحايا 374 قتيل من تنظيم داعش و117 من قوات قسد و4 مدنيين، فيما لا يزال عدد عناصر داعش الفارين من السجن، حتى هذه اللحظة، غير متاح للرأي العام.

تشير العملية بداية إلى أمرين رئيسيين: الأول أن داعش لم ينته بعد، وأن المقتلة السورية والبيئات المدمرة التي خلفتها لا تزال تشكل حاضنة طبيعية للتنظيم المتطرف، وأن ثمّة أطراف وجهات استثمرت فيه وما تزال تحاول ذلك، حتى لو كان الثمن تدمير بلد والتنكيل بشعبه، والأمر الثاني هو حجم الخرق والثغرات الأمنية الموجودة في سجون ومعتقلات هذا التنظيم المرعب الذي تشرف عليه قوات الأمن الداخلي “الآسايش” بإمكانات متواضعة والذي بات يحتاج إلى حل جذري وجديّ من المجتمع الدولي.

بداية القول لا بد من الإشارة إلى أن هذه الافتتاحية تحاول المساهمة في فهم وتفكيك خطاب بعض الأطراف والشخصيات التي تناولت الحدث من منظور رؤيتها العامة إلى مشروع الإدارة الذاتية، وهنا لا نود القول كما المثل البوذي: أننا نشير إلى القمر فينظر “النبهاء” إلى إصبعنا، في إطار الردود التي قرأناها حول افتتاحيتنا (داعش لغز أم حقيقية؟)، بل نصرّ على حك أدمغتنا وإثارة الأسئلة لنقول أنه لا متانة التراكيب اللغوية ولا ذكاء الكتّاب في اختيار مفرداتهم يمكن أن يغطي على الحقائق الساطعة في حدث غويران، أو أن يحجب نور الشمس بغربال كالحديث عن ملحمة أو مسرحية قسد أو عن خلاف داخلي/عائلي بين قسد-النظام-داعش، فبمقدار معرفتنا عن حجم خلافنا مع الإدارة الذاتية وحزب السلطة فيها كسلطة شمولية فإننا نقف بدون تردد في صفها عندما يتعلق الأمر بمحاربة داعش وحماية المدنيين وضبط الاستقرار في تلك البقعة من سوريا التي ما تزال تحتفظ ببعض مقومات الحياة.

ما جمع الفرقاء، بدءاً من سلطة الطغمة ومروراً بتركيا الأردوغانية والمعارضة السورية، الإسلامية منها والقومية العربية  ومعظم الشوفينين العرب، وانتهاءً بخصوم الإدارة من الكرد في المجلس الوطني الكردي، هو معاداة مشروع الإدارة الذاتية التي يقف على رأسها حزب الاتحاد الديمقراطي PYD ، فالطغمة ترى فيها خيانة لاتفاق سابق، وتركيا تراها تهديداً لأمنها القومي، والمعارضة المرتهنة لتركيا تأتمر بأوامرها، و الشوفينيون لا يستطيعون أن يروا الكرد شعباً، والمجلس الكردي يعميه استبعاده من الشراكة في السلطة.

إذا كان المجلس الوطني الكردي  قد وقّع تحت إشراف الحزب الديمقراطي الكردستاني-العراق ثلاث اتفاقيات مع الإدارة الذاتية (هولير1 في حزيران 2012 -هولير2 في تموز 2012-دهوك 2015)، كما وقّع في حزيران 2021 وثيقة ضمانات ذات النقاط الستة برعاية ممثل الخارجية الأمريكية وقيادة قسد، والتي تنص على بدء جولة جديدة من المفاوضات بينهما على أرضية اتفاق دهوك 2014، التي نصت بدورها على (أهمية توحيد الموقف الكردي وتقرر تشكيل مرجعية كردية مهمتها رسم الاستراتيجيات العامة للكرد وتجسيد الموقف الكردي الموحد في كافة المجالات المتعلقة بالشعب الكردي في روج آفا وسوريا، وتتشكل من حركة المجتمع الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي والأحزاب الأخرى خارج إطار الطرفين.وفي مجال الإدارة الذاتية الديمقراطية في روج آفا تقرر الشراكة الفعلية فيها وفي الهيئات التابعة لها وتطوير الشكل الراهن لإدارة المناطق الكردية نحو توحيدها سياسياً وإدارياً والعمل من أجل توثيق تمثيل مختلف المكونات الأخرى فيها.)1 هذا عدا عن الحوارات الثنائية بين أكبر أحزاب المجلس(PDK-S) وحزب PYD حول تقاسم الامتيازات2، فعلى ماذا يبني المجلس خطابه ضد الإدارة الذاتية في أنها لا تحمل مشروعاً كردياً وأنها تضحي بالشباب الكرد في المناطق غير الكردية؟ ألا يحمل هذا الاتهام بحد ذاته براءة (ولو في أحد جوانبه) من تبعية مشروع الإدارة لحزب العمال الكردستاني الذي يعتبر تركيا مركز جهده وصراعه؟

هذا لا ينفي ولا يغطي (على الأقل في منظورنا) أن (أوجلان) زعيم العمال الكردستاني ظلّ في دمشق وجوارها ما يقارب عقدين من الزمن، واستجاب في محطات متعددة لسياسة النظام السوري، وتحديداً لمطالب جهازه الأمني، ودفع مسبقاً ضريبة بقائه فيها بما فيها تخليه عن “كردستان سوريا”وهو صاحب المشروع القومي”تحرير وتوحيد كردستان” حتى قبل اعتقاله شباط 1999، واعتبار الكرد في سوريا لاجئين وقدموا من كردستان تركيا وأن حملته تستهدف إعادتهم إلى الشمال.3

مارست معظم حركات الكفاح المسلح الكردستانية أقصى درجات البراغماتية في علاقاتها مع أنظمة بغداد وطهران ودمشق وأنقرة، ولو طرحنا التساؤل التالي: أين تلك الزعامات الكردستانية التي لم تتلوث أياديها في علاقات مع الأنظمة الدكتاتورية الأخرى أثناء حربها ضد الأنظمة التي أنكرت حق الكرد ؟وهل يشكل السيد أوجلان استثناءً في ذلك؟ ثم اتفاقية أضنة 1998 وطرد أوجلان من دمشق وولادة حزب الاتحاد الديمقراطي في 2003 وحملة الاعتقالات التي طالت عناصره في آذار 2004 على خلفية الإنتفاضة الكردية، ألا تشكل محطات رئيسية في تغيير سلوك ومواقف الجماعة المذكورة؟

إذا كان يوجد ثمّة خلاف، وتساؤلات كثيرة حول استلام حزب الاتحاد الديمقراطي   PYD لبعض المناطق عام 2013، بموجب عقود حماية مع النظام السوري تحت إشراف مباشر من قنديل (معقل قيادة PKK)، فإن ما هو غير قابل للجدال أن قوات سوريا الديمقراطية”قسد”التي تأسست في 2015، والتي شكلت نواتها من وحدات الحماية الشعبية التي أسستها PYD، خاضعة  للإشراف المباشر من القوات الأمريكية ولا تستطيع هذه القوات، بالرغم من هوامش الحرية المتاحة لها في بعض القضايا التفصيلية الصغيرة، التنسيق مع النظام السوري لدرجة تشكيل غرفة عمليات مشتركة كما يروج لها بعض أوساط المعارضة، او أن تكون هذه القوات أحد الأذرع الأمنية للنظام، وأن عمق علاقة “قسد” مع الأمريكان أقوى بكثير من تأثيرات مشاعر الامتنان لنظام الطغمة التي عبرت عنها قيادة قنديل، أكثر من مرة، لرعايته زعيم الحزب “اوجلان” لعقدين من الزمن.

لذلك من المفهوم والواضح نقمة الطغمة في دمشق على الإدارة الذاتية، ودعواتها المتكررة لإجراء المصالحات، وعودة تلك المناطق إلى ما كانت عليه قبل 2011، وتسريب بعض الوثائق الباهتة عن علاقته القديمة مع PYD، ووصفه معركة قسد ضع داعش في غويران بأنها “ترقى إلى مستوى جرائم حرب ” ومن ثم النفخ في نار الفتنة بين الكردي والعرب عبر استخدام عنوان “التهجير ممنهج والاحتمالات مفتوحة”.4

ثمة مثقفون سوريون مازالوا نائمين منذ ما قبل اتفاقية أضنة 1998 ولم يتابعوا ولادة PYDعام 2003  ولا ولادة الوحدات YPG-YPJ  (وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة) عام 2012 ولا ولادة “قسد” في 2015 برعاية أمريكية ولم يروا دعم التحالف الدولي لهم ولم يقرؤوا الدعوات المتكررة والاتهامات بوقوعهم تحت الأجندات الأمريكية، التي نراها مبشّرة، وما يزالون يصرّون أن حزب العمال الكردستاني هو أحد الأذرع الأمنية للنظام السوري!

باختصار شديد في حرب قسد ضد داعش لا يستوي أن تحمل البندقية الأمريكية على كتف وأن ترقص على أنغام النظام السوري.

تيار مواطنة- نواة وطن

مكتب الإعلام 2 شباط/ فبراير 2022

  • مقتبس من اتفاقية دهوك 2014.
  • جرت حوارات ثنائية بين الحزب الديمقراطي الكردي-البارتي اكبر أحزاب المجلس الوطني وحزب الاتحاد الديمقراطي PYDتموز 2013(صفحات من ثورة روجافا( آلدار خليل ص178 -180.
  • كتاب سبعة أيام مع القائد آبو (نبيل ملحم 1997).
  • جريدة الوطن العدد 3655 تاريخ 23 كانون الثاني 2022.

 

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة