الثيموس السوري منتصرا…المحامي محمد علي إبراهيم باشا
أنا إنسان ماني حيوان
صرخة مدوية أطلقها ثائر في بداية الحراك السلمي السوري حملت مدلولات كبيرة لم يعي أبعادها غالبية السوريين بمن فيهم مطلقها، صرخة عبرت عن الحالة المزرية التي وصل اليها الانسان السوري بعد عقود من السراب الذي رفع نسبة الثيموس الوهمي لديه ولدى أقرانه في العالم العربي في أعقاب انقلاب يوليو في مصر وانقلاب البعث في سوريا والعراق وماتبعه من غرق في أحلام يقظة طويلة بالوحدة والحرية والاشتراكية والاستقلال والحداثة والديمقراطية وغيرها من الشعارات الخلبية والاوهام التي تاجرت بها الأنظمة القومجية محولة الشعوب العربية الى سيول جارفة دمرت كل المحاولات_ التي سبقت هذه المرحلة _ لإشادة دول مدنية محترمة فخسروا فلسطين والجولان وسيناء وتفتت الدول بدل اتحادها وغدت المسيرة مثقلة بالنكسات والانكسارات.
– تلك الصرخة التي أطلقتها حنجرة حرة في لحظة تحد تاريخية بعد سنين من الاضطهاد والاذلال الممنهج للروح السورية (الثيموس ).
وقدعبر الثيموس عن نفسه في تلك الصرخة، عن تلك الحالة المعنوية المرتفعة التي تعبر عن حالة الانسان السوري المفعمة بالعزة والشرف في سياق صراعه من أجل نيل الاعتراف على هذه البقعة الجغرافية، ذلك المفهوم الافلاطوني الذي يدفع الحراس للموت من أجل الكرامة والعزة دفع بالسوريين كذلك للمخاطرة بكل شيئ من أجل حماية اسرهم وكراماتهم، تلك الحالة المعنوية التي تحدت الرغبة بالحفاظ على الذات في كافة مراحل صراعها من أجل الكرامة التي حاربها النظام منذ اللحظات الأولى لاستيلائه على السلطة .
ذلك الثيموس السوري الذي تقدم على كافة الاحتياجات الطبيعية اصطدم لاحقا بدكتاتورية مستبدة أضحت المشكلة السياسية الأساسية لأنها منبع الطغيان والرغبة في السيطرة، دكتاتورية حولت سورية الى جمهورية أسياد ورعايا.
أسياد سيطروا على كافة مفاصل الدولة ورعايا لا قيمة لهم ولا كرامة (بنظر حكامهم ) ينفذون أوامر أسيادهم دونما اعتراض، أسياد كسبوا المعركة عندما استولوا على الحكم بإرهاب القوة ورعايا خافوا من الموت وفضلوا الاستسلام من أجل البقاء على قيد الحياة معترفين بسيادة المنتصر، سادة ظنوا أن ارهابهم سيديم سلطتهم وسيبقي السوريين خانعين خاضعين ساعين الى لقمة عيشهم متناسين أو متجاهلين حقيقة أن الصراع من أجل الاعتراف بالمنزلة هو محرك التاريخ وأن الظلم والاستبداد مهما طغوا لن يستطيعا القضاء على جذوة الكرامة الإنسانية التي دفعت بالسوري لمواجهة الموت في سبيلها وهنا كان التحدي من خلال التأكيد على أن ثورته السلمية لم تكن نتيجة جوع أو برد أو عطش أو حرمان وأن الثيموس حرضه كي ينتفض ويقول لا /انا انسان ماني حيوان / وأن يواجه الموت القادم من هذه الطغمة بشجاعة أربكتها وأفقدتها توازنها منذ اللحظات الأولى ودفعتها الى سلوك كافة الأساليب المنحرفة والمستبدة في سبيل كتم تلك الصرخة ووأد ذلك الاحتجاج وتحويل مساره من حراك سياسي سلمي الى مسارات لوثتها أجندات إقليمية ودولية دمرت الحجر والبشر وأوصلت سورية الى ماهي عليه الآن من دمار بعد سنوات عديدة ذاق فيها السوريين ويلات الموت والنزوح واللجوء والاضطهاد والى التعنت المقيت في المواقف والمزاعم الباطلة بهدف الاستمرار في حكم سورية غافلة عن حقيقة زوال شرعيتها منذ تردد صدى تلك الصرخة على العالم أجمع وأن عدم اعتراف السوريين سيتجاوز شرعية الطغمة تلك الى المنظومة المرتبطة بها، حزب البعث وشركائه، والتي وظفت أدوات القمع والقتل وشوهت دور ومهام الجيش والشرطة والأمن من حماية السوريين الى الانسجام في قهر السوريين و اذلالهم بالقدر الذي تستحيل معه أية شراكة سياسية جديدة في أية مرحلة مستقبلية– انتقالية كانت أم نهائية – في سوريا الجديدة.
أيقن السوريون حقيقة أن ليس بوسعهم نيل الحرية الا بالمخاطرة بحياتهم وكان هذا اليقين جوهر وعيهم بذاتهم وبأن هدفهم لا يكمن بمجرد البقاء على قيد الحياة بل الرغبة في نيل الاعتراف والتقدير وحماية حقوقهم الطبيعية كمواطنين من خلال حكومة شرعية تعرف كيف تحافظ بكفاءة على حياة الناس وما مخاطرتهم تلك التي تصدوا لها منذ عشر سنوات الا بهدف تحقيق تلك الرغبة، قد يطول الزمن وقد تطول معاناة السوريين وقد يكسب النظام جولة هنا وجولة هناك الا أن سورية الدولة الوطنية الديموقراطية العلمانية قادمة لا محالة فعجلة التاريخ لن تعود للوراء وانتصار ثيموس الانسان السوري محتم.