آدار برس-خاص
قال “محمد عصام دمشقي” السياسي السوري و عضو تيار مواطنة، أنه “إذا اعتبرنا مصادر الواشنطن بوست موثوقة –وهو أمر مرجح- فيتوجب علينا التفكير في دوافع الروس لتقديم هذا العرض؛ وفي أسباب رفض نظام الأسد؛ ودور إيران في دعم هذا الرفض، وأخيراً لابد من تدقيق الاستنتاج النهائي لكاتب المقال حول مستقبل السلام والاستقرار في سورية”.
جاء ذلك في معرض إجابته لـ آدار برس، حول ما أكدته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية من أن رأس النظام السوري قد رفض عرضاً روسياً بتقاسم السلطة مع الأغلبية السنية لتسوية سياسية في البلاد؛ وأن الرفض كان بضغط إيراني، حيث أوضحت الصحيفة أن السلام والاستقرار لن يتم ما لم تنته العلاقة بين الأسد وإيران وروسيا.
مضيفاً: “أولاً: يدرك الروس أن المحافظة على مصالحهم الاستراتيجية العسكرية والاقتصادية في سورية تقتضي إعادة إدماج النظام في المجتمع الدولي، وإلا فإن فاتورة الأسد لن تسدد ورصيدهم في سورية سيكون غير قابل للاستخدام في سوق المصالح الدولية، وهم يدركون أن إعادة تأهيل النظام وإطلاق عملية إعادة البناء لابد أن تترافق بتغيير سياسي، وكما عبر عنه أحياناً بعض المسؤولين الروس فإن ما يهمهم هو الوضع السوري وليس استمرار بشار الأسد، لكن هنا يتوجب التحفظ قليلاً فهم يدركون صعوبة المحافظة على نظام الأسد مع رحيل رئيسه”.
متابعاً: “هكذا، هم يطرحون التغيير من المدخل الطائفي وهو تغيير محفوف بالمخاطر حاضراً ومستقبلاً والأمر ربما يكون أكثر تعقيداً مما جرى في لبنان، حيث لا يزال هذا البلد يدفع فاتورة اتفاق الطائف “الطائفي” وهذا ما يمنعه من التطور المؤسساتي الحقيقي ويبقيه رهناً لتوازنات القوى الطائفية ولسيطرة ميليشيات أحد الأطراف التي هي أقوى من الجيش النظامي اللبناني، وبالطبع لا يخجل قادة هذه الميليشيات من ترديد أن إيران هي ممولهم ومصدر رزقهم”.
مردفاً: “إن للمسألة الطائفية في سورية خصوصية تدركها كل مراكز القرار في العالم والمنطقة، وكانت تقبل بها كأمر واقع، وباعتبار الطرف المسيطر على السلطة في سورية كان يدرك جيداً حدود حرية حركته ودرجة قبوله بالمصالح الاقليمية-والاسرائيلية منها خاصة- والدولية دون أن ننسى أن قبوله الدولي كان باعتباره الطرف الأفضل أو الاقل سوءاً من التنظيمات الدينية أو الإرهابية، فالمسألة الطائفية في سورية كرسها نظام الأسد منذ وصوله للسلطة ممسكاً بمفاصل القرار السيادي العسكري والأمني والاقتصادي مع ترك هامش خادع يظهر دور ممثلي الأغلبية السنية دينياً واقتصادياً، ففي الثمانينات كان هناك تحرك ديموقراطي للنقابات المهنية والأحزاب الديموقراطية وبعض المستقلين، لكن التحرك الفعال كان رد “الطليعة المقاتلة” للإخوان المسلمين، هذا الرد الذي جاء عنيفاً وإرهابياً وبنفس الوقت طائفياً أي أنه كان رداً على النظام بنفس نمط ممارسته وأساليبه”.
مستطرداً: “أما ثورة آذار عام 2011، ورغم وجود أرضية حقيقية للاحتقان الطائفي في المجتمع السوري، فلم تحمل أية شعارات طائفية، رغم أن حاضنتها هي الطائفة السنية، وجاءت امتداداً لربيع عربي يطالب بالحرية والكرامة والعدالة، وشارك فيها ناشطون سياسيون علمانيون ومن مختلف الطوائف في سورية، وبالطبع ليس موضوعنا الآن الحديث عن مآلات الثورة وردود فعل النظام والتدخلات الٌإقليمية ….الخ. فقط يجب عدم الهروب من وجود المشكلة الطائفية كأحد مكونات الصراع في سورية”.
ومن الناحية النظرية، يقول دمشقي إن “حل المشكلة الطائفية قد يكون بتحقيق نوع من التوازن الطائفي على طريقة اتفاق الطائف اللبناني لكن ذلك يعني إبقاء الساحة السورية كحقل الغام واسع قابل للتفجر في كل لحظة وفي كل مكان، خاصة إذا أضفنا الأحقاد الطائفية التي ضاعفتها السنوات الثمانية الماضية، وإذا لم يكن التحول السياسي مبنياً على أساس مفاهيم العدالة الانتقالية، قد تتوفر ظروف واقعية لتحقيق مثل هذا الاحتمال، وطرحه من قبل الروس ناجم عن إدراكهم للحضور القوي للمسألة الطائفية في سورية، وهنا بالمناسبة استبعد ما يردده الكثيرون عن تأييد أغلبية سنة المدن للأسد وهو موضوع يحتاج إلى معالجة خاصة، ما يظهر الموقف الحقيقي لسنة المدن هو وجود مناخ حقيقي من حرية الاختيار”.
ويشير دمشقي أن “الروس يدركون صعوبة تغيير النظام من الداخل وصعوبة تغيير رئيس النظام والمحافظة على النظام في الوقت نفسه، فهم يبحثون عن حلول من نوع “الائتلاف الطائفي”. إن حلاً سياسياً يستند إلى مثل هذا الائتلاف –إذا قيض له التحقق- سيعيد سورية عقوداً عديدة إلى الوراء وربما إلى وضع لم تشهده أساساً في تاريخها”.
متسائلاً: “لماذا يرفض النظام السوري مثل هكذا اقتراح؟ أولاً لأنه يعتقد نفسه منتصراً عسكرياً، وبالتالي هو من سيفرض قواعد الحل، وبالنسبة له فهو مستعد للاستمرار في لعبة والده فهو يعتقد أن “سنة المدن” معه أساساً بقبولهم السلبي، ولا يهمه أبداً أن يكون قبولهم إيجابياً، وهو ليس بحاجة لتقديم تنازلات لبعض المعارضين الموجودين في الخارج الذي خسروا المعركة، وهو يستمر في تقديم الهوامش الدينية على أن تبقى بعيدة، وتبعد أنصارها عن السياسة، أما في الاقتصاد فهو لا يبدو قادراً ولا راغباً في إعطاء أدوار حقيقية، أو على الأقل مثل التي أعطاها أبوه لبرجوازية وتجار المدن، فقد طور منظومة متكاملة مافياوية، اقتصادية وتجارية، لا تبقي إلا الفتات لأصحاب المشاريع الاقتصادية الطموحة”.
قائلاً: “لكن رفض الأسد للطرح الروسي قد لا يكون نهائياً وإذا مارس الروس والغرب ضغوطاً حقيقة قد يقبل الأسد مثل هذا الحل محاولاً مماهاته مع تصوراته للحل السياسي بإبقاء مفاصل السلطة العسكرية والأمنية بيده، وقد تكون التنازلات التي يمكن أن يقدمها في هذه الحالة أقل من التنازلات التي قد يرغم النظام على تنفيذها في إطار القرارات الدولية خاصة 2254 والمرحلة الانتقالية بكل مقتضياتها”.
ويرى دمشقي إن “الرفض الايراني للمشروع الروسي وتشجيع الأسد على رفضه ينبع بالطبع من رؤية إيران لطريقة تحقيق مصالحها في سورية فإضافة للاعتبارات الاستراتيجية العسكرية والسياسية وأيضاً الاقتصادية، يضاف هنا ثقل المشروع الايديولوجي الذي لا ينفصل عن أهداف ووسائل تحقيق الاستراتيجية الإيرانية، وهذا واضح جداً في العراق وسورية ولبنان واليمن، وأي تمثيل حقيقي للسنة في سورية سيطرح على بساط البحث مواجهة مشروع “الشيعية السياسية”، ورغم عدم وجود إمكانية للتأكد من مصادر المعلومات فإن المشروع الايراني لا يوجد إجماع عليه في مراكز القوى العسكرية في النظام، وبين فترة وأخرى نسمع عن اشتباكات عسكرية بين أطراف محسوبة على إيران وأطراف محسوبة على روسيا. هذا الصراع يمكن وصفه بالصامت، حتى الآن، ويبدو أن لا مصلحة للأطراف في إنهائها؛ فكل منهما لا يزال بحاجه للآخر في مواجهة أطراف إقليمية كتركيا وأطراف دولية كأمريكا والغرب عموماً”.
مختتماً: “من هنا يبدو أن استنتاج الواشنطن بوست ان ” السلام والاستقرار لن يتم مالم تنته العلاقة بين الأسد وإيران وروسيا” هو استنتاج صحيح عموماً طالما أن الساحة السورية متروكة فعلياً للروس كطرف دولي، وايران وتركيا كطرفين اقليميين، وإن ما يجري هو مجرد محاولة للتأثير على استراتيجيات هذه الأطراف دون رفضها، والأكثر وضوحاً في التصور الغربي هو الرغبة بالتخلص من النفوذ الإيراني في سورية ولبنان لذلك يجري تشذيب تدريجي للدور الإيراني وبفعالية اسرائيلية، في حين لاتزال الساحة السورية تفتقر لتصور استراتيجي غربي لا يزال يمارس دوره من خلال الضغط على الروس ومن خلال أضعاف النفوذ الإيراني دون القضاء عليه”.
متابعة: سلام أحمد