سورية: السلم الأهلي والمهمات العاجلة

ما حكاية «علَم الثورة» الذي رفرف على مؤسسات سورية الأحد؟

لا يبدو أن الوقت يمر لصالح توجه “دولة المواطنة” في هذه المرحلة المضطربة في سورية بسبب غياب أجهزة الدولة الضامنة لأمن السوريين والاعتماد على جهة واحدة وحيدة هي الأجهزة الأمنية والعسكرية التي أنشأتها هيئة تحرير الشام وقائدها أحمد الشرع بالاعتماد على العناصر المنضوية داخل حكومة الإنقاذ وأمثالها من أجهزة سيطرة الهيئة في إدلب، لذلك لا غرابة أن نسمع تصريحات من مثل أن السلم الأهلي والمجتمعي هو المهمة الأكثر إلحاحاً في سورية الراهنة، ونحن نتفق مع هذا الرأي من حيث المبدأ، على ألا يشكل دعوة لتأجيل المواجهة “الواجبة” مع تيار “الدولة الإسلامية”. وقد نكون متعجلين في رأينا حول هذه المواجهة، لكنها- أي المواجهة- قد بدأت حتى قبل أن يسقط النظام، وحتى قبل أن تكتسح هيئة تحرير الشام بأجنحتها المتفاوتة في راديكاليتها معظم مراكز القرار في سورية وبدء فرض بعض السياسات التي تعكس رؤية الهيئة لمستقبل الدولة السورية القادمة. وبعيداً عن رؤية المجتمع الدولي والدول الإقليمية لمستقبل الدولة السورية فإن الأهم من جهتنا هو العملية الداخلية وتفاعل المركّب الاجتماعي السوري مع هذه الدولة وبالطبع مع أخذ الارتباط القوي مع العالم قريبه وبعيده دائماً بعين الاعتبار.

من وجهة نظرنا، تشكل مسألة التجانس داخل الحكومة المؤقتة التي تحدث عنها السيد الشرع المشكلة الأولى والأساس الذي يقوم عليه استبعاد الأساس الوطني في قيادة المرحلة الحالية والتي من أهم سماتها ضرورة ضمان الأمن، وهذا ما لا يمكن إنجازه إلا بإشراك جميع القوى القادرة على مسك الأرض وإدارة ملف الأمن والقضاء والوصول إلى الفواعل المحلية بسهولة، خاصة وأن الهيئة لا تستطيع القيام بكل ذلك وفق رؤية رئيسها المعلن عنها سابقاً.

المشكلة الداخلية الثانية التي تشكل عقبة حقيقية في وجه المشاركة الفاعلة للفواعل الوطنية هي تركيبة هيئة تحرير الشام الجهادية وتفاوت النظرة والسلوك بين مكوناتها إلى سورية المستقبل، ويبدو أن هذه الشك المحق لدى معظم السوريين داخلياً والمجتمع الإقليمي والدولي خارجياً سيتسبب في حصول أحد احتمالين في مدى الأشهر القليلة القادمة؛ فإما أن السيد الشرع سيضطر إلى محاربة جميع القوى الجهادية المكونة للهيئة وهذا ما سيفرض عليه إشراك بدائل وطنية في جميع المجالات وعلى جميع المستويات، أو أن يستمر في النهج الذي سار عليه حتى اليوم في اعتماده على كوادر الهيئة وحكومة الإنقاذ وهذا ما سيتسبب قطعاً في مفاقمة الأزمات الأمنية والمعاشية والعلاقات الإقليمية والدولية وهذا ما لانرجوه ولا نتوقعه بالاعتماد على حصافة وبراغماتية الشرع في خطابه المعلن للخارج حتى الآن. ولا يمكن، على الأقل، في أفق مرحلة تسيير الأعمال تحقيق وضع مستقر أمنياً عبر الأجهزة المتوفرة للهيئة، فمناطق الجنوب درعا والسويداء والتنف ومناطق الجزيرة السورية، ناهيك عن مناطق سيطرة الجيش “الوطني” التابع لتركيا والذي يحافظ على استقلالية عمله وقراره عن الهيئة حتى الآن، وجميعها لا تزال خارج سيطرة غرفة عمليات الإدارة العسكرية للهيئة وجميعها لديها مطالب محددة للدخول في الجيش الوطني المقبل.

من كل ما سبق، لا يمكن الوصول إلى ذلك الأمان الاجتماعي المطلوب بشدة سوى باتباع وصفة “وطنية سورية” بامتياز:

1- إشراك القوى العسكرية المحلية في إدارة مناطقها في الجزيرة السورية والجنوب ودمجها في الجيش الوطني حين تشكيله.

2- تفعيل الضابطة العدلية في جميع المناطق وفق القوانين التي كانت القوانين السائدة حتى الآن.

3- إيقاف جميع الأعمال التي تكرس الانتقام من عناصر السلطة الساقطة واتباع قواعد صارمة في تقديم هؤلاء إلى محاكم عادلة، بانتظار إقامة هيئة لتحقيق العدالة الانتقالية وجبر الضرر ونحن ننظر بإيجابية إلى الإفراج عن 350 عسكري ممن ثبتت براءتهم ونشجع على الاستمرار على هذا النهج.

4- إيقاف التعديات والاستفزازات داخل مناطق التماس الطائفي كمدن حمص واللاذقية وجبلة ومصياف.

5- مطالبة المجتمع الدولي والإقليمي برفع العقوبات بالترافق مع تقدم العملية السياسية على المستوى الوطني.

6- توسيع توزيع المساعدات الغذائية ومطالبة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لتقديم المساعدات الغذائية والمتطلبات الأساسية لجميع السوريين بدون تمييز وبدون إبطاء، فالجوع أحد أهم دوافع الجريمة.

7- إعادة المجرمين الذين فروا من السجون وخاصة الذين يشكلون تهديداً للسلم الأهلي.

8- إخراج الفصائل المسلحة خارج المدن وإحلال الشرطة المدنية محلها.

9- إصدار تصريح رسمي من قبل السيد الشرع أو رئيس الحكومة المؤقتة يوضح فيه لجميع السوريين أهداف الحكومة فيما يتعلق بكل ما سبق من خطوات لإحلال الأمن وما يتعلق برؤية الهيئة والحكومة لمستقبل الدولة السورية.

10- تقديم إعلان دستوري مؤقت يوضح للسوريين وللخارج أساساً ممكناً للدولة السورية.

نحن في تيار مواطنة نعتقد أن تلك الخطوات تؤسس الأرضية المناسبة للسلم الأهلي الذي لا غنى عنه للانتقال إلى المرحلة القادمة وعقد المؤتمر الوطني وتشكيل حكومة انتقالية تحمل المهام الجسام للبدء في تشكيل الدولة السورية المقبلة والتي تحقق طموحهم.

نعم للسلم الأهلي والاجتماعي!

لا للتمييز بين السوريين!

تيار مواطنة

مكتب الإعلام 14 كانون الثاني/ يناير 2024

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

اترك رداً