هل تتحول حرب غزة إلى حرب إقليمية؟

مر أكثر من مئة يوم على اندلاع حرب غزة، الحرب الشاملة التي تشنها إسرائيل على كل سكان غزة، رداً على عملية 7 أكتوبر والتي أطلقت عليها حماس اسمطوفان الأقصى، وما زالت هذه الحرب تطحن المدنيين وتعتمد أسلوب الأرض المحروقة، فدمرت المدن والمشافي، وهجرت سكان غزة وشردتهم، وارتفع عدد الضحايا لأكثر من 26 ألف، هذا عدا عن الجرحى والمصابين. كل ذلك دون أن تصلحتى الآن إلى الأهداف المنشودة منها، فلم يتم القضاء على حماس، ولم يتم استرجاع الاسرى، كما لم يظهر أفق محدد لنهاية هذه الحرب، على الرغم من كل الخطط والمقترحات الدولية.

لم تقف الحرب عند حدود غزة، بل كان لها امتدادات إقليمية، سواءً في شمال إسرائيل أو في اليمن،  فقد هاجم الحوثيون المدعومون إيرانياً السفن في مضيق باب المندب،  الأمر الذي  أثَر على حركة الملاحة البحرية في منطقة البحر الأحمر، ما انعكس بدوره على التجارة العالمية، وشكل نقصاً بالتوريد في دول أوربا، وغلاء أسعار المواد نتيجة تقلص مرور السفن في باب المندب، واضطرارها للتوقف نهائياً أو لتغيير الطريق بالالتفاف حول رأس الرجاء الصالح، الأمر الذي يزيد تكلفة النقل. مما حمل المجتمع الدولي، وبشكل خاص أمريكا وانكلترا للرد في مسعى لحماية الملاحة البحرية، وإن يكن هذا الرد محدوداً لحد الآن.

في الجبهة الشمالية هناك مناوشات لم تصل الى حد الحرب المفتوحة، سواء في الجبهة مع لبنان أو الجبهة السورية، فهناك قصف متبادل، وخصوصاً من الجنوب اللبناني،  وهناك القصف الإسرائيلي على سوريا والذي ازداد بشكل واضح بعد حرب غزة، فقد قصفت إسرائيل مطار دمشق مرات عديدة، وأخرجته عن الخدمة، من أجل قطع امداد السلاح لحزب الله والمليشيات الإيرانية المتواجدة في سوريا، وكان أن اغتالت عدد من القادة الإيرانيين في سوريا، كان آخرهم الخمسة الذين قضوا في قصف حي المزة بدمشق. كما واغتالت قادة فلسطينيين وقادة من حزب الله في القصف على جنوب لبنان، وكان أبرزهم كان القائد الفلسطيني صالح العاروري.

بالمقابل لم تقف إيران والمليشيات التابعة لها وحزب الله مكتوفي الأيدي، فقد كان هناك رد جزئي متفرق ومتباعد على القصف، فقد قصف حزب الله شمال إسرائيل، وقصفت ايران والمليشيات التابعة لها أربيل بحجة وجود إسرائيلين فيها،  وقصفت أيضاً القوات الأمريكية في شرق سوريا. كما دعمت إيران الحوثيين في هجومهم على السفن، ولكن السؤال هل يعني ذلك أن الحرب ستتوسع لتصبح إقليمية؟

 ربما يسعى نتنياهو لتوسيع الحرب، ففي توسعها وبقائها نجاته, إذ من المتوقع محاكمته ودخوله السجن بتهمة الفساد حال انتهاء فترة حكمه، ومن المتوقع سقوط الحكومة والذهاب لانتخابات حال توقف الحرب، فحكومة اليمين المتشدد فشلت في حماية شعبها ووقف هجمات 7 أكتوبر، كما أنها فشلت في استرداد الاسرى، أو في القضاء على حماس وهو الهدف الذي أعلنته لحربها، ولذلك نراه يهرب الى الامام ويسعى إلى توريط الآخرين لضمان امتداد الحرب على الأقل، فامتدادها حتى ولو لم تتوسع يضمن بقاء حكومته. 

ولكن أمريكا اليوم تعارض خيار توسع الحرب، إذ ليس من مصلحتها الآن جرها الى حرب شاملة مع ايران، وهي تدرك أنها ستتورط في هكذا حرب في حال نشوبها، وقد لا تستطيع السيطرة على هذه الحرب إذا اندلعت، ما يشكل خطراً اقليمياً وعالمياً، ولذلك نراها تضغط على اسرائيل كي لا توسع حربها، وتطالب بوضع خطة زمنية لإنهاء حرب غزة، وذلك على الرغم من دعمها غير المشروط لإسرائيل عند بدء حربها، وعلى الرغم من تدخلها بالرد على الحوثيين، ولكن هذا الدعم لم يعد كلياً وغير مشروط مع طول أمد الحرب. وعلى الرغم من خلاف إسرائيل مع أمريكا حول  بعض تفاصيل حرب غزة، فهي أي إسرائيل لا تستطيع معارضة أمريكا والعمل على توسيع الحرب بدون موافقتها.

وكذلك ليس من مصلحة حزب الله ولا ايران شن حرب شاملة في المنطقة أيضاً، وعليه نجدها لا ترد على الهجمات الإسرائيلية الا بهجمات محدودة، وتعلن مرة بعد أخرى أنها سترد في المكان والزمان المناسبين، ويأتي الرد في قصفها لأربيل ولشمال سوريا، أو في دعمها للحوثيين، وبهذا لم تدخل ايران بقواها الذاتية في الرد على إسرائيل، وانما كانت ردودها دوماً عبر القوى والأحزاب والمليشيات التابعة لها، وهي بذلك ترفض التورط في حرب شاملة. 

مما سبق يتضح أن احتمال توسع الحرب وتحولها لحرب إقليمية شاملة هو احتمال شبه معدوم، ولكن فيما إذا حصل وتوسعت الحرب فشملت ايران، فإن الساحة المرجَحة لاندلاعها ستكون الأراضي السوريةللأسف حيث السيطرة الإيرانية على سوريا، وضعف النظام وعدم قدرته على اتخاذ قرار، ومع تحول الساحة السورية الى ساحة تصفية حسابات إقليمية، سيجعلها هي المؤهلة لتكون ساحة الحرب. إلا أنه ليس لروسيا أيضاً مصلحة لتوسع هذه الحرب على الساحة السورية، سيما في ظل علاقاتها وتفاهماتها مع إسرائيل، ومصالحها التي تحرص على العلاقة مع إسرائيل من أجلها، وفي ظل تواجد قواتها في سوريا والخوف من التورط في هذه الحرب إذا انجرت اليها قوى عسكرية أخرى، كالأمريكية مثلاً، وهو الذي لا تريده ولا تستطيع تحمل أعباءه مع انخراطها في الحرب الأوكرانية، والحديث عن إمكانية تحول حرب غزة الى حرب عالمية ضرب من المستحيل،  فكلما يعلم أنه على الرغم من مرور أكثر من عامين على حرب أوكرانيا لم تتحول الى حرب عالمية، ما يؤكد أن توسع الحرب هو احتمال شبه معدوم.

وكان أن ظهرت مؤخراً عديد من المحاولات لوقف هذه الحرب، ومنع توسعها، ومنها خطة ال 90 يوماً لإنهاء الحرب والتي أعلنت عنها صحيفةوول ستريت جورنال، والتي تقضي بعمل متبادل على خطوات لإطلاق الاسرى من الجهتين ووقف العمليات العسكرية حتى خروج القوات الإسرائيلية بشكل كامل من قطاع غزة،  هذه الخطة التي اطلقتها أمريكا مع قطر، مع رفض كل من حماس وإسرائيل لها. 

وقدم الاتحاد الأوربي خطة لوقف الحرب على غزة، تتضمن تنفيذ حل الدولتين، بشرط إصلاح السلطة الفلسطينية، وإجراء انتخابات لوصول قيادة جديد، وهو ما يبدو صعباً في ظل التدخل العسكري المتكرر لإسرائيل في الضفة الغربية وهجومات المستوطنين فيها، وفي ظل استمرار حرب غزة.

حتى الآن لم تنجح مساعي وقف الحرب في ظل التعنت الإسرائيلي، وفي ظل مصلحة نتنياهو وحكومته باستمرارها كما ذكرنا سابقاً، وايضاً في ظل قدرة حماس، على الرغم  من الحصار والإمكانات الضعيفة، على الصمود والاستمرار بالقتال.  

قد يكون للحرب الموسعة دوراً في الحد من النفوذ الإيراني في المنطقة، ولكنها كما ذكرنا احتمال شبه معدوم. وعليه ستستمر حرب غزة مع حماس، ومع مناوشات محدودة في سوريا ولبنان ومضيق باب المندب من وكلاء ايران في المنطقة، ولن يحقق أي طرف منها أهدافه، فلا إسرائيل ستستطيع انهاء حماس، وإن حدَت من قدراتها، ولن تستطيع استرجاع الأسرى جميعهم أحياء، فقد قضى العديد منهم بالنيران الصديقة، أثناء القصف الإسرائيلي لغزة. ولن تستطيع المناوشات في الشمال انهاء الوجود الإيراني في المنطقة، وقطعاً لن يستطيع أي طرف مقاتل التأثير جدياً على الوجود الإسرائيلي. 

تنتهي كل حربعادةبمفاوضات سياسية، فهل سيستطيع الفلسطينيون قطف ثمار الصمود الذي صمدته غزة؟ وهل سيستطيع المجتمع الدولي فرض حل الدولتين؟ ذلك مرهون بعدة عوامل، منها قبول حماس بأن تكون السلطة الفلسطينية هي الطرف المفاوض، ومنها أن تكون هذه السلطة على الأهلية اللازمة للدخول في المفاوضات، ومنها أن يستطيع الغرب فرض هذا الحل على اسرائيل بعد تغيير حكومة اليمين الرافضة لحل الدولتين. 

تيار مواطنةمكتب الاعلام 

26 كانون الثانييناير 2024 

Loading

الكاتب wassim hassan

wassim hassan

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة