حتميات “تيار مواطنة” والخطف خلفاً…!

جديع دوارة
قدم تيار مواطنة دراسة نقدية- تحليلية  من اربع اجزاء، لمجريات ونتائج   الثورة السورية منذ 2011 ، وصولا الى اللحظة الراهنة والاستنتاجات المترتبة على تلك القراءة، وهذا ليس بجديد على التيار الذي يتمتع بديناميكية فكرية-سياسية يحسد عليها مقابل عشرات التشكيلات السياسية التي ظهرت خلال العشر سنوات الماضية، واختفى الكثير منها كالفقاعة، ومن استمر لم ينتج معرفة يعتد بها تتجاوز الاسم وبضع بيانات لا تغني ولا تسمن.
تناولت دراسة مواطنة في الجزء الاول تعقيدات الوضع السوري ، ووقفت مطولا عند الانقسام العامودي وتحديدا الطائفي منه، بوصفه بيت القصيد في تمكن سلطة آل الاسد(الاب والابن)  من الاستمرار، من جهة، والابرز بين عدد من “التعقيدات” التي أدت لفشل ثورة 2011 من الجهة المقابلة وفقا لاستنتاج مواطنة.
تبرير ام تفسير
تتبنى المراجعة منهجا يجمع بين التأريخ والنقد السياسي، تقول أنها تأخذ بالدافع الموضوعي لمجريات الصراع في سوريا منذ  2011 وتتقصى خلفياته، اي تنصب نفسها متحدثا باسم التاريخ، لتصل الى نتيجة مفادها ان الثورة فشلت، لا بل انتهت، لقد قضي الامر، وما جرى هو مسار وصيرورة حتمية، وبالتالي من الطبيعي ان تصل الى ما وصلت اليه من استنقاع بحكم عدد من العوامل الموضوعية المستقلة عن ارادة ورغبات البشر، ولا يغير في شيء ارتكاب المعارضة لخطأ هناك او هناك مهما كان حجمه، وبالتالي لا طائل بالتالي من كيل الاتهامات والنواح..الخ
هذه الطريقة ستذكرنا مرغمين بـ “الحتمية التاريخية” التي سادت لحقبة طويلة من القرن الماضي وشاعت في اوساط اليسار عموما، والتي ترسم على الورق ما تقول بأنه مسار واحد وحتمي لتطور التاريخ، وحتى لا اذهب بعيدا فأنني اقتبس من مراجعة الاصدقاء في مواطنة هذه “الاستحالات” التي وصلوا اليها و تدلل على تلك القراءة الحتمية الـ”تبريرية”  لمسار الثورة وفشلها في سوريا:
1. استحالة تشكيل جسد سياسي – وطني، بسبب للافتقار للحامل الاجتماعي الوطني..!(اي ان المجتمع منقسم مسبقا(طائفيا واثنيا ومذرر وبالتالي ان ينتج جسد وطني)
2. استحالة قيام ثورة وطنية واستحالة انتصارها… ما يعني استنتاجا ان الثورة هي ثورة سمتها الاساسية طائفية (السنة) ضد سلطة طائفيه (العلوية).
3. استحالة تجنب العسكرة بسبب عنف السلطة وتعقيدات الحالة السورية.
4. استحالة وجود ثورة مسلحة دون دعم مالي.
5.  استحالة اسقاط النظام دون انقسام الجيش او حياده او  كسبه… مع ان النظام كان في اكثر من محطة يريد تسليم السلطة باعتراف حلفائه.
(مقولة انقسم او حياد او كسب الجيش هي ذات المقولة التي طرحها حزب العمل في كراساته مطلع ثمانينات القرن الماضي حين تناول الأداة والطريقة الهدف التي يمكن بها اسقاط النظام).
6. استحالة كسب الجيش او حياده او انقسامه، دون عناصر “داخلية ام اقليمية ام دولية” ما هي هذه العناصر لم توضح الدراسة ولكن المفترض بأن العناصر الداخلية وجود ثورة وحاضنة شعبية كانت متوفرة…!
7. استحالة اسقاط النظام دون أن يؤدي الى سيطرة الاسلام السياسي المتطرف(داعش النصرة) بالضرورة، وهذا الاستنتاج يترتب عليه نتائج “خطيرة” سياسياً، بحيث تصبح الدعوة لإسقاط السلطة بعد ظهور داعش والنصرة هو خطأ فادح، وبالتالي يجب الذهاب بحسب استنتاج التيار الى محاربة التكفيرين اولا، ثم بعد الانتهاء من ذلك يمكن الالتفات الى نظام الاسد..! وهي ذات الرؤية الامريكية والغربية- رغم أن الغرب يفكر ويتعاطى مع الساحة السورية من منظور مصالحة الضيقة المباشرة(درئ خطر الارهاب عنه) وليس انطلاقا من تغليب مصلحة الشعب السوري، وتبين خلال العشر سنوات ان الاجندات كانت مختلفة.
8. استحالة انتصار الثورة، ويميل تيار مواطنة لاعتبار في اكثر من موقع “انتفاضة عارمة” وليس ثورة، ربما لان الثورة ايضا لها معايير تاريخية لديه..!
9. وبالنهاية يصل تيار مواطنة استحالة استمرار الثورة. فهي تنتهي على العشر سنوات كما يقول التاريخ.. والمعيار الاهم لدى مواطنة زمني(مع شرح لمثال الثورة الفرنسية التي احتاجت لثورات) دون ربط بين الثورة ومسبباتها وحالة الاستعصاء وعدم حل التناقضات ونهر الدماء والحقوق المهدورة والبلاد المدمرة… الم ينتفض السوريون في محاولة للخروج من نفق الاستبداد..هل تم حل تلك النتاقضات!… الجواب لا بكل تأكيد، لكن ما المانع ان ينتظر السوريين عشر سنوات اخرى وربما اكثر، ربما هذا ما تريد قوله الدراسة.
بالتأكيد ان هذه الاستحالات -التي تحتاج الى المزيد من التمحيص والنقاش -كفيلة بموت أي ثورة مهما كانت التضحيات، لو أنها – قدرا  لا يمكن رده- كما ذهب تيار مواطنة، ولو ان التاريخ يمشي على رجلٍ واحدة.
لكن الى اي مدى تعتبر قراءة التاريخ من زاوية النتائج فقط صحيحة، هل تثبيت النتائج والعودة بها الى الخلف(الخطف خلفاً) بسلسلة حتميات تقدم المعرفة الضرورية لفهم الواقع والاقرار بما حصل، اما انها تبدو مصادرة تبريرية تسويغية لما حصل، وتلغي كل الاحتمالات التي كان ينطوي عليها التاريخ، اليست المعرفة هي استنطاق للتاريخ، لينطق بكل الاحتمالات التي انطوى عليها، والتي كانت تدفع بها إرادة البشر، لماذا اخذ هذا المسار وتخلى عن غيره ، وهل يمكن للتاريخ أن يحمل بالثورة واحتمالات التغيير ثم يولد مسخا، ونصدق ان هذا اقصى ما كان يمكن انجازه، وان الفرصة انتهت وضاعت الى أجل غير مسمى..!
نخشى ان الرغبة واللاوعي في تجنب المسؤولية، هي ما تقود هذا التحليل التبريري، وربما من النافل التذكير بأنه في غير محطة من تاريخ الثورة ضد الطغمة كان بالإمكان تحصيل نتائج تصل لحد تسليم السلطة ورحيل نظام الاسد،(باعتراف حلفاء النظام الايراني والروسي).
 وان غياب العامل الذاتي –اي الافتقار الى جسد وطني وقيادة ورؤية السياسية موحدة، قادرة على الامساك بدفة الصراع، ومنعه من التشظي وتوظيف تضحيات السوريين بالطريقة الصحيحة…الخ غياب هذا العامل  لعب الدور الحاسم في الوصول الى تلك النتيجة-فشل الثورة- هنا بيت القصيد – لا اعرف لماذا تيار مواطنة يشدد مررا وتكرارا على محدودية دور العامل الذاتي، حتى تعتقد فعلا أنك تحتاج لمجهر لترى مدى تأثيره..! في حين كان يتبنى القول بأن الثورات لم تحتاج لمشاركة أكثر من 8% من مجموع السكان، ونحن وصلنا الى ما يتجاوز تلك النسبة بكثير.
 ويمكن الذهاب ابعد من هذا، حيث ان العامل الخارجي بكل تعقيداته، كان يمكن له ان يتغير وان يصبح عامل مساعد وداعم للثورة لو توفر العامل السابق، (الارادة والادارة الموحدة لقوى الثورة)، أما سبب غياب هذا العامل، وعدم تمكن قوى الثورة من انجازه، فإنه يجد تفسيره في الاربعين سنة من السلطة البعث الشمولية التي سحقت قوى المجتمع وطوعتها وفتتها، وجعلتها جزءاً من تركيبتها الكلية، أما ما تبقى من احزاب المعارضة كان منهكا وضعيفا ويعاني من امراض وعقد صراع مرير وعقيم مع السلطة ولا يتمتع بحاضنة شعبية تذكر، فكيف له ان يقود..! او أن يكون عامل توحيد، المهمة اكبر من قوقعته، وانتاج قيادات جديدة من قبل مجتمع مبتلع ومفرغ من اي قوى حية، ليس بالامر اليسير، ومع ذلك ظهرت نواة وبوادر مشجعة لبنى مؤسساتية مستقلة ولكن سرعان ما كررت تجربة وأمراض “المعارضة العجوز”، وهما الانقسام والانفصام عن حركة الشارع، الى ان وجدت نفسها رهينة لتجاذبات اقليمية ودولية تتجاوز قدراتها، وغدا صوت الرصاص أعلى من أصوات الجميع.
 اعتقد إن كان لا بد من الاعتراف بفشل للثورة، من زاوية القوى الذاتية للثورة، فالأولى ان يتجه البحث لتموضع هذه القوى وشبكة علاقاتها وبنية وعيها، لماذا الثورات الاخرى تعلمت جماهيرها في ايام ما لم تتعلمه في سنوات، بينما استعصى على السوريين استيعاب الدروس…! لماذا نحفر بعيدا في استقصاء دور الانقسام الطائفي، نتتبع اثر هذا العامل لمئة سنة، ونترك الوقائع الحية لمئات الالوف من السوريين الذي شاركوا في الثورة ونزلوا الى الشوارع بصدورهم العارية متجاوزين هذا الانقسام وعابرين فوق هذا الوعي البائس، وكيف نأخذ شعاراتهم (واحد واحد الشعب السوري واحد) دليل وحجة على انقسامهم..!
الطائفة ليست مشجب
ان كان لا بد، نعم فلنبق البحصة ونعترف “الطائفية موجودة الان وبقوة”، لكن هي نتيجة لاستنقاع الثورة، وهي نتيجة وليس سببا لفشلها، ولكن مع الاسف اصبحت اليوم كالمشجب نعلق عليها كل اخفاقاتنا، في حين لم تظهر، كملجأ لانحطاط الوعي، الا بسبب وجود مساحة فارغة، نتحمل جميعا -ليست السلطة فقط- مسؤولية وجودها.
والا كيف تمكن السوريين قبل نحو 85 سنة من التوحد خلف رؤية قيادة موحدة فيما عرف بالثورة السورية الكبرى 1925 ضد المستعمر الفرنسي!! بل اكثر من هذا اعتقد جازما ان السوريين قد بذلوا خلال العشر سنوات من التضحيات ما يفوق المطلوب للإسقاط نظام الاسد، فيما لو تم توظيف تلك التضحيات بطريقة صحيحة، والاجدى أن نتحمل مسؤولياتنا بجرأة مهما كان مؤلما هذا الاعتراف، وحتما لن يعيد النواح التاريخ الى الوراء، لكنه قد يجلي ما في العيون.
 المقال منشور في الموقع الالكتروني لمجموعة نواة من أجل سوريا المستقبل

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة