في الذكرى السنوية الثانية عشرة للثورة السورية

بعد اثنتي عَشَرَ عاماً على انفجار الشارع السوري بوجه عقود الاستبداد الأسدي، ورغم عظم التضحيات، لم يخرج السوريون بعد من نفق المحنة الطويل.
نحن مدعوون اليوم جميعاً لكشف حساب صريح بالترادف مع تعثر القضية، وفي خضم الاشتباك والتحولات الدولية بالغة الأثر، وطرح الاسئلة الحارقة: هل للمسألة السورية من مخرج أو على الأقل ما يكفي من الاهتمام للمضي في حل ما؟ وما مسؤوليتنا كسوريين في هذا الحل؟ ولماذا بعد كل تلك التضحيات الكبيرة، كماً ونوعاً، لم تصل ثورة السوريين إلى مآلاتها؟ دعونا نسأل ونتجرع مرارة التفكير والإجابة بعيداً عن نبرة الشعارات وركام الأوهام، في مواجهة مباشرة مع الخطابات الشعبوية التي تتساقط على التوالي مع كل منعطف واستحقاق واقعي.
لقد تحدث كثيرون – ونحن منهم- عن عنف السلطة- الطغمة العاري والذي ارتكبته ومازالت بالتحالف مع نظام الولي الفقيه الإيراني ومليشياته في الإقليم كله، وعن استنجاد النظام بالنظام الروسي الباحث عن استعادة ماضيه الإمبراطوري، وتحدثنا مراراً عن مواطن ضعف الثورة، بداية من عفويتها مروراً بتشتتها وعدم وجود قيادة موحدة لها وافتقارها لبرنامج واضح، وصولاً إلى انحراف بوصلتها منذ أسلمتها و تغول فصائلها المسلحة وسيطرة التوجهات و الفصائل الأكثر تطرفاً على الأرض، والتي انصاعت لإرادات بعض دول الإقليم كتركيا وقطر وغيرهما. من ثم طغيان قرقعة السلاح المنفلت دون خطاب سياسي عقلاني.
بالمقابل فإن الحديث عن السلمية، كمفهوم مجرد عن الظرف التاريخي الملموس وعدم تفهم رد فعل المتظاهرين وحملهم السلاح ورفع رايات الجيش الحر ودعواتهم لتدخل عسكري داعم و حاسم، أو تطبيق حظر جوي، كل هذا يأتي تعبيراً مفارقاً أوغير مناسب إن لم نقل تبريري، فأي واهم ذك الذي يتخيل أن سلطة الطاغية الأسد المدججة بالسلاح والمتخمة بالعنف وأساليب القهر والتسلط ستسقط بفعل التظاهر السلمي وحده وحسب، كما حصل في ربيع اوربا الشرقية قبل عقدين من الزمن أو حتى في بعض الدول العربية كمصر وتونس.
واليوم إذ يدرك العالم الحر، أكثر فأكثر، أن لا سبيل مع قوى الغطرسة والاستبداد إلا المواجهة وإعداد القوة الرادعة فالعقوبات لم تعد تكفي، مهما تعاظمت، خاصة في مواجهة تحالفات الأنظمة المستبدة، وغطرستها ليس لقهر شعوبها فحسب بل للتمادي على جوارها الإقليمي، كما في حرب بوتين ضد أوكرانيا وحروب إيران في اليمن ولبنان وسوريا والعراق، وتتضح يوماً بعد يوم للشارع الغربي أو الأمريكي العبرة السيئة من تأخر التحالف الغربي عن نجدة السوريين في الزمان والمكان المناسبين، وتقاعسه حينما طالب الشارع بالحظر الجوي، ولكن تردد المجتمع الدولي جاء مبرراً بظهور داعش وأخواتها مترافقاً بتراجع حضور الجيش الحر لصالح التطرف وغياب وحدة البندقية، الأمر الذي فوت بالنتيجة مهمة إسقاط النظام، في حين كان يمكن دعم استراتيجية مزدوجة لدعم التغيير في سورية ومواجهة داعش في الوقت نفسه، وكان على المعارضة السورية المسلحة الاندراج فعلاً لا قولاً في التحالف ضد داعش والإرهاب وعدم ترك هذه المهمة لفريق سوري واحد متمثلاً بـ”قوات سورية الديمقراطية”، وشن حملات العداء والشيطنة لهذا الفريق لاحقاً.
ومضت القضية السورية إلى مرحلة عنوانها القرارات الأممية لمرحلة الانتقال السياسي التي سقفها التشارك مع النظام في السلطة القادمة، وهو الأمر الذي لم يتحقق بسبب تعنت النظام أولاً وإفشاله لكل جولات التفاوض، وإجهاضه، لكل الجهود السلمية الدولية، التي افتقرت وتفتقر إلى وسائل ضغط كافية بسبب دور الفيتو الروسي/ الصيني في مجلس الأمن، وفي ظل غياب دور أممي او دولي فاعل، وهكذا استفاد النظام كعادته من لعبة الانتظار ومن التناقضات بين فصائل المعارضة وعلى افتقارها لبرنامج تغيير ديموقراطي أساسه المواطنة الحقة بين جميع السوريين.
واليوم هل بمقدور السوريين استعادة دورهم، بعد كل ما لحق بهم من مصائب وكوارث؟ إذا كانت الإجابة بنعم .. فكيف؟
نحن في تيار مواطنة نرى أن علينا المزيد من المكاشفة والمراجعة النقدية لتلك المرحلة المتشابكة والمعقدة وبناء خطاب حقوقي سياسي لسوريا المستقبل كبلد ديمقراطي يعتمد الشرعة الدولية لحقوق الإنسان قولاً وفعلاً، بلد يتأسس على مواطنة متساوية تشد أزر الوطنية السورية بعيداً عن الأوهام القومية أو ما فوق الوطنية، أو ردود الفعل الطائفية والقبلية أو الاثنية الضيقة وذلك بالمزيد من التواصل والحوار والتشاركية التي تعطي للنساء دورهن وللشباب مساحتهم ولكل فئات المجتمع مجالاتها دون استبعاد او إقصاء لأي منها، وبالانفتاح على مشاريع الحوار والتفاوض وبناء التحالفات وعدم تضييع فرص الالتقاء بين السوريين من القامشلي إلى اللاذقية ومن ادلب الى السويداء.

الرحمة للشهداء والشفاء للجرحى والحرية للمعتقلين.
عاشت سوريا وطناً ومواطنين.

تيار مواطنة
18 آذار/مارس 2023

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة