عن دور الأكراد السوريين في الحل السياسي – اكرم البني
أربعة أسباب يمكن أن تفسر تراجع دور أكراد سورية في الخطوات السياسية التي تحصل لمعالجة الصراع الدائر، وآخرها، غيابهم عن اجتماعات الآستانة، وشكلانية تمثيلهم في مفاوضات جنيف.
أولاً، الموقف التركي الرافض، ليس فقط لأي دور مستقل للأكراد السوريين، وإنما أيضاً لتمثيلهم تمثيلاً حقيقياً، إن في قوى المعارضة أو في الهيئة العليا للتفاوض، والأمر ليس جديداً، ولا يتعلق بموقف حكومة أنقرة الحاد من حزب الاتحاد الديموقراطي الأخطر عليها، لامتلاكه قوة عسكرية وعلاقات تعاون مع واشنطن، بل يشمل كل أكراد سورية، كجزء من نهج عام ومزمن للسلطات التركية في محاصرة طموح الأكراد وتقويض دورهم القومي أينما كانوا وفي أي مستقبل سياسي. وما يعزز العائق التركي تنامي نفوذ حكومة أنقرة في المشهد السوري، بعد تفاهمها مع موسكو وتمدد قواتها في شمال البلاد، ثم تقاربها، سياسياً ونفطياً، مع حكومة إربيل، مشحونة بتقدير مختلف الأطراف الغربية والعربية لمخاوفها من تبلور حالة كردية مستقرة سياسياً واقتصادياً، على حدودها، وبتسويغ تصعيدها ضد الأكراد عموماً، رداً على تواتر العمليات الإرهابية لحزب العمال الكردستاني.
ثانياً، حين تتوسل القوى الإقليمية والدولية المسألة الكردية في التنازع على الهيمنة والنفوذ، ويستمر النظام وحلفاؤه في توظيف الأكراد السوريين كورقة تستخدم حيث تفيد وتطوى حيث لا حاجة إليها، يمكن تقدير حجم المصاعب التي تعترض دور الأكراد السياسي، وتزيد الطين بلة تصريحات أهل الحكم عن خشيتهم من تبدل سياسة حزب الاتحاد الديموقراطي، الأقوى كردياً، والأقرب لمواقفهم، نحو سياسة جديدة تحكمها أجندته الخاصة وتحالفه مع واشنطن وليس تفاهمه القديم معهم، والدليل رفضه عودة الأوضاع إلى سابق عهدها وتواتر مطالبته بتغيير النظام الديكتاتوري، ثم تكرار حالات الصدام، وإن طوقت بسرعة، بين الجيش النظامي وقوات سورية الديموقراطية، من دون أن ننسى امتعاض النظام من تجاوز حزب الاتحاد الديموقراطي الخطة المتفق عليها من انسحابات الجيش السوري أواخر 2012 من شمال شرقي البلاد، واستثمار تفرده في السيطرة على تلك المنطقة، لإقامة كيانه القومي، وإعلان دستوره الخاص، وتشكيل برلمانه وجيشه وجهاز أمنه ومؤسساته! أو ننسى تحسب النظام من أصوات بدأت ترتفع وتصل إلى مسامعه عن مصلحة قومية كردية بوجود سلطة مركزية ضعيفة في دمشق، وأيضاً من فكرة الفيدرالية واحتمال تحولها إلى وباء يصيب مختلف مكونات المجتمع السوري، حيث شجع مناخ الثورة غالبية الأحزاب والشخصيات الكردية المشهود لها حرصها على الوحدة الوطنية، على التشدد في مطالبها القومية وتبني تلك الفكرة.
ثالثاً، حالة المعارضة السورية، بشقيها السياسي والعسكري، والتي لا تزال مترددة في إظهار تفهمها لحقوق الأكراد القومية، ولم تمتلك جرأةً كافية لبناء الثقة معهم ومنحهم قيمة سياسية خاصة وتمثيلاً حقيقياً يزيل الإحساس بالظلم الذي تراكم تاريخياً لديهم بأنهم كانوا دائماً وقوداً لقوى سياسية تناست، عندما حققت أهدافها، ما رفعته من شعارات لرد المظالم وإلغاء التمييز.
فأية فرصة للإفادة من الدور الخاص للأكراد السوريين ومحاصرة الروح القومية المتطرفة إذا استمرت سياسة الإنكار والتجاهل لحقوقهم؟ والأسوأ حين يندفع معارضون، ورداً على تطرف حزب الاتحاد الديموقراطي، إلى الطعن بوطنية الأكراد عموماً بدعوى أنهم وافدون من خلف الحدود! أوليس من دواعي العدل والإنصاف الانتباه إلى قيمة الحضور السياسي الكردي وفاعليته ضمن أطر المعارضة الحالية؟ وكم كان مؤسفاً تشكيل هيئة جديدة للتفاوض تجمع شخصيات من الائتلاف الحالي ومن منصتي القاهرة وموسكو مع إشراك واسع لفصائل المعارضة المسلحة، من دون تمثيل وازن للمكون الكردي!
رابعاً، ما يثيره النهج القومي المتطرف لحزب الاتحاد الديموقراطي، من ريبة وشبهة، تنسحبان على الوضع الكردي عموماً، بخاصة حين يستهتر بمصالح الشعوب التي يشاركها العيش ومشاعرها، ولا يكترث بما يؤخذ سلبياً عليه، في تعاونه المغرض، قبل الثورة وبعدها، مع النظام، ثم سرعة انتقاله إلى مظلة واشنطن وتنسيقه العالي مع التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، ويعزز ما سبق ممارساته القمعية في تهجير السكان العرب قسرياً من بعض المناطق التي سيطر عليها، واضطهاده لمن يختلفون في الرأي معه، من قادة وناشطين أكراد، خاصة ممن ينضوون في إطار المجلس الوطني.
وربما لا يزيل الريبة والشبهة، وإن خفف منهما، إدراك حزب الاتحاد الديموقراطي المتأخر أهمية تقديم التنازلات وتجنب النهج التصادمي، إن في تأكيده وحدة الوطن السوري وتخليه عن اسم فيدرالية روجافا إلى فيدرالية شمال سورية، تجاوباً مع المطلب الأميركي، وإن بإصدار بيان من قبل وحدات حماية الشعب تعلن فيه، الحياد في الصراع الدائر بين حزب العمال الكردستاني وحكومة أنقرة، لامتصاص تداعيات التفاهم بين روسيا وتركيا.
صحيح أن القوى الكردية أبدت ردود فعل متشددة تجاه استبعادها من اجتماعات الآستانة، وضعف تمثيلها في الهيئة العليا للتفاوض، وصحيح أن خطة التسوية السورية باتت رهن التوافقات الخارجية في ظل إنهاك أطرافها الداخلية وضعفها، ولكن الصحيح أيضاً، أن ثمة حاجة للأكراد السوريين تتنامى لدى قوى دولية لإشراكهم في الحرب ضد تنظيم داعش والجماعات الإسلاموية المتطرفة، ما قد يضعهم في موقع جديد من الترتيبات السياسية والأمنية التي سوف تفرض في مرحلة ما بعد انعقاد مؤتمر جنيف.
استدراكاً، ومن باب التفاؤل، ألم يحن الوقت كي تتجاوز القوى الكردية خلافاتها البينية وحساباتها الأنانية وتقدم خطاباً جامعاً يحرر دورها من حصار تركيا وبعض دول الإقليم وقوى التطرف العربي؟ والأهم: ألم يحن الوقت كي يتمثل الأكراد السوريون دروس تجاربهم وهزائمهم المريرة، وأوضحها درس يقول، أن الانتصار للوطن الديموقراطي التعددي هو المدخل الصحي والناجع لحل معضلتهم القومية ولقطع الطريق على أطراف دولية وإقليمية ما فتئت تستخدم المسألة الكردية وسيلة في صراعاتها وتسوياتها!
* كاتب سوري
الحياة ٢٤ فبراير/ شباط 2017