تيار مواطنة “الحل السياسي… الحل العسكري تسابق ؟ أم تساوق؟”

كثُرَ اللغط في الأسبوعين الأخيرين عن الحلول السياسية الانتقالية جنباً إلى جنب مع الحديث في بعض العواصم عن انهيار وشيك للسلطة السورية، وفي هذا السياق انطلق نوع من الدخان الرمادي- لأنه ليس أبيضا بالتأكيد ما دام غير ناجز بعد- من غير عاصمة دولية أو إقليمية، بل- حتى من دمشق ذاتها على لسان فاروق الشرع- النائب الشكلي للرئيس- لقد شاركت في هذا البازار جنيف، حيث انطلقت من هناك إشاعات عن قرب بيان اتفاق ثلاثي بين روسيا وأمريكا والأخضر الإبراهيمي، وقد ترافق ذلك بحديث غامض عن حل أفكار مبتكرة من قبل بوتين في زيارته لتركيا، هذه الأفكار التي سُربِّ بعضها- ولا نعرف مدى صدقها- في الأيام الأخيرة من قبل صحيفة تركية، وفي السياق نفسه تقدمت إيران وهي الحليف الأصلب للسلطة الطغمة في سوريا بمبادرة من عدة نقاط لسنا بحاجة للدخول في تفاصيلها، لأنها لا تسمن ولا تغني من جوع. ومن المرجح أن يتعثر الاتفاق في جنيف لعدة أسباب ليس أقلها الموقف الروسي المعروف- وإن كان هنالك بعض التكهنات عن قرب حدوث بعض التغيّر فيه- وعجز ما تسرب عن بعض نقاط الاتفاق عن تلبية مطالب الشعب السوري وقواه الثائرة وبخاصة في ظل انتقال ملموس في موازين القوى على الأرض- ليس لصالح السلطة بالتأكيد- وإذا كان ثمة من شيء يمكن مناقشته بجدية- بغض النظر عن القبول أو الرفض- فهو ما تسرب من نقاط من المشروع التركي الذي قُدِّم لروسيا، والذي لا نعرف بعد بما فيه الكفاية الرد الروسي عليه.

لقد زاد من حجم الإشاعات والتوقعات والسيناريوهات الكلام الذي أطلقه رئيس الائتلاف الوطني أحمد معاذ الخطيب الذي أبدى الاستعداد لدراسة أي عرض جدي من قبل الأسد، مؤكداً في الوقت عينه أنه لم يتلق بعد مثل هذا العرض الأمر الذي يوحي بأن ثمة شيئاً في الأفق وقد ترجم هذا الشيء لاحقاً في الأفكار المضطربة التي وردت تحت عنوان ضرورة التسوية التاريخية على لسان فاروق الشرع في مقابلة مع جريدة الأخبار اللبنانية نشرت في 17ـ12ــ2012 وبعيداً عن كون موقف الشرع معبراً عن السلطة ورأسها التي سرعان ما رفضت الموقف- أم كان معبراً عن الشرع نفسه فقط مع صعوبة تصور ذلك مع عدم استحالته أم كان معبراً عن موقف بعض أوساط النظام- ولا تعدل سلطة القرار- وهو أمر ممكن في ظل الوقائع العنيدة على الأرض وفي

الإقليم والعالم على حد سواء، أم كان الأمر برمته مجرد بالون اختبار؟! نقول بعيداً عن كل ما سبق تبقى أفكار الشرع تعبيراً عن أزمة عميقة في النظام إن لم تكن أزمة النظام، بل في سلطة القرار تفاقمت عبر الخيار العسكري الأمني الوحشي التدميري الذي انتهجته السلطة- الطغمة من جهة وعبر إنجازات الجيش الحر على الأرض، ومن المعتقد أن اضطراب أفكار الشرع وانتقاداته الخجولة، ومقترحاته للحل في سوريا نابعة ليس من أزمة النظام وحسب بل ومن موقعه الهامشي حتى الآن على الأقل، وفي كل الأحوال يمكن اعتبار العرض الشرعي مقدمة لفعل أعمق لدود الخلّ داخل السلطة في مستقبل غير بعيد وهو أمر قد يكون أكثر أهمية بكثير من العرض ذاته.

بوسعنا العودة الآن إلى العنوان لنقول: منذ انزياح الثورة السورية إلى جناحها المسلح بات الحديث عن حل سلمي في حقل الأوهام- حتى لو كانت عنيدة- وبتنا جميعاً أمام حل عسكري تنضج شروطه على مرأى من عيوننا وعقولنا، وفي الطريق إلى هذا الحل الجذري يمكن أن تنضج شروط حل سياسي يقوم بالجوهر على عنصر القوى العسكرية الداخلية، وعلى دعم سياسي ومعنوي وإنساني وعسكري خارجي وعلى إمكانية وحدة مجلس الأمن بعد عناد مرير من قبل روسيا والصين، حل سياسي لا يختلف في جوهره عن الحل العسكري إلا بأمور ليست قليلة الأهمية، فإذا كان الحلان يتجسدان في الجوهر في إسقاط النظام، بما في ذلك وبخاصة دائرة صنع القرار ورأسها ذاته فأنهما يختلفان أو قد يختلفان في كيفية تنظيم انهيار السلطة، وفي إمكانية الحفاظ على مؤسسات الدولة، أو بعضها الأكثر أهمية، وفي استيلاد شبكات أمان اجتماعي وسياسي وعسكري يقلل إلى الحد الأقصى الممكن من الآثار الاجتماعية التي قد تترتب على هذا الانهيار وبخاصة فيما يتعلق ببعده الطائفي سيء الذكر. وهو حل يجد تفضيلاً لدى أوساط عريضة داخلية وعربية وإقليمية ودولية بغض النظر عن إمكان تحققه بالفعل.

وفي تساوق هذا الحل الافتراضي- حتى الآن على الأقل- بل في تسابق معه يسير العمل على الحسم العسكري على قدم وساق على الرغم من كلفته المادية والإنسانية الباهظة وعلى الرغم من آثاره المستقبلية الكارثية، وعلى الرغم من إمكانية تطاول زمنه وهذا أمر لا يخفى على أحد، فالسلطة هي المسؤول الأول والأخير عن ذلك وهو الأمر الذي كان ينبغي على الشرع الانطلاق منه- وقد انطلق منه إلى حد ما في حديثه عن توسل السلطة لأي مسلح على أي سطح لتسويغ نهجها وخيارها الأمني العسكري- ولو كان حراً أولاً وجذرياً ثانياً ومهتماً على الأقل كما قال

بالدفاع عن الوطن وليس النظام أو الفرد كائناً ما كان- نقول كان على الشرع- وكل من يؤمن بالحل السياسي- طرح البديل الوحيد الممكن المنطقي والواقعي لتجنب السير في الحل العسكري إلى نهايته، والذي هو رحيل هذه السلطة الطغمة، وتفكيك هذا النظام وإعادة هيكلته على جميع الصعد الأمنية والعسكرية والإدارية والمدنية والدستورية…الخ، شكلاً ومضموناً بما يستجيب لتطلعات الشعب السوري الأصيلة، لكنه ولأنه لم يفعل ذلك فلن يكون من شأن مبادرته المسماة تسوية تاريخية والتي هي بعيدة عن ذلك بعد السماء عن الأرض- والتي هي في أحسن أحوالها محاولة إصلاحية فقيرة- نقول لن يكون من شأن هذه المبادرة إلا توفير هذه المقدمات لبدء تصدع السلطة والنظام وتفريخ انشقاقات وانقسامات ذات معنى وهو أمر في غاية الأهمية وفي حال حصوله سيوفر على الشعب والوطن الكثير من الدم والعرق والدمار، وعلى هذه القاعدة من المرجح أن يسبق انهيارُ النظام السياسي انهيارَه العسكري وسيزيد في رجحان هذا الاحتمال إقدام المجتمع الدولي على خطوة جريئة لا تكلفه كثيراً خطوة نزع الشرعية بالكامل عن السلطة السورية في كل المحافل الدولية والوطنية، وإضفاء الشرعية بالكامل على الائتلاف الوطني في كل المحافل المذكورة كما سيزيد من تقدم الاحتمال المذكور الانتصارات الميدانية التي يحققها الجيش الحر وسوف تكون آثار ذلك أكبر في حال توحد هذا الجيش عسكرياً بالفعل وارتضى له قيادة سياسية فعلية لا شكلية، وفي حال وضع إستراتيجية صراع شاملة تشمل البلد بوصفه كلاً من جهة ومناطق من جهة أخرى بحيث يمكن في هذه الحال تعزيز الدعم الدولي والإقليمي والعربي متعدد الوجوه والاستفادة المثلى من تساوق الحلين السياسي والعسكري الذي تعمل عليه دول القرار في العالم، وهذا الأمر ليس تحليلاً بل هو معزّز من خلال الأقوال والأفعال التي تطلق من قبل هذه الدول ومن قبل غيرها أيضاً.

من المرجح- وربما من الواضح إلى حد كبير- إن الائتلاف الوطني مستعد للحلين، وليس أدل على ذلك من موقف رئيس الائتلاف الذي رحب بأي عرض جدي وأكد على دراسته بإمعان فإذا سار الحل السياسي على السكة الصحيحة فهو المرغوب وإذا لم يسر فإن الحل العسكري سائر على قدم وساق دون التفات يذكر إلى الوراء. ومن الضروري القول هنا: ربما كان مثل الاستعداد السابق للائتلاف الوطني السبب الذي يقف وراء الدعم الذي لقيه حتى الآن، والذي سيلقاه مستقبلاً بالتأكيد.

إذا كان هذا فيما يتعلق بخندق الثورة وداعميه فما الحال فيما يتعلق بالسلطة؟ من المعتقد، بل قد يكون من المرجح، أن مركز صنع القرار في السلطة وفي قلبه رئيس الأمر الواقع عاجز أو غير راغب في، أو غير قادر على تحمل تبعات حل سياسي جذري وعندئذ فإن الدائرة السلطوية الأولى هذه لن تقدم ولن تسمح لأحد منها بتقديم هكذا حل، وإذا حاول أحد فأنها سوف تتنصل منه، بغض النظر عن وسائل هذا التنصل، وسوف تتابع الخيار المعهود إلى مآله التاريخي.

والآن إذا كان الأمر كذلك فإن على الثورة ومقاتليها وهيئاتها وحلفائها في كل مكان، الاستعداد التام للحل العسكري المفروض عليها مع عدم رفع العين كلياً عما عدا ذلك- بمعنى الاستعداد الحقيقي للتعامل مع أي ظرف طارئ- وهو متوقع- ومع أية حلول مطروحة.

وإذا صح ما تقدم فمن المرجح أننا سنشهد المزيد من التصعيد العسكري السلطوي وبخاصة في بعض المناطق سواء أكان الهدف الحل السياسي على قاعدة تحسين قاعدة أوراقه على الطاولة المفترضة، أم كان الهدف الاستمرار في الحل العسكري القائم، وفي خندق الثورة يمكن تصور الأمر نفسه وأن تكن الدوافع والأهداف متباينة إلى هذا الحد أو ذاك عن أهداف السلطة الطغمة.

تيار مواطنة    دمشق 18-12-2012

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة