محمد شلاش في عيون رفاقه

كتب محمد صبحي عن المحامي الذي غادرنا مبكراً محمد شلاش

من الصعب ان تختزل حياة أي شخص بسطور لكنها مجرد إضاءة بسيطة على بعض السمات الأميز لشخص مات في ربيع العمر ولم يسأم تكاليف الحياة، كما يسأمها المعمرون.
ينتمي محمد الشلاش إلى أسرة متواضعة وكريمة وقد غادر هذه الحياة ليترك عائلته ومجتمعه الخاص والعام في دوامة الفقد والفجيعة ذاهلين لهذا الرحيل المبكر عنهم.
وعن سيرة فقيدنا النبيل فقد عرفناه صديقا محبا يحاول أن يشق طريقه في التعليم (مرة أخرى) بعد أن تركه ثم عاد إلى الدراسة لينتسب إلى كلية الحقوق في اواخر تسعينات القرن الماضي.
كان شغوفا بالمعرفة والاطلاع دمثا في أخلاقه وعشرته وهو السبب الذي حول بيته المتواضع في قريته النائية إلى ناد يجتمع فيه أقرانه ومجايليه ليجدوا فيه دفء المشاعر وصدق المحبة وتبادل الأفكار والمزيد من وجهات النظر مهما تباينت.
محب للحوار ، ويكثر من الجلوس إلى الأصدقاء والمعارف، يبادلهم الثقة في وقت تنازعت في مجتمعاتنا دوائر من عدم الثقة وسوء في العلاقات الاجتماعية الناتجة عن التغول الأمني للنظام.
نجح محمد الشلاش -كما سوريون كثر- في اقتحام هذه التدجين المخيف للحالة الاجتماعية. وتملص بذكاء شديد من ذلك التوظيف الأمني المريع، فكلنا يعلم ما فرضه النظام عبر أدواته الأمنية ليجعل من المجتمع قطيعا لاتكاد تشذ فيه أية واحدة عن هذه القاعدة.
تعرف في العام ٢٠٠٥ على وثيقة المبادئ التي اطلقها إعلان دمشق في المحافظة ثم شارك في فعاليات وأنشطة ومنها لقاء (الخراطة) اسم لإحدى الشعاب التي اجتمعت فيها معارضة إعلان دمشق، كان قد دعانا إليه أحد الأصدقاء.
لم يتحمس أبو شلاش كما كنا نناديه للقيادة ولم يحاول الظهور، وفضل أن يعمل بهدوء في كثير من دوائر الثقة التي يحددها هو لاعتبارات أمنية.
واصل صديقنا المتحفز في أي كفاح مجتمعي يمكن أن يخدش الحياء في وجه تلك السلطة المتبلدة التي جثمت على صدور السوريين دون أن يكون مؤطرا.
أصبح فيما بعد متابعا من مفارز السلطة عبر كثير من عيونهم التي كانت تحاول ثنيه عن المضي في معارضتة للنظام دون أن يلقي لها بالا.
جاء العام ٢٠١١ ليزج ذلك الشاب الثلاثيني في أتون الكفاح السلمي العلني ضد النظام وبالشكل العلني والمباشر وخطط مع مجموعة من أصدقاء النخبة بتفجير مظاهرة أولى، تظهر الوجه الحقيقي لمجتمع الرقة حين اعتراه شيئ من الحيف وحين تأخرت المحافظة بإطلاق صيحة الحرية ونجح بقيادة مظاهرة علنية على مرأى النظام ومحازبيه في أول تحد لهم.
كان اول من تم اعتقاله من قبل الأمن السياسي ثم أفرج عنه بعد ذاك وأصبح مقربا من شريحة المحامين التي انتسب إليها حديثا ولم يتوان نشطاء الثورة عن المطالبة بالافراج عنه بالوسائل الممكنة.
لم يستطع محمد الشلاش أن يلغي الحق لفئات واسعة من المجتمع حين لاذوا بشعارهم ونشاطهم الايديولوجي وركبوا ظهر الثورة من اسلاميين وقوميين وشيوعيين وظل يلاطف تطلعاتهم دون أن يكون منهم فحافظ على انتمائه المستقل في الثورة بالرغم من التحديات التي فرضتها الوقائع وما أدت إليه من انحرافات.
و ممازاد من متاعبه أنه كان يعطي الفرصة لكل من حوله وأن التغيير يجب أن يحمله طليعة السوريين المؤمنين بأهمية التنوع والاختلاف ولم يكن يهمل حقيقة أن تلك التنازلات ربما كانت سلاحا ذو حدين، فاتهمه علمانيون بالأسلمة واتهمه اسلاميون بالعلمانية لكنه غير هذا وذاك ولم يكن سوى المواطن السوري الذي كان يسعى لتغيير ذلك الواقع العفن وصولا لدولة المواطنة المتساوية.
انتمى فيما بعد إلى نسق مدني واسع في محافظته ممن يعملون في إطار المجتمع المدني وكانوا سندا له في تطلعاته.
بعد زواجه صحبته في مشوار الثورة أم يم وتفهمت كل هذا الحماس الذي بداخله وقد كونا أسرة لطيفة تليق بحلمه العائلي الجميل.
انتهج في سنيه الأخيرة منهج الانحياز لحقوق الانسان مدافعا ومطالبا بالحل السياسي وعدالته الانتقالية بكونه محاميا من المحامين الأحرار.
أيقن أبو يم بعد مضي عقد على المأساة السورية، باستغراق الثورة السورية بالثورة المضادة التي ابتعلتها بعد أن كادت تغيير النظام.
أسس مع فريقه منظمة بيت المواطنة التي انحازت إلى تنمية المجتمع وتعزيزه بوعي حقوقي وسياسي ومدني وعمل مع فريقه في المنظمة إلى أن وافته المنية على اثر مرض عضال.
افتقده كل من عرفه واعتبره الكثيرون ممن احتكوا معه نموذجا للممارس السلمي في الثورة والمكافح الشرس من أجل حرية كل السوريين والتغيير في سورية.
رحم الله الفقيد وأدامه في قلوب من أحبوه مثالا يحتذى.
٢١-٦-٢٠٢١

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة