ليست الخسارة قدرا – ميشيل كيلو
حدث في الأسابيع القليلة الماضية تطوران خطيران، لا بد من التوقف عندهما، وقع أحدهما شمال سورية والآخر جنوبها.
سلمت “قوات سوريا الديمقراطية”، التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي .. الكردي (البايادا) قرىً حول منبج إلى الجيش الأسدي، الديمقراطي جدا مثلها، بغرض منع سقوطها في يد قوات “درع الفرات” التركية/ السورية، وتوريط أنقرة في مواجهة مع واشنطن وموسكو، عبر جعل مشروع “البايادا” شأنا دوليا منفصلا عن موقف تركيا من حزب العمال الكردستاني (البيكاكا) الذي يحتاج إلى قوة دفع دولية تعمل لإنجاحه، بوصل كانتونات غرب الفرات بشرقه جغرافيا وبشريا، واحتواء الكثافة السكانية العربية فيها، بقوة آليات تمثيل برانية، وتمثل دمجية وفاعلة.
يعتبر هذا التطور في علاقة “البايادا” مع النظام، الذي يبدو وكأنه تم بتفاهم أميركي/ روسي، تحديا لأنقرة يحتمل كثيرا أن يعرقل سعيها إلى تقرير أوضاع الكرد قرب حدودها الجنوبية، ويرغمها على مراجعة، وربما تعديل، حساباتها، مع ما سيفضي موقفها الجديد إليه من تغليب العمل السياسي طويل الأجل على العمل العسكري المباشر والحاسم، وهذا ما سيضعف، في الحالتين، دورها في مواجهة حل دي ميستورا السوري، الذي يقرّ، في أحد بنوده الاثني عشر، بضرورة إقامة مناطق “حكم ذاتي” كردي، ويرى في التوافق عليها جزءا من حل المعضلة السورية. لذلك، يضع المعارضة أمام أحد خيارين: تبني السياسات التركية حيال المسألة الكردية، أو فتح حوار مع الكرد السوريين، هدفه التوافق على ترتيب مستقبلي لعلاقاتهم مع الدولة الديمقراطية بمكوناتها المختلفة، والمحافطة على وحدة الدولة السورية أرضا وشعبا، ومنح مكوّناتها حقوقها القومية في إطار منفتح على خيارات اتحادية، أو تأخذ صورة حكم ذاتي أو لامركزي موسع. وستعني هذه الخطوة أن سياسات المعارضة تجاه المسألة الكردية لن تلتزم بالموقف التركي، وفي هذا ما فيه من إشكالات وتعقيدات، تتطلب حلولا واضحة، تبقي على علاقات استراتيجية مع الدولة الشقيقة، خصوصا أن موافقة أميركا وروسيا على تسليم مناطق حول مدينة منبج إلى الجيش الأسدي تعني أن القضية الكردية لن تترك بعد الآن للحل الذي تريده تركيا، فهل نتغاضى، نحن السوريون، عن طابعها الوطني السوري، ونحجم عن معالجتها وعزلها عن الصراعات الدولية التي تجنح نحو التلاعب بها، أم نبادر إلى التواصل مع مختلف الأطراف الكردية، مع أفضلية خاصة لتلك التي تلتزم منها بالمحافظة على وحدة الدولة والمجتمع السوريين، من دون استبعاد عرب الجزيرة السورية والمناطق الأخرى، على أن يسهم بدوره في تحديد طابع الدولة السورية.
ثمّة ظاهرة أخرى في الجنوب السوري، أنتجتها هدن النظام خلال الأشهر الماضية، هي انخراط مقاتلين سابقين ضد النظام في تنظيماتٍ تقاتل مع الروس والإيرانيين ومرتزقتهم، منها “درع القلمون” الذي أسهم في إسقاط وادي بردى، ويحارب اليوم ضد القابون وبرزه وجوبر وعربين وحرستا والغوطة الشرقية، وسيقاتل غدا ضد القلمون، لإخراج الجيش الحر من جبال المنطقة، بعد رفضه عقد هدنة مع حزب الله، وتبنيه سياسة تفاوضية ترفض اختراق النظام المنطقة.
يضم “درع القلمون” عائدين إلى “حضن الوطن”، أو منضمين سابقين إلى الثورة ومتخلفين عن الالتحاق بالجيش الأسدي، أو شبيحة منخرطين في “اللجان الشعبية”، بحجة حماية مناطقهم وسكانها من “الشبيحة”. واليوم، ينتمي هؤلاء إلى العصابات الأسدية، ويحاربون الثوار بوصفهم شبيحة، يخدمون من قتل أهليهم وحصارهم وجوعهم وقصفهم بكل أنواع الأسلحة وهجرهم، من روس وأسديين وإيرانيين.
بدأت في الشمال مرحلة الخيارات شديدة القسوة التي يعني تجاهلها تهديد وحدة دولة ومجتمع بلادنا واستقلال وسيادة وطننا، وانضواءنا في علاقاتٍ وصراعاتٍ، لا تلبي مصالحنا أو تتفق معها. أما في الجنوب، فيتحول مقاتلون سابقون في سبيل الحرية إلى مرتزقة، ينصرون أعداءها ويقتلون شعبهم المطالب بها.
هل سيقف الوطنيون السوريون، من عرب وكرد وأقوام أخرى، مكتوفي الأيدي حيال ما يجري في شمال وطنهم، الذي يتحول إلى بؤرة صراع جديدة، يتكثف فيها الحضور العسكري الروسي/ الأميركي المباشر، بمخاطره وتحدياته التي لا بد من مواجهتها، وإلى متى يظل “الائتلاف” منتشيا بغيابه عن أي شأن وطني سوري، في الشمال كما في الجنوب أيضا؟
العربي الجديد:26/3/2017