عفرين والوطنية السورية

عفرين والوطنية السورية

تشكل عملية اجتياح عفرين التي انطلقت في 20 يناير/كانون الثاني 2018 وحملت اسماً سلمياً يصلح للتندر “غصن الزيتون”، مثالاً نموذجياً عن دور مصالح الدول في تخريب الاحتجاجات الشعبية واستخدامها بدعوى مناصرتها. بعد أربع سنوات من هذا الاجتياح “السلمي”، يكتشف المتابع إنه لم تكن ” قوات سوريا الديمقراطية” هي المستهدفة، بل كان الهدف العميق هم الكرد بوصفهم كرداً. فخلال هذه السنوات جرت عملية تغير ديموغرافي واسعة، وتحولت نسبة الكرد في المنطقة المذكورة من 95% إلى أقل من 30%، بعد توطين حوالي 500 ألف نسمة فيها، معظمهم من أفراد عوائل مسلّحي الفصائل والنازحين من الغوطة (ريف دمشق) وأرياف حمص وحماه وإدلب وحلب.

وفي حين هُجّر كرد عفرين، تحت شتى صنوف المعاملات السيئة والتمييز والضغوط والمخاوف، ليعيشوا في مخيمات خارج عفرين، بدأت مشاريع “خيرية”، بمساعدة تركيا ودول عربية وجمعيات، لبناء مساكن للنازحين والمهجّرين (غير الكرد) من باقي المناطق السورية.

وهناك حالات موثقة لعائلات كردية رفضت الخروج رغم كل شيء، فوجدت نفسها مجبرة على العيش، في أحسن الأحوال، في قسم من مسكنها، أو في خيمة إلى جوار مسكنها الأصلي الذي استوطنته عائلة أخرى (غير كردية بالطبع)، وغالباً ما تكون عائلة أحد المقاتلين في الفصائل السورية التابعة لتركيا. هذا التعامل الذي يلامس العنصرية، يعمل بشكل أكيد على تفتيت أي رابطة وطنية ممكنة. وهذا النوع من التمييز غير الوطني يغذي ويتغذى على تمييز معاكس تمارسه في غير مكان قوات كردية في مناطق سيطرتها.

في كل حال، إن العمل الجاري على الأرض بعد الاجتياح السوري/التركي، وما رافقه من اعتقال تعسفي واختفاء قسري ونهب ممتلكات واستيلاء على مدارس وحرمان الأطفال من التعليم فضلا عن شتى صنوف الانتهاكات التي نددت بها منظمة العفو الدولية في حينه (أغسطس/آب 2018) مشيرة إلى وجود “تواطؤ” تركي، نقول إن العمل الجاري يهدف إلى تغيير التركيبة السكانية للمنطقة بدافع من هواجس أمنية تركية تنظر إلى الكرد على أنهم مصدر خطر، أي هو إقحام للرؤية والمصالح التركية في لب رؤية ومصالح السوريين، وأكثر من ذلك هو فرض المصالح التركية على مصالح الوطنية والرابطة السورية. والمشكلة أن هناك من يُلبس هذه الهواجس التركية لبوس دعم السوريين وثورتهم، في حين أن ما يجري على الأرض هو تدمير كامل للرابطة السورية.

حيثما يوجد خط تمييز بين السوريين يجري تفعيله، أكان مذهبياً أو دينياً أو عرقياً أو قومياً، والنتيجة تمزيق الرابطة السورية وتحويل السوريين إلى أتباع إلى هذه المصلحة الخارجية أو تلك.

تتألف منطقة عفرين من مركز المدينة عفرين وستة نواحي هي( شران-بلبل-راجو- شيخ الحديد- جنديرس-معبطلي) ويتبع لهذه النواحي 366 قرية، كان يقطن فيها ما يزيد عن نصف مليون نسمة حسب إحصاء أجرته الدولة السورية أواخر 2010.

أعلن حزب الاتحاد الديمقراطي ” PYD” وأحزاب مؤتلفة معه في كانون الثاني 2014 عن الإدارة الذاتية الديمقراطية التي تتألف من ثلاث كانتونات (الجزيرة، كوباني، عفرين) وحاولت الإدارة إنشاء ممر يربط عفرين بشرق الفرات عبر السيطرة على مناطق عربية مثل تل رفعت عام 2016 الأمر الذي أدى إلى اندلاع الاشتباكات وتراكم الأحقاد في المحيط العربي لمنطقة عفرين والتي تسيطر عليها اليوم فصائل معارضة إسلامية.

عملت الإدارة الذاتية على تأسيس مشروع فيدرالي، وشكلت مجلسا باسم المجلس التأسيسي لفدرالية شمال وشرق سوريا يوحد  بموجبه الكانتونات الثلاث وشرعت بالفعل بالمراحل الانتخابية الاولى للتأسيس لهذا المشروع بعد تحقيقها انتصارات كبيرة على داعش ودعم التحالف الدولي لها مما اثار حفيظة الجار التركي الذي شن هجوماً على عفرين برفقة فصائل من الجيش الوطني السوري (المعارض)، مطلع 2018، وبعد حوالي شهرين من المعارك تمت السيطرة الكاملة لتركيا على المنطقة في 18 آذار 2018. وهكذا أصبح والي هاتاي (لواء اسكندرون) هو والي عفرين الفعلي وتم رفع العلم التركي إلى جانب علم الثورة السورية على المباني الإدارية والحكومية كما تم دعم فصيل كردي (رابطة المستقلين الكرد) ليساهم في تشكيل المجالس المحلية في عفرين ونواحيها.

إننا في تيار مواطنة-نواة وطن نرى أن بروز خطوط الانقسام في الجبهة المواجهة لنظام الأسد، ونشوء صراعات على طول هذه الخطوط، كالصراع العربي الكردي، لا يخدم سوى استمرار طغمة الأسد، بما يعني خسارة الجميع. على هذا فإننا نرى إن على الوطنيين السوريين أن ينظروا إلى شؤون بلادهم من منظور وطني سوري غير خاضع لاعتبارات ومصالح الدول الأخرى التي من المفهوم أنها لا يمكن أن تحترم السوريين ما لم يقف هؤلاء بكل ثبات وإخلاص عند مصالح بلدهم.

ونحن إذ نقدر حاجة النازحين السوريين في كل مكان إلى سكن وحماية، فإننا لا يمكن أن نقبل أن يكون هذا على حساب سكن وأمن الكرد أو أي جماعة سورية أخرى. ونطالب بالسماح بعودة كرد عفرين إلى ديارهم وأرزاقهم، والتحقيق في كل الانتهاكات، وجبر الضرر الذي تعرضوا له.

إن متانة الرابطة السورية التي لا منجاة للسوريين بغيرها، تعتمد على متانة الثقة المتبادلة بين مختلف الجماعات، وعلى شعور الجميع بعدالة الممثل السياسي العام (الدولة) تجاههم وعلى قدم المساواة. إن التجربة السورية، وغيرها من التجارب المشابهة، تقول إنه لا يمكن بناء وطن مستقر ومستدام حين يكون لدى أي مجموعة فيه شعور بالظلم والتمييز السلبي.

المكتب الإعلامي لمواطنة-تيار وطن

12 شباط 2022

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة