عصام دمشقي: نحن مع حق الشعب الكردي في تقريره مصيره في سوريا وتركيا والعراق وإيران
حاوره: عمر كوجري
قال المعارض السوري المعروف عصام دمشقي، العضو القيادي في ” تيار مواطنة” والسجين السياسي لحوالي عقدين من الزمن في معتقلات النظام السوري، في الجزء الثاني من حواره مع صحيفتنا «كوردستان» كنا دائماً في تيار مواطنة، ولا نزال، مع الحق المبدئي للشعوب في تقرير مصيرها، ومنهم بالطبع الشعب الكردي في سورية والعراق وتركيا وإيران، ذلك الحق الذي قد يبتدئ بأشكال من اللامركزية السياسية أو الحكم الذاتي أو الفدرالية وصولاً إلى حق الانفصال وذلك وفقاً للظروف الملموسة جغرافياً وديموغرافياً ، كما فصلناه في وثيقة ” وجهة نظر تيار مواطنة في الفيدرالية” .
وحول رؤيته عن غياب العرب في المشهد السوري، ذكر الأستاذ دمشقي: نعم، اتفق معك تماماً في غياب بل وعجز الدور العربي، وهذا ما كان واضحاً منذ السنة الأولى للثورة السورية حيث، بعد عجز الجامعة العربية، تم تحويل الملف السوري للأمم المتحدة التي هي رغم إصدارها لقرارات أممية كفيلة بحلول مناسبة لكنها كانت أيضاً عاجزة عن إيجاد الآليات المناسبة لتنفيذها بسبب الفيتو الروسي وأحيانا الصيني.
هنا الجزء الثاني والأخير كاملاً من الحوار مع المواطن عصام دمشقي..
*- ماموقفكم من قضية الشعب الكردي في سوريا وتصوركم حول حل هذه القضية وكيف تنظرون الى مطالب الكرد بالفيدرالية أو حتى الانفصال عن سوريا، وتشكيل كوردستان سوريا أو غربي كوردستان، هل ستؤيدونهم.
كنا دائماً في تيار مواطنة، ولا نزال، مع الحق المبدئي للشعوب في تقرير مصيرها، ومنهم بالطبع الشعب الكردي في سورية والعراق وتركيا وإيران، ذلك الحق الذي قد يبتدئ بأشكال من اللامركزية السياسية أو الحكم الذاتي أو الفدرالية وصولاً إلى حق الانفصال وذلك وفقاً للظروف الملموسة جغرافياً وديموغرافياً ، كما فصلناه في وثيقة ” وجهة نظر تيار مواطنة في الفيدرالية” .
فيما يخص الوضع السوري تحديداً لابد من الحديث عن الخصوصية المتعلقة بالوضع الكردي والتي يمكن التعبير عنها بثلاثة نقاط رئيسة أذكرها كما وردت في الوثيقة المذكورة أعلاه:
* إن الجزء السوري من كوردستان الكبرى هو جزء طرفي بامتياز، وهو لهذا السبب غير مقرر وتابع في نهاية المطاف للأجزاء الأخرى المقررة وبخاصة في تركيا والعراق، حيث يتقرر هناك مصير الشعب الكردي بشكل عام وهذا أمر يجب الإقرار به والبناء عليه.
* إن الجزء السوري من كوردستان، أو ما يسميه أهله /روج آفا/ هو جزء مبعثر جغرافيا وسكانيا باستثناء منطقة عفرين المتصلة جغرافيا وسكانيا بحق وليس عبثا أقرت القوة المهيمنة بثلاثة كانتونات، ولما كان الأمر كذلك فإن أي شكل من أشكال الكيان الكردي، يجب أن ينطلق من هذه الحقيقة الجلية، وبما لا يتعارض أبدا مع حقوق السكان الآخرين في هذه المناطق، وبما لا يشكل قفزة في الفراغ وبكلمة مأثورة ” أن يعرف حدوده فيقف عندها”.
* ثمة رفض عنيد وأحمق من قبل الشعوب الثلاثة الأخرى الفرس- الترك- والعرب بدرجات مختلفة إلى حد كبير للاعتراف بحق الكرد القومي مثلهم في ذلك مثل كل الشعوب المذكورة وكل شعوب الأرض في تقرير مصيرهم التكتيكي والاستراتيجي والتاريخي وصولا إلى دولتهم المنشودة، مادام ذلك ممكنا ومادام يحظى بدعم واسع من الكرد أنفسهم. إن الرفض المذكور هو من الخطورة بمكان بحيث يفرض على الكرد – بانتظار نضج الشعوب وتغيُّر الظروف – المزيد من العقلانية والبراغماتية والقبول بأنصاف الحلول المرحلية وفيما يخصنا هنا في سورية وفي تركيا إلى حد كبير، ينبغي تحقيق أو العمل على تحقيق بعض الأمور التي من بينها إيقاف حزب ال PKK العمل العسكري والانخراط من جديد في العمل السياسي مع الحكومة التركية الراهنة ومع أي حكومة أخرى تعقبها، وتحقيق استقلال الفرع السوري الPYD قولا وفعلا، عن جبال قنديل والعمل من قبل الحزبين معاً على دفع المصالحة مع الترك إلى الأمام أو على الأقل إسقاط ذرائع الحكومة التركية والتراجع عن الفيدرالية القائمة اليوم التي هي في ظاهرها فيدرالية جغرافية وفي جوهرها قومية حيث السيطرة الحاسمة فيها للكرد وقواهم العسكرية والسياسية ولهذا، ولأسباب أخرى جغرافية وبشرية وسياسية فإن الفيدرالية المذكورة هي في حاضرها ومستقبلها فيدرالية ملفقة أشد التلفيق وغطاء لمشروع الـ PYD لا يغطي شيئا في الحقيقة، وهي قائمة على لصق المتناقضات والتباينات والاختلافات، وبعيدة كل البعد عن الأصالة الضرورية قوميا أو جغرافيا وقابلة للانفجار في كل لحظة طبقا لمآلات الصراع الراهن في سورية وللمآل الذي ستؤول إليه العلاقة بين الـ PYD والسلطة السورية اليوم المبنية حتى إشعار آخر على الحاجة المتبادلة وضغط العدو المشترك والاستثمار التكتيكي الاجرائي وهو في كل الأحوال شكل من أشكال تحالف المكرهين، وتوزيع الأدوار وتقاسم السلطة بانتظار الظرف المناسب لأحدهما أو كليهما للانقضاض على الآخر. وعلى نقيض هذه الفيدرالية فإن الأخرى المطلوبة والممكنة هي تلك التي ستكون فيدرالية كردية قومية لا جغرافية إقليمية، فيدرالية أصيلة غير كاذبة أو ملفقة مستندة إلى كل الحقائق التي سبق ذكرها وبخاصة حقائق الوجود الكردي العياني في سورية والعدوانية التركية حتى إشعار آخر.
* كيف تنظرون إلى جبهة السلام والحرية؟ وأين موقعكم في المستقبل من هذه الجبهة؟
لقد أولينا في “تيار مواطنة” أهمية كبيرة للتحالفات انطلاقاً من معرفتنا لطبيعة الوضع السوري وتعقيداته، وكان ذلك منذ بداية الثورة السورية، فلم نوفّر أية فرصة للقاء والحوار ومناقشة المشاريع المطروحة وتطوير العلاقات إلى عمل مشترك أو جبهوي عندما تتوفّر الظروف المناسبة، ومع الأسف انتهت تلك التجارب في إقامة جبهات ديمقراطية أو علمانية بالفشل لأسباب لسنا الآن بصدد نقاشها، وأيضاً انتهت تجربتنا بالعمل مع “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة” بعد أن وجّهنا رسالة ضمناها لملاحظاتنا حول تطوير العمل، وتصحيح الأخطاء، والتي كان أهمها ربما هو تحقيق الاستقلالية وعدم الارتهان لأي طرف إقليمي.
ودائماً كنا نعتقد في “تيار مواطنة” أن الظروف الموضوعية على الأرض وفي المجتمع هي التي يمكن أن تؤسّس لقيام التحالفات، دون أن ننكرَ وجود دور للعوامل الذاتية المتعلقة بتركيبة القوى السياسية الداخلية وقياداتها…الخ. وهكذا فالأساس في قيام التحالفات هو الاتفاق على البرنامج أو الهدف والحوامل الاجتماعية والوسائل والحلفاء الخارجيين، ولعقد تحالفات أكثر متانة لابدَّ من الاتفاق على طبيعة الدولة وشكل نظامها السياسي، ولذلك وضعنا ثلاثة مستويات لإمكانية التحالف أولها: الاتفاق البرنامجي الاستراتيجي وصولاً إلى شكل الدولة القادمة، والمستوى الأقل من السابق هو الذي لا يتضمّن الاتفاق الواضح على شكل الدولة القادمة، أما المستوى الأخير والذي قد يكون الأوسع، باعتباره يكتفي بهدف تغيير النظام وترك الاتفاق على المهمات التالية لما بعد ذلك.
التقديم السريع أعلاه لمسألة التحالفات يهدف للقول أولاً أننا نهتم بشكل جدي بالموضوع، وثانياً: أننا ننطلق من الظروف والمتطلبات الموضوعية، ولا نعير أهمية كبيرة للأمور الشخصية، ولأن التحالفات مسألة هامة وضرورية وليست مجرد رسائل إعلامية أو فتح مكاتب أو تشكيل هيئات، لذلك فإننا نبدأ أي علاقة سياسية أو مشروع جبهوي أو تحالفي بنقاش المضمون السياسي والفكري وبكل جدية ممكنة، ونقدّم ملاحظاتنا على أمل التفاعل لمعرفة وتحديد التشاركات التي ستسمح بتحديد مستوى التحالف الممكن، وهذا ما فعلناه في الأشهر الأخيرة، مع ثلاثة قوى أو تجمعات ونحن الآن بصدد الحوار مع قوة رابعة. ورغم أهمية الاتفاق البرنامجي لابد من الأخذ بالاعتبار للقوى المشاركة في أي جبهة من حيث نشأتها وتمويلها وعلاقاتها الإقليمية والدولية ووجودها الفعلي في الساحة السياسية.
فيما يخصُّ “جبهة السلام والحرية”، وكما يحدّد البيان التأسيسي، نجد مساحة كبيرة للتقاطع البرنامجي والسياسي سواء على الأهداف أو على الأساليب، وحتى على شكل الدولة الديمقراطية القادمة دولة المواطنة، الدولة التي تقرُّ بالحقوق القومية للكورد والسريان الآثوريين والتركمان.
أما فيما يخصُّ موقعنا في المستقبل من “جبهة السلام والحرية” فنحن نتابع إمكانية تحول هذه الجبهة إلى جبهة فاعلة ومنسجمة لا تتأثر بالمرجعيات الإقليمية المختلفة الداعمة لمكوناتها، وفي مثل هذه الحالة سنعمل على البدء في حوار جدي من أجل العمل المشترك الذي قد يصل إلى أن يصبح ” تيار مواطنة” واحداً من مكونات هذه الجبهة.
*- ألا تشعر معي أن الدول العربية غائبة كلياً عن المشهد السوري وعدم امتلاكها أي مشروع لحل الأزمة السورية في ظل التواجد التركي والإيراني، والروسي في هذا المشهد وتأثيره العميق فيه ؟
نعم، اتفق معك تماماً في غياب بل وعجز الدور العربي، وهذا ما كان واضحاً منذ السنة الأولى للثورة السورية حيث، بعد عجز الجامعة العربية، تم تحويل الملف السوري للأمم المتحدة التي هي رغم إصدارها لقرارات أممية كفيلة بحلول مناسبة لكنها كانت أيضاً عاجزة عن إيجاد الآليات المناسبة لتنفيذها بسبب الفيتو الروسي وأحيانا الصيني، وبنفس الوقت لم توجد إرادة دولية دؤوبة لإحداث التغيير، رغم تلقّي المعارضة لعدة سنوات دعماً غربياً وأمريكياً.
ويمكن الذهاب أبعد من ذلك للقول أن مشاركة الدور العربي الخليجي ساهمت في تشويه طبيعة وتوجهات الثورة السورية، بدعم القوى الإسلامية المتطرفة صاحبة المشاريع الدينية فوق-الوطنية والتي واجهها المجتمع الدولي وتقريباً قضى عليها مثل داعش، أو التي لا تزال موجودة وتسيطر كقوة أمر واقع في إدلب مثل “النصرة”.
هذا في الوقت الذي يشكّل فيه الدعم الإيراني-الطائفي للنظام الأسدي عاملاً هاماً من عوامل نجاح النظام في حرب الإبادة ضد الشعب السوري، ويشكل التدخُّل التركي، بل الاحتلال، في الشمال السوري تعقيداً إضافياً ساهم أيضاً في تشويه الوضع السوري بتمريره كل أنواع المتطرفين إلى الشمال السوري، إضافة للتعامل من الوضع السوري من منظور معاداة كورد سوريا، وصولاً إلى احتلال عفرين وتهجير أهاليها والاعتداء على حقوقهم.
ولا يبدو أن اللوحة العامة الإقليمية ستتغير في الأمد المنظور، من حيث استمرار الدورين الإيراني والتركي، كلٌّ على طريقته، ومن حيث غياب الدول العربي والذي ربما، لولا الإعاقة الأمريكية، لكان اندفع أكثر في تطبيع العلاقة مع النظام الأسدي، ويمكن القول إن العلاقة الأسدية مع النظام الإيراني لا تزال تشكل عائقاٌ أمام تطبيع العلاقات العربية خاصة، وأن الدور الإيراني استطاع التمدد إلى أربعِ عواصمَ عربيةٍ، كما يتباهى بذلك حكامه.
ورغم ما سمعناه وما نسمعه من وقت لآخر عن مبادرات عربية مصرية أو سعودية وأخيراً أردنية لمحاولة الدفع نحو حل سياسي في سورية، فإن الدول العربية لا تمتلك مفاتيح الحل أو حتى التأثير رغم دعم بعض الكيانات السياسية المعارضة، ولا يتوقع أن يكون هناك دور فاعل لها في الحل السياسية في سورية إلا من خلال وجود اتفاق دولي على الحل من خلال المنظمة الأممية أو من خارجها.
*-هل يمكنكم أن تقدّموا بشكل واضح مشروعكم حول الحل النهائي للأزمة السورية، وكيف تنظرون إلى المعارضة في هذه الحالة في ظل كل هذا الكم من المنصات والأطر غير المجدية في الواقع السوري.
يبدو وصف “الأزمة السورية” غير مناسب للتعبير بدقة عن الوضع في سورية رغم أنه يستخدم دولياً بالقول وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، أن الأزمة السورية من أسوأ الأزمات التي حدثت بعد الحرب العالمية الثانية. مشروعنا للحل النهائي ينسجم مع الحل السياسي وفق قرارات الأمم المتحدة وخاصة 2254، الحل الذي يبتدئ بمرحلة انتقال سياسي حقيقي بجميع تفاصيلها المتعلقة بالعودة الطوعية والآمنة للاجئين،وإعادة حقوقهم العقارية، والإفراج عن المعتقلين ومعرفة مصير المفقودين، وقيام حكومة مؤقتة ذات صلاحيات كاملة تبدأ بمعالجة جميع تبعات الفترة السابقة خاصة الجيش والميليشيات المحلية والأجنبية، والشروع في إجراءات العدالة الانتقالية التي تتضمّن المحاسبة والمصالحة لتحقيق الاستقرار الاجتماعي، ووضع دستور جديد والتحضير لانتخابات ديموقراطية في مناخ من الحريات العامة والحقوق الأساسية لجميع المواطنين انطلاقاً من الحقوق الكاملة للمواطنة لجميع السوريين وحل المشاكل المتعلقة بالحقوق الثقافية والسياسية للأقليات القومية في إطار سورية الموحدة.
أما فيما يتعلق بالمعارضة لابد من اعتبار ظاهرة تعويم القوى والأحزاب والتنظيمات السياسية حالة طبيعية تعبّر عن عمق تحولات المجتمع السوري، وعن افتقاده المزمن لحرية العمل السياسي، طبعاً مع الأخذ بالاعتبار لجميع الأمراض الذاتية لتكوينات المعارضة والتي يبدو أخطرها الارتهان الخارجي. وفي الوضع الحالي فإن دور القوى السياسية عموماً ضعيف وغير مؤثر، باستثناء القوى التي تمتلك نفوذاً على الأرض، وهو غالباً نفوذ عسكري، وحده المناخ الديموقراطي المقبل هو الكفيل بإحداث غربلة طبيعية تؤدي إلى اندماج أحزاب وقيام جبهات وتحالفات أو إلى ولادة تنظيمات جديدة، أو انتهاء تنظيمات، تدرك من خلال علاقتها بالواقع الجديد، أنها تفتقر لمبررات وجود واستمرار الحزب السياسي.
*- اللجنة الدستورية لم تعقد اجتماعاتها منذ عدة أشهر، هل تتأمّل خيراً من هذه اللجنة، وخاصة بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة في سوريا؟
اعتقد أن الملابسات المتعلقة بعمل اللجنة الدستورية ابتداء من العمل عليها كسلة مستقلة عن بقية السلال المتعلقة بالحل السياسي، ومروراً بطريقة تعامل أو بالأحرى تلاعب النظام السوري معها من حيث المشاركة والتمثيل والجدية، ووصولاً إلى التوظيف السياسي الروسي والتركي لها كبديل عن مسار جنيف والمرحلة الانتقالية، رغم الاعتراف نظرياً بالقرار 2254، أمام كل تلك الملابسات، فإن عمل اللجنة هو عمل في الوقت الضائع، ولن يكتسب قيمة أو أهمية إلا في حال التوصل إلى توافق دولي على الشروع في الحل السياسي في سورية، والانتخابات الرئاسية المزيّفة هي أقل أهمية بكثير من أن يكون لها دور في التعامل الجدي مع موضوع اللجنة الدستورية، وكما عبر السيد بيدرسون في حديثه عن اللجنة الدستورية ” الدورة الخامسة كانت فرصة ضائعة وعبارة عن خيبة أمل” وهو قد أكد أيضاً على” الحاجة إلى ديبلوماسية دولية بناءة بشان سورية”. وهناك تحضيرات حالياً للجولة السادسة لهذه اللجنة لا أتوقع أن تترتب عليها أية أهمية ما لم تكن جزءاً من حل سياسي شامل، هو في معظمه ليس بيد السوريين.
*- اجتماعات استانة وسوتشي متكررة ودورية، ولا حل للأزمة السورية. كيف تنظرون لدور هذه الدول في سوريا المستقبل؟
الأطراف الضامنة لمسار استانة وسورية تركيا وإيران وروسيا لها مصالح متعارضة لا تسمح بتقدم حقيقي في الحل السياسي، رغم إقرار هذه الأطراف بالقرارات الأممية المتعلقة بسورية، لذلك منذ الجولة الأولى عام 2017 وبعد خمس عشرة جولة مازال توازُن القِوى العسكري على الأرض، وخاصة في الشمال السوري هو الموضوع الذي يشغل هذه الدول.
وقد تمَّ الترويجُ الإعلاميُّ للجولة الخامسة عشرة التي جرت في شباط الماضي في جنيف باعتبارها ستحقّق تقدُّماً حقيقياَ ولكنها انتهت مثل سابقاتها، وهي قد أتت بعد فشل واضح للجنة الدستورية في اجتماعها الخامس كما صرح بيدرسون، هذا الفشل الذي يعود لعدم جدية النظام السوري في التعامُل مع اجتماعات اللجنة الدستورية ورفضه الدخول في مناقشة المضامين الدستورية، واعتبارها مجرّد طريقة لإضاعة الوقت بانتظار كسب مواقع على الأرض، وعدم المساهمة في حل مشكلة اللاجئين والمعتقلين، في الوقت نفسه، وبسبب تعارُض مصالح الأطراف المشاركة في سوتشي لا يمكن حلُّ مشكلة وجود النصرة في إدلب. وهكذا لا يمكن المراهنة على إحراز تقدم باتجاه الحل السياسي في سورية انطلاقا ً من سوتشي واستانة.
أخيراً يمكن القول أنه ما لم توجد إرادة دولية حقيقية، سواء من خلال المنظمة الأممية أو من خارجها من أجل البدء بالتطبيق الفعلي للقرار 2254، فإن دور الأطراف الضامنة سيستمرُّ في تعقيد الوضع السوري من خلال فرض حلول مؤقتة وتسويات لها علاقة بتوازن القوى العسكري في الشمال السوري، الذي يمكن أن يتغير بين فترة وأخرى ليحقق تقدماً لأحد الأطراف، لكن أي تغير لا يمكن، في ظل التوازنات الحالية، أن يصل إلى حد تغيير كبير أو جذري. خاصة أن أي تغيير هام لابد أن يحظى بالموافقة الغربية، والأمريكية خصوصاً رغم عدم الحضور الأمريكي في سوتشي واستانة إلا بصفة مراقب أحياناً.
*- ما قراءتكم للدور الأمريكي في شمال وشرق سوريا؟ وهل يمكن أن يعاد سيناريو أفغانستان في سوريا؟
بدأ الدور الأمريكي في شمال وشرق سورية من خلال هدف واضح هو هزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية” وقد وجد طرفاً محلياً قوياً يمكن الاعتماد عليه في هذه المهمة هو أساسي “قوات سورية الديموقراطية” التي هي من حيث الحجم والأهمية كردية التكوين مع وجود عربي أقل أهمية، وبعد إنجاز هذه المهمة يتم الحديث عن متابعتها بشكل آخر أي منع إعادة تشكل أو نشاط الخلايا النائمة للتنظيم والتي لا تزال توجد في أجزاء من الجغرافية السورية ليس فقط في شمال شرق سورية بل حتى في مناطق من وسطها وجنوبها.
وقد تمّت إضافة أهداف استراتيحية للدور الامريكي في شمال وشرق سورية أهمها الضغط على النظام السوري لإجباره على الدخول في المفاوضات من أجل التوصل إلى حل سياسي، وحرمانه من الموارد النفطية، وكذلك مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة وعدم السماح باستغلال المناطق الحدودية مع العراق كطريق إمداد لدعم الميليشيات الإيرانية العاملة في سورية ولبنان وربما يرتبط ذلك أيضاً بالضغط على النظام الإيراني في المحادثات المتعلقة بالاتفاق النووي.
وقد طال انتظار مراجعة السياسة الأمريكية لإدارة بايدن في المنطقة التي، حتى الآن، لا تضع سوريا ضمن أولوياتها، ومع ذلك يصعب تصور الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية الذي يحرم أمريكا استراتيجياً من إمكانية التأثير أو ممارسة الضغوط على الأطراف، ويترك الساحة للأدوار الروسية والتركية والإيرانية والتي له، مع كل منها، هوامش اختلاف واضحة ومتدرجة في أهميتها.
مع ذلك، ومن أجل بقاء النفوذ الأمريكي ومساهمته القوية في الوصول إلى الحل النهائي في سورية، لابد أن تدعم أمريكا بشكل فعال عوامل استقرار وتطور منطقة شمال وشرق سورية، سواء من حيث البنية الداخلية التي يجب أن تحل مشكلة الخلاف الكردي- الكردي ومشكلة المشاركة الفاعلة، وليست الشكلية، للمكون العربي وبقية المكونات الأخرى في إدارة المنطقة لتحقيق استقرار سياسي وفعالية سياسية يحولان المنطقة إلى نموذج جاذب وقوي يساهم في تقريب الوصول إلى الحل السياسي في سورية وليس فقط مواجهة” داعش” والنفوذ الإيراني. وبالطبع فإن هناك الكثير مما يجب عمله في بقية مناطق سورية، في شمال غرب سورية لضمان استقرار المنطقة وتأمين احتياجات سكانها وعدم تعرضها لغارات وقصف روسي- سوري ودعم تطوير المنطقة سياسياً بحيث يتم السماح فيها للعمل السياسي والمدني وإنهاء النزاعات المحلية ومعالجة مشكلة وجود النصرة وسيطرتها في إدلب، ومعالجة الوضع في الجنوب.
22 اب 2021 –
|