توضيحات تخص بعض “انتقادات” بيان الاندماج

توضيحات تخص بعض “انتقادات” بيان الاندماج

يثير الاهتمام الذي لقيه بيان الاندماج بين تيار مواطنة ومجموعة نواة وطن، من عدد من الهيئات والأفراد، شعوراً بحيوية الوسط السياسي والمتابع للشأن العام السوري، ولكن فيه أيضاً ما يدعو للإحباط، ذلك لأن بعض “المهتمين” هاجموا البيان من موقع يتوسل الاتهام أو اختلاق واقع لا وجود له، كما لو بقصد تهشيم أي عمل عام لا يروق “لمزاجهم”. وليس أسوأ، على العمل العام، من كيل التهم (رغم سهولة معرفة الحقيقة لمن يريد)، ومن استبطان سوء النية، فيتحول النقد إلى فعل تشويه وعداء، يملأ النفوس بمشاعر سلبية بدل أن ينيرها.

سنتناول فيما يلي توضيحنا لأهم النقاط التي تناولها النقد، مهملين بطبيعة الحال بعض الكلام “السهل” الذي لا يعدو كونه تفريغ نقمة في أي دريئة متاحة.

1-تتعلق النقطة الأولى بحق تقرير المصير للشعب الكردي في سوريا. في الواقع لا البيان المنقود ولا معظم الأحزاب الكردية، يطالب بالانفصال، ومع ذلك يوجد في الوسط العربي السوري فوبيا عن الانفصال الكردي تحيل أي قول إلى مصيدة. لا بأس، ليسمح لنا المختلفون عنا، بان نعتبر الكرد السوريين شعباً يحق له، مبدئياً وبوصفه كذلك، تقرير مصيره “مثل كل شعوب الأرض”. ولكن بياننا لا يجد أن هذا “المبدأ” قابل للتنفيذ بشكل مطلق، لأسباب موضوعية سورية. ويقول البيان إن أولويتنا هي “الديموقراطية والعلمانية في دولة يحكمها القانون” وأن الأولوية هي لـ”حقوق الانسان والحريات الفردية وقضايا التنمية والتعليم والصحة والمناخ والطاقة النظيفة …الخ، ومختلف العناوين العصرية لقضايا الحاجة البشرية بغض النظر عن الجنس أو اللون أو العرق أو القومية”. على أن يتم حفظ الحقوق القومية للكرد في إطار صيغة من اللامركزية الديموقراطية التي يتم الاتفاق عليها.

قد يوجد من يرفض هذا الحق أو المبدأ على الكرد السوريين، وقد يوجد من يرى أن امتناع تنفيذ هذا الحق للكرد السوريين، بسبب الظروف الموضوعية، يجعل الإقرار به بلا معنى. نحن نختلف مع الجهتين، لكن من الإجحاف، على كل حال، قراءة البيان على أنه دعوة “لتمزيق سورية” أو أنه يعبر عن “خلاف على الوحدة السياسية للبلد”.

أما اعتبار أن إقرار حق تقرير المصير للكرد يقتضي إقراره لبقية الجماعات الإثنية والطائفية، فهذا ينطوي على خلل اعتبار الطوائف “قوميات”، وينطوي على إنكار تميز الكرد في سوريا من حيث وزنهم الديموغرافي وثقل حضورهم القومي.

2-تتعلق النقطة الثانية بموضوع الانقسام الطائفي والإثني. يقر البيان بوجود هذا الانقسام بالمعنى الاجتماعي والتاريخي، وبأن نظام الأسد كرس الانقسامين وزاد في تسييس خطوط الانقسام الطائفية، وفي تكريس انعدام الثقة وسيادة التصورات الخرافية المتبادلة بين الجماعات الدينية. هناك من ينكر على البيان الإقرار بهذه الانقسامات، وهناك من يرى أنها لم توجد إلا بعد 2011. وكأن هؤلاء يقولون إن الثورة هي من خلقت هذه الانقسامات، وأن الوطنية السورية كانت على ما يرام قبلها. الحقيقة أن الثورة أظهرت إلى النور ما كان القمع (وليس الوطنية الجامعة) يكبته، وأن توق السوريين إلى التحرر، لم يصطدم فقط بالقمع الوحشي لقوات النظام وشبيحته، بل وأيضاً بانفجار نزوعات دون وطنية، شحنها النظام طوال تاريخه واستخدمها لإخماد الثورة عبر خطة أمنية مدروسة، وشحنها الإسلاميون بصورة متصاعدة، عبر تصويرهم الصراع على طول الخط على أنه بين إيمان وكفر، أو على أنه صراع ضد نظام علوي.

هذه النزوعات الطائفية التي برزت في الثورة سماها البيان “العفن العميق في قاع المجتمع”، وهذا ما أثار اعتراض البعض، على أن في هذا شتيمة للشعب، وكأنه ينبغي النظر إلي الشعب على أنه أيقونه من النقاء والطهر. من جهتنا نرى الشعب كائناً حياً وتاريخياً وليس جوهراً طاهراً، وإنه قابل للزيغ والانسياق وراء تيارات سياسية يمكن أن تقوده إلى الكوارث، كما شهد غير شعب في العالم، وكما شهد ويشهد الشعب السوري.

3- تتعلق النقطة الثالثة بالإسلام والإسلام السياسي. اعترض البعض على قول البيان بوجود “نسغ عنفي في الإسلام النصي والتاريخي”. جاء الاعتراض بالقول ليس كل النص عنفي، أو بالقول إن كل الأديان يمكن أن تستخدم وسيلة للعنف. ولا اعتراض لدينا على أي من هذين القولين اللذين لا يتعارضان في الواقع مع قولنا إن هناك نسغاً عنفياً في الإسلام. ما العيب في أن نشير إلى أحد مكامن العلة، بدلاً من إغماض العين وتشتيت النظر؟ غير أن بعض المعترضين الذين لا يهمهم سوى “تهشيم خصمهم”، انتهوا بكل بساطة إلى أن البيان يشتم الدين ويحتقر القرآن. هل في هذا نقد أم تحريض؟ هل يريد أصحاب هذا “النقد” مناقشة أصحاب البيان أم يريدون إحالتهم إلى “القضاء الشرعي” مهدوري الدم؟

4- تتعلق النقطةالرابعة بمحاباة الغرب. يقول البيان إن “الحلف الغربي، ولاسيما الأمريكي، الذي مازال الأقرب لقضيتنا …”، وهناك من رأى في هذا محاباة للغرب تستحق النقد. هل يمكن لأحد أن يدلنا اليوم على أي قوة مؤثرة في العالم، سوى أوروبا الغربية وأميركا، يمكن التطلع إليه لمناصرة الشعب السوري؟ من يمكن أن يناصر فعلاً هذا الشعب: ثلاثي أستانة (إيران، روسيا، تركيا)؟ مجلس التعاون الخليجي؟ الصين؟ الاتحاد الأفريقي؟ … الخ. هذه في الواقع ليست محاباة، إنما إقرار واقع لا نملك أن لا نراه.

5- النقطة الخامسة تتعلق باستخدام عبارة “ما تسمى ثورات الربيع العربي”. صحيح أن في استخدام هذه العبارة حيادية لا تناسب بياناً سياسياً. ولكن أن يخرج أي ناقد للبيان بنتيجة أنه معاد للثورات، فهو أمر يصلح للمناكفة وليس للنقاش الجاد. فالبيان يتكلم عن “انتفاضة شعبية عارمة”، وينكر فكرة التآمر الشائعة، كما يمكن أن يلاحظ أي قارئ هادئ. أما قصة الغمز بموضوع التمويل والارتزاق فهو مما تعاف النفس الرد على أصحابه.

6- أخيراً، فيما يخص إدراج الاندماج في سياق “ضربات هيثم مناع” والقول إن تيار مواطنة تابع له، ففي هذا جهل تام بالواقع. ليست المشكلة في جهل الواقع، من الطبيعي أن لا يحيط المرء بكل ما يجري، ولكن المشكلة في أن يخرج عليك من لا يعرف ويتكلم كأنه “أبو العريف”، وأن يكون هذا الشخص (الذي يتابعه كثيرون، وكنا نحن منهم معتقدين إنه ذو مصداقية) من انعدام النزاهة بمكان يجعله يصنف مجموعة “نواة وطن” رغم إنه لا يعرف أحداً من أعضائها ولم يقرأ لها شيئاً كما يقول هو نفسه، ويجعله “يقول الكذب بحرارة الصدق”، رغم أن معرفة الحقيقة لا تكلفه، لو دفعه ضميره إلى ذلك، سوى جهد بسيط يجعله يرى مثلاً أن تيار مواطنة (الذي يزعم إنه يعرف كل أعضائه) كان لسنوات ضمن الائتلاف، بينما كان مناع في قيادة هيئة التنسيق.

هذا الاستقبال السيء لخطوة اندماجية يفترض أن تكون محط تقدير في سياق التشظي السوري المتكاثر، هو أمر محبط، وهو من جملة الاحباطات الأخرى وإن كان أكثر إيلاماً لأنه يأتي ممن نعتقد إنهم في الموقع السياسي العام نفسه.  وعندما افترضنا تقدير الخطوة، فإننا قصدنا، أقله، أن يسعى المهتمون الديموقراطيون بالشأن العام السوري إلى التأني في قراءة البيان الاندماجي، قبل رمي التهم، وأن ينتقدوا من موقع الحرص مقاومين الرغبة العدمية في التهشيم، الظاهرة التي تشتد في أجواء الهزيمة، كما هو حالنا.

 

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة