ماذا لو وقع انقلاب في سورية؟ – ميشيل كيلو
ثمّة سيناريو في سورية أعتقد أن التطورات ذاهبة إليه، أرجو أن لا يكون في ما سأقوله حوله كلمة واحدة صحيحة. وإذا كنت أحذر منه، فلاعتقادي أن واجبي الوطني يلزمني بلفت الأنظار إليه، على الرغم من أن علاماته ليست واضحة بعد، وقد تكون نتاج أوهام وأخيلةٍ يمليها عليّ الخوف من مصير تقرّره موازين قوى، لن يحقق الشعب السوري في ظلها بعض ما كان يصبو إليه. هذا السيناريو، يضمر تحولاً انقلابياً عن ما سميناها الثورة، يرجح أن يكون تنفيذه موضوع الفترة المقبلة، بالقوى العسكرية التي تملكها الفصائل وتلك التابعة للنظام، وإليكم الأدلة التي أظنها تؤكد ذلك:
1ـ كان الروس يستطيعون سحق فصائل حلب، لكنهم لم يفعلوا. وكان من المتوقع، والمخطط له إيرانياً وأسدياً، أن تلي هزيمة الفصائل معركة نهائية ضدها في إدلب، تقصم ظهرها وتطوي صفحة الثورة، ولا تبقي منها غير بؤر متفرقة تسهل تصفيتها، سيعجل انهيارها في انهيار غوطة دمشق، لكن هذه المعركة الفاصلة لم تقع، لأن الروس اتفقوا مع الأتراك على منعها.
2ـ إذا كان الروس قد وضعوا خطاً أحمر منع إيران والنظام من تجاوزه حيال عسكر المعارضة، فلأن موسكو بلغت، بما صنعته في حلب، الوضع الذي يجعلها قادرةً على تحقيق ما تريده في سورية، وتحجيم أي طرف يعارضها أو يتصدى لها وإضعافه، وخصوصاً النظام وإيران. بوضعها هذا، لم تعد لروسيا مصلحة في مساعدة الملالي والأسد على تحقيق انتصار نهائي على عسكر الفصائل، بدعم من طيرانها، بما أنها غدت صاحبة قرارٍ بالنسبة لأوساط عسكرية فاعلة ومؤثرة في النظام. وقد تعاونت تركيا مع الروس في ما يتصل بقرار الفصائل التي تحولت بذلك إلى جهة لديها شرعية سياسية، تؤهلها للتفاوض على مصير الثورة، بعد أن كانت للتفاوض مؤسّسة محدّدة هي “الهيئة العليا” بأطيافها المعارضة المتنوعة التي يغلب عليها الطابع السياسي. بهذا التطور، حمت روسيا، بشروط، من كانت تستطيع تعريضهم للهزيمة، وتولت تركيا تقرير مواقفهم بمشاركتهم، وإلا فبالنيابة عنهم، لتكتمل بذلك الشروط الضرورية لنجاح اجتماع أستانة، ولقلب أوضاع الجميع وسياساتهم وأدوارهم رأساً على عقب، بما في ذلك سياسات وأدوار الفاعلين والمتصارعين الرئيسيين في سورية وعليها، روسيا وتركيا وإيران والنظام.
3ـ إذا كان قد تم إعداد المسرح بضمانة روسيةٍ تحمي عسكر الفصائل من حل عسكري،
وضمانة تركية تكفل قبولهم ما صارت له الأولوية في أي حل قادم، مصالح اللاعبين الدوليين والإقليميين، ما الذي ينقص لإنجاز “السلام” غير قبول عسكر النظام ما سيقبل به العسكر الفصائلي؟ وماذا سيحدث إن كان هناك مثل هذا القبول، الافتراضي تماماً على الطرف الآخر؟ أعتقد أنه سيكون هناك حل له ضحيتان، بشار الأسد الذي يتمسك به نظامه، وتطالب المعارضة برحيله، والنظام الديمقراطي الذي تطالب المعارضة به، ويرفضه نظامه.
4ـ والآن، إذا دخل عسكر الفصائل وعسكر الجيش إلى مشروع تحمله مؤسسة عسكرية/ أمنية متداخلة، ورحل بشار ترضية للشعب، وسقط الخيار الديمقراطي ترضية للنظام، ما الذي سيبقى من أخطار سورية، تخشاها وترفضها إسرائيل وبلدان عربية شقيقة؟ وعن أية ثورة سيمكن الحديث بعدئذ؟ ألا نكون قد دخلنا نحن أيضاً إلى حلقة النظم الانقلابية التي ترتبت على فشل، أو أفشلت الثورة في مصر واليمن وليبيا؟ ألا يكون الوضع الجديد خير وضعٍ يلبي مصالح روسيا، ويكفل حضورها الدائم في بلادنا، بقبول الطرفين المسلحين، الأسدي والفصائلي؟ وماذا يبقى من صعوباتٍ لإنجاز نمط من الحكم تديره روسيا، لإيران فيه حصة، وإن كانت أصغر بكثير من حصتها الحالية، ولتركيا أيضاً، مع أنها ستكون أكبر من حصتها الراهنة، ولأمراء الحرب من الجهتين السوريتين المتحاربتين حق القرار في معظم ما يتعلق بالشأن السوري، بينما سيتمكن الروس من لي ذراع وعنق كل من يرفض الوضع الجديد أو يقاومه، وسيحافظون على الحد المطلوب دولياً وإقليمياً وعربياً وداخلياً من الاستبداد الذي سمح العالم للأسدي منه بقتل وجرح وذبح حوالي ثلاثة ملايين سوري، لأنهم تمردوا عليه، وطالبوا بتغييره.
5ـ لم يسمح الروس بسقوط مهزومي حلب، لكي لا يسقط مشروعهم المتمذهب، المعادي لحرية الشعب السوري ووحدته، أي لمشروع الثورة الأصلي، والذي تبنى مواقف من الثورة تكمل
سياسات الأسد ومواقفه، ولم يحمل السلاح ليبلغ الشعب حريته، بل حمله لكي لا ينالها، فما ومن الذي سيمنع قيام النظام الجديد على هذه الأرضية المشتركة، وسينجح في التقاط الثورة من الهوة التي سقطت فيها، واستئنافها بقوة تيار أو تجمع سوري ينطلق من رهاناتها الأولى، بينما كان سقوط مهزومي الفصائل سيعني فتح الباب لاستعادة الحراك في نسخته الأولى التي رفضها منذ بدء التمرد المجتمعي والسياسي من سيقبلون النظام الانقلابي الجديد؟
6ـ إذا كان عسكر مصر واليمن وليبيا هم الذين احتووا الثورة، أو كلفوا باحتوائها، ما الذي يمنع عسكر النظام والفصائل من القيام بهذه المهمة؟
7ـ قلت إنني أرجو أن لا تكون هناك كلمة واحدة صحيحة في هذا الذي أقوله. ولكن، إذا كانت الأمور ستذهب حقاً في هذا المنحى، فإنه لن يبقى لنا غير المبادرة بكل جديةٍ لبناء أوضاع ذاتية تعطينا حصتنا المستحقة من وطننا، بعد كل ما قدمه شعبنا من تضحيات. بغير ذلك، لا يبقى لنا إلا أن نصرخ بصوت اليائسين: يا الله، ما لنا غيرك يا الله.
العربي الجديد 28-1-2017