استوكهولم 2 فسحة أمل.. شرط الكثير من العمل

 

رغم سيطرة النظام السوري على المساحة الأكبر من سورية، ورغم نجاح النظام في إنهاء خصومه من المعارضه السياسية أو العسكرية لا يختلف إثنان أن الحياة في سورية لم تعد لطبيعتها، فالسوريون ينامون قلقين على تأمين قوت اليوم التالي منتظرين حوالات الأقرباء من أوربه وأمريكا، ويصحون على حوادث الانتحار والقتل والسرقة أو على أصوات القصف الاسرائيلي للمواقع الإيرانية في أكثر من موقع في سورية وليس بعيداً أبداً عن مواقع صنع القرار، والقصف السوري والروسي والتركي في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام. وهكذا يفتقد السوريون أبسط مقومات العيش وتعجز الدولة، أو ما تبقى منها، عن أداء دورها داخل سورية أو في حماية أرضها، ولا تبدو محاولات إعادة التكيف مع بعض الدول العربية قادرة على إخراج النظام من مأزقه التاريخي، وقد لا تفيد إلا في تسهيل هجرة المزيد من السوريين، كما أن انشغال الحليف الاستراتيجي روسيا في أوكرانيا يضع النظام أمام مصير غامض.

في المناطق التي تسيطر عليها تركيا أو التي تحكمها النصرة أو فصائل تأتمر مباشرة بأوامر الإدارات التركية العسكرية والمدنية وبمشاركة ما مع الائتلاف، لا يوجد أي توجه حقيقي لتكريس شكل جديد من الحكم والممارسة السياسية، فيما يخص المستقبل السوري، ولا يبدو أن هناك أفقاً أكثر من مجرد استمرار هذه السيطرة لتضمن تركيا عدم وجود أي نفوذ كردي قرب حدودها. و يستمر تراجع دور الائتلاف السياسي خاصة بعلاقاته الداخلية بالسوريين، رغم محاولات تغيير بعض الأشخاص، ورغم أنه لم يفقد بعد المشروعية الدولية المحدودة التي يتمتع بها.

في منطقة شرق الفرات تجربة جديدة في الحياة السياسية السورية يجب التعامل معها بعيداً عن المخاوف المبنية على أوهام وتخوفات الانفصال، غير الواقعية أساساً، يجب التعامل معها من وجهة نظر نقدية دون محاباة ولكن أيضاً دون عدائية، فالنقائص واضحة وتحتاج إلى علاج وأولها العلاقة الكردية – الكردية التي أبدت مسد استعداداً ايجابياً في التعامل معها ولكن الموضوع يتعلق أيضاً بالطرف الآخر وقدرته على التجاوب بعيداً عن حساسيات العلاقة التاريخية وعن الحسابات السياسية المستجدة. التحدي الآخر هو تحدي تحول الإدارة الذاتية فعلياً إلى تشارك حقيقي للسلطة، مع العرب والمكونات الأخرى من سكان المنطقة، الذين عليهم نبذ أي خطاب لا ينطلق من وحدة جميع السوريين، وفي الوقت نفسه يجب أن يشعَر الجميع أن هذه التجربة تخصهم ولا تخص ” مسد” وحدها، وكل ذلك يجب أن يتم على أرضية الموقف الواضح من سلطة الاستبداد في دمشق وعدم السماح لها باستفراد أي طرف وأيضاً على أرضية التوافق على شكل الدولة السورية القادمة موحدة ديموقراطية تقوم على أسس المواطنة التي تضمن الحقوق الفردية للجميع وعلى أساس احترام الحقوق الجماعية لجميع المكونات بما ينسجم مع الشرعة العالمية لحقوق الإنسان.

في أجواء دولية يكتنفها الغموض حول المستقبل، ليس أمام السوريين إلا محاولة التحضّر لمواجهة الاستحقاقات القادمة، ورغم ما تبدو عليه الحياة السياسية السورية في الداخل من انسداد آفاق العمل يتوجب علينا جميعاً التواصل مع السوريين في جميع مناطق الداخل لإشراكهم في تلك التحضيرات، لكن مع ذلك، ولأن الجميع متفقون على أن القضية السورية قد تدوّلت، فستكون المسؤولية الأكبر في الاستعداد لمرحلة الانتقال السياسي واقعة على الذين يعيشون في الأماكن التي توجد فيها إمكانات العمل والتعبئة وإقامة الاتصالات الدولية مع الدول الداعمة لمسيرة الانتقال السياسي وفق 2254، وهنا تبدو منطقة شرق الفرات مكاناً مناسباً وهو المكان الوحيد داخل سورية الذي تتوفر فيه هذه الامكانية وبالطبع توجد امكانات هامة لدى المقيمين في العالم خاصة أوربه وأمريكا لدعم هذا العمل.

استطاع استوكهولم 2، الذي عقد في يومي التاسع والعاشر من نيسان الجاري، والذي دعت إليه منظمة “اولاف بالمة” السويدية وبدعم من مجلس سورية الديموقراطي “مسد” بمشاركة السوريين، إعادة الاعتبار لِ“سورنة” الحل، بعيداً عن أية تصورات لا تعطي الأولوية للهوية السورية، وبالمعنى العملي تصدى الاجتماع لنقاش معوقات العمل المشترك، الذي لاتزال طبيعته موضع نقاش، فهل يذهب الحاضرون للقاء أم لجبهة ديموقراطية أم لتحالف أوسع أشبه ببرلمان -كما طرح بعض الحاضرين- كل ذلك سيكون موضع نقاش في الاجتماع القادم، لكن الشيء الأكيد هو السعي لضمان مشاركة عدد أكبر من القوى السياسية والشخصيات المؤثرة لضمان تحقيق وجود وازن، يمكن أن يكون له تأثير واضح في العملية السياسية المتوقعة، وكل ذلك مع تحقيق معادلة القرار السوري المستقل وإقامة العلاقات مع الجميع انطلاقاً من مصلحة الشعب السوري وانطلاقاً من التوافق على ودعم مسيرة الانتقال السياسي في سورية.

المكتب الاعلامي  ١٦-٤-٢٠٢٢

تيار مواطنة – نواة وطن

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة