الكُرد وهاجس الدستور

لاشك إن عملية المشاركة في كتابة الدستور مسؤولية كبيرة إلى جانب كونها حقاً، هذا الحق ليس حكراً على طرف سياسي بعينه، ولا يفترض ان تكون بنود الدستور مفصّلة على قياس أحد المكونات ضد المكونات أخرى. حيث ينبغي مشاركة وتوافق كل مكونات النسيج السوري ، ويتطلب من المرشحين لهذه المهمة أن يتمتعوا بمهارات خاصة، قانونية وإدارية ولغوية ومعرفة عميقة بالمجتمع السوري وتركيبته القومية والأثنية،  إضافةً إلى القدرة والجرأة والشجاعة لمعالجة القضايا التي تتمحور حولها الأزمة المزمنة الراهنة.

 خلال العقود الماضية  ومنذ تولي حزب البعث السلطة وإلى الأن فيما يمكن تسميته الحقبة السوداء التي تعتبرالأطول أمداً والأسوأ تأثيراً في تاريخ البلد، حيث يتحمل البعث بأطروحاته وممارساته المقوننة بدستور مفصّل على مقاسه وعقليته  المسؤولية الكاملة، السياسية والأخلاقية والقانونية على ما توصل إليه البلد من دمار ومأسي.

لا يمكن القطع ببساطة مع إرث القمع الدموي لأكثر من خمس عقود والحديث عن مرحلة إنتقالية والذي يعني ببداهة إنهيار النظام في نهاية المطاف. ولا يمكن البدء بعملية دستورية بموافقة من ستؤدي في نتيجتها إلى زواله. إن تقسيم عملية الانتقال السياسي وفق 2254 إلى سلال تبدأ  باللجنة الدستورية هو تعطيل للقرار، فالنظام يتحدث عن آليات وشروط ولجان وموافقة مجلس “شعبه” على بنود الدستور المزمع إنجازه، ليلغي مصيره المحتوم في السقوط والذي هو غايتنا وغاية كل الشعب السوري.

إن الدستور الحالي والذي تم تعديله عام 2012 غير ملائم لتكوين المجتمع السوري وتاريخه، وهو دستور لا يفصل بين السلطات الثلاث (التشريعية-القضائية-التنفيذية) عدا عن ان الجهاز الأمني مهيمن على مفاصل السلطات الثلاث، وقد كان ذلك فاقعاً من خلال ممارسة القمع العاري ضد المدنيين خلال احتجاجات 2011.

ومن هنا يجدر القول، لا الدستور القديم ولا النظام الحالي المبني على عقلية أمنية، جاهزين للخوض في عملية تغيير الدستور والاعتراف بقضيةٍ هامةٍ وأساسية، ألا وهي القضية الكردية كقضيةٍ وطنيةٍ، ولم يحمل إلى الآن أية خارطة طريق ممكنة لاحتواء هذه القضية الأساسية في سوريا. 

 نحنُ اليوم أمام معارضة إسلامية مصّرة على أسلمة الدستور القادم، وتحاول جاهدةً تسخير أطياف المعارضة المتحالفة معها لصالح مشروع ايديولوجي إسلامي، يلغي كل مقومات ظهور دولة علمانية، دولة المواطنة التي تحتكم إلى القانون، ولدى هذه المعارضة اليوم من أسباب القوة أكثر بكثير مما كانت تمتلك في الماضي في ظل نظام البعث٠

كما نعتقد أن نضال الكرد الذي كان وما زال يتمحور حول ركيزتين أساسيتين، الديمقراطية للبلاد والحقوق القومية للشعب الكردي، يستطيع “ومن مصلحته أن يفعل ذلك” أن يلعب دوراً رئيسياً في تشكيل محور ديمقراطي علماني يدافع عن ثوابته في الحقل الدستوري.

إذن في سوريا، ومن أجل تطوير الدولة السورية والدخول في مرحلة إنتقالية، هناك أطراف وتيارات محددة تطالب بمساواة غير مشروطة، وإدارة لامركزية، ودولة علمانية إضافةً إلى تعزيز دور المؤسسات المحلية، والحركة الكوردية بلا شك جزء أساسي ومفصلي منها.

كما نعتقد أن نضال الكرد الذي كان وما زال يتمحور حول ركيزتين أساسيتين، الديمقراطية للبلاد والحقوق القومية للشعب الكردي، يستطيع “ومن مصلحته أن يفعل ذلك” أن يلعب دوراً رئيسياً في تشكيل محور ديمقراطي علماني يدافع عن ثوابته في الحقل الدستوري.

وتنبغي الإشارة إلى أن أنظار الكرد، و منذ بدايات تأسيس الحركة الكردية في سوريا، تحوّلت إلى وجوب الاعتراف بالوجود والحقوق الكردية في سوريا، وبقي مطلب الاعتراف بحقوق الكرد في الدستور مطلباً يوحد تطلعات جميع الكُرد، ولكن هذا المطلب لم يحمل ربما من مقومات الضغط على الحكومة المركزية ما يلزمها بالإقرار الدستوري بها.

ولكن في التفاصيل يكمن الشيطان، فالقضية الأكثر إلحاحاً اليوم، تكمن في عدم اتفاق أغلبية أطراف الحركة الكُردية في سوريا على تصورٍ محددٍ وواضحٍ، حول مايجب أن يحمله الدستور الجديد المزمع، وبعيد المنال في الوقت الحالي بسبب تعثر العملية الدستورية أساساً.

في كل الأحوال نعتقد نحن في “تيار المواطنة – نواة وطن”  أنه ينبغي أن تكون مطالب الكرد محددة وواضحةً ومتفق عليها بشكلٍ يتناسب مع دولة المواطنة والقانون .

كما إن الأطراف الأخرى المعارضة (الرسمية ) لم تضع تصوراتها بعد حول الاعتراف بشراكة كردية وفق دستور محدد، ولم تتناولْ وتعالج وضع الثقافة واللغة الكردية وكل السياسات التي أدت إلى إقصاء الكرد وتهميشهم بالإضافة إلى القوانين الجائرة التي مورست بحقهم .

في كل الأحوال نعتقد نحن في “تيار المواطنة – نواة وطن”  أنه ينبغي أن تكون مطالب الكرد محددة وواضحةً ومتفق عليها بشكلٍ يتناسب مع دولة المواطنة والقانون .

ومن هنا نتصور أن الشرط الأول في تحقيق هاجس الكورد هو القبول بالشراكة الكردية في دولة المواطنة، والمثال العراقي في هذا الإطار واضح ونموذج يفترض الأخذ بثوابته ، حيث تمَّ الاعتراف الدستوري بالوجود الكردي في الدستور المؤقت لعام 1963 وصولاً لدستور عام 1970، والذي نصَّ حرفياً : «يتكوّن الشعب العراقي من قوميتين رئيسيتين، هما القومية العربية والقومية الكردية، ويقرُ هذا الدستور حقوق الشعب الكردي القومية …)) مع إقرار اللغة الكردية إلى جانب العربية لغةً رسميةً، وهنا يكمن الفارق الكبير بين البعث العراقي والبعث السوري.

 وهنا أيضاً تترسخُ ضرورة وجوب حماية حقوق الكرد عبر ما يسمّى بالمبادئ الدستورية العليا، أو المبادئ ما فوق الدستورية التي تحمي الأقليات من تغوّل الأكثرية، والتي تحمي الأقليات من ظهور دكتاتوريات وتيارات شوفينية ودينية صاعدة ومتعصبة.

تيار مواطنة- نواة وطن

مكتب الإعلام 6 آذار 2022

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة