سيرونيكس.. يزيد عاشور

هذا يا سيدي وفي يوم مهيب واستثنائي في بيت آل عاشور
تم استقباله بموكب ملكي بعد أن تناولته الأيادي بمنتهى الرقة والحرص والحذر من السوزوكي مع الكثير من الهرج والمرج
يا أخي شيل من تحت وأنا أحمل على جنب ..طول بالك على مهلك شوي شوي ..أي نعم بحنية الله يرضى عليك .. استغفرالله ياخي على مهل على مهل وهكذا الى أن ترّبع على طاولة وضعت في واجهة الصالون خصيصاً كي تُناسب مقامه الكريم مُقابل الكنبايات مباشرة ووضع على رأسه غطاء تم إعداده مسبقاً بلونه الأبيض المُطرز بورود حمراء وصفراء ناعمة حينها أجتمع الجيران والخلان كي يُشاهدوا الضيف الكبير
هكذا كان اليوم الأول لتلفزيون سيرونيكس الذي دخل بيتنا أول مرة حين تناهشته عيون الجارات وهن ينظرن بشبق إلى إطار خشب الزان الذي زين شاشته شبه الدائرية في المنتصف وقد رُصّعت جوانبه بأزرار سوداء لتوليف القنوات والتشغيل والتوقيف .. ومنهن من تجرأت فتلمست تلك الأزرار بشيء من الحياء والشهوة ولأنه لم يكن قد تم اكتشاف الريموت كونترول حينها فقد كان علينا أن نضغط على زر التشغيل كي نشاهد خيط أزرق ساحر يمر من مُنتصف الشاشة أول الأمر ثم ما تلبث أن تظهر بكل عبقرية صورة الأسود والأبيض المُتحركة ..سبحان من سخر لنا هذا !
لم يكن بث تلفزيون حزب البعث قد وصل إلى الحسكة حينها وأكتفت الحكومة بتشغيل محطة تقوية كانت تبث من جبل عبدالعزيز المجاور وكان الإرسال عبارة عن مباريات قديمة من الدوري الإنكليزي حيث واجهنا صعوبة بالغة حينها بشرح الأمر لجارتنا خالة فهيمة في أن هؤلاء الذين يلعبون الكرة ليسوا رجال صغار القامة و قد تجمعوا داخل هذا الصندوق.

مع الوقت تعلمنا بعض الأسرار فقمنا بتحويل الهوائي إلى اتجاه جارتنا العراق حيث تابعنا كل تحركات صدام حسين حين يضحك حين يدخن السيجار حين يأكل وحين يمنح دراجات هوائية لأبناء المدن الفقيرة ها ها هيء عطوه دراجة هوائية عطوه ويلا سلمونا على إخوانكم )
مع الوقت صار التلفزيون جزء من أفراد العائلة وبدأت ومع الموانة تخف هيبته شيئاً فشيئا ونحن نضغط زر التشغيل لنسمع صوت طررراق فتظهر الصورة وجررررك فتختفي إلا أنه وفي إحدى المرات أختفت الصورة تماماً فحاولت أن أعبث بالأزرار ولكن دون جدوى وكل ما كان يحدث هو إضاءة خفيفة جرّاء احتراق اللمبات حيث لم تكن قصة الشرائح الإلكترونية قد أُكتشفت بعد فتتوهج الشاشة بعض الشيء ثم ما تلبث أن تُظلم من جديد حتى ضقت ذرعاً بهذا السيرونيكس العرص فضربته على رأسه وإذا بالصورة تعود من جديد وعين الله عليها
اكتشافي لسر إعادة تشغيل التلفزيون لم يقل أهمية حينها عن اكتشاف أديسون أو نيوتن وأنا الذي أكتشف سر إعادة الروح للتلفزيون حينما يحرد ..بوكس على رأسه فيعرف أن الله حق ويعود للعمل ثانية وفي إحدى المرات شعرت بالتكاسل من القيام لخبطه على راسه فضربته بالشحاطة القريبة مني فما كان منه إلا أن رضخ لإرهاب الشحاطة وعاد للبث ثانية
وهكذا صرت كلما أريد أن أشاهد التلفزيون أضع بجانبي التفاح الأشوري الحامض والبطيخ الديري وزجاجة كراش وكل الشحاطات والصرامي الموجودة في البيت وكلما فكر هذا العكروت في أن يحرد أناوله صرماية فيعود للعمل من جديد حتى أن الأصدقاء أثناء زيارتي وبعد أن عرفوا سر التلفزيون كانوا يقومون بجمع الشحاطات والصرامي المكومة على مدخل باب البيت أو أمام التلفزيون ومن يومها صار للصرامي مهمتان في البيت المهمة الأساسية كصرماية و مهمة كأجهزة تحكم للتلفزيون عن بعد الى أن باغتته في إحدى المرات صرماية غاضبة جعلته يصمت إلى الأبد
تلفزيون السيرونيكس الذي استقبلناه بمسيرة تأييد وحملناه على الأكف ودعناه بالصرامي .

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة