ما الذي تبقى منها ..! – مقالة رأي

تأتي الذكرى السنوية ١٣ لانطلاقة ثورة السوريين في الشهر القادم وينشغل عديد نشطاء بإحياء الهاشتاغات والشعارات الثورية لنشرها عبر الفضاء الالكتروني، في ظل انحسار كبير للحراك الشعبي على معظم الجغرافيا السورية عدا حراك السويداء الذي ما زال مستمراً وبشكل شبه يومي منذ أكثر من نصف عام بالرغم من كل محاولات تجاهله سورياً وعدم تفعيله في ساحات أخرى محلياً ومازال رهان السلطة على تعب المنتفضين بإهمالها وتجاهل اعلامها الكاذب بين انكار وتشويه عبر أبواقه المشروخة.

تسعى بعض الشخصيات والمجموعات استنهاض حراك ما في مكان ما داخل البلاد وفي الشتات ولكن عبث.!! ولو تدخلت مؤثرات قوى الامر الواقع لتنظيم بعض الوقفات في هذه المناسبة السنوية، فلم يعد خافياً تراجع المد الثوري في سوريا، وأسبابه الموضوعية وما يفاقم تلك الاسباب من تردي العامل الذاتي وتأثير الاحباط العام وهجرة الشباب وتهجيره وتراجع دور الفئات التي تتوق الى الحرية وتنشد التغيير، فمع استمرار تسلط قوى الأمر الواقع في مناطق سورية الأربعة وتفشي مشاعر عدم الجدوى التي انعكست ضعف المشاركة في أي حراك أو احتجاج، ومع استمرار حدة الانقسام المجتمعي العمودي ما تجلى بضعف التضامن الجدي مع الآخروهو حراك السويداء هناوربما الذهاب إلى شيطنته حيناً وعدم تلمس فضائله أو الاستفادة منها، وفي ظل التشابك الإقليمي والدولي على الساحة السورية وانسداد الأفق، ومع تأخر الانتقال السياسي حيث لم يعد اصدقاء الشعب السوري متحمسين لتحقق ذلك سيما إذا فهمنا تأثير سيطرة وتسيد الفصائل الاسلاموية في المعارضة وظهور مشروع الخلافة عبر متشددين ركبوا سفينة الثورة واستغلوا فوضى السلاح فكانت العسكرة بمثابة خشبة خلاص لسلطة الاسد الغارقة في دماء الحل العسكري والأمني، ومع تراجع الاهتمام في القضية السورية ذهبت ثورة ٢٠١١ الى فشل مبين يتنقل عبر مؤتمرات ومبادرات ومشاريع بائسة رغم تمسك كثير من الأصوات بروح الثورة وشعاراتها الأولى، ولكن دون فواعل حقيقية على الارض.

ولكن انتفاضة السويداء التي جاءت قبل أن تلفظ الثورة السورية أنفاسها الأخيرة فأعادت الأمل لكثيرين كانوا قد فقدوه، فحل حراك السويداء بظروف وسياقات مختلفة، وبقيت الانتفاضة شبه وحيدة ولكنها استمرت برغم كل شيئ، وتميزت عن الحراكات السابقة عبر العقد المنصرم لأنها مختلفة بحواملها وشعاراتها وبدرجة تقبل شارعها للاختلاف والتعددية وطرحها للعلمانية الديمقراطية حتى في خطاب مشايخها (الهجري مثالاً) ما تميز حقاً عما طرحه مشايخ ثورة ٢٠١١ التي تحولت الى حرب أهلية مركبة انجلت الى مناطق سيطرة قسّمت البلاد وتوازعت الولاءات الدولية والإقليمية وأمست باختصار عكس ما أراده السوريون في ٢٠١١ أو مع ما يريدونه اليوم.

يزعم البعضأن انتفاضة السويداء هي استمرار لثورة ٢٠١١في نوستالجيا مبنية على تصور واهم لسان حال أصحابه يقولكنا ومازلنا على صوابوالثورة مستمرة وستنتصروما هذا إلا ضرباً من التعويض عن الفشل وفقدان الحيلة الذي أصابنا، صحيح أن صيرورة كفاح الشعوب قد تتجدد و لا تتوقف عند شكل أو مرحلة ما، لكن معظم أهالي السويداء الذين وقفوا محايدين بالأمس القريب باتوا اليوم فاقدين للثقة بأي محاولة من محاولات سلطة دمشق التخديرية وعرفوا عقم إمكانيات بشار الأسد على تقديم الحلول، كما جاء ذلك بعد أن فقد معظم السوريون الثقة بنهج وسياسات المعارضة الاسلاموية ورفضهم للمشاريع المتطرفة والاقصائية وغير الديمقراطية التي حملتها قوى الأمر الواقع التي أفلح من وصفها بقوى الثورة المضادة. وعليه تغنى بعض مناضلي الأمس القريبوهم رفاقي وانا منهمبخيط ما يجمع انتفاضة السويداء بالثورة السورية الإخوانية، ورفعوا رايات وخاضوا نقاشات دفعت الى تشرذم جديد في الساحة، رغم أنهم لم يحضوا بأي تضامن يستحق اسمه من خارج المحافظة، ولم يعد شعارالشعب السوري واحدذي مصداقية واقعية على الأرض، ومازالت ساحة الكرامة وحيدة تصدح ولا صدى يوصل، إلا من رحم ربي من بعض اللافتات التضامنية التي رفعها بعضهم هنا وهناك.

بعيداً عن الشعارات والأحلام أتسائل بحرقة: هل يمكننا اليوم على الصعيد الوطني تمثل ايجابيات ونجاحات انتفاضة السويداء، كنمو دور المجتمع المدني، والتنظيمات النقابية الحرة، وانطلاق تجمع المعلمين وتجمع المحامين و المهندسين والعاملين في القطاع الصحي وغيرهم، باستقلال ناجز عن سيطرة البعث ومليشيات الأسد وأجهزته الأمنية، فضلاً عن تطور ثقافة الحوار وطرح الأسئلة حول المسائل الوطنية الأساسية، وبدء تبلور تيارات سياسية حديثةالتي قد يظن البعض أنها شتت الساحةفعاد المخاض يعد بالكثير وبات باب الصيرورة مفتوحاً من جديد بعد أن أوصدته حكومة البعث لنصف قرن، وكرسته النخب السياسية التقليدية المتكلسة عند إيديولوجياتها والمبتلية بأنانية شخوصها وامراضها المزمنة.

وللحديث بعقلانية عن السبب الأهم لضعف المردود وتشتت الآراء في الساحة لابد من الاعتراف بصعوبة الظروف المحيطة في المنطقة وقساوة العامل الموضوعي القائم، كحرب غزة والصراع الاقليمي وتشابك صراعات الماضي المعقدة، كالتنافس الايراني الاسرائيلي وربما التركي، مع انشغال الغرب بحرب أوكرانيا وتهديدات بحر الصين وغيره. الأمر الذي يعيدنا كسوريين الى ذواتنا وضرورة بذل الحد الأدنى من التضامن والتفاعل المشترك عرباً وكرداً وتركماناً وآشوريين ويدفعنا كمختلف الهويات الجزئية الماقبل وطنية للانفتاح على بعضنا بمفاهيم حديثة على رأسها تقبل الاختلاف والتنوع في رحاب الوطنية والمواطنة السورية المتساوية والدفع للمضي حينها الى انتقال سياسي يبني لنا سورية التي نتوق إليها. 

وعليه بات ضرورة أن نتلمس إحياء ربيع سوري جديد، يبعث بثورة سورية ديمقراطية علمانية ويقطع مع نضالات أيديولوجية ماضوية وسمت انفجار ٢٠١١ وقواه المسيطرة لاحقاً، ما خنق فرص التحول الى ثورة ديمقراطية لكل السوريين فبقيتالأقلياتحذرة وبعيدة ولم تُحل عقدة الحوار والتحالف العربي الكردي وتفاقمت حالة الانقسام المجتمعي والمناطقي ووصلنا لما وصلنا إليه اليوم 

المواطن وسيم حسان 14-2-2024

الاراء الواردة بالمقال تعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع

Loading

الكاتب wassim hassan

wassim hassan

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة