أكراد سوريا يتحسسون خطاهم صوب الحكم الذاتي ـ تقرير رويترز
عندما ينظر عادل عبر الحدود إلى بلدته السورية التي فر منها يسترعى انتباهه علم كردي يعلو مباني البلدة الخانقة المنخفضة الارتفاع.
يري الكردي البالغ من العمر 33 عاما المنتصرين يأتون ويغدون لكن وقت الاحتفال لم يحن بعد.
يقول عادل “في البداية كان هناك بشار الأسد وكان هناك القمع ثم جاء الجيش السوري الحر وكانت الأمور أفضل قليلا والآن فرض الأكراد سيطرتهم.”
وأضاف “لا نستطيع أن نجزم كيف سيكون الحال معهم. سننتظر لنرى. لكن ليس المهم من يتولى السيطرة ما دام هناك أمن وعدل. هذا كل ما نريد.”
وسعت الميليشيات الكردية خلال العام الماضي إلى تشديد قبضتها على شمال سوريا بعدما استغلت حالة الفوضى الناجمة عن الحرب الأهلية الدائرة في البلاد من خلال السيطرة على بعض الأحياء بينما تنشغل قوات الأسد بالقتال في مناطق أخرى في البلاد.
وبدأ الحكم الذاتي للأكراد في سوريا يحاكي ما يتمتع به الأكراد من شبه استقلال في شمال العراق المجاور ويبرز تقسيم سوريا البطيء إلى منطقة كردية في الشمال الشرقي ومناطق تهيمن عليها الحكومة حول دمشق وحمص وساحل البحر المتوسط ومنطقة تخضع لسيطرة مقاتلي المعارضة تمتد من حلب على طول وادي نهر الفرات إلى العراق.
وكانت رأس العين البلدة الحدودية المتاخمة لبلدة جيلان بينار في تركيا والتي تضم خليطا عرقيا من العرب والأكراد وغيرهم مسرحا للصراع منذ شهور إذ تقاتل الميليشيات الكردية مقاتلين عربا من جبهة النصرة السنية المرتبطة بالقاعدة.
وقبل أسبوعين انتزع مقاتلون متحالفون مع حزب الاتحاد الديمقراطي -أقوى جماعة كردية محلية إذ تتمتع بميليشيات قوية جيدة التسليح – رأس العين من قبضة مقاتلي جبهة النصرة.
وبعد ذلك بأيام أعلن صالح مسلم زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي إن الحزب سيؤسس مجلسا مستقلا لادارة المناطق الكردية في سوريا حتى تنتهي الحرب.
ورفعت اللجنة الكردية العليا – وهي جماعة حديثة التكوين تنضوى تحت لوائها الأحزاب الكردية في سوريا ومن بينها حزب الاتحاد – علمها على البلدة لكنها لا تحكم قبضتها تماما على الأمور في البلدة.
أعاد مقاتلو النصرة تنظيم صفوفهم في تل حلف التي تقع على بعد أربعة كيلومترات إلى الغرب حيث يوجهون القذائف ويطلقون النيران في محاولة لتعويض خسائرهم على الرغم من أن الأكراد يسيطرون على الأوضاع فيما يبدو.
وتراجعت الاشتباكات إلى اطلاق النار العشوائي لكن تبادلا كثيفا للنيران هذا الشهر أسفر عن وصول رصاصات طائشة وسقوط قذائف على الجانب التركي من الحدود. وقتل ثلاثة مدنيين أتراك بينهم صبي يبلغ من العمر 15 عاما قتل برصاصة في الرأس.
وقال الجيش التركي الذي يرد على اطلاق النيران من سوريا عندما تسقط رصاصات طائشة أو قذائف داخل تركيا إنه أطلق عدة أعيرة نارية عبر الحدود عند جيلان بينار ليل الخميس بعدما أصابت طلقة من سوريا البلدة.
واستمرت الاشتباكات اليومية بين الاكراد والاسلاميين في أنحاء شمال سوريا وفي الساعات المبكرة من صباح يوم الجمعة قتل مقاتلو حزب الاتحاد الديمقراطي 12 متشددا اسلاميا في محافظة الحسكة شمال شرق سوريا التي تتاخم تركيا والعراق حسبما قال المرصد السوري لحقوق الانسان.
وعادة ما يوصف الأكراد الذين يعيشون منقسمين بين ايران وتركيا والعراق وسوريا بانهم أكبر جماعة عرقية بلا دولة لها. وعانى أكراد سوريا وهم أكبر أقلية عرقية في البلاد من القمع الحكومي لعقود من الزمن.
وفي ظل حكم الأسد ووالده من قبله يحظر على الأكراد تعلم لغتهم وكثيرا ما طردوا من أرضهم بل أحيانا كانوا يحرمون من الحصول على حقوق المواطنة السورية الكاملة. وتضم منطقتهم جزءا كبيرا من احتياطيات سوريا من النفط التي تقدر بنحو 2.5 مليار برميل لكن الأكراد لا يتمتعون سوى بالقليل من المزايا.
اما الآن فلا يتحدث اللاجئون الأكراد والعرب الذين فروا من رأس العين سوى عن حنينهم إلى العودة إلى منازلهم في سلام بغض النظر من يتولى السيطرة على الأمور.
قالت خديجة (29 عاما) وهي من أصل عربي وفرت من بلدتها مع أسرتها مرتين خلال الثمانية أشهر الماضية إن سبعة من أقاربها الذكور اعدموا على يد مقاتلين عرب لأنهم أرادوا التهرب من التجنيد.
وأضافت “نريد دولة يشكلها أي طرف. لا يهم من. الأمن هو هاجسنا الوحيد. لنكن فقط قادرين على العودة لمنازلنا..عرب أكراد أو أيا من كان.”
وعبر الحدود تتوخي الجارة القوية التركية الحذر في خطواتها.
فيشكل الاصرار الكردي مأزقا بالنسبة لأنقرة بينما تسعى إلى تحقيق السلام على أراضيها مع متشددين من حزب العمال الكردستاني الذي خاض قتالا لثلاثة عقود من أجل الحصول على قدر أكبر من الحكم الذاتي للأكراد في تركيا.
وتخشى أنقرة أن يشجع انتزاع أكراد سوريا السيطرة على أجزاء من البلاد مقاتلي حزب العمال الكردستاني. لكنها أيضا لا تستريح لسيطرة جبهة النصرة التي أعلنت الاندماج مع ذراع القاعدة في العراق على مساحات واسعة من الأراضي على طول حدودها.
وفي بيان نادر هذا الشهر ذكر الجيش التركي أنه أطلق النار على مقاتلي حزب الاتحاد الديمقراطي ووصفهم بانهم “ارهابيون انفصاليون” بعدما أصابت طلقات من رأس العين الجانب التركي. ولم تحدد البيانات السابقة الأهداف التي رد عليها الجيش التركي.
لكن هناك أيضا مؤشرات على أن تركيا ترغب في العمل مع حزب الاتحاد وغيره من الجماعات الكردية إذا ما تأكدت من بقاء هذه الجماعات على معارضتها الشديدة للأسد وتعهدت بعدم السعي للحصول على حكم ذاتي من خلال العنف أو قبل حل الصراع السوري وبانها لن تمثل تهديدا لأمن تركيا.
وقال مسؤول كبير في الحكومة التركية طلب عدم نشر اسمه بسبب حساسية الموضوع “ليس لدينا أي مشكلة مع تطلعاتهم… ما لا نريد من أي جماعة هو أن تستغل هذا الوضع لتفرض ارادتها بالقوة.”
وتم توصيل الرسالة مباشرة إلى صالح مسلم الأسبوع الماضي حينما دعته تركيا لزيارة أسطنبول لاجراء محادثات مع المخابرات التركية بعدما أدت السيطرة على رأس العين إلى ما وصفه المسؤول الحكومي بانه شعور جديد بضرورة التحرك بسرعة.
وأضاف المسؤول “لقد فهمناه وفهمنا.
“خرج وهو مقتنع بأن موقفنا من الأكراد واضح كما أوضح موقفه… بأنهم لا يسعون في الوقت الحالي لاقامة حكم ذاتي بأي شكل.”
وتبحث الحكومة التركية إعادة فتح المعابر الحدودية إلى المناطق الكردية في سوريا للمساعدة في تدفق المعونات الانسانية ومن بينها معبر عند جيلان بينار أغلق في غمار حالة عدم اليقين بشأن من يسيطر على الجانب الاخر من الحدود.
وقال اسماعيل أرسلان رئيس بلدية جيلان بينار الذي ينتمي إلى حزب السلام والديمقراطية وهو الحزب الرئيسي الموالي للأكراد في تركيا “وصلت تركيا بالفعل إلى مرحلة تدرك فيها ما يجب القيام به. على الأقل أدركت أن معاملة الأكراد مثل العدو ومساندة جماعات مثل النصرة ليست في مصلحتها.”
وبالنسبة لعادل وأولاده الخمسة يبدو اليوم الذي تنعم فيه المناطق الكردية من سوريا بالأمان تحت حكم أي طرف أمرا بعيد المنال.
يقول “لا يحدوني أي أمل… لن يتم اصلاح سوريا حتى في عشر سنوات. قد أبقى هنا كل هذه الفترة. لن أعود حتى تنتهي هذه الحرب.”