شهادة المواطنة لينا وفائي في أسئلة الثورة السوريّة الملحّة في ذكراها العاشرة

في سورية الآن ثورة مضادّة

بعد عشر سنوات من انطلاق الثورة السوريّة، وبعد ما وصلنا إليه؛ يلحّ دومًا سؤال: ما الذي اخطأنا به وأوصلنا إلى ما نحن إليه؟ وهل كان بالإمكان تغيير المسار والنتائج؟ انطلقت الثورة السوريّة بشكلٍ عفوي وانفجاري، وحملت شعارات جامعة، الحرّية والكرامة، سرعان ما تطوّر الشعار ليصبح إسقاط النظام، إذ أدركت الجماهير الثائرة بعفويتها أن لا إمكانية للوصول إلى الحرّية والكرامة المنشودين بوجود هذا النظام الذي اعتمد الحلّ الأمني منذ البدء، فقتل واعتقل كثيرين. وسرعان ما وجدت الثورة نفسها في مواجهة هذا القمع الذي دفعها إلى التسلّح، وتحوّلت شيئًا فشيئًا إلى حربٍ تداخل فيها الداخل مع الخارج، وظهرت الفصائل الإسلاميّة بتنوّعاتها، المعتدلة منها والمتطرّفة والأكثر تطرفًا، كما تدخلت دول عدّة في الوضع السوريّ، فأصبحت الحرب السوريّة حربًا أهليّةً إقليميّةً دوليّةً مركبة.

إنّ أسباب ما وصلت إليه ثورتنا ليست ذاتية فقط، وإن كانت هناك بعض الأخطاء هنا وهناك، ولم يكن باستطاعتها تغيير مصيرها كاملًا، حيث إنّ مواجهة نظام قمعي وشمولي وانتقامي كهذا، بالطرق السلميّة، أمرٌ صعبٌ بل قد يصل إلى حدِّ المستحيل، والتسلّح دومًا يجلب التدخل الخارجي والدعم المالي للسلاح الذي يأتي مع أجنداته، وفي الحالة العربيّة لن يكون على الأغلب ديمقراطيًا، ولن يكون بالأحرى إلّا إسلاميًّا. ولكن هذا لا ينفي وجود كثير من الأخطاء التي وقعنا بها، كديمقراطيّين، ولو أننا تجنبناها لكان من الممكن أن تخفف قليلًا من المصير الذي آلت إليه الحال.

عقد الديمقراطيون تحالفات لقيادة الثورة، وهذا في المسألة السياسيّة مفهوم وصحيح، لكنّهم ذابوا في هذه التحالفات، ولم يميزوا أنفسهم عن حلفائهم. فدافع بعضهم حتّى عن (جبهة النصرة)، على أرضية أنّ كلّ بندقية في مواجهة الأسد هي خدمة للثورة، متناسيين أنّ هناك دومًا ثورات مضادّة تبتلع الثورة وتحوّلها عن مسارها، وهذا ما حصل في سورية. ففي سورية الآن، ثورة مضادّة تتمظهر في كلّ التنظيمات الإسلاميّة التي ابتعدت عن مطالب الثورة الأساسية، ونظام طغمة كان وما زال يريد عودة الجميع إلى حظيرة الطاعة. لم يستطع الديمقراطيون خلق جسور تواصل بينهم، فغرقوا بخلافاتهم المرحلية دون النظر إلى أنّ ما يجمعهم في المدى البعيد، من رؤية لسورية الديمقراطيّة، سورية الغد، دولة المواطنة الكاملة، هو الأهمّ، وهو ما يجب أن تُسخّر له كلّ تحالفاتهم المرحلية، وقد أدّى ذلك إلى تشرذمهم وتفرقهم. إنّ أربعين عامًا من القمع المعمم أبعد السوريّين عن العمل والفعل السياسي، لذلك وبسبب عفوية وفطرة الشعب السوريّ وعدم خبرته السياسيّة، كان من الأسهل مخاطبته بشعارات عاطفية تمسّ حياته ووجدانه واستغلال إيمانه الفطري، وهذا ما نجح فيه الإسلاميّون، وهو الذي جعل أيضًا الديمقراطيّين أبعد عن الفعل السياسي المباشر، وخلق أمامهم تحدّيات للوصول إلى القواعد الشعبية، وجعلهم أقلّ تأثيرًا، وفي ظلّ تشرذمهم الذي تحدّثنا عنه آنفًا، زادت عزلتهم وضعف تأثيرهم.

خلقت الثورة السوريّة في أعوامها العشر، بالرغم من كلّ الآلام التي مرّت بها، أو بفضل هذه الآلام والتضحيات، خلقت أفقًا مفتوحًا يمكن العمل من خلاله، فهي كسرت مملكة الصمت، ولن يستطيع النظام -بأيّ حال من الأحوال- العودة إلى ما قبل 2011، هذا ما يجب إدراكه والعمل عليه. فيجب استغلال انفتاح الساحة السوريّة على إمكانية العمل السياسي، والعمل على تحالفات بين الديمقراطيّين، قد تكون هذه التحالفات عريضة، ويتم الاتفاق فيها على بنود عريضة فقط، وذات مهام مشتركة محدودة، أو أكثر توافقًا وذات مهام آنية ومستقبلية حتّى الوصول إلى الاندماج بين التشكيلات المتعدّدة. ما زال طريقنا للوصول إلى مطالب الثورة الحقيقة، التي انطلقت ثورتنا من أجلها، الحرّية والكرامة، ما زال الطريق طويلًا، ولا يمكن تحقيقه إلّا بدولة مواطنة كاملة، دولة لكلّ مواطنيها بغض النظر عن العرق والجنس والدين والإثنيّة، دولة ديمقراطيّة فيها تداول سلطة سلمي. ولكن يجب استغلال الصيرورة التي فتحتها ثورتنا، والعمل بكلّ الطرق الممكنة سياسيًّا، عبر القنوات الداخليّة مع الشعب السوريّ، وخارجيًّا مع المجتمع الدولي الذي يمكن أن يدعم مطالبنا هذه، للحصول على كلّ ما يمكن عبر طريقنا الطويل إلى سورية المستقبل.

مركز حرمون للدراسات المعاصرة – 16 آذار/مارس 2021

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة