جنيف 2 وتعقيدات الحالة السورية- تيار مواطنة 29-1-2014
بقدر ما كانت انطلاقة الثورة السورية عفوية وبسيطة، بقدر ما رافقت التعقيدات المتنوعة تطورها وتحولها، وبقدر ما تبدو محاولة الوصول الى نهايتها او إيجاد مخارج لها أكثر صعوبة.
جنيف 2 هو الإمكانية العملية التي أوصلتنا إليها مجمل أوضاع قوى الثورة بجوانبها العسكرية والمدنية، بما يعنيه ذلك من تراجع واضح للنضال السلمي، تحاول بعض المدن والمناطق استعادته والمحافظة عليه ببطولة وإصرار على شعارات الانطلاقة، وبما يعنيه من تشرذم عسكري وتنوع غير قابل للضبط والسيطرة، والأكثر أهمية بما يعنيه من وجود الحركات الجهادية- وخاصة (داعش)- التي تسببت في حرف واضح لمسار الثورة وأهدافها، ويسبب وجودها وممارساتها وصراعها العسكري مع كتائب الجيش الحر في دعم عملياتي غير مباشر للنظام الذي يحاول أقصى جهده توظيف ورقة وجود المنظمات الإرهابية ليقول أمام العالم إنه يحارب الارهاب، لكن هذه المرة دون نجاح كبير ،فقد فرض نفسه على الجميع ،مستوىً من الانكشاف للعلاقة المباشرة، وغير المباشرة، بالمنظمات الإرهابية التي يدعي النظام إنها المشكلة الأساس. كان قرار المشاركة في مفاوضات جنيف 2، المعتمدة على أساس جنيف 1 ،قراراً صائباً وجريئاً ، وقد جرى في اجواء داخلية غير مشجعة، فالكثير من الكتائب أعلنت عدم قبولها لجنيف 2 ، وربما عن عدم قبول تمثيل الائتلاف لها، كما جمدت أمريكا المساعدات غير الفتاكة بعد الهجوم على مخازن أسحة الجيش الحر، وبعد إجراء انتخابات لرئاسة الائتلاف انسحب حوالي 44 عضواً، وبعد قرار المشاركة في جنيف انسحب المجلس الوطني من الائتلاف ،كما أعلنت هيئة التنسيق عدم مشاركتها في جنيف، وهي التي كانت تعتبر نفسها الأب الروحي لجنيف 1، ولمبدأ التفاوض والحوار على أساسه، ومن الناحيتين الإقليمية والدولية بدت الموافقة ليس فقط موقفاً مناسباً لمحصلة الاوضاع بل امراً لا بد منه لتأمين استمرار الدعم المحدود العسكري والسياسي.
أما الظروف المؤاتية فكانت في قيام الجيش الحر وبعض الكتائب بمهاجمة وتحجيم أماكن وجود وسيطرة (داعش) دون التمكن من هزيمتها بشكل كامل، لكن هذا الصراع أوضح أو أعاد الهوية المستقلة لقوى الثورة في مواجهة المشروع الداعشي والممارسات الداعشية، دون أن نغفل هنا أن بعض القوى التي شاركت في الصراع ضد داعش تختلف بالكاد عن توجهها الفكري والسياسي. أيضاً شكلت جزءاً من الظروف المؤاتية فضيحة الصور المهربة لتعذيب وقتل الآلاف في سجون ومعتقلات النظام وخاصة أنها تمتعت بمصداقية وموثوقية رشحتها جهات دولية لتكون أساساً لإحالة رموز النظام الى المحكمة الجنائية الدولية.
النجاح الأولي لوفد الائتلاف المفاوض، رغم عدم استنفاذ كل الامكانات المتاحة، أعاد تشكيل الصورة خاصة في الداخل فبدا أن الجميع اعتبروا دعم الوفد المفاوض مهمة السوريين، وشمل ذلك الكثيرين ممن كانوا يعارضون المشاركة سواءً من السياسيين أو العسكريين أو الناشطين، او حتى أصحاب صفحات التواصل الاجتماعي التي كانت تمتلئ بالتشكيك والاتهام. هذا النجاح النسبي يعود أولاً إلى: إصرار الوفد على مرجعية جنيف 1 بما تعنية من إقامة جسم انتقالي كامل الصلاحيات، ويعود ثانياً إلى الخطاب العقلاني الهادئ والمقنع الذي عبر عنه أعضاء الوفد والناطقون الاعلاميون ، رغم عدم وجود سياسة إعلامية واضحة تستفيد من كل الكوادر ونقاط القوة لدى قوى الثورة، وأخيراً يعود هذا النجاح جزئياً لتهافت إعلام النظام وانكشاف أكاذيبه، وهو الذي لم يتعود على مخاطبة الإعلام الحرّ، وأيضاً حصل الوفد على دعم غير مباشر تمثل في التصريحات الأمريكية والأوربية عن فهم وتفسير جنيف واحد، وعن عدم وجود دور للأسد في التغيير المرتقب . بقي أن نقول إن مايجري بين الدول الكبرى خارج قاعة الإجتماعات لايقل أهمية عما يجري داخلها، وإن نجاح جنيف 2 يتوقف على درجة الدعم السياسي- على الأقل- التي يمكن أن يقدمها العالم للتأثير على النظام، وعلى الدول الداعمة والراعية له لتقوم بتعديل موقفها بما يسمح بالضغط الكافي الذي يجبر النظام على قبول تفسيرجنيف 1 باعتباره يقتضي إقامة حكم انتقالي كامل الصلاحيات، أو بتقديم دعم عسكري وسياسي للمعارضة من أجل تعديل ميزان القوى العسكري والتفاوض من جديد على أساسه، وحتى الآن لا توجد مؤشرات واضحة عن المسار المحتمل باستثناء بعض المؤشرات عن تغير محدود في الموقف الروسي، أما عودة الأمريكان إلى تقديم الدعم العسكري غير الفتاك بعد توقف لمدة شهر فلا تمتلك ما يكفي من الأهمية لتحدث تأثيراً. تيار مواطنة 29-1-2014
افتتاحية الموقع- جنيف 2 وتعقيدات الحالة السورية- تيار مواطنة 29-1-2014