صحيفة كوردستان تجري حواراً شاملاً مع السياسي السوري عصام دمشقي
قال عصام دمشقي، وهو الدمشقي المولد 1953 – مهندس كهرباء، وسجين سياسي سابق 1982 الى 2000 بتهمة الانتماء لحزب العمل الشيوعي، وعضو في إعلان دمشق، عضو مكتب تنفيذي في تيار مواطنة منذ 2011 في حوار خاص بصحيفتنا «كوردستان» (يُنشر على حلقتين)، قال إن الانتخابات الرئاسية جرت كما يريدها النظام وباستمرار ملفت لنهج الأسد الأب، وطبلت لها أجهزة إعلام الدولة الروسية ودول مشابهة في أنظمتها، تحتقر الديموقراطية وتتلاعب بها مثل روسيا وإيران، وطبعاً لن نتحدث ذلك الحديث المكرور عن التزييف ابتداء من المرشحين الشكليين.
وبخصوص الحوارات الكردية الجارية حالياً، صرّح السيد دمشقي لصحيفتنا : أن الدور الأكثر أهمية في إنجاح الحوار الكردي- الكردي ثم الكردي العربي لا يزال هو الدور الأمريكي الذي سيكون الضامن لأي اتفاق محتمل، فيما إذا قررت الإدارة الأمريكية إيلاء اهتمام أكبر للوضع السوري.
حول مواضيع عديدة كان هذا الحوار
*لنبدأ حوارنا من شعار مؤتمركم مؤتمر “تيار مواطنة ” نحو جبهة ديمقراطية عريضة ماذا تعنون من ذلك على صعيد التفصيل السياسي؟ و ما هي أهم الخطوات التي عملتم وتعملون عليها من اجل تنفيذ هذا المشروع؟
في مؤتمرنا الأخير ناقشنا موضوع التحالفات من مختلف جوانبه، ورغم الإقرار بوجود الدور السلبي للعوامل الذاتية المعيقة عند القوى السياسية، المتعلق بالنرجسية أو التعصب أو الانتهازية أو دور القيادات…الخ فإننا، من الناحية الرئيسة، ننظر للموضوع بعلاقته بالواقع الموضوعي، بتاريخ وصيرورة الوضع السوري وتعقيداته الخاصة، مع لحظ التغيُّرات الهامة منذ 2011 وحتى اليوم، لذلك فإننا نتفهم حالة التشظي وفشل أو عدم قيام جبهة عريضة ديموقراطية ذات تمثيل وازن في الساحة السورية، وحتى حالة الارتهان غير المقبولة، بسبب ما تعنيه من فقدان استقلالية القرار الوطني، فإنها نشأت على أرضية تقاطع في المصالح مع قوى إقليمية أو عالمية في محاولة للحفاظ على الذات بمواجهة آلة عسكرية محلية وإقليمية ودولية جبارة. هكذا ومن أجل استعادة الشارع للفعل السياسي واستعادة الدور القوى السياسية ونجاح التحالفات، لابد من إنهاء أو انتهاء كل ما يعيق ذلك من عسكرة و أسلمة.
قبل الوصول إلى هذه الحالة، التي غالباً ستفُرَض دولياً، يجب ألا نبقى منتظرين، وبالنسبة لنا يمكننا أن نعمل، وعملنا، على إنجاز تحالفات على ثلاثة مستويات أو دوائر محددة على أساس الرؤية أو البرنامج السياسي: يمكن التشارك مع قوى سياسية مع هامش اختلاف سياسي واسع على أساس هدف عام هو إطاحة أو إنهاء نظام الاستبداد دون التوافق على الأساليب وعلى طبيعة النظام القادم، وبالطبع هذا التحالف تكتيكي، ويمكن أن ينتهي مع بدء المرحلة الانتقالية، ويمكن التشارك بالعمل مع قوى سياسية مع الاتفاق على أساليب النضال مع وجود تقاطع، بدون تطابق بالضرورة، في تصور طبيعة الدولة القادمة.
أما من الناحية العملية فقد عمل “تيار مواطنة” منذ تأسيسه على الاهتمام بموضوع التحالفات، وشارك، في بداية الثورة السورية، بتأسيس ائتلاف “وطن” الذي ضم 16 منظمة صغيرة ذات طبيعة ديموقراطية وطنية أو علمانية، كذلك شارك في “ائتلاف القوى العلمانية” و”التجمع العلماني الديموقراطي” ومع الأسف كل هذه المحاولات انتهت ولم تعد هذه الكيانات قائمة.
كما شارك “تيار مواطنة” في “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة” منذ تأسيسه وحتى عام 2017 عندما انسحب التيار بعد توجيه رسالة تتضمن ملاحظات على أداء الائتلاف، لم يتم الرد عليها وأهملت تماماً. كما شاركنا أيضاً في “اللقاء الوطني الديموقراطي” الذي انتهى مع الأسف إلى منصة حوارية محدودة الفعالية.
حالياً نقيم علاقات حوارية طيبة مع عدة قوى وتحالفات متنوعة فكرياً وقومياً، داخل وخارج سورية ونرجو أن ننجح في تطوير أشكال تحالفية مناسبة معها.
*ما السمات الأساسية والعناوين الظاهرة التي تمر بها سوريا وخاصة بعد مهزلة الانتخابات الرئاسية مؤخراً.
قبل ما أسميته محقاً مهزلة الانتخابات، تم تداول بعض الأخبار عن إمكانية تأجيلها بضغط روسي، أو أن قيامها يشكّل جزءاً من صفقة بحيث تكون جائزة ترضية للأسد مقابل موافقته على تحقيق تقدم ما في العملية السياسية، وربما على الأقل إقامة حكومة وحدة وطنية تشكل الرؤية الروسية البديلة لعملية الانتقال السياسي وفق القرارات الأممية وخاصة 2254 ، وأيضاً قبل الانتخابات تم تعليق بعض الآمال على التقدُّم في عمل اللجنة الدستورية والانتقال إلى النقاش في المسائل الفعلية دستورياً بعد تهرُّب دائم من قبل النظام من مواجهة هذه الاستحقاقات.
لكن الانتخابات الرئاسية جرت كما يريدها النظام وباستمرار ملفت لنهج الأسد الأب، وطبلت لها أجهزة إعلام الدولة الروسية ودول مشابهة في أنظمتها، تحتقر الديموقراطية وتتلاعب بها مثل روسيا وإيران، وطبعاً لن نتحدث ذلك الحديث المكرور عن التزييف ابتداء من المرشّحين الشكليين، ومروراً بعدم تصويت حوالي نصف السوريين في المناطق الخارجة عن السيطرة أو في المغتربات وبرفض حقيقي للانتخابات حتى في بعض المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام، ووصولاً إلى آليات التصويت والتلاعب الذي تم السماح بتسريب بعضه بقصد توجيه الرسائل للأصدقاء والأعداء أن النظام قوي وأنه رغم كل ما يقال عن ضعفه لا يزال قادراً على البقاء في الحكم.
طبعا تم رفض الانتخابات دولياً بشكل واسع بسبب عدم نزاهتها وعدم شرعيتها، وبالتالي لم تحقق أية فائدة للنظام لأنها لن تساعد على تعويمه دولياً كنظام شرعي، ولا على مساعدته في إعادة البناء، وحتى بعض المحاولات الخليجية لتطبيع العلاقات مع النظام ستصطدم بجدار الرفض الأمريكي، وبقانون قيصر، وبعجز النظام مع داعميه على ممارسة سيادته على كامل الأراضي السورية، وأخيراً بالتدهور المستمر في الأوضاع الاقتصادية التي دفعت إلى العلن أشكالاً مختلفة من الرفض والاحتجاج عبر عنها الكثيرون من الموالين وبينهم شخصيات معروفة.
إجمالاً، لن تغير نتيجة “الانتخابات الرئاسية” شيئاً في الوضع السوري، مناطق النفوذ ستستمر كأمر واقع، والوضع الكارثي سيستمر مخيّماً على أهلنا في سورية، بانتظار التواصل التوافق الدولي على حل يبدأ في الشروع بالمرحلة الانتقالية، وحتى تاريخه، مع الأسف، لا يشكل الوضع السوري أولوية لدى الأطراف الفاعلة.
* لماذا أخفقت المعارضة السورية بمختلف أطيافها ومسمياتها من ملاقاة جراح السوريين وطرح مشروع وطني سوري جامع يتحقق فيه طموح الشعب السوري بالتحرر وبناء دولته الوطنية؟
بداية يبدو هذا السؤال وكأنه يوجّهنا للجانب الذاتي من المسؤولية وربما إلى جهات بعينها مثل “المجلس الوطني” أو ” الائتلاف” أو الميليشيات المسلحة، أو ربما إلى تعارضات المصالح الإقليمية والدولية أو المنظمة الدولية، لكن البحث الأعمق يجب أن يتجه نحو الوضع السوري قبل ثورة أو انتفاضة السوريين عام 2011 ثم إلى الفترة اللاحقة من عمر الثورة.
لا يمكن هنا العودة التاريخية المفصلة لشرح الأساس الموضوعي لما نعنيه، ولكن يمكن القول بعجالة أن عدم تشكل الدولة-الأمة السورية ابتداءً من الدولة السورية، كما كانت عليه، بعد الاستقلال عن الدولة العثمانية أو بعد الاستقلال الثاني عام 1946 عن الدولة الفرنسية، هو الأساس في عدم تشكل الهوية السورية، التي تسهّل توحيد السوريين على أساس مشروع وطني جامع.
إن تشكل الدولة-الأمة هو صيرورة تاريخية معقدة وربما يمكن القول إن تطوُّراً تاريخياً طبيعياً ربما كان كفيلاً بخلق مثل هذه الدولة أكثر أو أقل شبها بسورية الحالية، لكن فترات التطوُّر الطبيعية في التاريخ السوري كانت قليلة، وبوصول نظام الأسد الى الحكم في السبعينيات لم يتم فقط قطع مثل هذه الصيرورة بل تم إضافة تعقيدات كثيرة أمامها، من بينها تعقيد القومي- الوطني. وفي حين أن حافظ الأسد اعتمد سياسات براغماتية محلية وإقليمية ودولية سمحت له بحكم سورية لفترة طويلة بل وبتوريثها لابنه من بعده، وهي كلها سياسات تتعلق بالكيان القطري السوري، لكنه على مستوى التوجه والإعلام والتربية كان يروّج للجانب القومي العربي، في الوقت الذي لا توجد فيه أية آفاق لبناء دولة على المستوى القومي، وهذا التوجُّه، رغم أنه لم يكن، ولا يمكن أن يكون فعلياً، لم يسمح للنظام بالتعامل بشكل ديموقراطي مع مسألة الأقليات القومية في سورية، فتعامل مع القضية الكردية مثلاً بتجاهل سياسي واجتماعي وثقافي وبمحاولة إضعاف وإرهاب وتدجين التمثيلات السياسية الكردية واستخدامها في الصراعات الإقليمية.
التعقيد الآخر الذي لا يقلُّ أهمية هو التعقيد الطائفي، من الصحيح أن التنوع الديني والطائفي كان دائماً موجوداً في سورية، ولكنه كان يأخذ شكل تنوع ثقافي واجتماعي، وكانت الأحزاب السياسية ذات التوجهات الإيديولوجية المختلفة تشكل ملاطاُ يخترق المجتمع كله بمختلف أديانه وطوائفه، بالمحصلة لم تتشكل تعبيرات سياسية عن البنى الطائفية أو الدينية، ولم تشكل المسألة الطائفية أو الدينية موضوع انقسام سياسي رغم عدم التشكل الواضح للهوية السورية حينها، ورغم وجود تعبيرات محدودة عن هذه الحالة، وهذا ما فعله نظام الأسد بوصوله للسلطة بتحويل الطائفية إلى أداة لاستمرار الحكم وبربطه للسلطة بطائفة معينة، وبعد الانتفاضة عام 2011 لم يخجل من الترويج لنفسه كحامٍ للأقليات في سورية.
هذا التعامل مع المسألة الطائفية شجّع التطرُّف في الجهة الأخرى عند طائفة الأغلبية، هذا التطرُّف الذي استفاد من “صحوة” المشروع الديني خاصة بعد انتصار “الثورة” الإيرانية، ومن الاحتقان الاجتماعي الذي عاشته طائفة الأغلبية التي يئست من التغيير السياسي، رغم ما هو معروف من أنها كانت الحامل الأكبر والداعم لثورة السوريين السلمية، وهي لذلك دفعت الثمن الأكبر.
أمام هذا الانقسام العمودي والاستقطاب الحاد اجتماعياً وسياسياً تصبح مسألة الاتفاق على المشروع الوطني الجامع معقدة، وتحتاج إلى صبر وجهد كبيرين، وفي الأوضاع الملموسة في سورية، تحتاج أيضاً إلى رعاية ودعم دوليين يخلقان ظرفاً مساعداً بتشجيع عملية الانتقال السياسي، مع ذلك يجب عدم اليأس والاستسلام والعمل من أجل توحد يقودنا إلى سورية الديموقراطية، سورية دولة المواطنة التي تعمل على الوصول إلى حلول ديموقراطية لقضية الأقليات القومية، تقوم على الاعتراف ليس فقط بالحقوق الثقافية بل بالحقوق السياسية.
كل ما ذكر يفسّر عدم وجود جهة معارضة ذات تمثيلية وازنة للشعب السوري، وبنفس الوقت تحمل مشروع الديموقراطية والمواطنة، ورغم ضرورة وجود مثل هذه المعارضة فإن وجودها لا يعني بالضرورة أن تكون مؤثرة وفاعلة، لأن الفاعلية الحقيقية في الوضع السوري هي لمن يملك السلاح على الأرض، ولمن يحظى بدعم دولي أو إقليمي، فالعالم يتعامل مع الوقائع أكثر بكثير مما يتعامل مع البرامج. وهنا نذكر بأن التغيير في عدة دول جرى حتى بدون وجود معارضة منظّمة وموحّدة، ولم يكن برنامجها أو بالأحرى المطلب الأساسي للحراك الشعبي فيها يتجاوز مطلب إسقاط النظام، طبعاً ذلك يرتبط بخصوصيات محلية وإقليمية ودولية.
* معضلة المعارضة السورية ارتهانها شبه الكامل للأجندات التي أمليت عليها سواء من دول الجوار أو الدول الإقليمية أو المجتمع الدولي، لماذا قبلت المعارضة السورية على نفسها هذا الواقع؟
إن فهم وضع المعارضة السورية يحتاج إلى مراجعة وفهم تعقيدات الوضع السوري قبل انطلاقة الثورة السورية ثم تحوُّلها إلى الأسلمة والعسكرة، إثر ما تعرّض له المتظاهرون السلميون من اعتقال وقتل وتعذيب. فالعمل السلمي لا يمكن أن يفلح مع أنظمة استبدادية والأمثلة التي توضع عند نقاش موضوع السلمية يجب بحثها بشكل ملموس، فنجاح غاندي مثلاً لم يكن ممكناً لو تعاملت السلطات البريطانية بأساليب النظام السوري، التغيير في تونس ومصر، طبعاً لسنا هنا بصدد نقاش ما آلت إليه الأمور بعد التغيير. وطالما تحوّل المجتمع نحو العسكرة، كان لا بد من تمويل، وهنا جاء دور التدخلات الإقليمية ثم العالمية التي لم يكن أمام الجيش السوري الحر إلا أن يقبلها، لأن الجيش السوري بقي متماسكاً بسبب طبيعته كجيش في خدمة النظام، وخصوصية السيطرة الطائفية عليه وعلى أجهزة الأمن السورية، فما حصل من انشقاقات كان فردياً ومع بعض الأسلحة والذخائر التي لا تكفي لمواجهة النظام.
كل ما سبق يمكن فهمه وقبوله لكن بالمقابل لم يوجد جيش سوري حر موحّد على كامل الأراضي السورية وبقيادة واحدة، وهو أمر أضعف فصائله أمام الممولين والداعمين وجعل عملية ارتهانه أكثر سهولة، من ناحية ثانية كان التحوُّل نحو الأسلمة أمراً مفهوماً لأن الأكثرية السنية العربية هي التي حملت العبء الأكبر في مقاومة النظام وهي التي دفعت الثمن الأكبر، دون إنكار مساهمة بعض الأقليات القومية مثل الكورد أو بعض النخب العلمانية من الطوائف الأخرى. لكن مشكلة الأسلمة كانت في عدم وجود برنامج وطني يعمق شعارات الحراك السلمي، والأسوأ من ذلك كان دخول فصائل عسكرية مرجعيتها الأساسية دينية، ومشروعها عابر للوطنية السورية وهو بالتالي له ارتباطاته العالمية التي تخدم مشروعه، وقسم هام من هذه الفصائل، ربما هو الأكثر فعالية وقوة كان يحمل مشروعاً متطرفاً طائفياً وإرهابياً.
وإذا تحدثنا عن تنظيمات المعارضة السورية فبعضها بحكم توجهه الإيديولوجي والسياسي، شكّل غطاءً للعسكرة التي تحدثنا عنها أعلاه، وبعضها، أي المعارضة السياسية، الذي عمل انطلاقاً من مشروع وطني ديموقراطي كان ضعيفاُ كإمكانات وكامتداد في الداخل السوري، ولكنه كان أيضاَ مضطراً للعمل وفق ما فرضته أجندات إقليمية وعالمية، أو للعمل بشكل مستقل وبإمكانات محدودة.
طبعاً لا بد من الحديث عن الأدوار السلبية للمعارضة وقياداتها وأشخاصها ومؤسساتها، وعن عدم وجود خبرة العمل التحالفي أو الائتلافي، وعن عدم نضج البنى الداخلية للأحزاب أو المنظمات، أو حتى فساد بعض بنى المعارضة، لكن المحدّد الأساسي لعجز المعارضة هو المتعلق بالظروف الموضوعية المفروضة. وطالما الفعالية الحقيقية على الأرض هي لمن يمتلك السلاح والدعم الإقليمي فإن الخروج من هذه الحالة يحتاج إلى عمل تحضيري دؤوب من المعارضة، ولكنه على الأغلب لن يثمر قبل بدء المرحلة الانتقالية للتغيير السياسي في سورية، وتوفّر هامش حقيقي للعمل الديموقراطي، خاصة وأن الشعارات العامة في الحرية والكرامة، التي أطلقتها الثورة، لم تعد تكفي دليلاً للعمل ونحن بحاجة إلى تصوُّرات واضحة عن سورية الديموقراطية سورية كدولة للمواطنة قادرة على حل مشكلة الأقليات القومية بشكل ديموقراطي.
*هل تتوقع أن يتوفر السلم الأهلي في سوريا بعد كل الفظائع التي ارتكبها النظام في سوريا بحق الشعب السوري ولاحقاً تنظيم داعش والنصرة وكل التنظيمات المسلحة بحق بعضهم البعض، وبحق كل السوريين؟
نعم يحق لنا كسوريين أن نأمل بمستقل جديد لسورية، دولة الديموقراطية والمواطنة ليس فقط لأن ذلك هو مجرد رغبة، بل أيضاً لأن الأوضاع الحالية في سورية لا تتوفر فيها شروط الاستمرار، هي أوضاع عابرة ومؤقتة سواءً من حيث البنية الداخلية المفتقرة للشرعية الديموقراطية أو من حيث عدم حصولها على الشرعية الدولية التي تسمح بعلاقات دولية طبيعية سواء مع الدول أو مع المؤسسات، هذه حالة النظام السوري الذي لم تفلح، حتى الآن، كلّ المحاولات التي تقوم بها روسيا وإيران وبعض دول الخليج، في إعادة إدماجه في المنظومة الدولية، التي وحدها ستسمح بعمليات إعادة البناء لبلد يبدو على حافة الانهيار انطلاقاً من جميع المؤشرات الخاصة بالأداء الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي، أو حتى من حيث إمكانية تعميم سيطرة الدولة الفعلية على المناطق التي هي نظرياً تحت سيطرتها.
من ناحية أخرى، لا تمتلك قوى الأمر الواقع في شرق الفرات، أو في المناطق التي تحتلها تركيا بشكل مباشر، أو التي تخضع لسيطرة” جبهة تحرير الشام” النصرة سابقاً بوجود التنسيق الكامل مع تركيا، لا تمتلك منفردة أو مجتمعة إمكانية التغيير على مستوى الساحة السورية.
إذن طالما هذه الأوضاع هي غير طبيعية، ولا تمتلك مقومات الاستمرار فمن الطبيعي أن نتوقع تغييراً يعود بسورية إلى وضعها الطبيعي، مثلما عادت دول أخرى عاشت حروباً أهلية، ولكن هذه العودة غير ممكنة إلا بعد فترة انتقال سياسي حقيقي بإشراف دولي مباشر، وعملية الانتقال قد تبدأ وفق شروط وآليات دولية، لكنها لن تستطيع التقدم بسورية الديموقراطية إلى الأمام بدون تطبيق آليات العدالة الانتقالية التي يجب أن تشمل المحاسبة على جميع الانتهاكات المرتكبة بحق السوريين ومن أي طرف جاءت، وملاحقة المجرمين محلياً ودولياً.
إن عودة السلم الأهلي لسورية مرهونة بنجاح الانتقال السياسي وسحب السلاح المنتشر واعتبار الدولة ومؤسساتها هي الطرف الوحيد الذي يحق له حمل السلاح، والإفراج عن المعتقلين ومعرفة مصير المغيبين والعودة الطوعية والآمنة للاجئين، وعودة الحقوق إلى أصحابها وإلغاء التغييرات الديموغرافية، ومحاسبة المجرمين وأثرياء الحرب، وفي الوقت نفسه، إشاعة روح التسامُح ورفض العقلية الانتقامية ومعالجة التأثيرات المدمرة التي تركتها السنوات العشر على البنية الاجتماعية السورية، والتشجيع على قبول الآخر المختلف دينياً أو طائفياً أو قومياً.
كل ما سبق ليس رغبة فحسب بل هو أقرب للضرورة، فالشعب السوري خَبِرَ خلال هذه الفترة ليس ممارسات النظام الأسدي الإجرامية فقط بل ممارسات قوى الأمر الواقع الأخرى التي تتراوح بين ممارسات منفلتة لميليشيات بدعم تركي أو ممارسات “جبهة تحرير الشام”، أو حتى بعض ممارسات ال PYD في شرق الفرات التي لم تحقق نموذجاً ديموقراطياً يمكن الاستفادة منه في بناء سورية المستقبل. وهكذا لم يبق أمام السوريين إلا بناء الدولة الديموقراطية التي ترسخ مفهوم المواطنة، وهو وحده الذي سيمكنهم من ترسيخ السلم الأهلي من جديد.
* كيف تقرؤون الحوار الكردي – الكردي حالياً بين المجلس الوطني الكردي في سوريا، وأحزاب الوحدة الوطنية الكردية؟ وآفاق نجاحه وانعكاسه على مستقبل سوريا ؟
لا يمكن أن يجادل أحد في ضرورة الحوار بين جميع القوى السياسية السورية، وفي الساحة الكردية تحديداً هناك أهمية خاصة للحوار بين جميع القوى السياسية الكردية، وذلك انطلاقاً من أهمية الساحة الكردية ودورها الحالي والمأمول في مستقبل سورية، وإن الحوار و‘نجاز تفاهُمات كردية-كردية سيساهم في التوصل لتفاهمات مع بقية القوى السورية.
من اللافت أن أمريكا هي الراعي الرئيس لهذا الحوار بين أحزاب الوحدة الوطنية، التي يقودها الاتحاد الديموقراطي من جهة، وبين المجلس الوطني الكردي من جهة ثانية، وهنا ليست المشكلة في وجود طرف خارجي يشجع الأطراف أو الجهتين على الحوار، إنما في ضرورة أن يكون الحوار نابعاً من وجود قناعات حقيقية بضرورة الحوار انطلاقاً من متطلبات الساحة الكردية خاصة والساحة السورية عموماً.
بالطبع لا يمكن في الأوضاع السورية الملموسة الحديث عن أي عمل يجري دون وجود علاقة بدول إقليمية أوعالمية ولكن، ومن أجل نجاح حقيقي غير مرتبط بظروف أو ضغوطات سياسية عابرة أو مستندة على ضغوط خارجية، لا بدَّ من انطلاق الحوار من وعي الضرورات المحلية والوطنية السورية والانتقال الى الحوار السوري الكردي- العربي.
تشكل تركيا طرفاً فاعلاً وهاماً في إمكانية نجاح الحوار، ليس فقط لأنها داعمة لأحد أطراف الحوار، وإنما وفق تصورها لنتائجه التي قد تعني، في حال إنجاز تفاهم كردي-كردي في الشمال برعاية دولية، وجود أوضاع عسكرية وسياسية تعيق أي عمل تركي عسكري جديد موجه ضد مناطق وجود “قسد”، لذلك هي قد لا تكون معنية بتشجيع الحوار دون ضمان ان تكون نتائجه متوافقة مع مصالحها العسكرية في المنطقة.كما أن الموقف الروسي قد لا يكون معنياً بنجاح الحوار مع المجلس الوطني الكردي أكثر مما هو معني بدفع “قسد” للحوار مع دمشق.
في الوقت عينه، فإن النظامين الإيراني والأسدي حريصان على عدم نجاح هذه التجربة، خاصة إذا تلاها إنجاز تفاهم كردي- عربي، قد يعيق تطوير أو استمرار النفوذ الإيراني الهام شرق سورية، ويزيد من أهمية المنطقة المدعومة أمريكياً، الأمر الذي سيساهم ليس فقط في مواجهة داعش بل في زيادة الضغط على النظام السوري للقبول بالحوار والتسوية السياسية وبدء المرحلة الانتقالية.
في النهاية يمكن القول أن الدور الأكثر أهمية في إنجاح الحوار الكردي- الكردي ثم الكردي العربي لا يزال هو الدور الأمريكي الذي سيكون الضامن لأي اتفاق محتمل، فيما إذا قررت الإدارة الأمريكية إيلاء اهتمام أكبر للوضع السوري، وقد يتوصل إلى تحقيق نتائج هامة عبر التفاهم وربما الضغط على تركيا لتضغط بدورها على حلفائها السياسيين من الكورد والعرب، ولا يغيب عن البال ضرورة تحقيق كل الظروف والشروط المناسبة من قبل “الإدارة الذاتية” و”المجلس الوطني الكوردي” إعلامياً وفي الممارسات الإدارية للتوصل إلى شراكة حقيقية كردية- كردية للتوصل لحلول للمسائل المعقدة المتعلقة بدور “حزب العمال الكردستاني” في منطقة الإدارة الذاتية والدور العسكري للمجلس الوطني والتجنيد الإجباري ومسائل المدارس والمناهج…الخ، والانتقال إلى التطبيق الفعلي للاتفاقات، ثم بعد ذلك العمل على التوصل إلى شراكة كردية- عربية، وأيضاً شراكة مع المكون السرياني الأثوري، الأمر الذي سيكون له نتائج هامة من حيث زيادة فرص الحل السياسي في سورية.
صحیفة كوردستان – ٢ آب ٢٠٢١