المعارضة السورية وعناصر “النجاح” المتناقضة
المعارضة السورية وعناصر “النجاح” المتناقضة
الكسي سارابييف موقع الشرق الجديد – موسكو
مدير قسم الإعلام والنشر بمعهد الإستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية
يبدو أن الحرب الأهلية الجارية في سوريا – والتي يتفق الجميع على ضرورة وقفها- ما تزال بعيدة المنال. وتدرك الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن واللاعبين الأساسيين والممثل الخاص للأم المتحدة والجامعة العربية الأخضر الإبراهيمي حجم نطاق الصراع الدائر في سوريا وضرورة وقفه، لكنه في الوقت نفسه لا توجد آلية فعالة لذلك.
“يجب تدمير قرطاج”
ما زال المطلب الأساسي للمعارضة السورية يتمثل في تغيير النظام في سوريا بأي ثمن. وفيما يرى البعض منهم بأنه يمكن حل النزاع عن طريق المفاوضات، إلا أن السؤال الأساسي يبقى في من هو الذي سيشارك في هذه المفاوضات وبإسم من في حال حصلت.
بيد أن المشكلة تكمن في أن أغلبية الجماعات المنضوية في المعارضة السورية والتي اتحظى بالدعم الخارجي لا تزال تعتبر أنه من غير الممكن التحرك عبر المفاوضات مع “النظام الدموي”، في حين أن الجزء الأخر منها – الأكثر إعتدالاً- لا يحظى بالإعتراف من قبل أغلبية المعارضين.
ويكاد ما يسمى ب”الجيش السوري الحر” المكون من مجموعات المسلحة لا يخضع تقريباً لسيطرة المراكز السياسية للمعارضة في الخارج، ويعتبر أن الإطاحة بالنظام هو المخرج الوحيد من الأزمة. ومع ذلك من الخطأ الإفتراض بأن هذا “الجيش” لا يطرح مطالب سياسية بناءة. ففي أواخر تموز/يوليو 2012 جرى إعداد “مشروع الإنقاذ الوطني” الذي يطالب بتأسيس مجلس عسكري أعلى يدخل في صلاحياته تشكيل مجلس رئاسي من 6 أشخاص عسكريين ومدنيين خلال الفترة الإنتقالية. وكان وراء المبادرة المجلس العسكري للقيادة الموحدة التي يرأسها قاسم سعد الدين، وهي المجموعة الأكثر نفوذاً داخل الجيش السوري الحر.
كما يؤيد البرنامج نفسه قائد الجيش الحر رياض الأسعد، والذي يطرح تشكيل حكومة وحدة وطنية. وهذا رغم الخلافات العميقة والمنافسة القائمة بين الأٍسعد وسعد الدين حول إستراتيجية وقيادة الجيش الحر.
وفي آب/أغسطس أعلن في القاهرة عن تأسيس “حكومة إنتقالية في المنفى” برئاسة الحقوقي هيثم المالح. ومن المفترض أن ينضم إلى هذه الحكومة ممثلي المعارضة في الداخل والخارج، لكن هذ المشروع لم يتلقى الدعم من المعارضة الخارجية، أما اللاعبون الخارجيون فيبدو أنهم نسوه.
الجمع بين التناقضات
راهن معسكر المعارضين للنظام على مؤتمر الدوحة الذي عقد في 8 كانون أول 2012. وقبل عقده أجرى “المجلس الوطني الإنتقالي” مؤتمراً إستمر لعدة أيام يشبه “المنتدى التوحيدي” بحضور 450 شخصاً. وقد نضجت ضرورة عقد مثل هذا المؤتمر خصوصاً على ضوء التناقضات داخل المجلس الوطني الذي طالته الإنتقادات من كل صوب وحدب، بما فيها من جانب الإدارة الأمريكية.
وسعيه منه ليكون الكتلة الأكبر داخل المعارضة السورية الموحدة، عقد المجلس الوطني مؤتمراً جرى خلاله ضم 150 عضواً جديداً، وفي المقابل فصل 40 من الأعضاء السابقين، وجرى تثبيت التشكيلة الجديدة وأدخلت تعديلات على نظام الإنتخابات. كما تناول النقاش المبادرة الجديدة للمجلس الداعية لتشكيل حكومة إنتقالية. كما لم يتراجع المجلس عن موقفه المبدئي- الذي يضعه خارج المفاوضات مع السلطات السورية- ويتمثل في رفض الحوار مع النظام في تشكيلته الحالية ومع كل المتورطين في الجرائم ضد الشعب السوري وكذلك بقضايا الفساد.
كما تم خلال مؤتمر الدوحة تأسيس ما يسمى ب”اللجنة الوطنية لقوى المعارضة الوطنية والثورية”، والذي صادقت على تشكيلتها مجموعة “اصدقاء سوريا” وأعرب العديد من أعضائها عن الإستعداد للإعتراف بها كبديل عن نظام الرئيس بشار الأسد. بيد أن الأطراف المعتدلة الأخرى كلجنة التنسيق الوطنية والجبهة الوطنية للتغيير والتحرير والمنبر الديمقراطي وحركة بناء سوريا رفضت المشاركة في المؤتمر معتبرة أنها لن تستطيع فرض رؤيتها خلاله.
وقد إنضم المجلس الوطني الإنتقالي إلى التركيبة الجديدة التي تتكون من 63 عضواً ويرأسها جورج صبرا( 22 مقعداً)/ إلى جانب ممثلي 14 محافظة سورية ولجان تنسيق وممثلين عن الأقليات الدينية والأكراد. وإنتخب إمام مسجد دمشق معاذ الخطيب رئيساً للهيئة الجديدة فيما إختير رجل الأعمال والبرلماني السابق رياض سيف والناشطة في الدفاع عن حقوق المرأة كنائبين له. ويمكن تفسير هذا الإختيار بمحاولة المعارضة التركيز على الشخصيات الأكثر إحتراماً في المجتمع السوري والتي تمثل في نفس الوقت مختلف شرائح المجتمع والعائلات المعروفة، إضافة إلى محاولة إبعاد شبهة هيمنة جماعة الإخوان المسلمين عليها، وهو الشيء الذي كثر الحديث عنه في الآونة الأخيرة.
وبعد ذلك مباشرة أصبح واضحاً عدم كفاءة الهيئة الجديدة وعدم قدرتها على حل الخلافات الداخلية لدى خصوم النظام. فعدم رضى المعارضين الإسلاميين عن تقديم الغرب لدعم سياسي مباشر للقوى العلمانية داخل المعارضة ولا سيما تلك الموجودة في المهجر تواجهها حالة من عدم الثقة من قبل هذه القوى. وقد برزت التناقضات الداخلية بشكل واضح من خلال الصعوبة في التوصل إلى برنامج متفق عليه خلال اللقاء الذي جرى في إطار “مجموعة أصدقاء سوريا” في 12.12.2012.
تحقيق المستحيل
حتى لو لم نأخذ بعين الإعتبار الصعوبات الهائلة المرتبطة بشلل العلاقات الإقتصادية والعلاقات الإجتماعية المتوترة وأزمة الإدارة التي تعاني منها سوريا في ظروف الحرب الأهلية، فإن الرئيس الأسد مع ذلك يواجه مهمة في غاية الصعوبة. إذ يجب عليه أن يثبت للمجتمع الدولي أنه لن يكون ممكنا الحفاظ على وحدة البلاد والمجتمع إذا إنتصرت المعارضة. ولا شك في أن إعتراف الإدارة الأمريكية ب”جبهة النصرة” كتنظيم إرهابي ومرتبط بالقاعدة كان في صالح النظام السوري.
ولوقت طويل شكل تنظيم “جبهة النصرة” العمود الفقري للجيش السوري الحر، وتصدر العمليات القتالية ضد الجيش النظامي كما حصل في حلب ورأس العين والسيطرة على قاعدة المدفعية في الميادين، والآن، بعد أن تم إستثنائه من أي صراع علني من أجل السلطة فإن أحتمال توحيد المعارضة أصبح شفافاً أكثر.
وعملياً لم يؤدي لقاء الإئتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة وممثلي الجامعة العربية والإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في مراكش في 12 كانون أول/ديسمبر إلى تحسين الأوضاع داخل الخندق المناهض للأسد، رغم الإعتراف بالإئتلاف كممثل شرعي للشعب السوري.
وقد برز وضع معقد داخل صفوف المعارضة السورية، إذ يطالب الممولون الأجانب بالرقابة على الأموال التي تقدمها “مجموعة أصدقاء سوريا”، والحد من طموح المقاتلين الإسلاميين وطرد العناصر التي تنتمي للجماعات المحظورة. وبكل بساطه فإن الإئتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة هو غير قادرة على حل هاتين المسألتين رغم الإعتراف به من الولايات المتحدة و وبريطانيا وبلدان الخليج وفرنسا وغيرها كممثل شرعي للشعب السوري. فالمرتزقة يشكلون نواة الجيش السوري الحر وفي غالبيتهم هم من الإسلاميين ومن أعضاء حركة الإخوان المسلمون أو الحركات السلفية. بدورهم يخفي الإسلاميون المرتبطون بتنظيم القاعدة هذه الصلة في محاولة منهم لعدم إستفزاز رفاقهم في السلاح. ومن المعروف أن الإرهابي أبو محمد الجولاني هو من يتزعم هذه المجموعة الإرهابية التي تتلقى الدعم الأساسي من السعودية وقطر.
ويبدو أن المولين الغربيين والعرب يدركون بشكل جيد أنه في حال إستلمت المعارضة السلطة في سوريا وقامت بتشكيل حكومة وحدة وطنية فإنه سيتعين علها حل رزمة من المشاكل المعقدة ولا سيما تلك المتعلقة باللاجئين السوريين. وفي حال تعززت مواقف الإسلاميين فإن عودة اللاجئين من غير الطائفة السنية يمكن أن يواجه صعوبات ويؤدي لإزمة إنسانية جديدة على المستوى الإقليمي تتطلب مساعدات مالية دولية.
كما أن هناك مشكلة أخرى تتعلق بضمان تمثيل مكونات المجتمع السوري في إدارة البلاد. وإذا مارس الإسلاميون ضغطاً على هيئات الإدارة هذه فسيصبح من المشكوك فيه ضمان تمثيل عادل لهذه المكونات في هذه الدولة ما يضع على المحك تناغم العلاقات الإجتماعية في البلاد. إذ أنه من الواضح أن للغرب مصلحة في إستبعاد القوى المتطرفة عن العملية السياسية حتى لو تحولت هذه القوى إلى الجهة الأكثر فعالية في الصراع مع النظام. كما يبقى من غير الواضح كيف سيتم توزيع الحصص في المجالس المحلية بين ممثلي مختلف الطوائف والأعراق.
ويشير المشهد داخل المعارضة بأن بعض الجماعات لا تريد الإنضمام للإئتلاف كونها تعتقد بأنه يخضع لشروط الغرب، في حين أن جماعات أخرى تصارع للإستيلاء على القيادة في الإئتلاف، أما مجموعات أخرى فلا تريد أن ترى اللاعبين الخارجيين كأطراف أساسية في هذا الإئتلاف.
وإذا بداء الوهم يتلاشى تدريجياً بأن الغرب والبلدان الخليجية سيتمكنون من توحيد المعارضة في إطار الإئتلاف الجديد، فإنه لن يكون من المأمول أن يكون الإئتلاف قادراً على الإتفاق مع النظام السوري على التخلي عن السلطة وحل المشاكل القائمة في البلاد وتحقيق المستحيل.
ما الذي يمكن عمله؟
لا يتردد النظام السوري في الإصرار على وجهة نظره، ويصف سياسته بأنها تقوم على التصدي لمؤامرة تستهدف الدولة ومدعومة من قبل قوى أجنبية. ولإبداء حسن النية والإستعداد للمفاوضات تحاول السلطات السورية إظهار معارضة من نوع آخر- داخلية. وهذه المعارضة مستعدة لخوض حوار بناء ولا تضع تغيير النظام كشرط للحوار. ولهذا السبب يتم إستخدام كل الإمكانيات، بما فيها إستعداد روسيا لدعم هذه النوع من القوى.
وفي هذا السياق كانت لافتة الزيارة التي قام بها في الثالث عشر من كانون أول/ديسمبر 2012 وفد تجمع القوى من أجل التغيير السلمي برئاسة رئيس جبهة التغيير والتحرير قدري جميل، والذي يتولى منذ صيف العام الماضي منصب نائب رئيس الوزراء في سوريا، والذي أجرى زيارة مشابهة في أواخر نيسان/أبريل 2012.
وفي 29 تشرين ثاني/نوفمبر 2012 زار موسكو وفد من هئية التنسيق الوطنية برئاسة حسن عبد العظيم، حيث إستقبله رئيس الوزراء سيرغي لافروف، وإجتمع كذلك بنائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف وخبراء من معهد الإستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية.
ولا يخفي ممثلو هيئة التنسيق الوطنية توجههم للحصول على دعم روسي وصيني، وفي نفس الوقت لا يعتبرون أنفسهم خصوماً للنفوذ الغربي. ويتمثل البند الرئيسي في برنامج الهيئة بالتصدي للمرتزقة ولا سيما للسلفيين منهم، والذين يعتبرون أداة للسعودية وقطر وعدد من البلدان الغربية المعنية في زعزعة الإستقرار في سوريا وحرمانها من إستقلالها وهيمنة طائفة على طائفة أخرى. ومع ذلك فالهيئة غير مستعدة للدخول في الحوار الذي يدعو إليه الأسد، بل لحوار لتغيير النظام.
وما يزال النظام مستمر في الرهان على المعارضة الداخلية. بيد أن صعوبة القضية تكمن في أن الغرب- كطرف آخر في هذا الصراع- إعترف بالمعارضة التي أسسها بمشاركة وتحت ضغوط منه، وحيث لم تنضم الجماعات المعتدلة إليها. ومع ذلك فإن الجماعات المعارضة القريبة من السلطة (لا سيما مجموعة قدري جميل) تشارك بنشاط في التحضير للحوار بين الأطراف المتصارعة. من جانبها ترحب موسكو بهذا الجهد على ضوء نهجها بإجراء المشاروات المباشرة مع المسؤولين السوريين. ففي 27 كانون أول/ديسمبر 2012 إنعقد في وزارة الخارجية الروسية لقاء مع وفد حكومي سوري برئاسة نائب وزير الخارجية فيصل المقداد.
ومن المرجح أن تكون الجهود الروسية مثمرة لاحقاً أيضاً بالنظر إلى أنه بالنسبة للسوريين أنفسهم- بل وبالنسبة للبلدان الغربية- فإنه من المشكوك فيه أن هيئة التنسيق لقوى المعارضة والثورة- التي لا تتمتع بالوحدة الداخلية ولا تضم قوى معارضة معتدلة ومؤثرة- ستكون قادرة على تمثيل الجانب المعترض في هذا الصراع.
ويبدو أن هناك ثمة حاجة لعرض وسطي بخصوص مشاركة هيئة التنسيق الوطنية والمجموعات الأخرى في الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة أو في غيرها من التشكيلات لرفع فرص نجاح المفاوضات المفترضة مع السلطات السورية.
من جانبها تصر روسيا على ضرورة العمل لتفعيل إتفاقيات جنيف في إطار “مجموعة العمل”، وهو الشيء الذي يمكن أن يكون مفيداً لبحث إطار مشاركة المعارضة المعتدلة في الإئتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة، ومستقبلاً- لمشاركة ممثلي جميع الأحزاب السورية بما فيها حزب البعث في هئيات الدولة. ولا يمكن أن لا تثمر جهود الخارجية الروسية هنا في نقل الصراع العسكري والمدني والسياسي إلى مرحلة المفاوضات، ومن بعدها إلسير على طريق الإصلاحات الجذرية.
وقد شكل الإتفاق بين الطرفين على ضرورة وقف المواجهات المسلحة والرقابة على وقف إطلاق النار من خلال المراقبين الدوليين خطوة مهمة. ولم يأت يهذا التنازل من جانب السلطات السورية وحسب- والتي تعتبر دخول المراقبين شكلاً من أشكال الإحتلال- بل ومن جانب المعارضة، التي تصاهد تعنتها بعد الأنباء عن إستخدام الجيش السوري للسلاح الكيميائي في حمص.
وعلى ما يبدو فإن الطرفان يدركان ضرورة وقف إراقة الدماء بأي ثمن، وأنه يمكن إيجاد حل وسط. ولكن هذ لا يتجاوز كونه خطوة أولى، ولكن السؤال حول يبقى مفتوحاً بخصوص أن تملك المعارضة ما يكفي من المواقف البناءة لإتخاذ المزيد من المواقف لحل الأزمة.