الإدانة المتعمدة من تيار مواطنة- حسين قاسم
نشر تيار مواطنة في 24 آب 2023 افتتاحية معنونة ب “حوران وشرق الفرات ومستقبل سورية” من حوالي 1500 كلمة خُصِصَ فيها ما يعادل ألف كلمة عن شرق الفرات وغاب “كلياً” الحديث عن حوران واحتجاجات السويداء ودرعا.
يمكن اعتبار هذه الافتتاحية إنعطافة سيئة في خط التيار نحو الإدانة المتعمدة والأتهام المستند إلى دوافع مسبقة للإدارة الذاتية، لإرضاء شخوص وتيارات قومية عربية اتهمت تيار مواطنة بالأنحياز للكرد ولقضيتهم، هذا الاتهام الذي بلغ ذروته حين أصدر التيار افتتاحيته ” لمن ترفع القبعات” في مناسبة هزيمة داعش في الباغوث على يد قوات سوريا الديمقراطية -قسد آذار 2019.
وجود هامش واسع في التعبير عن الرؤوى والتصورات في التيار مفهوم لأنه في المحصلة ليس حزباً سياسياً، لكنه هنا مختلف، هو تعبير يناقض الخط العام والاستراتيجية الواضحة التي ينتهجها التيار والمتمثل في الضغط الناعم المرن والمشاركة الفاعلة في الجهود التي تقوم على تحويل مناطق النفوذ الأمريكي (الظهير الأمريكي) في شرق الفرات لمنصة معارضة ديمقراطية علمانية مستفيدة من أمرين اثنين، أولها تمايز تجربة الإدارة الذاتية عن مناطق سيطرة الفصائل المسلحة ومناطق النظام، إضافة إلى ضرورة فهم مخاوف الكرد من الاجتياح التركي التي يرافقها إفلات قطعان الفصائل المرتزقة والمتوحشة كما حصل في عفرين وكري سبي ورأس العين، ومقارنته مع نظام الطغمة في دمشق، والثاني استحالة انتهاج الإدارة الذاتية سياسة جذرية معارضة للنظام دون تزامنه مع تحرك امريكي-أوروبي لا يتصادم بالضرورة مع الرغبات الروسية.
وصلت هذه الاستراتيجية إلى مرحلة جني الثمار بقيادة شخوص التيار والشخصيات التي تدور في فلكه مسار استكهولم، والتحضير لمؤتمر القوى والشخصيات الديمقراطية الذي سينعقد في غضون شهرين من تاريخ كتابة هذه الأسطرعلى ابعد تقدير.
دعونا نبتعد عن عقلية المؤامرة التي تبدو لي ان الافتتاحية تنحو إليها، فهي تهدف إلى نسف الجهود السابقة كما تهدف إلى تشويه السمعة الطيبة للتيار في الوسط الكردي والتي تشكل رافعة حقيقية لدعم الوجدان الوطني السوري العام المتمثل في وحدة المعاناة والمصير، هنا سأتناول بعض النقاط التي اراها مهمة في الافتتاحية:
تبدأ الافتتاحية مباشرة ” بعد 2012 م، نشأ وضع خاص في مناطق شرق الفرات إثر تراجع السلطة” ثم تليها الفقرة ” منذ 2014 م وحتى 2017 م وإثر تشكيل التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب بدأت سيطرة داعش بالتراجع حتى معركة الباغوز آذار 2019 ” ، تراجعت السلطة ونشأ وضع خاص؟! طبعاً بطيب خاطر وكرمال عيون الكرد، ربما رغبة منها (السلطة) في إعطاء الكرد كياناً مستقلاً، ويدرك صاحب الأفتتاحية، كما أشار لاحقاً، ان حوارات الإدارة الذاتية مع السلطة لم تثمر عن شيء ولم ترضى السلطة الإعتراف بالحقوق القومية للكرد!! وهكذا هزمت داعش في الباغوث على يد أشباح ؟؟!! دون ان يكلف صاحب الافتتاحية عناء الإشارة إلى افتتاحيته القديمة ” لمن ترفع القبعات؟”. ثم يليه ” وفي مقابل سيطرة داعش عملت إيران والسلطة السورية منذ 2015 م على تجنيد ودعم بعض الميليشيات المعارضة لسيطرة داعش بداية ثم قسد تالياً”. إذاً دعونا نفهم هل قسد مدعومة من السلطة وإيران ام من التحالف الدولي؟ لنفترض جدلاً، وقد يكون ذلك صحيحاً، ان إيران والسلطة والتحالف دعموا قسد معاً في مواجهة داعش، صاحب الأفتتاحية يشير بوضوح إلى إيران والسلطة ويتجاهل دعم التحالف لقسد، هو لا ينسى بل ويتعمد عدم الإشارة إلى دعم التحالف لقسد، ألم يسمع صاحب الأفتتاحية أن أغلبية أعضاء التيار كانوا يعتقدون أن بندقية قسد أمريكية بامتياز!! ولا داعي للإشارة إلى عقل قسد الروسي وعواطفه مع الطغمة الأسدية.
ثم لنقف قليلاً أمام الأرقام والأسماء (الفصائل وقادتها) الواردة في الفقرة اللاحقة والتي تعجز أجهزة استخبارات دولية الحصول عليها! ليس من حقنا بطبيعة الحال السؤال عن المصادر، ولكن لمعرفتي المسبقة بوزن التيار على الأرض وبطبيعته السلمية والمدنية وبطبيعة القيادة العقلانية والوازنة والحذرة في تناول مثل هذه المواضيع كما ادرك حدود إنخراطه في الفعاليات الحالية، هذا ما يدفع إلى الوقوف بحذر امام هذه المعلومات ومغامرة صاحب الافتتاحية في سردها.
ورد أيضاً في أحد الفقرات ” وبعض بقايا فصائل الجيش الحر التي تحاول البقاء خارج مظلة قسد وبنفس الوقت لا تستطيع الفكاك من هذه العلاقة”، لنقف قليلاً امام هذه العبارة، لا تستطيع الفكاك من هذه العلاقة، أيّةُ علاقة؟! العلاقة مع تركيا ام مع قسد؟ من خلال السياق يفهم عن العلاقة مع قسد، لكن إذا كانت قسد مدعومة من إيران ومن السلطة فستسلّم بكل تأكيد قادة هذه الفصائل للأخيرة، ثم هل هناك فصائل جيش حر؟ عن أية فصائل يتحدث صاحب الافتتاحية؟
ثم أن إيران تسعى لإنشار ميليشا بعيدة “شكلياً” عن الميليشيات الخاضعة لها، حسب الأفتتاحية، لدعم المقاومة الشعبية ضد الوجود الأمريكي، هل يعقل هذا؟ إيران تدعم قسد ثم تنشأ ميليشيا لتحارب بها قسد؟! لأن القوات الأمريكية تعمل في مقرات قسد، لماذا إيران غبية إلى هذا الحد؟؟!! الأجدر بها ان تصدر اوامرها لقسد لتصفية الوجود الأمريكي، هذا التحليل متجانس أكثر ومتوافق مع فرضية الدعم الإيراني والسلطوي لقسد.
تقول الافتتاحية أيضاً عن “عشرات جولات الحوار السياسي بين السلطة وممثلين عن الإدارة الذاتية”، مما لا شك فيه أنها قد حصلت، ولكن ميل صاحب الافتتاحية إلى تضخيمها هي المشكلة، واجزم أن تلك اللقاءات لم تصل فعلياً إلى عشرة حوارت، ولننظر إلى الأمر من زاوية أخرى، هناك طرف سياسي يسيطر على ثلث مساحة سوريا ومستبعد من المسار التفاوضي بقرار تركي، وهذا المسار حتى لو ارتكز على القرار 2254 فهو لا يلغي النظام الذي هو جزء من هيئة الحكم الإنتقالي، قد لا أوافق ولا أرى جدوى من هذا الحوار ولكن من الحكمة تفهم دوافع هذا الطرف ووضعها في سياقها الصحيح.
وتسرد الافتتاحية أيضاً ” لا يزال قادة الإدارة الذاتية يعتبرون السلطة السورية أقرب بألاف الأميال من الأتراك وبأن السلطة قد تدعمهم في مواجهة أي تدخل عسكري بري تركي في مناطق سيطرتهم”، مما لاشك فيه ان تيار مواطنة كان يعتبر أن الفصائل المسلحة المتطرفة والمدعومة تركياً هي الأسوأ مقارنة مع خطر الطغمة في دمشق، فكيف لصاحب الافتتاحية ان يأخذ من ذلك مستمسكاً لإدانة الإدارة، وأن يقول: آلاف الأميال؟؟!! فهذه بحاجة إلى وحدة قياس جديدة تناسب وعي صاحب الافتتاحية.
نقطة أخرى مهمة وهي أن قسد لو قاتلت المليشيات الإيرانية على الأرض السورية لن تفعل ذلك علانية، هذا واضح ومفهوم ولا يحتاج إلى شرح، ستفعلها قسد لو كان الطلب امريكي، قد تفعلها في الليل لكنها ستنفيها في الصباح ولن تخبر بكل تأكيد صاحب الافتتاحية.
دعونا نقول دون ان نغوص أكثر في تفاصيل الافتتاحية (لمن تنكّس القبعات!)، ان الوضع الكردي في سوريا متداخل بشكل رئيسي مع وضع كردستان العراق وكردستان تركيا وهذا ما يفهمه بطبيعة الحال معظم قيادات تيار مواطنة، ولا شك ان الوضع القانوني لكرد العراق حال دون مشاركتهم العسكرية الفاعلة في الوضع الكردي السوري، بالإضافة إلى الديناميكية العالية لحزب العمال الكردستاني والروح الكفاحية لكوادره ومعرفتهم بحرب المدن، الأمر الذي أهّلهم للدخول إلى سوريا والمشاركة في قيادة عمليات تحرير الرقة وديرالزور وريف حلب والحسكة من داعش والحفاظ على الاستقرار النسبي في المناطق التي خضعت لاحقاً لنفوذ الإدارة الذاتية الوليدة، هذا دون ان ينتابنا أدنى شك بعلم التحالف الدولي وعلى رأسها أمريكا، الأمرالذي أكسب الحزب بالإضافة إلى رصيده السابق شعبية ورصيداً جماهيرياً إضافياً وخفف عنه الضغط الدولي وقد تجاوز بذلك القيود الأقليمية التي حكمته لعقود ومن بينها طبيعة الصراع الأقليمي التركي-الإيراني. أكثر من هذا دعونا نقول أن العقل لا يمكنه ان يجمع الحجتين التاليتين: الأولى أن يكون حزب العمال الكردستاني صناعة الدولة العميقة في تركيا كما ترددها بعض الأوساط الكردية المتحالفة مع المعارضة السورية-التركية والثانية أنها صناعة المخابرات السورية- الإيرانية كما تتبناها فرضية المعارضة السورية المحسوبة على تركيا، المهم هنا وضوح فكرة الإدانة المسبقة والمتعمدة ولا يهم جمع الحجج والأدلة، دعوني أقول بوضوح ساطع ، او كما افهمه، أن حزب العمال الكردستاني بقيادة اوجلان انطلق من فرضية بسيطة جداً أنه لا يملك شيئاً ليخسره، فمنح كوادره درجة عالية من التفويض والثقة ليطرقوا جميع الأبواب والدخول إلى جميع الأسواق/المحافل السياسية، المشروعة منها وغير المشروعة، من نظام صدام، نظام حافظ الأسد، المنظمات الفلسطينية واللبنانية، إيران والتيارات اليسارية التركية، روسيا واليونان وأرمينيا، لم تترك تلك الكوادر باباً إلا وطرقوه، قد يكون في ذلك مغامرة غير محمودة العواقب، لكنه فعلها، ولا يخفى على احد ان العمال الكردستاني يشكل احد اقوى التنظميات السياسية والعسكرية في العالم.
لنقل بوضوح ان العمال الكردستاني لم يتخلى يوماً عن شعاره التأسيسي (كل شيء في سبيل تحرير جزء من تراب الوطن) ووظّف كل طاقاته في سبيل هذا الشعار، وهو يقصد بالوطن “كردستان” وب “جزء ” كردستان تركيا، وفي هذا الشعار قد يكمن تفسير كل تعقيدات علاقات العمال الكردستاني مع المنظومة الأقليمية.
الاراء الواردة بالمقال تعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
زردشت الكردستاني
تحليل جيد للواقع. مع الاسف العرب السوريون مشحونون. ربما هذا يعود الى مخلفات الفكر والتربية البعثية الاقصائية من حهة ومن جهة اخرى عدم قبول العربي بوجود كيان ذاتي كردي في وطنه. اي ان العرب يقبلون بالكردي التابع للعرب او الهوية العربية ولكن من الصعب عليهم قبول الكردي السيد صاحب الارادة في ادارة نفسه وغيره.