الثورة السورية “عامان من التحدي والتقدم والأمل” ـ ملخص تنفيذي
حملت الذكرى الثانية للثورة معها انجازات لا تخفى، متجاوزة مرحلة الخوف من العودة إلى الوراء والتردد، مفعمة بالتقدم والأمل والإصرار على الهدف الأسمى – إسقاط السلطة السياسية ونظامها السياسي من الجذور – وإن ترافق ذلك بالكثير من الأحلام والأوهام والأخطاء. هذه الثورة جسدت صراع إرادتين، إرادة سلطة الطغيان وإرادة الشعب، يصعب تصور حلول وسط بينهما. فمن جهة رفضت سلطة الطغيان الاعتراف بإمكانية الثورة حتى قبل أن تولد، مقابل إرادة الشعب والثوار الماضية قدماً، والتي تعرف جيداً أن الطريق الوحيدة نحو الهدف الأسمى هي كسر إرادة السلطة الغاشمة وإرسالها إلى متحف التاريخ.
استطاعت الثورة تحقيق توازن على الأرض لم يكن موجوداً أبداً، وبهذا المعنى فإن السلطة تقهقرت وهي تتقهقر بقدر تقدم الثورة. وإذ يجادل كثيرون حول صيرورة الثورة وطابعها السلمي أو العنفي، والأسباب الموضوعية والذاتية التي دفعت إلى ذلك، فإن تيار مواطنة يعتقد أن الطابع المسلح الذي انزاحت إليه الثورة في كانون الأول 2011 كان نتاجاً طبيعياً ليس لطبيعة السلطة الوحشية وقمعها البربري وتدميرها الأعمى فحسب بل لتعقيد الأوضاع في سوريا أيضاً، بدءاً من الانقسام العمودي للمجتمع وانتهاءً بالوضع الجيوسياسي لسوريا، والتخاذل الدولي في دعم الثورة الذي ساهم في دفع الثورة نحو الاعتماد على الذات وعلى العنف وعلى التطرف وأسس لتنامي قوة التيارات المتطرفة.
وكل المبادرات والمراهنات على الحل السلمي لم يكن لها أفق أبداً في ظل الافتقار إلى الشروط الضرورية لنجاحها فقد كانت ولا تزال ـ موضوعياً ـ مهلاً للدمار والتشرد واللجوء والنزوح والاعتقال والقتل الذي أودى حتى الآن بحياة ما يقارب تسعين آلفاً. إن من يريد النجاح للحل السياسي عليه أن يغير ميزان القوى على الأرض، وعليه أن يعترف بضرورة شكل من أشكال التدخل العسكري المباشر أو غير المباشر أو كليهما معاً، بحيث تجبر السلطة على إعادة حساباتها والقبول مرغمة ـ ومرغمة فقط ـ بالجلوس إلى طاولة المفاوضات لنقل السلطة عبر مرحلة انتقالية تقصر أو تطول حسب الشروط المحايثة لها. كما لا بد من توحيد حقيقي للجيش الحر وتسليحه ليس بالسلاح فحسب بل وبتعزيز عقيدته الوطنية السورية الجامعة ووضع نفسه تحت قيادة عسكرية موحدة فعلاً لا قولاً ووضع هذه القيادة نفسها تحت قيادة سياسية ـ فعلياً لا نظرياً ـ قيادة تستحق اسمها من خلال سيطرتها وقيادتها بالفعل الثوار على الأرض أو على الجيش الحر الموحد على الأقل، ومن أجل المساهمة في تحقيق هذا الهدف لابد أن يمر دعم الجيش الحر من قناة واحدة بدءاً من السلاح وانتهاءً بالمال مروراً بكل شيء بما فيه التدريب والإمداد اللوجستي والتقني. إن تيار مواطنة يعتقد أنه في حال لم يتوفر ما سبق فإننا نجازف بازدياد التطرف واستطالة الزمن وتفاقم الثمن وتزايد المخاطر، كأن تستطيع السلطة استدراج الثورة إلى ردود أفعال في الممارسة من طبيعة ممارسة السلطة نفسها.
وفي سياق الحلول السياسية أو العسكرية والسيناريوهات المطروحة لمستقبل الصراع الدامي في سورية، يجدر بنا الوقوف على بعض المواقف مثل وثيقة جنيف حزيران 2012، وانتزاع مقعد سورية في الجامعة العربية للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، والحكومة المؤقتة. فوثيقة جنيف غامضة وغير متفق على تفسيرها، وهي وثيقة اتفاق اللاتفاق، وهي في أحسن أحوالها تعبير عن التخاذل الدولي، ويصعب إلى أقصى حد تصور وضعها موضع التطبيق حسب التفسير الأمريكي، في حين لا يقدم التفسير الروسي للثورة ما يجعل هدفها الأسمى على جدول الأعمال. كما أنه من الخطأ رفض أن يسند مقعد سورية إلى الائتلاف الوطني تحت ذرائع مختلفة. وكيف يكون شغل المقعد ضاراً بوحدة المعارضة، ومدعاة إلى المزيد من التمزق، فالمعارضة ممزقة على قاعدة الوضع السوري المعقد أولاً وعلى قاعدة الاستجابة السياسية لهذا الوضع ثانياً، ولم تقم وحدة حتى الآن ولن تقوم ما دام الخلاف السياسي المعقد قائماً. وحول إشكالية الحكومة المؤقتة نعتقد أنه من الضروري إجراء جولة مفاوضات صريحة مع قيادة الأركان المشتركة للجيش الحر حول “غسان هيتو”، وحول الخلاف بين بعض الدول العربية حوله بما يفضي إلى الاتفاق على اعتماده، أو إيجاد طريقة أصولية لاستقالته أو استبداله على قاعدة البيان/البرنامج الوزاري.
إن تيار مواطنة يرى ضرورة مبدئية وعملية لتوسيع الائتلاف، ونعتقد أن الأولوية في هذا التوسيع يجب أن تكون للقوى التي هي على الأرض في الداخل: مجالس محلية، مجالس ثورية، حراك ثوري، قيادة الأركان المشتركة إذا رغبت. كما يجب إيلاء حضور المرأة أهمية خاصة بعيداً عن الاصطناع والديكور التجميلي، وفي الإطار نفسه يجب التركيز على الجناح المدني الديمقراطي العلماني في المعارضة، منظمات أو أشخاصاً. ومن المهم في كل الأحوال التزام المنضمين الجدد بالوثائق الأساسية للائتلاف علناً وصراحةً، كما ومن المهم أن تعطى لهم الحصص المناسبة من المقاعد بما ينسجم مع حضورهم وتاريخهم ووزنهم وأهميتهم في الداخل والخارج بعيداً – وربما بعيداً جداً – عن الحصص الوهمية التي يطالب بها البعض. كما نؤيد العمل في سبيل عقد مؤتمر وطني سوري عام مع ضرورة التمييز بينه وبين الائتلاف كما هو الآن أو بعد التوسيع، فالائتلاف كما يدل عليه اسمه – هو لقوى الثورة والمعارضة – أما المؤتمر الوطني فإنه تعبيرٌ عن الشعب السوري بكل مكوناته واتجاهاته.
أما بشأن الإشارات إلى تقسيم سورية أو قيام دويلة علوية على الأقل، وبغض النظر عن الجهات التي تروج لذلك، فإن تيار مواطنة سبق وأن قدم رأيه في هذا الموضوع وهو يؤكد عليه. باختصار شديد، ليس ثمة إمكانية لهكذا دويلة، فالمشروع وهمي ولا حامل له من داخل سورية، والطائفة العلوية أبعد ما تكون عن ذلك، والشعب السوري كله في غير هذا الوارد.
دمشق 7-4-2013 المكتب التنفيذي
تيار مواطنة