هل جاء مؤتمر أستانا الحادي والعشرين بجديد؟

Russia Says Will Host Putin-Erdogan-Rouhani Summit Early 2019 - I24news

عُقد في العاصمة الكازاخستانية نور سلطان يومي 24 و 25 من كانون الثاني الماضي، مؤتمر أستانا بنسخته الحادية والعشرين، والذي يتضمن مشاركة الدول الثلاث روسيا وتركيا وإيران المعروفة باسم الضامن، وبحضور ممثلين عن المعارضة السورية والنظام السوري، فيما اقتصرت مشاركة “الأمم المتحدة” والعراق والأردن ولبنان على دور المراقب.

وبالعودة إلى مسار أستانا الذي انطلق عام 2017، والذي كان من نتائجه ما يعرف بمناطق خفض التصعيد، والتي لا يمكن نكران أهميتها في تخفيف العنف الواقع على السوريين المدنيين في تلك المناطق، ولكن في الوقت نفسه شكّل هذا المؤتمر مساراً موازياً أو بديلاً لمسار جنيف، كما أنه ساهم في فقدان فصائل المعارضة السورية العسكرية للكثير من مناطقها، وكان له الدور الأكبر في تجميع المعارضة، التي تطغى عليها الصبغة الدينية الراديكالية، في محافظة إدلب، وبالتالي تعزيز هيمنة الدور التركي في الملف السوري، الأمر الذي تم من خلال ممارسة الدور الأكبر في التأثير على المعارضة السياسية -الائتلاف السوري المعارض- وبالطبع فإن المؤتمر منح النظام السوري أيضاً قوة أكبر وعمراً أطول، حيث انبثق عن هذا المسار ما يعرف باللجنة الدستورية التي إلى الآن لم تستطع التقدم أو تحقيق أي شيء في مجال عملها، سوى إغراق العملية السياسية بالمزيد من التفاصيل.

يأتي مؤتمر أستانا في ظل وضع سياسي إقليمي ودولي شديد التعقيد، فالعملية السياسية المتعلقة بسوريا شبه مجمدة منذ عدة سنوات، خاصة بعد جائحة كوفيد مروراً بالأزمة الأوكرانية، والآن عودة الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني إلى الواجهة، مضافاً إلى كل ذلك، التوتر الإيراني – الأمريكي، كما يأتي هذا المؤتمر بعد فشل التطبيع العربي مع النظام السوري رغم استعادة الأخير مقعده في الجامعة العربية العام الفائت، هذه الخطوة العربية، التي كانت أحد الأهداف المعلنة للتطبيع العربي، هدفت إلى إضعاف العلاقة القوية، بين النظامين السوري والإيراني، لكنها انتهت إلى لا شيء، حيث أن العلاقة بين هذين النظامين أكثر عمقاً وقوة مما قد تبدو عليه، أقل دلائله ذلك الدعم الإيراني لهذه السلطة بدءاً بالمال وليس انتهاءً بالمقاتلين.

عن نتائج المؤتمر يمكن  الحديث عن إيجابية تثبيت دور الأمم المتحدة  فقد جاء بيان الأطراف المشاركة متضمناً التمسك بدور الأمم المتحدة في التسوية السياسية في سوريا، وهو أمر ليس جديداً في جميع الأحوال، مما يعني وجود اعتقاد لدى هذه الدول أنها غير قادرة على إنجاز الحل السياسي وحدها، فهي تدرك أن إنهاء مسار العمل العسكري قد يكون أقل تعقيداً من تحقيق التسوية السياسية التي هي بحاجة إلى المجتمع الدولي لإعادة اللاجئين وإعادة الإعمار، كما تضمن البيان أيضاً الدفع نحو التطبيع بين أنقرة ودمشق، فالغزل السياسي بينهما كان قد سبق هذا اللقاء، وفي الوقت الذي تذهب فيه تركيا إلى ضبط تدفق اللاجئين من الشمال السوري إلى أراضيها، تقوم باستهداف مناطق شرق الفرات الخاضعة للإدارة الذاتية، الأمر الذي لا يزعج السلطة السورية أو الروسية، بل يختصر على السلطة عملية إضعاف تلك الادارة، وحيث وردت في البيان إشارات مباشرة لوصف تلك الإدارة بالإرهاب، وهو خطاب شبه متفق عليه بين الأطراف الموجودة في أستانا، أما الحديث في البيان عن خروج القوات الأجنبية من سوريا فالمقصود به طبعاً هو القوات التابعة للتحالف الدولي والولايات المتحدة الأمريكية وهنا ربما تكمن المفارقة، فإذا كان وجود القوات الروسية والإيرانية يعتبر “شرعياً” وقد حصل بناء على طلب النظام السوري، فليس الوجود الغربي فحسب بل الوجود التركي وفق هذا المعيار يعتبر غير شرعي.

 السلطة السورية مازالت كما كانت في تعنتها ونمط ومضمون خطابها: ”الحل السوري-السوري وعلى الأراضي السورية“، أي فعلياً الحل الذي  يريده النظام ويفرضه على المعارضة، فيما جاء تصريح المعارضة -التي كان مطلبها قبل 13 عاما إسقاط النظام- متواضعاً: ”ما يهمنا هو حماية أهلنا المدنيين في إدلب“، وهذا ما جاء على لسان أحمد طعمة . مما يوحي وكأن مهمتها -المعارضة- باتت فقط الدفاع عن مناطق نفوذها وأن كل ما يجري تثبيت تقسيم الأمر الواقع. أما في ملف المعتقلين والمغيبين، وهو الملف الذي تحاول هذه الأطراف الاستحواذ عليه أيضاً، فإنها تتحدث باستمرار ضرورة الكشف عن هوياتهم، مع تعميم التعمية على جميع الأطراف دون أي إدانة واضحة للسلطة السورية أو محاولة الضغط عليها للكشف عن الأرقام الحقيقية للمعتقلين لديها باعتبارها صاحبة السجل الأفظع كماً ونوعاً بين أطراف الصراع الأخرى.

نحن في”تيار مواطنة”، مازلنا نؤكد على ضرورة التمسك بمسار جنيف والقرار 2254، على الرغم من طول مدة الصراع في سوريا وتعقد الحل في ظل الصراع المحتدم بين الطرفين الأساسيين الأمريكي والروسي، وهما القادران على فرض وتحقيق الإنتقال السياسي، برعاية الأمم المتحدة، وهو -أي الانتقال- الحل الوحيد الذي يضمن تسوية سياسية تقود إلى التغيير الآمن في سوريا، وأن أي محاولة للحل خارج هذا المسار لا يمكن أن تضمن للسوريين حقوقهم واستقرارهم ومستقبلهم.

تيار مواطنة – مكتب الاعلام – 3-2-2024

Loading

الكاتب wassim hassan

wassim hassan

مواضيع متعلقة

1 تعليق على “هل جاء مؤتمر أستانا الحادي والعشرين بجديد؟”

  1. نزار فجر بعريني .

    في تقيمه لرؤيتكم حول ضرورة التمسك بمسار جنيف ،الذي بات تاريخيا سيء الصيت ، يجد القاريء نفسه أمام تفسيران:
    إمّا انّكم تعيشون في عالم خاص( كما كنتم سابقا في صفوف التيارات اليسارية )،مفصولين عن حقائق الصراع، وما انتجته حروب تقاسم الحصص بين ٢٠١٥- ٢٠١٩ من وقائع سيطرة جيوسياسية، تبلورت في أربع سلطات أمر واقع، تعمل التسوية السياسية الأمريكية على تثبيت وقائعها ، من خلال تأهيل متزامن لتلك السلطات، وسلطة دمشق الشرعية ، وعبر مفاوضات تحفظ حصص الجميع .. وقد وصلت الى درجات متقدمة على جميع المستويات والصعد ، بمشاركة جميع سلطات الأمرالواقع والنظام السوري ، ومشاركة روسيا وإيران وتركيا…وبالتالي تجعل من تطبيق مسار جنيف استحالة ….
    وامّا ، تعرفون ما يحصلون..وتغطون على الجريمة ، التي تتناقض في السياق والصيرورة مع ما دعى إليه القرار ٢٢٥٤…
    وفي كلا الحالتين ، ليس في وعيكم وسلوكم ما يفيد النضال الديمقراطي الوطني …أو يقدم وعيه الموضوعي…
    ليس مستغربا، والحال هذه أن لاتدكوا طبيعة طبيعة أهداف مسار آستنة، الذي انتهت مهمته عمليا في نهاية ٢٠١٩، والتي تمحورت حول إعادة توزيع الميليشيات التي كانت تقاتل ضد النظام ، بما يتوافق مع هدف إعادة تقاسم الحصص- هدف الحرب الرئيسي التي اطلقتها واشنطن وموسكو بعد تدخل جيوشهما ٢٠١٤- ٢٠١٥، ونتج عنها الحصص التي تبلورت في نهاية ٢٠١٩.
    من الأفضل لكم ، والقضايا النضال الديمقراطي الوطني، أن تعيدو النظر في قراءتكم لطبيعة مشروع الخَيار العسكري الطائفي، ومعرفة طبيعة مراحله، خاصة الأخيرة، التي يشكّلها مسار التسوية المستمر منذ مطلع ٢٠٢٠، ويتناقض مع مسار جنيف والقرار ٢٢٥٤، لأنه لايعمل على إعادة إنتاج نظام سوري توافقي في دمشق ، بل على شرعنة وجود ، وتثبيت حصص نتائج حروب ٢٠١٥- ٢٠٢٠، والتي يأتي في مقدمتها حصة السلطة السورية وعرّابها الإيراني.

التعليقات مغلقة