التمثيل السياسيّ الفاعل للنساء – لينا وفائي

صعوبات وتحديات

مقدمة

ناضلت الحركات النسويّة عبر العالم طويلاً، من أجل حقّ المرأة بالمشاركة السياسية، والوصول إلى مراكز صنع القرار. وكانت الكوتا بنسبة ٣٠٪ على الأقل أحد أهمّ مطالبها. (برز هذا المفهوم بقوّة في مؤتمر بيجين عام ١٩٩٥، الذي حرص على أن تكون الكوتا النسائي إحدى توصياته، إذ طالب بضرورة تعزيز تمثيل المرأة في برلماناتها الوطنية بنسبة ٣٠٪وأكثر، من أجل تفعيل دورها في التشريع وسن القوانين). فهي بذلك تضمن تواجد النسوة ضمن الأجسام السياسيّة. ولكن هل ينتهي نضال النساء بالدخول إلى الجسم السياسيّ، أم أن مصاعب جديدة ستظهر حينها؟.

لقد حصلت المرأة السوريّة على حقّ الانتخاب عام ١٩٤٩، وعلى حقّ الترشّح عام ١٩٥٣. وقد بلغ عدد النساء في مجلس الشعب السوري ١٣٪. ولكن هل كان هذا التمثيل حقيقياًّ وفاعلاً؟.

في ظلّ الدكتاتوريات كان كلّ تمثيل ـ سواء كان ذلك للرجل أم للمرأة ـ هو تمثيل غير فاعل بالضرورة، إذ إنه يخدم مصلحة الحاكم فقط، ويأتمر بأمره، لذلك فإن هذا التمثيل للمرأة السورية، هو أيضاً غير فاعل لأسباب مزدوجة، تتعلق بنوعها الجندريّ، وبطبيعة نظام الحكم في سوريا.  فكان “خروج المرأة من الحياة السياسيّة مثلها مثل جميع المواطنين، الذين بات وجودهم شكليّا في جميع السلطات التشريعية، والتنفيذية، والقضائية الخاضعة أصلاً للطغمة الحاكمة”. لذلك سيقوم هذا البحث بدراسة إشكاليّة التمثيل الفاعل للنساء في التعبيرات التي ظهرت بعد انطلاق الثورة السوريّة.

شاركت المرأة في الثورة السوريّة حال انطلاقاتها، كما حال كلّ ثورات الربيع العربي، فكانت بين المتظاهرين، وشاركت في تشكيل التنسيقيات وقيادتها أيضاً، لجان التنسيق المحلية نموذجاً. لكن سرعان ما انحصر دورها في العمل الإغاثي، وخصوصاً بعد توجّه الثورة السورية للعسكرة، إذ لم تجد النساء مكانها بين صفوف العسكر، وتمّ إبعادها عن مراكز صنع القرار، وعن التشكيلات السياسيّة التي برزت بعد الثورة.

واجهت المرأة السوريّة صعوبة بالتواجد في كلّ التشكيلات السياسية، التي ظهرت بعد الثورة السوريّة، سواء منها الأحزاب والتيارات، أم التشكيلات الممثِّلة للثورة، من هيئات وائتلافات ومؤتمرات للمعارضة. فجميع هذه التشكيلات لم يكن في نظامها الداخلي بند لكوتا نسائيّة، أو أنها لم تلتزم بهذا البند. ولكن الصعوبات لم تنته بدخولها للجسم السياسي، بل ظهرت صعوبات وتحديات جديدة، تتعلق بقدرتها على تواجد فاعل وحقيقيّ، تستطيع من خلاله تأدية دورها كاملاً.

تتعلّق الصعوبات التي تواجهها المرأة أثناء عملها السياسيّ بعدة عوامل؛ منها محاولة تهميشها داخل هذا الجسم، والحدّ من قدرتها على الفعل. ومنها أسباب تتعلّق بحياتها الشخصيّة الأسرية، وبنظرة المجتمع المحيط لها كامرأة سياسية. أو بالتشهير بها كأنثى، كما تتعلّق بقدراتها المعرفيّة وإمكانية تطويرها.

أهمية البحث

تشكّل الكوتا وسيلة لدخول النساء إلى الجسم السياسيّ، وتكتسب بذلك أهمية كبيرة، لأنها تفتح الباب لهن للتواجد، ولكنها بحدّ ذاتها ليست هدفاً، “الكوتا وسيلة وليست هدفاً”. فقد تحمل الكوتا نساء مطواعات، يتمّ اختيارهن حسب الولاء، أو قد تحمل نساء يستخدمن كزينة فقط، دون أيّ دور حقيقي. ولكن من المؤكد أنّ النساء، حتى لو كن يمتلكن الكفاءة اللازمة، سيواجهن صعوبات جمّة لأداء دور فاعل. وحرصاً على تواجد حقيقيّ للنساء، تواجد يكون أولى الخطوات نحو تغيير حقيقيّ، ولأنه لا يمكن الوصول إلى الديمقراطية، وإلى دولة المواطنة الكاملة المتساوية للجميع، بغض النظر عن الجنس والعرق والدين والإثنية، -الدولة التي تحقّق شعارات الثورة الأولى، من الحرية والكرامة للجميع-، بدون دور فاعل للنساء. فقد حاول البحث دراسة هذه الصعوبات والوقوف عليها من خلال تجارب بعض النساء، سعياً لإيجاد حلول تساعد على تذليلها والحدّ من تأثيرها.

منهج البحث

يعتمد البحث المنهج الوصفيّ التحليليّ، عبر مقابلات معمّقة مع نساء، كان لهن تواجد في العمل السياسيّ. ولأن الصعوبات التي تواجهها النساء تتشابه رغم اختلاف الإيديولوجيات والمرجعيات الثقافية، ولكنها تختلف أيضاً بسبب هذه الاختلافات أحياناً. وقد تمّت مراعاة محاولة الإحاطة بتجارب متنوّعة، فكانت العيّنة ممتدة على كامل التراب السوريّ وفي الشتات، وتحت سيطرة قوى أمر واقع مختلفة، ومن خلفيات سياسيّة وثقافيّة مختلفة، ومن أعمار مختلفة (أسماء المشاركات في نهاية البحث).

حاول البحث تسليط الضوء على المشتركات في معاناة النساء السياسيّات، ولكنه أيضاً سلط الضوء على خصوصيّة بعض الحالات، التي تنبع من خصوصيّة المنطقة، أو الفكر الأيديولوجي والثقافي.

أسئلة البحث

قسم البحث الصعوبات التي تواجهها النساء أثناء عملهن السياسي إلى عدّة محاور، وذلك بهدف تسهيل البحث عن الأسباب، رغم تداخل المحاور مع بعضها.

المحور الأول؛ تناول التهميش الذي تتعرّض له النساء ضمن الجسم السياسيّ، بناء على نوعهن الجندريّ، وهل استطاعت النساء تأدية دورهن، أو أن الأعمال التي كُلِّفن بها، كانت أقلّ مما يتطلّبه موقعهن في الجسم السياسيّ.

المحور الثاني؛ تساءل عن امتلاك النساء الوقت الكافي لأداء هذا الدور، وخصوصاً في ظلّ الأعباء المنزليّة المطلوبة عادة منهن.

المحور الثالث؛ تناول التدخّل بحياة النساء الشخصيّة وبلباسهن، وهل يشكل عامل محبط يمنع النساء من الانخراط في العمل السياسيّ.

المحور الرابع؛ يتحدّث عن استغلال خصوصيّة وضع النساء الجندريّ، والتشهير بهن لمحاربتهن سياسيّاً، وما هو أثر ذلك على انخراطهن بالعمل السياسي.

المحور الخامس؛ يدرس إمكانية حصول النساء على الكفاءات اللازمة للعمل السياسيّ.

يحاول البحث الإجابة عن كفاية الكوتا رغم أهميّتها، سعياً لتقديم توصيات لتسهيل انخراط النساء بالعمل السياسيّ، وتحسين قدرتهن على أداء دورهن، وصولاً إلى تمثيل حقيقيّ وفاعل للمرأة.

الصعوبات والتحديات

لم تشهد الساحة السوريّة وصولاً للمرأة إلى قيادة الأحزاب المعارضة قبل الثورة السورية، فإنّ أكبر تواجد للمرأة قبل عام ٢٠٠٠ في الأحزاب المعارضة، كان في حزب العمل الشيوعي، ولكنها لم تكن في مراكز قيادية، وإنْ تكن بعد ذلك استطاعت الوصول لهذه المواقع، حيث أزهر ربيع دمشق تواجداً للمرأة في قيادة المنتديات، وفي لجان احياء المجتمع المدني وإعلان دمشق. بعد الثورة شاركت المرأة في أغلب التنظيمات السياسيّة، وخصوصاً الديمقراطية منها، والتشكيلات والائتلافات المعارضة، إضافة للمجالس المحليّة، ووصلت في البعض منها إلى مراكز قيادية. يسعى البحث لتسليط الضوء على الصعوبات التي واجهتها المرأة أثناء عملها ضمن هذه المواقع.

وصلت المرأة إلى مواقع صنع القرار بطرق مختلفة، قد تكون عبر المحاصصة الحزبيّة، أو المناطقيّة أو الطائفيّة، أو استجابة للضغط والنضال الذي خاضته النساء بدعم من المجتمع الدولي، “أثمر ضغط الأمم المتحدة والسيد ستيفان ديمستورا ـالمبعوث الدولي الخاص لسوريا سابقاًـ، ونضال النساء في مبادرة نساء سوريا من أجل السلام والديمقراطية، على المعارضة السورية لتواجد نساء في هيئة التفاوض، فتمّ إشراك نساء في الهيئة من كلّ تشكيلات المعارضة”. وقد يكون هذا الوصول كي يُظهر التنظيم، أو التشكيل نفسه بمظهر حضاري وديمقراطي، “يظهرون النساء على الإعلام حرصاً على صورتهم أمام الإعلام الدولي”. ولكن قد يكون الوصول بطرق أخرى مختلفة، وقد يكون هناك حالات خاصة جداً، ففي بداية العمل الثوري، وعندما كان الكثير من العمل يُقاد “اون لاين”، أفادت ناشطة من الشمال السوري أنّها “استخدمت اسم رجل للتعامل معهم “اون لاين”، وعندما عرفوا أنّي امرأة كانت مفاجأة كبيرة لهم”.

التهميش:

لم تصل المرأة لتحقيق الكوتا في أيّ من التشكيلات السياسيّة، التي ظهرت بعد الثورة السورية، (مع بداية تشكيل الأجسام السياسيّة المعارضة، وظهور الحاجة لتمثيل سياسيّ، يعبّر عن أطياف الشعب المختلفة، بدأت النساء بالانخراط في هذا المجال بأعداد قليلة، تزايدت مع مرور الوقت). فقد بلغ عدد النساء في الهيئة السياسيّة في الائتلاف المعارض -ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السوريةـ ثلاث نساء فقط من أربع وعشرين عضواً يشكلون الهيئة. أقرت الهيئة توسعة نسائيّة في الائتلاف المعارض عام ٢٠١٥، ورفع بموجبها عدد النساء من خمس نساء إلى خمس عشرة امرأة،  في حين لم يشارك سوى عدد قليل جداً من النساء، لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة في مؤتمر رياض١ ، إذ لم يكن هناك امرأة في وفد هيئة التنسيق في مؤتمر رياض١،على سبيل المثال.  فناضلت النساء لزيادة العدد في مؤتمر رياض٢ ، وضغطن بعدة طرق، وشكّلن تنظيماتهن الخاصة (الحركة السياسيّة النسويّة السوريّة مثالاً)، من أجل زيادة الضغط، لكنهن رغم ذلك لم يفلحن في الوصول إلى الكوتا، فقد بلغت نسبة المشاركات ١٧٪. لم يتمّ انتخاب المشاركين/ات في مؤتمرات المعارضة السوريّة عبر الانتخاب، وإنما كان يتمّ انتقاؤهم/ن عبر المحاصصة الحزبيّة والطائفيّة والمناطقيّة، أو عبر التدخل الدوليّ، وعبر التزكية، هذا قد يكون أوصل الكثير من النساء المطواعات والخادمات لأجندات محددة، أو النساء اللاتي لا يمتلكن الكفاءة اللازمة.

لا تجري الآن المعارضة السورية انتخابات في الاغلب، وبالتالي ليس هناك عملية انتخابية، ولا يظهر اقصاء النساء عبر النظم الانتخابية، او عبر اللوائح الانتخابية بوضع اسمائهن في نهاية هذه اللوائح، ولكن المشاركات ابدين قلقهن من ذلك مستقبلاً، حالما تبدأ الانتخابات الحقيقية في سوريا، ورأت بعضهن أن من المهم مراعاة “لوائح ونظم انتخابية حساسة للجندر”.

تنقسم سوريا حالياً إلى ثلاثة أقسام رئيسيّة، يخضع كلّ منها لسيطرة قوى أمر واقع مختلفة، فقسم يسيطر عليه النظام السوري مدعوماً من إيران وروسيا، وقسم في الشمال تسيطر عليه فصائل إسلامية معارضة مختلفة فيما بينها، يتبع بعضها للداعم التركي، أمّا الشمال الشرقيّ فتسيطر عليه قوات قسد، المدعومة من التحالف الغربي. ويشكّل حزب العمال الكردستانيّ العمود الفقري لقوات قسد، وتُدار المنطقة بإدارة ذاتيّة، شكلتها هذه القوات. يتوزّع السوريون في هذه المناطق الثلاث، إضافة إلى تشتتهم في بقاع الأرض نتيجة اللجوء. وليس للديمقراطيين السوريين نفوذ على الأرض، لكنّهم يحاولون التواجد عبر تنظيماتهم، ومن خلال التواجد في كلّ تشكيلات المعارضة السوريّة.

واجهت المرأة تنميطاً، فهي غالباً كُلِّفت بأعمال الإغاثة في التنظيمات الإسلامية، وتواجه أيضاً هذا التنميط في التشكيلات المحليّة العاملة على الأرض. فقد أفادت إحدى الناشطات في الشمال السوريّ الخاضع لسيطرة المعارضة الإسلامية، “حاولوا تحويل دوري في المجلس المحلي للإغاثة فقط، فهم قد أحدثوا مكتب المرأة استجابة لضغط المانحين، ولم يكونوا مقتنعين به أو بدورها”. ولم يختلف المشهد كثيرا في المقلب الآخر، فقد نُظر إليها أيضاً بشكل فوقيّ من قبل الديمقراطيين والعلمانيين، باعتبارها أقلّ كفاءة وقدرة. فقد ورد على لسان أحدهم وصفاً لها بكونها “الأخت والزوجة والأم”، ولم يرَها شريكة النضال والعمل. وغالباً ما يتمّ النظر للمرأة بهذه الصفة التابعة، فدوماً تواجه النساء سؤال أحقيّة تمثيلهن للمرأة السورية، ويطالب الذكور بتواجد (أمّ الشهيد أو أخته أو زوجته) بغض النظر عن كفاءتها، فهم يرونها تابعة وليست مستقلة بحدّ ذاتها.

تمّ تشكيل المجلس الاستشاري النسائي، من قبل المبعوث الدوليّ لسوريا ستيفان ديمستورا عام ٢٠١٦، وذلك رداً على عدم وجود المرأة على طاولة المفاوضات، حيث انحصر عمله بتقديم الاستشارة للمبعوث الدوليّ. قامت بعدها المعارضة السوريّة بتشكيل لجنتها الاستشارية النسائية، ولم يكن رأيها ملزماً. لكن سرعان ما تمّ حلّ هذه الهيئة قبيل مؤتمر رياض٢، وتمّت زيادة عدد مقاعد النساء في المؤتمر والهيئة العليا للمفاوضات، نتيجة نضال النسويّات، والضغط الدوليّ في العملية السياسية.

تواجه النساء عموماً ردوداً لإسكاتها، لا يواجها الرجل عادة عند الاختلاف بالرأي، فقد تعلو الأصوات أثناء خلاف الرأي بين الرجال، ولكن قد يقال للمرأة ردود تتعلّق بكينونتها كامرأة. أفادت إحدى المشاركات بالبحث، أنّ أحدهم أجابها رداً على رأي ساسيّ طرحته ” كوني جميلة واصمتي”. ردّ يحمل التصغير والتهميش بصيغة ملطّفة تتحدث عن الجمال، ويؤطّر المرأة بشكلها وجمالها، مغيّباً دورها وإمكاناتها الفكرية. ولكن قد يكون الردّ أكثر قسوة، فقد أفادت إحدى المشاركات أن أحد رفاقها في الحزب محاولاً إسكاتها عند خلاف رأي، قال لها: “عودي للمطبخ فأنت لا تفهمين بالسياسة”. ولكنها أكدت أن حزبها دعمها وتمّت محاسبته.
في مؤتمر رياض ٢، وأثناء محاولة النساء إدراج نصّ يضمن
الكوتا النسائية في بيان المؤتمر الختامي – وهو ما نجحن بتحقيقيه- ردّ عليهن أحد ممثلي الفصائل العسكرية الإسلامية في الشمال السوري الحاضرين ببيت من الشعر قائلاً:

إن الكرام على الجياد مبيتهم
فدعي الرماح لأهلها وتعطري

قد تجد المرأة الدعم عندما يكون عملها، يصب في طاحونة الأجندات التي يمثلها الرجال المسيطرون، وتُحارَب عندما تبحث عن أجندتها الخاصة. فقد أفادت ناشطة في الشمال المسيطر عليه من قبل المعارضة الإسلامية المسلحة، “عندما عملت لخدمة فكرهم ومصلحتهم شجعوني، ولكني حوربت عندما أنشأت الهيئة النسائية وتمّ الغاؤها”.

تعاني المرأة السورية تمييزاً مجتمعيّاً ضدّها، يرجع إلى عدة عوامل؛ منها العادات والتقاليد الراسخة، ومنها ذات مرجعية دينيّة، تؤمن بقوامة الرجال على النساء. ولم يستطع الديمقراطيون التخلص من أثر هذه التربية المجتمعيّة، فهي لذلك “لا تعطى أدوراً حقيقية”، و”غالباً ما تُكلّف النساء بمهام لا تتناسب مع قدرتهن وموقعهن وخصوصاً في بداية انخراطهن بالشأن العام”. وقد يحاول الذكوريون جعلها واجهة للعمل فقط، والطلب منها التخلي عن مهامها لمساعديها الرجال. فحسب هدى العبسي، الوزيرة المستقيلة في الحكومة المؤقتة، “قيل لي أنت امرأة، دعي مساعدك يقوم بالعمل”. لكن كفاءة المرأة وقدرتها وتمكنها، تساعدها على مواجهة هذا الإقصاء حسب ما ذكرته بعض المشاركات، “قدرة المرأة على الإقناع تساعدها في مواجهة الإقصاء الذكوري لها”، “لم أعاني من هذا الإقصاء، فقد بذلت جهداً كبيراً لأداء عملي”.  ولكن هذه الكفاءة قد لا تحميها في أحيان أخرى، من إقصاء كامل إذا لم يستطيعوا إسكاتها كما ذكرت ريما فليحان، لذلك “هم يخوضون حرباً شعواء ضدّ كلّ امرأة لا يمكن طيّها تحت جناحهم”.

قد تواجه المرأة أحيانا رفضاً للعمل من محيطها، ومن النساء الأخريات، اللواتي لم ينخرطن في الشأن العام، وذلك لشعورهن أنها مختلفة عنهن. “واجهت رفضاً من النساء لعملي الميدانيّ، واضطررت للتقرّب منهن حتى يقبلنني”.

يشكّل العمل الجماعيّ دعماً دوماً للفرد في أداء عمله، وينطبق ذلك على النساء أيضاً، فعندما تنتمي المرأة لمجموعة ما تحصل منها على الدّعم اللازم، الذي يعينها على مواجهة الإقصاء وأداء دورها، “حزبي دعمني دوماً”. لذلك حرصت النساء على التكتل وإنشاء التنظيمات الخاصة بهن، والتي يتلقين الدعم منها، ويصبحن بالانتماء إليها أقوى، “التجأت للعمل ضمن تكتّل نسويّ، كالحركة السياسيّة النسويّة، لأنّ عملنا مع بعض أقوى”، “شكّلنا اللوبي النسوي السوري لدعم المرأة للوصول لمراكز صنع القرار، ودعمها في أداء عملها”. لذا نحن مطالبات اليوم بتشكيل سورنا النسويّ السياسيّ المتين، الذي يقدّم الدعم والمساندة والحماية للسوريات.

تختلف الصورة قليلاً في الشمال الشرقي الخاضع لسيطرة الإدارة الذاتية، فإن “حزب العمل الكردستاني، يعمل على استقطاب النساء منذ أربعين عاماً، وتربيتهن تربية أيديولوجية”، حيث تعتمد الإدارة الذاتيّة فكرة الرئاسة المشتركة في كلّ مراكز صنع القرار. والرئاسة المشتركة تتألف من رجل وامرأة يتقاسمان العمل، وقد أفادت إحدى المشاركات أنها لم تواجه صعوبة في الرئاسة المشتركة، لأنّ العمل فيها إداريّ، لكنها واجهت صعوبات وإقصاءً عندما انخرطت بالعمل السياسيّ، وقيل لها السياسة ليست للنساء، وكأنها بذلك تخبرنا أنها ترى عملها في الرئاسة المشتركة عمل اداري وليس سياسي، وهذا قد يعطي مدلولاً عن دورها المنقوص كامرأة الذي ادته من خلال الرئاسة المشتركة. وقد قالت إحدى النساء من دير الزور، من المكوّن العربي في إحدى جلسات النقاش السياسيّ الخاصة بالنساء؛ “إنّ دور المرأة في الرئاسة المشتركة هامشيّ، ويتمّ الاختيار حسب المحاصصة العشائرية”. ولكن قد يختلف أداء المرأة في هذه الرئاسة المشتركة، ودورها حسب قدراتها وموقعها السياسيّ والأيديولوجيّ. فحسب صبيحة خليل ناشطة كردية مستقلة؛ “ليست كلّ النساء في الرئاسة المشتركة زينة، فذلك يتعلّق بطبيعتهن”.

إن المرأة الكرديّة في مختلف التشكيلات السياسيّة، واجهت ما واجهته السوريّات عموماً، وإن يكن بطرق مختلفة ومستويات عدّة؛ “كان للمرأة حضور رمزيّ في المجلس الوطني الكردي”.

القدرة على التفرّغ

تقوم المرأة بأغلب الأعمال المنزلية، فهي حسب دراسة قام بها الصندوق الدولي، “تتحمّل الجانب الأكبر من العمل غير مدفوع الأجر – العمل المنزليّ- ولكن من غير المفهوم كما ينبغي، هو عدد ساعات العمل غير مدفوع الأجر، التي تمضيها المرأة في اليوم الواحد أكثر من الرجل. فالمرأة حول العالم تعمل 4.4 ساعة من العمل غير مدفوع الأجر في المتوسط، بينما لا يمضي الرجل سوى 1.7 ساعة في هذا العمل”.

إذا كان هذا وضع المرأة عالمياً، فإنّ وضع المرأة السورية أكثر إجحافاً وأقلّ عدالة، بسبب العديد من العوامل التي تتعلّق بعادات المجتمع وتقاليده ومفاهيمه. كيف إذاً تستطيع المرأة إيجاد الوقت الكافي لأداء عملها، بالشأن العام وانخراطها فيه!؟

عند توجيه السؤال للمشاركات في البحث، اتفقن جميعاً أنه بدون دعم الأسرة والمحيط ، لن تتمكّن المرأة من إيجاد الوقت الكافي لعملها بالشأن العام، واختلفت أشكال الدعم وجهته حسب الظرف الشخصيّ، فقد يكون من الأسرة الصغيرة، الزوج والأبناء، “لولا الدعم الذي تلقيته، وما زلت من زوجي، لم أتمكن من توفير الوقت لعملي السياسيّ، وقد أثر غيابه فترة من الزمن -كونه كان مطلوباً للأمن- على قدرتي على أداء عملي”، ” ساعدتني ابنتي في تربية أخوتها وأعباء المنزل، خصوصاً أنّي أمّ وحيدة لخمسة أبناء”. أو قد تأتي المساعدة من الأسرة الكبيرة؛ الأهل والأخوة، “كأمّ وحيدة تلقيت دعماً من أختي وأسرتي، لولا ذلك لم أستطع التفرّغ لعملي السياسي”.

تحتاج المرأة لتنظيم وقتها أياً يكن العمل الذي تمارسه خارج المنزل، “أحتاج لتنظيم الوقت بين الأعباء المنزلية كأمّ لخمسة أطفال، وبين عملي خارج المنزل”، “أقوم بالأعمال المنزلية الضروريّة فقط، وأُؤجّل كلّ ما يمكن تأجيله لأوقات الفراغ”. ولكن قد يتطلّب العمل السياسيّ أعباءً إضافية، تختلف عن العمل العادي للمرأة، “العمل السياسي يتطلب أعباء إضافية، لأنه لا يلتزم بأوقات العمل الصباحية فقط”.

كثير من النساء لا يتلقين الدعم المطلوب، وذلك ما يجعل أداءهن السياسيّ أضعف، أو انهن يقمن بكلّ الأعباء سويّة، ما يحمّلهن ضغطاً إضافيّاً، “لا يوجد عدالة في توزيع الأعباء المنزلية، ما يضطرّني لأداء أكثر من عمل في وقت واحد، في كثير من الأحيان أطبخ لأطفالي، خلال اجتماع اونلاين”.

في الأسر التي تتقاسم الأعمال، أو حتى التي تتلقى فيها المرأة مساعدة، غالباً ما تضطّر لإخفاء ذلك عن وسطها المحيط، فقد يكون هذا التشارك في العمل المنزليّ غير مقبول حسب العادات والتقاليد، ويواجَه بانتقادات، “نواجه رفضاً من المجتمع المحيط لتقسيم العمل بيننا في الأسرة”.

التدخّل في الحياة الشخصية وطريقة اللباس

لطالما انشغلت وسائل التواصل الاجتماعي بطريقة لباس النساء المشاركات بالشأن العام، فهذه خلعت الحجاب، وأخرى قد وضعت “إيشارباً” أثناء زيارتها السياسيّة لمكان ما. حيث يشكّل لباس المرأة نقطة تجاذب وخلاف بين الإسلاميين والعلمانيين السوريين، فما إن خلعت نور حداد (الملقبة بنور خانم) الحجاب، حتى تعرّضت لهجوم شديد من الإسلاميين، متناسين دورها في دعم قضايا الشعب السوريّ، عبر برنامجها التلفزيوني الساخر. كما تعرضت د. بسمة قضماني للهجوم ذاته من العلمانيين، بسبب ارتدائها “إيشارب” في زيارتها للشمال السوري، معتبرين أنّها بذلك تؤكد وتقبل سيطرة الإسلاميين على المنطقة. فالمرأة في مجتمعنا -حتى بعيداً عن العمل السياسيّ- ليست حرّة بما تلبسه، فلباسها يقدّم للمجتمع حولها تعريفاً بهويّتها وهويّة أسرتها، لذلك تتدّخل فيه عادة كامل الأسرة. فالكثير من النساء تمّ فرض طريقة اللباس عليهن من الوسط المحيط، ولذلك طالما طُرحت أحقيّة تمثيل النساء السوريّات حسب اللباس وارتداء الحجاب.

أجمعت المشاركات أنّهن بطبيعة الحال، يراقبن أنفسهن وطريقة لباسهن، “فلكلّ مقام مقال”. وأفادت أخرى؛ “أنا بطبعي امرأة بسيطة اللباس، ولكني صرت أكثر حذراً”. من جهة أخرى لم يُعفِ الحجاب المرأة التي ترتديه من التعليق على لباسها، فذلك يعود إلى الوسط المحيط بها، والذي تتعامل معه، وكيفيّة نظرته لحجابها وقبوله له، أو ربما المطالبة بما هو أكثر منه؛ “كان البعض يحدثني وهو يدير وجهه، لأني رغم حجابي أُعتبر متبرجة”.

قد يطال التدخل بحياة المرأة شأناً أكبر من طريقة لباسها، فقد تواجه ضغوطات وتدخلاً في حياتها الشخصية؛ “بعض النساء خطبنني لرجالهن، أواجه الكثير من الضغوطات للزواج مرّة أخرى كوني امرأة مطلقة”.

تخاف النساء عموماً – خصوصاً المشتغلات منهن في الشأن العام- من نشر صورهن على العام، ومن استغلال هذه الصور لمحاربتهن، كما حدث مع الناشطة سهير أتاسي أثناء تصويرها بدون إذن، وهي على ضفة مسبح خاص، فإن “مفهوم الوصاية يحوّل تصوير امرأة سوريّة في مسبح، ونشرها على وسائل التواصل، من تعدّ على خصوصيات الآخرين، إلى حق مكتسب لمجتمعها عليها” . هذا ما جعل أغلب من شاركن في البحث، يؤكدن أنّهن لا يحبذن نشر صورهن على العام، “أرفض نشر صوري على العام كي لا تستغل”، وأنّهن يخفن من التصوير بدون إذن، “أخاف وأنا أمارس حياتي العادية، أتناول الطعام في مطعم مثلاً، من التصوير بدون إذن”. لكن الحرص لم يمنع من تزوير الصور للنساء، بحيث تغيّر من طريقة لباسها وشكلها، بأن يوضع رأسها على جسد عارضة أزياء للثياب الداخلية، أو ينزع عنها حجابها؛ “وضعوا لي باروكة فوق حجابي”.

إن للعمل بالشأن العام ضريبته على النساء والرجال معاً، فهو يضعهن/م تحت الأضواء، “إنّ للعمل السياسي ضريبة على الحياة الشخصية، ويحدّ من الحرية”، ولكن تأثير ذلك على النساء أكبر. قد تواجه المرأة تدخلاً مباشراً أو غير مباشر من المحيط، “الأهل تدخلوا في بعض الأحيان”. هذا جعل أغلب المشاركات يراقبن أنفسهن لشعورهن أنّهن تحت المراقبة، “كنت أشعر أنّي مراقبة دوماً، كنت أعدّ أنفاسي”، “أشعر دوماً أن حياتي مراقبة، فأراقب نفسي منعاً للإشكاليات”. بينما أكد بعضهن أن هذه المراقبة لا تعنيهن؛ “هذه المراقبة لا تعنيني، لأن شخصيتي واضحة”.

التشهير لمحاربة المرأة سياسيّاً

غالباً ما يتمّ استخدام التشهير والإساءات للمرأة بصفتها الجندريّة لمحاربتها سياسيّا، في حين يتمّ اتّهام الرجل بصفات أخرى، تخصّ النزاهة والعمالة حين يُراد محاربته. فالمجتمع ينظر للمرأة العاملة بالشأن العام بصفتها أنثى أولاً، وما يعيبها هو ما يعيب المرأة بالعام، فصفات كالنزاهة والوطنية تخصّ الرجال، بينما تُنعت المرأة فوراً بالعاهرة، وهو ما قد تنعت به النساء الملحقات بالرجل -أمّه أو اخته مثلاً- حين يُراد الإساءة له أو شتمه، “تشنّ هذه الحملات من قبل النظام السوري، إضافة إلى بعض قوى المعارضة بهدف إسقاط شخصيّات معيّنة لا تتوافق معها سياسياً.

بعض المشاركات أفدن أنّهن تعرضن لبعض الإساءة وإن تكن بدرجات مختلفة، “تعرّضت لتناولي بإشاعات تنال كلّ شيء، قد لا يشكّل تناولي كامرأة أكثر من ٢٠٪ منها”. ولكن الأغلب منهن أكدن أنّهن يعرفن نساء تعرضن لهذه الحالة، “تعرضت زميلاتي لشيء من هذا القبيل وللنيل من سمعتهن الأخلاقية، ولكنّا واجهنا ذلك معهن ودعمناهن”.

تعرضت على سبيل المثال عضوات المجلس الاستشاري النسائي الذي تم تشكيله من قبل المبعوث الدولي لسوريا السيد ستيفان ديمستورا للإهانة والتصغير بإلحاقهن به عبر تسميتهن “نساء ديمستورا”.

تلجأ المرأة عادة لحماية وسطها المحيط في حالات كهذه، “لجأت لحماية الأسرة -الزوج والأخ- كي لا أتعرض لهذه المواقف، كانوا يرافقوني في كلّ الاجتماعات، ولكن ذلك لم يحمِني تماماً”. بينما أكدت أخريات أنّهن يستطعن حماية أنفسهن، ” كنت أواجه أيّة إساءة مهما كان نوعها بالإهمال، أستطيع حماية نفسي ولا أحتاج لرجل يحميني”.

قد تتناول الإساءة المرأة بالانتقاص من أنوثتها، واتّهامها بالتشبّه بالرجال؛ “صوتك عالٍ بين الزلم”، “تتّهم المرأة بالتشبّه بالرجال عند العمل بالسياسة، أنا امرأة قادرة ولست أختاً للرجال”.

قد تكون الإساءة بالتعرّض لأسرتها ضمن المفاهيم المجتمعيّة السائدة؛ ” كانوا يكنّون ابني بي، ويقولون له ابن سعاد، كان ذلك يجرحه كثيراً، فرد نسب المرء لامه في منطقتنا يعتبر إهانة وتصغير له”،  وقد أسرّت ذات مرّة إحدى النساء في جلسة نقاش سياسيّة خاصة بهن، أنه قيل لها “لزوجك قرون”، في إشارة لعدم قدرة زوجها على التحكم بها، وذلك كان مؤلماً لها وله.

إذاً “كان على النساء مراقبة سلوكهن دوماً، فأيّ سلوك يمكن استغلاله للتشهير بهن”، وذلك لأن “أكثر ما يؤلمنا كنساء، هو محاربتنا بصفتنا نساء”. لكنّ دعم الأسرة والمحيط الاجتماعي والسياسيّ لهن، يخفف من آثار هذا الاستهداف، “المرأة بحاجة لدعم أسرتها ومجتمعها المحيط لمواجهة هذه الصعوبات”.

التمكين والكفاءة

يُنظر للمرأة عادة نظرة استعلائية، فهي أقلّ كفاءة من الرجل أياً يكن حجم معلوماتها، وهي مضطرة دوماً لإثبات هذه الكفاءة، فالمرأة في تنظيم سياسيّ تعامل غالباً كتلميذة مهما كانت خبرتها، وتحتاج للكثير من الجهد لإثبات حضورها. بينما الرجل في أيّ تنظيم نسويّ يرى نفسه بداهة معلماً للنساء في هذا التنظيم، حتى وإنْ أراد أن يكون داعماً، فهو الداعم من موقعه الأعلى كأستاذ خبير. قال أحد الرجال مرّة لزميلاته مبرّراً محاولة إقصائهن عن العمل، والتفرّد به عندما احتجَجْنَ على ذلك، “أريد أن أحملكن على أكتافي وأطيّركن في الهواء”.

وعندما طالبت النساء بزيادة مقاعدهن في الائتلاف المعارض -ائتلاف قوى الثورة والمعارضةـ انبرى أحدهم للاحتجاج قائلاً؛ “ذلك ظلم لهن، يجب تأهيلهن قبل نقلهن من المطبخ إلى الائتلاف”، مسقطاً بذلك فكرة إمكانية وجود نساء كفؤات، ومنمّطاً دور المرأة في العمل المنزليّ فقط. بينما لم يُسأل هو عن كفاءته عندما انضمّ للائتلاف، فإن “وجود الرجل بديهي جداً بدون كفاءة، فهو يمثل عشيرة أو حيّاً أو نفسه. أمّا المرأة فينظر لها دوماً كتابع، فهي يجب أن تكون أمّاً للشهيد أو أختاً أو زوجة له، ولا يُسأل عن إمكانياتها وكفاءتها” .

يخلق الرجل والمرأة بإمكانات عقليّة متساوية، لكنها ولأسباب عديدة، منها ما ذكرناه آنفاً، لا تمتلك الفرص ذاتها، “لا يولد المرء امرأة، انه يصبح كذلك”، “الإمكانات الشخصيّة متساوية، ولكن بسبب الظروف الموضوعيّة المحيطة، تحتاج المرأة لبذل جهد أكبر”.

تقوم الآن المنظمات النسائيّة والنسويّة بتنظيم دورات تمكين سياسيّ للمرأة، وذلك لردم الهوّة المعرفيّة، التي نتجت عن تاريخ من الإقصاء لها، وقد أفادت بعض المشاركات في البحث أن هذه الدورات مهمة، ولكنها غير كافية، “دورات التمكين مهمة على المدى الطويل، ولكنها غير كافية حالياً”،  “دورات التمكين مفيدة لكن أثرها محدود لأنها تصل لعدد محدود فقط”، فهي بذلك عاجزة عن تغيير الوعي الشعبي السوري. في حين أفادت أخريات أنّ هذه الدورات وهميّة، “مشاريع التمكين أغلبها وهميّة”، “التدريبات شكليّة”، بينما أصرت إحداهن على أهميتها وكفايتها، “الإدارة الذاتية تؤسس أكاديميات خاصة لتمكين النساء”، ولكن بدون العمل المباشر، هناك تخوّف من أن تخلق هذه الدورات نساءً ذوات معرفة ناقصة أو مشوّهة، تحفظ “كليشيهات” دون أن تعيَها أو تطبقها.

تحتاج المرأة كالرجل إلى تدريبات أخرى إضافة إلى المعرفة السياسيّة، فهي تحتاج حسب إحدى المشاركات إلى “تدريب على العمل الجماعي”، وتحتاج بشدة للتدريب على الظهور الإعلامي، فهو العقبة الكبرى، والحاجز الأكبر الذي باجتيازه تتمكّن المرأة من العمل السياسي.

أفادت أغلب المشاركات، أن المرأة تحصل على الكفاءة اللازمة بالانخراط بالعمل السياسيّ، “التمكين الحقيقي يكون بالعمل السياسيّ المباشر”، وأن كفاءة المرأة تساعدها كثيراً، “إمكانياتي المعرفيّة وشخصيّتي، ساعدتني على تذليل العقبات”.

في مناطق المعارضة الإسلامية يستند الذكوريون، حين اتّهام المرأة بنقص الكفاءة والقدرة على الدين، متناسين حسب هدى العبسي أن “النساء كنّ شريكات للرسول، مثالاً عائشة وأم سلمى، وخديجة”.

سابقاً كانت النساء لا تملك الفرصة ذاتها للوصول إلى المعلومة كالرجال، فالرجال يرتادون المقهى، وفيه يناقشون أموراً عامة، بينما تلتزم النساء بيوتها، وتنشغل بالأعباء المنزلية، ما يجعلها غائبة عن المعلومات، أو تتلقى ما يوصله لها الرجل. حالياً وبسبب وجود الإنترنت صارت المعلومة متوفرة، وتستطيع النساء الوصول إليها. ولكن ذلك لم يجعل الفرص متساوية تماماً، فهي قد لا تملك الوسيلة اللازمة للبحث في الإنترنت، أو لا تملك الخبرة اللازمة لذلك، عدا عن الوقت الذي هو أضيق بسبب الأعباء المنزلية.

ورداً على سؤال ما الذي نستطيع فعله إذا وصلت امرأة غير متمكنة من خلال الكوتا إلى مواقع صنع القرار، أجابت الأغلبية من المشاركات؛ إنّه يجب أن تتلقى الدعم من محيطها، وخصوصاً النسائيّ، فيمكن أن نعمل كمستشارات لها. فيما تحدثت أخرى عن ” تأثير النسويات السوريات الأوائل فيها” مؤكدة على أهمية “دور النسويات في توعية النساء”، وأكدت أخرى على أهمية ” عمل مشترك بين التشكيلات النسوية والنسائية من اجل تمكين المرأة ودعم تواجدها في الاحزاب السياسية”، وأن العمل بين هذه التشكيلات يجب أن يكون “تكاملياً وليس تنافسياً”.

خاتمة

أجمعت المشاركات على أهمية العمل الجمعيّ النسويّ، وأن نستبدل التنافس بالتعاون، لأن” الندرة في الأماكن التي تستطيع النساء الوصول إليها، تخلق تنافساً شديداً، فالازدحام على باب الدخول الموصد بوجه النساء، أو المفتوح بشكل موارب وضيّق، يخلق تدافعاً من أجل الدخول”.

استنتاجات وتوصيات

أوصت المشاركات بجملة من التوصيات لتذليل العقبات التي تواجهها المرأة في عملها السياسي، أهمها:

  1. الحرص دوماً على الكوتا النسائية، والإصرار على إدراجها في كلّ النظم الداخلية للتيارات والأحزاب والتشكيلات المعارضة، وارسال رسائل ضغط من قبل التنظيمات النسائية والنسوية لإدراج الكوتا في هذه النظم الداخلية.
  2. الحرص على أن تراعي النظم واللوائح الانتخابية مستقبلاً الحساسيّة الجندرية، وذلك باعتماد النظم الانتخابية النسبية التي تساعد النساء على الوصول، واعتماد لوائح انتخابية لا توضع فيها النساء في نهاية القائمة، وانما تكتب الأسماء بتسلسل يضمن حقاً متساوياً للنساء.
  3. الحرص على إيصال نساء متمكنات إلى مراكز صنع القرار، وذلك بدعمهن للترشح وتقديم أنفسهن، وبتقديم الدعم اللازم لأداء عملهن، وعبر الضغط لوجود النساء اللاتي يملكن الخبرة السياسية في التشكيلات السياسية السورية.
  4. العمل على تمكين النساء عبر دورات التمكين، ولكن عدم الاكتفاء بها، بل دفعهن للانخراط في العمل السياسي الحقيقي والذي سيصقل مهاراتهن.
  5. الحرص على إيصال نسويّات إلى مراكز صنع القرار، كي يكون وجودهن خدمة للمرأة ومدافعاً عن حقوقها، وعدم استغلال الكوتا لتواجد نسائي تابع للأجندات الذكورية.
  6. دعم النساء المتواجدات في مراكز صنع القرار، سواء بالمعلومة أم بالمشورة، والعمل على تشكيل داتا الكترونية مساعدة تسهل وصول النساء الى المعلومة المطلوبة.
  7. القيام بحملات مناصرة للدفاع عن المرأة التي تتعرّض للتشهير، أو التدخل في حياتها الشخصية، يشترك في هذه الحملات كل التنظيمات النسائية والنسوية.
  8. العمل الجماعيّ، والانتماء لتكتّل أو تيار أو حزب، يقوّي من حضور المرأة في مراكز صنع القرار، وفي حال لم تكن تنتمي لأيّ تكتل، لابدّ من سدّ هذه الفجوة بدعمها من قبل كلّ التشكيلات النسائيّة والنسويّة.
  9. العمل المشترك والتنسيق بين التشكيلات النسائيّة والنسويّة، لتمكين المرأة ودعم انخراطها في العمل السياسيّ، ووجودها في التيارات والأحزاب السياسيّة المختلفة، ومن ثم وصولها لمراكز صنع القرار.

مشاركات في البحث

أليس مفرج، عضوة حزب العمل الشيوعي، عضوة هيئة التنسيق الوطنية، عضوة وفد مفاوض في جنيف، نائبة رئيس وفد التفاوض سابقاً، عضوة هيئة تفاوض واللجنة الدستورية حالياً، عضوة مؤسِّسة في شبكة المرأة السورية وفي الحركة السياسية النسوية.

رولا الركبي، ناشطة مدنيّة ونسويّة، عضوة مؤسسة في الحركة السياسيّة النسويّة وفي شبكة المرأة السورية، عضوة اللجنة الدستورية عن المجتمع المدني (الثلث الثالث).

ريما فليحان، كاتبة سيناريو، ناشطة حقوقية ونسويّة من قبل عام ٢٠١١، عضوة في لجان التنسيق المحلية، عضوة سابقة في المجلس الوطني السوري، وفي الائتلاف السوري المعارض، عضوة وفد تفاوض في جنيف ٢، مؤسِّسة اللوبي النسائي السوري.

زليخة مصطفى عبدي، رئيسة مشتركة للإدارة الذاتيّة في تل أبيض سابقا، عضوة قيادة حزب المستقبل.

سعاد أسود، ناشطة مدنيّة ونسويّة، عضوة في الحركة السياسية النسوية، عضوة سابقة في مجلس محلي كفرنبل.

صبيحة خليل، ناشطة سياسيّة ونسويّة، عضوة مؤسِّسة في الحركة السياسية النسوية، عضوة مؤسِّسة سابقاً في شبكة المرأة السورية، عضوة سابقة في المجلس الوطني الكردي، عضوة هيئة تفاوض عن المستقلين في التشكيلات الأخيرة.

ميساء المحمود، إعلامية وناشطة مدنيّة، مستشارة سياسية سابقاً لبعض الفصائل العسكرية، عضوة سابقة في مجلس محلي حلب.

هدى العبسي، أكاديمية، مدرِّسة جامعية، وزيرة التعليم العالي في الحكومة المؤقتة سابقاً.

المراجع

مية الرحبي؛ النسوية، مفاهيم وقضايا، ص٢٨٩، دار الرحبة، طبعة أولى ٢٠١٤.

  1. التمثيل السياسيّ للنساء في المنطقة العربيّة، الأمم المتحدة الاسكوا، عام ٢٠١٧
  2. ميّة الرحبي؛ المرأة العربية والتغيير، الحوار المتمدن،١٤/١٢/٢٠١١.
  3. لمى قنوت؛ المشاركة السياسيّة للمرأة السورية بين المتن والهامش، عام ٢٠١٦.
  4. ضياء الشامي؛ دراسة حول مشاركة المرأة السوريّة في العمل السياسي، مركز عمران، ٢٠١٨، ص١٠.
  5. هنادي الخطيب؛ مؤتمر زائف وتعيينات نسائية بعيداً عن الديمقراطية، موقع صحيفة الحياة الالكتروني، ٣/١٢/٢٠١٦.
  6. الحركة السياسية النسويّة ترف أم ضرورة، أبواب، لينا وفائي.
  7. أعضاء المجلس الاستشاري النسائي التابع للأمم المتحدة يكافحن من أجل التأثير المباشر في محادثات السلام، سوريا على طول، ٢٤/٤/٢٠١٨.

تشكيل اللجنة الاستشارية النسائية للهيئة العليا للمفاوضات، أورينت، ١/٢/٢٠١٦.

  1. اللوبي النسويّ السوريّ ترف أم حاجة، رامي العاشق، طلعنا على الحرية، ١٥/١٠/٢٠١٥.
  2. 10.صبيحة خليل، السور النسويّ بدلاً عن الترقيع، موقع اللوبي النسوي السوري ١٧/٢/٢٠٢١.
  3. 11.التكلفة الاقتصادية لتقليل قيمة عمل المرأة، بقلم كريستالينا غورغييفا، وكريستيان ألونزو، وإيرا دابلا، وكالبانا كوشهار، صندوق النقد الدولي ١٥/١٠/٢٠١٩

لبنى سالم، ٨ أسباب أخذت قصة “مايوه الأتاسي” لأبعد مما تستحق، رصيف ٢٢، ١٩/٧/٢٠١٦.

  1. سيمون دي بوفوار، الجنس الآخر، الجزء الثاني، ص١٣، إصدار دار الرحبة، الطبعة الأولى، ٢٠١٥
  1. ثلاثة وجوه للحرب على النساء، غيداء عساف، موقع الحركة السياسية النسوية، ٢١/٧/٢٠٢٠.

لينا وفائي – موقع الحركة السياسية النسوية السورية -٧ أيلول ٢٠٢١

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة