اجتماع الدوحة بين الواقع والمتوقع
سبق وأن اجتمعت المعارضة السورية، بكافة تلاوينها، عشرات المرات على مدى ما يزيد عن العقد، وقد تباينت أهمية هذه اللقاءات تبعاً للسياقات التي أتت خلالها؛ فمنها ما كان مصيرياً على تطور الوضع السياسي للمعارضة، كمؤتمر القاهرة الذي حضرته عدة أطياف معارضة ومنها خاصة المجلس الوطني وهيئة التنسيق في تموز 2012، واجتماعات الرياض 1 و2، ومنها ما لم تكن نتيجته أكثر من تكريس الواقع والمراوحة في المكان.
في كل الظروف تبقى هذه اللقاءات مدعاة للاهتمام والترقب، لأكثر من سبب، يأتي على رأسها اختبار أو معرفة مقدار الجدية التي تبديها الدول الراعية وأطياف المعارضة المشاركة، وواقعية التوصيات ومخرجات اللقاء.
في هذا السياق يمكن قراءة اللقاء القادم في 5- 6 شباط/ فبراير في العاصمة القطرية، الدوحة، الذي دعا إليه رئيس الوزراء السوري المنشق عن النظام “رياض حجاب”.
لا يبدو أن هناك متغيرات نوعية في الوضع السياسي السوري عموماً، تسبق الاجتماع، بل لا تزال تسود حالة من الاستنقاع العام في جميع المسارات، السياسية والعسكرية والاقتصادية منذ قرابة ثلاثة أعوام، ظهرت خلالها مفاعيل السياسة الروسية في تثبيت سلطة الطغمة بجلاء، بعد التسويات التي أخرجت جميع الفصائل إلى مناطق إدلب وشمال وغرب حلب، كما تكرست كارثية تأثير مسار أستانة- سوتشي على مستقبل الحل السياسي المستند إلى الشرعية الدولية وبيان جنيف الأول، ويمكن أن نضيف إلى حالة العطالة السائدة، فشل الاجتماع الأخير للجنة الدستورية ومناداة بعض الأنظمة العربية بالتطبيع مع النظام.
إذن، لا يبدو اللقاء المذكور تتويجاً لحراك سياسي واضح وفاعل، لكن التحضيرات والدعاية التي سبقته، خلال عام تقريباً، جعلت اهتمام المراقبين ينصبّ على ما يتسرب من لقاءات للسيد حجاب أو على تصريحاته الإعلامية، سواءً مع وزير الخارجية التركي “جاويش أوغلو” أو مع قيادات الائتلاف الوطني وغيره من شخصيات سياسية بارزة، وجميع ما تسرب حتى الآن لا يوضح الأهداف الحقيقية، التي يقوم عليها هذا اللقاء والمفترض إدراجها على جدول أعمالها المقدم للرأي العام، أو حتى الغرض القريب والبعيد من عقده. وجلّ ما تسرب حتى الآن أنه لقاء ستحضره مراكز بحوث وشخصيات وقوى، ستخوض مشاورات ونقاشات تحت عنوان أو شعار “سوريا إلى أين” على مدى يومين وخلال 8 جلسات.
أيضاً، وحول القوى والمراكز والشخصيات المدعوة، لم تصدر حتى الآن أي لائحة موثوقة، لا بل إن السيد حجاب سارع إلى نفي صحة اللائحة التي سربتها بعض المواقع، والتي تضم غالبية ساحقة من شخصيات الائتلاف والمجلس الوطني والمجلس الوطني الكردي وهيئة التنسيق وبعض الشخصيات المستقلة المعروفة. فهل سنتعرف على المشاركين فقط بعد انعقاد اللقاء؟ وما الغاية من إغفال الأسماء؟ أغلب الظن أن معظم أسباب هذا الغموض تعود إلى عدم رغبة القائمين على هذا “المؤتمر” أو بالأحرى “الورشة” الإعلان عن برنامج عملهم وبالتالي عدم رغبتهم تقديم الإجابة للرأي العام على الأسئلة الرئيسية التالية:
- لماذا هذا اللقاء؟
- لماذا هؤلاء المشاركين؟
- ما هي المخرجات المتوقعة لهذا اللقاء؟
- كيف سيعمل اللقاء على تنفيذ مخرجاته؟
- كيف سيقنع اللقاء المجتمع الدولي بقيمة مخرجاته، بحيث يقبل أو يوافق الأخير على اعتبار اللقاء شريكاً محتملاً ومساهماً في تحقيق تلك المخرجات؟
قد يبدو غريباً مطالبتنا أن يكون لهذا اللقاء مخرجات تستحق عناء التحضيرات لعقده، لكن الاستغراب يزول عندما نعلم أن هناك دولة وراءه، وليس قوة سياسية أو منظمة مجتمع مدني.
يبدو مما تسرب حتى الآن أن التحضيرات كانت جارية على قدم وساق، وأن فكرة اللقاء كانت باتفاق السيد حجاب والخارجية القطرية بعد سنوات من التراجع الملموس للدور القطري ولدور السيد حجاب بعد مؤتمر الرياض 2017. وقد لا يبدو للبعض غريباً هذا الظهور المفاجئ لهذين الطرفين، لكنه بلا شك قد أتى في وقت غير متوقع، فلا تطورات ولا حراك في المسار السياسي يدعو لعقد هذا الاجتماع، بل وأكثر من ذلك، لهذا الحشد والتحضيرات غير المعلنة، أم أنه يخبئ لنا مفاجأة ما؟
من جهتنا، لا نتوقع من هذا الاجتماع أي مفاجأة، مهما تكن محدودة، بل ربما ستتكرر سيناريوات اللقاءات السابقة، خاصةً إذا صدقت قائمة المشاركين التي تناقلتها بعض المواقع، كلياً أو جزئياً، ولا نتوقع أن يشكل هذا اللقاء أي انزياح عن المعهود في سياسية الأطراف المشاركة في الائتلاف وهيئة التنسيق. أكثر من ذلك ستعيد هذه الأطراف التشديد على ثوابت مكررة مثل وحدة سوريا أرضاً وشعباً والتمسك بالحل السياسي ومحاربة داعش وحزب العمال الكردستاني PKK.
وستظهر الخلافات مجدداً حول القضية الكردية وحول المركزية واللامركزية وحول الفصائل المسلحة وحول الاحتلالات (المقبول منها والمرفوض)، لكن جميع المشاركين سيتفقون على محاربة PKK وعلى إخراج المحتلين وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية.
مع اعتقادنا، في تيار مواطنة- نواة وطن، أن هذا اللقاء لن يشكل انزياحاً ولن يقدم جديداً للوضع السوري المتدهور على كل الصعد والمستويات، لكننا لا نرى مشكلة في عقده وخصوصاً لتوضيح الموقف القطري ومواقف الواجهات السياسية المدعومة تركياً وقطرياً من مجمل القضايا المطروحة الآن، وبعيداً عن المواقف المرتجلة من بعض شخصيات الائتلاف أو غيره. ننتظر أن نرى معالجة هذه المجموعة المهمة من السياسيين والمراكز البحثية لهجوم داعش الأخير على سجن الصناعة وموقفهم من دعوات قسد لحوار مع المعارضة في غرب الفرات.. باختصار، نحن ننتظر أن نفهم الكثير من خلال متابعة هذا اللقاء، على الرغم من أننا لا نرى أن بمقدوره أن يشكل منصة مشتركة للمعارضة السورية على أساس من التوافق، ليس فقط على المستقبل الديموقراطي لسورية، بل أيضاً حول الهوية الوطنية ورفض التطرف والإرهاب والالتزام بالمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وحقوق الأقليات القومية.
تيار مواطنة- نواة وطن
المكتب الإعلامي 29 كانون الثاني/ يناير 2022
Nezar Baarini
قراءة شاملة ، وضعت الحدث في السياق العام لدور المعارضة التركية / القطرية .
اعتقد انّه من الموضوعي ان نضع لقاء الدوحة في اطار جهد تركي لتحشيد اوراق قوّته السورية ، في سياق مواجهة استحقاقات صفقة إقليمية ،ترتبط بمواقع الصراع في شمال ، شمال شرق سوريا ، وفي ادلب؛ على غرار ما تقوم به قسد ، النظام ، وروسيا ، بادوات مختلفة .
مودّتي واخترامي.