نقاش أولي للعقد الاجتماعي الصادر عن الإدارة الذاتية
نقاش أولي للعقد الاجتماعي الصادر عن الإدارة الذاتية لشمال شرق سورية
تواجه مناطق سيطرة الأمر الواقع، بعد مرور فترة، ليست قصيرة، دون وجود أفق لحل سياسي، تحدياً كبيراً، تواجهه بعضها بما تعتبره تطبيقاً للشريعة الإسلامية وما تصدره من قوانين من وحي تلك الشريعة، كان آخرها قانون الآداب الصادر عن “حكومة الإنقاذ“، ويواجهه بعضها الآخر بالالتحاق بمؤسسات وأنماط عمل الإدارة التركية،هكذا يمكن اعتبار أن مجرد التفكير في صياغة عقد اجتماعي، في إحدى هذه المناطق أي شمال شرق سورية، هو تعبير عن شكل من أشكال الحوكمة الضرورية، وهو عمل بالاتجاه الصحيح، وهو في الكثير من مضمونه يحتوي على مضمون إنساني وحقوقي متقدم بقبوله بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان وبإلغاء حكم الإعدام والحريات العامة و الاهتمام بالبيئة وحقوق النساء والأطفال… لكن النوايا وحدها لا تكفي للنجاح، وخاصة عندما يكون التوجه لصياغة العقد مشحوناً برؤية إيديولوجية أكثر من كونه يشكل انسجاماً مع التطورات السياسية والاجتماعية، وما كرسته في الخبرة الدولية وفي القوانين والقرارات الصادرة عن الأمم المتحدة، وهو في هذه الحالة يبدو أنه يغرد لوحده بعيداً عن التجربة العالمية والبنى القانونية. وهنا نثبت الملاحظات التالية المحيطة بالموضوع:
1- إن استمرار حالة سلطات الأمر الواقع في سورية لفترة تقارب العشر السنوات، ودون وجود أفق لانتهاء الوضع “المؤقت” يضع هذه السلطات أمام تحدٍ حقيقي فهي من ناحية ليست كيانات سياسية قانونية معترف بها رسمياً ودولياً، ومن ناحية ثانية هي تمارس سيطرة عسكرية حقيقية، وتنظيماً للحياة السياسية والاقتصادية، ولابد في هذه الحالة من إيجاد أشكال مناسبة للعلاقة بين الأفراد والمجتمع والأفراد والسلطة الحاكمة.
2- إضافة إلى حالة عدم وجود الاعتراف الرسمي تعيش هذه السلطات، ونحن سنخص هنا الإدارة الذاتية لشمال شرق سورية، حالة صراع عسكري شبه دائم مع تركيا ومع أطراف سورية قريبة عليها أو تابعة لها، وحالة صراع متقطع، ولكن غير منته، مع داعش وحالة سلام قلق، وتداخل سلطات، مع النظام السوري وضمن حسابات خاصة لتوازن عسكري يدعمه الأمريكان ولكن أيضاً بوجود ونفوذ روسي وإيراني.
3- لا تشكل منطقة شمال شرق سورية انفصالاً تاماً عن تعبيرات السيادة للنظام السوري كالمطارات وبعض المقرات، ولا عن البنية الإدارية التنظيمية للنظام السوري، بحيث تكون قادرة على إنشاء بنية مستقلة، ومن مصلحتها المحافظة على علاقة مع هذه البنية وهذا ما تفعله، وهو ما يقبله النظام السوري أيضاً.
4- مادام هناك اعتراف بان شمال شرق سورية هو جزء من سورية المستقبلية فلا يبدو تعبير عقد اجتماعي مناسباً بل ربما ما يكفي هو إجراءات إدارية وتنظيمية مؤقتة بانتظار توفر الظروف لصياغة العقد على المستوى السوري / مستوى الدولة الوطنية والذي سيكون أساساً لصياغة الدستور على مستوى تلك الدولة.فهل تكفي صيغة أن هذا العقد سيكون قابلاً للتعديل في حال التوافق على دستور لسورية الديموقراطية لحل إشكالية تعارض العقد أو الإجراءات المطبقة في جزء من سورية مع الدستور الذي سيطبق على سورية كلها؟
5- لا توجد ظروف تسمح بإجراء منافسة ديموقراطية قائمة على وجود تنظيمات تتوفر لها حرية العمل والتنظيم وبقية الحريات وهكذا فإن الأشخاص الذين اختيروا لوضع العقد الاجتماعي يفتقرون إلى شرعية التمثيل وعلى الأقل ضعفه وعدم دقته.
6- إذا كانت صياغة العقد أو الدستور تتطلب ظروفاً سياسية مناسبة وتوافقاً بين تنظيمات سياسية، لكن من يقوم بالصياغة يفترض أن يكون مختصاً بالفقه القانوني والدستوري بالتشارك مع سياسيين أو مفكرين ويفترض بالجميع في لجنة الصياغة الإلمام بالخبرة العالمية المكرسة في المبادئ والمؤسسات الأممية وفي دساتير الدول الديموقراطية وخاصة التي شهدت فترات الحروب الأهلية ومن ثم الانتقال السياسي إلى النظام الديموقراطي.أخيراً فإن التشاور مع الفعاليات السياسية والثقافية والقانونية السورية الصديقة يمكن أن يكون مفيداً بل وضرورياً باعتبارهم شركاء المستقبل.
7- إضافة إلى الاستخدام الكثيف لمصطلحات ذات مرجعية إيديولوجية، يغيب عن العقد استخدام الأفكار المرجعية الضرورية عند صياغة العقد مثل المواطنة المتساوية والعدالة والمساواة.
8- يغيب عن العقد توضيح العلاقة مع مرحلة الانتقال السياسي من خلال
القرارات الأممية خاصة 2254.
بالمحصلة ما ورد أعلاه يعني عدم وجود درجة استقرار سياسية ولا مقومات كافية تسمح بوجود بنية مؤسسية قابلة للحياة والتطور فالحالة هنا أقرب لتوصيفها بحالة عسكرية تحتاج إلى بنى مدنية داعمة لاستمرار الحرب، وهذه الحالة تختلف عن الوضع الذي يلي الحروب والنزاعات فيتوافق المتخاصمون على عقد اجتماعي ينتج عنه دستور مناسب.
بعد هذا التقديم العام نعتقد أنه لا ضرورة لمناقشة الكثير من التفاصيل التنظيمية الإدارية رغم ضرورة اعتبارها مؤقتة وسنتعرض لنقاش النقاط الإشكالية الأساسية التي تشكل الخلفية الفكرية والسياسية لهذا العقد ولطريقة تنظيمه :
1- تبتدئ الديباجة بعبارة “نحن أبناء وبنات شمال وشرق سورية” وهي استبدال غير موفق لعبارة المواطنين، أو السوريين الذين يعيشون في تلك المنطقة، وهي عبارة تحيل إلى تفسيرات عديدة لكنها لا تحمل قيمة قانونية.
2- مرجعية “قيم الشهداء“، مع كل التقدير لتضحياتهم، أيضاً تحيل إلى مفهوم غامض لا يمكن تحديده إلا من قبل “الأحياء” الذين قد يختلفون فيما يريده “الأموات“.
3- الحديث عن” مطالب شعوبنا” و” نحن شعوب شمال وشرق سورية” هو أيضاً لا ينسجم مع المصطلح المعترف به أممياً، يمكن هنا الحديث عن قوميات، أما الشعب في الفقه القانوني فهو الذي يخضع لسلطة سياسية في دولة معترف بها وقد يكون هذا الشعب مؤلفاً من عدة قوميات، ويمكن أن تمتلك حق تقرير المصير ولكن لا يصبح أحدها شعباً إلا بعد تشكيل وضع سياسي منفصل.
4- إن رفض العنصرية والتمييز والإقصاء وتهميش أي هوية هو تصور متقدم لسورية المستقبل لكن هل يمكن القول إن النظام الديموقراطي في شمال شرق سورية سيشكل الأساس لبناء سورية المستقبل وهو قد تم وضعه من قبل جزء من السوريين؟
5- هناك مصطلحات يجب ضبطها وتحديدها كالتعصب “الجنسوي و العلموي” ومبدأ “الأمة الديموقراطية“و“العائلة الديموقراطية“.
6- أيضاً مصطلح “الحداثة الرأسمالية المهيمنة” بحاجة إلى تعريف خاصة وأنه يوحي بتصور أيديولوجي، علماً أن المنطقة لم تكن مشكلتها في الحداثة الرأسمالية بل كانت في ضعف التطور الرأسمالي، وتخلفه لا حداثته، وفي عدم استفادته من التطورات الاجتماعية التي أنجزتها الأنظمة الرأسمالية الحديثة.
7- مع كل التقدير لدور المرأة فإن التوصيف أنها قادت الثورة الاجتماعية هو مبالغة خادعة، ومعروف على الأقل التفاوت في مشاركة المرأة بين منطقة وأخرى.كما أن الحديث عن دور المرأة عموماً ومشاركتها الإدارية يفترض اعتماده كمرجعية على إنجازات الحركة النسوية عالمياً والمكرسة في القوانين الأممية مثل اتفاقية سيداو 1979 واتفاقية مناهضة جميع أشكال العنف ضد المرأة 1993وغيرها.وإذا كانت الغاية من تشكيل مجلس عدالة خاص للمرأة هي حماية حقوقها، فلابد من التفكير جيداً في المشروعية القانونية لمثل هذا الإجراء وفي انسجامه مع البنية القانونية العامة المطبقة.
8- فيما يخص مبادئ العدالة تبدو صيغة حل القضايا الاجتماعية وفق المبادئ الأخلاقية والعدالة الاجتماعية عودة لنظام أهلي يسبقُ النظامَ الحديث الذي تنظمه قوانين تحل المشاكل في حالات النزاع بين الناس.
9- مبدأ “الكونفيدرالية الديموقراطية” ليس واضحاً كيف سيتم تطبيقه على قسم من البلاد لا يقيم أكثر من إدارة ذاتية لامركزية؟ فالكيانات الكونفيدرالية“المتحالفة أو المتحدة” هي كيانات سياسية مكتملة السيادة وبنيتها مستقلة بشكل تام، مع وجود علاقات مميزة بينها تعبر عن نفسها بتحالفات أو أشكال تنظيمية مؤسسية تخدم المصلحة المشتركة، ولا يبدو أن هذا ما يريده العقد لكن استخدام مصطلح “الكونفيدرالية الديموقراطية” يثير ذلك الالتباس، وربما يفهم على أنه تكريس لانفصال بعض الكيانات، والحديث عن إقامة علاقات خارجية يثير الالتباس نفسه فيما يخص صلاحيات “كل مقاطعة الحق بتطوير وتعزيز العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية” فهذه الصلاحيات تتعارض ليس فقط مع صلاحيات إدارة ذاتية بل حتى مع صلاحيات مكونات النظام الفدرالي حيث تتبقى فيه العلاقات الخارجية“الديبلوماسية” حكراً على المركز رغم وجود صلاحيات واسعة للكيانات الفيدرالية.
10- اعتماد مبدا “الحداثة الديموقراطية” في مواجهة “الحداثة الرأسمالية” ينطوي على خلط وتداخل بين أسلوب الحكم الديموقراطي وبين الطبيعة الاقتصادية للنظام، فالحداثة الرأسمالية لا تتعارض مع الديموقراطية وإذا كانت صفة الحداثة الديموقراطية تعني شيئاً مختلفاً فيجب تحديده.
11- القسم يفترض أن يكون أكثر عمومية وأقل إيديولوجية وتبنياً لمصطلحات تنظيم يحمل إيديولوجية معروفة.
12- في المادتين /17/ و /18/ تضمن الإدارة الذاتية حقوق الشعبين السرياني الآشوري والكردي، فماذا عن أصحاب الانتماء العربي وهم أغلبية السكان في المنطقة؟ مثل هكذا صيغة لا يمكن أن تنجم عن التصور الديموقراطي للعلاقة بين القوميات الموجودة في المنطقة، ومن الصعوبة بمكان تصور نجاح تجربة دائمة أو مؤقتة بدون مراعاة دور المكون العربي، وهذا ما سيكون ضرورياً لمواجهة النزعات القومية العنصرية أو التعصب القومي والاستثمار المتوقع من قبل التطرف والاستبداد كل على طريقته.
13- “التنظيمات الديموقراطية الكونفيدرالية للمجموعات” يبدو مصطلحاً غامضاً بحاجة للتوضيح من أجل نقاشه.
14- عفرين واحدة من المقاطعات السبعة فكيف يمكن تطبيق النظام في منطقة خارجة عن سيطرة الإدارة الذاتية.
أخيراً نعتقد بضرورة استمرار الحوار بين جميع السوريين بعيداً عن أي تعصب قومي أو ديني أو طائفي آملين بتخفيف حدة الخلافات والوصول إلى توافقات تسهل عملية الانتقال السياسي من خلال القرارات الأممية إلى سورية بلد المواطنة الديموقراطي.ومن أجل ذلك ومن أجل عدم تعميق الهوة بين السوريين نعتقد أن إقامة نظام إداري مؤقت لتسيير أمور الحياة يكفي في هذه الفترة طبعاً بتوافق جميع سكان منطقة شمال شرق سورية، مع استمرار النقاش في النظام السياسي المناسب لسورية المستقبل.
تيار مواطنة – كانون ثاني 2024
نزار بعريني
دراسة عميقة ، وموضوعية ، تستحق القراءة بعناية .
شكرا جزيلا لجهودكم.
Sami
أتفق معك فيما ذهبت إليه دراستك النقدية وعلى نفس الأرضية أعتبر أن هذا تعقيد إجتماعي وسياسي وليس عقداً وكنتيجة لا يصلح لسوريا المستقبل التي ننشد.
🔴 Mining 34 465 $. Withdrаw => https://forms.yandex.com/cloud/65b9348b068ff00ee0c8865e/?hs=690283f58c60986f3ef6c4d69c05ea21& 🔴
tqo2mh
dlvigVpM
FWuExIUwdpqGNKJO