الدولة التي يحلم بها السوريون أو دولة السوريين المنشودة- محمد معمار
في الوقت الذي يتساءل فيه السوريون أو يفكرون فيه بدولتهم المنشودة، القادرة على بلسمة جراحهم الغائرة التي تسببت به الجريمة المتوحشة عصابة “الجريمة المنظمة” التي قادها الأسدان، الأب حافظ والابن بشار، على مدى أكثر من نصف قرن، يؤكد رئيس إدارة العمليات العسكرية الجديدة في سوريا، أحمد الشرع (الجولاني)، خلال اجتماعه مع وفد من الطائفة الدرزية في 17/12/2024، أنّ “سوريا يجب أن تبقى موحّدة”. كما أكد أنه “يجب أن تحضر لدينا عقلية الدولة لا عقلية المعارضة، فسوريا يجب أن تبقى موحّدة، ويكون بين الدولة وجميع الطوائف عقد اجتماعي لضمان العدالة الاجتماعية”. وأضاف أنّ “الذي يهمنا ألا تكون هناك محاصصة ولا توجد خصوصية تؤدي إلى انفصال، فنحن ندير الأمور من منطلق مؤسساتي وقانوني، ونسعى لتحقيق الأفضل للشعب السوري”. وفي بيان صدر ليلة الإثنين-الثلاثاء ـــــــــ السادس عشر/السابع عشر من كانون الأول ــــــــ عن تحالف الفصائل المسلحة بقيادة الهيئة، أكد الشرع أن “سوريا يجب أن تبقى موحدة، وأن العقد الاجتماعي بين الدولة والطوائف هو السبيل لتحقيق العدالة الاجتماعية”.
مع الاحتفاظ بالنوايا الحسنة والمقاصد الطيبة النبيلة، يظل التساؤل مشروعاً حول إمكانية تجنب المحاصصة في حال كان العقد الاجتماعي بين “دولة” وطوائف/قبائل/عشائر/عائلات. في التجارب والواقع العياني الملموس هناك نماذج عملية لا تؤيد هذه الإمكانية. فلدى جارنا الشرفي، العراق كما لدى جارنا الغربي، لبنان. تجارب تثبت العكس. وفي الرؤية النظرية العقلية نصل إلى النتيجة نفسها. فعندما نحصر العلاقة بين المواطن/الفرد والدولة ونجبرها على المرور حصراُ في قناة زعيم الطائفة نكون جعلنا منه كبشا، مرياعا ومن طائفته قطيعا يسير وراء هذا المرياع. وفتحنا باب التنافس واسعا بين زعماء الطوائف حول من له الحصة الأكبر في كعكة الدولة.
والمخرج الوحيد من هذه المشكلة/ المعضلة يكون بعقد اجتماعي بين الدولة والمواطنين الأفراد الأحرار المتساوين في الحقوق والواجبات والكرامة, إن الخروج من التجارب الكارثية المريرة لفشل بنا الدولة السورية خلال مئة العام المنصرمة يمر من الضرورة المطلقة لإنعاش الهوية الوطنية السورية بأوكسجين المواطنة الوطنية السورية للمواطن السوري الفرد الحر الكريم المتساوي. فهل هذا الأمر من المستحيلات؟! ـ كلا وألف كلا.
سورية، كما لبنان، واحدة من خمسين دولة أسست هيئة الأمم المتحدة في مؤتمر سان فرانسيسكو، وهي بصفتها هذه تعد دولة مؤسِسة فيها، وموقِعة على ميثاقها الصادر في 26 حزيران 1945، وملتزمة به، وبجميع الوثائق الصادرة عن هيئة الأمم لاحقاً، ونخص بالذكر هنا “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” المقر في الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10/12/1948. وكذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بموجب قرار الجمعية العامة في 16/12/1966 الذي يحدد تاريخ بدء النفاذ في آذار 1976. وقد انضمت سورية إلى هذين العهدين بتاريخ 21/4/1969.
إذاً على الدستور السوري المنشود أن يتوافق “نصاً وروحاً” مع ميثاق الأمم المتحدة وكافة المواثيق واللوائح والعهود والاتفاقيات الصادرة عن الأمم المتحدة، وبشكل خاص تلك المتعلقة بحقوق الإنسان وحقوق المرأة، وعلى الدولة السورية القادمة أن تنضم إلى أي من تلك الوثائق التي لم تنضم إليها بعد، وأن تسحب تحفظاتها التي وضعتها الحكومات السابقة على بعض تلك الوثائق عندما وقعت عليها. ومن الضروري أن يتحول هذا التوافق إلى “التزام” صريح وواضح ومعلن يُنص عليه في مقدمة الدستور التي تعتبر جزءاً لا يتجزأ من الدستور. ونصا “فوق دستوري” أي أعلى من الدستور وأقوى من أية مادة دستورية تتعارض معه.
وعلى سبيل المثال نذكر هنا بأن “ديباجة” ميثاق الأمم المتحدة تنص على: “نحن شعوب الأمم المتحدة، وقد آلينا على أنفسنا (…) نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية”.
كما نصت ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على: “لما كان الإقرار بما لجميع أعضاء الأسرة البشرية من كرامة أصيلة فيهم، ومن حقوق متساوية وثابتة، يشكل أساس الحرية والعدل والسلام في العالم، ولما كان تجاهل حقوق الإنسان وازدراؤها قد أفضيا إلى أعمال أثارت بربريتها الضمير الإنساني، وكان البشر قد نادوا ببزوغ عالم يتمتعون فيه بحرية القول والعقيدة وبالتحرر من الخوف والفاقة، كأسمى ما ترنو إليه نفوسهم، ولما كان من الأساسي أن تتمتع حقوق الإنسان بحماية النظام القانوني إذا أريد للبشر ألا يضطروا آخر الأمر إلى اللياذ بالتمرد على الطغيان والاضطهاد، ولما كان من الجوهري العمل على تنمية علاقات ودية بين الأمم، ولما كانت شعوب الأمم المتحدة قد أعادت في الميثاق تأكيد إيمانها بحقوق الإنسان الأساسية، وبكرامة الإنسان وقدره، وبتساوي الرجال والنساء في الحقوق، وحزمت أمرها على النهوض بالتقدم الاجتماعي وبتحسين مستويات الحياة في جو من الحرية أفسح، ولما كانت الدول الأعضاء قد تعهدت بالعمل، بالتعاون مع الأمم المتحدة على ضمان تعزيز الاحترام والمراعاة العالميين لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، ولما كان التقاء الجميع على فهم مشترك لهذه الحقوق والحريات أمرا بالغ الضرورة لتمام الوفاء بهذا التعهد،
فإن الجمعية العامة
تنشر على الملأ هذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بوصفه المثل الأعلى المشترك الذي ينبغي أن تبلغه جميع الشعوب والأمم، كيما يسعى جميع أفراد المجتمع وهيئاته، واضعين هذا الإعلان نصب أعينهم على الدوام، ومن خلال التعليم والتربية، إلى توطيد احترام هذه الحقوق والحريات، وكيما يكفلوا، بالتدابير المطردة الوطنية والدولية، الاعتراف العالمي بها ومراعاتها الفعلية، فيما بين شعوب الدول الأعضاء ذاتها وفيما بين شعوب الأقاليم الموضوعة تحت ولايتها على السواء”.
وللتذكير ببعض مواد هذا الإعلان نورد:
المادة 1
يولد جميع الناس أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق. وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضا بروح الإخاء.
المادة 2
لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أي نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسيا وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أي وضع آخر.
المادة 19
لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفى التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود.
المادة 21
- لكل شخص حق المشاركة في إدارة الشئون العامة لبلده، إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون في حرية.
- لكل شخص، بالتساوي مع الآخرين، حق تقلد الوظائف العامة في بلده.
- إرادة الشعب هي مناط سلطة الحكم، ويجب أن تتجلى هذه الإرادة من خلال انتخابات نزيهة تجرى دوريا بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري أو بإجراء مكافئ من حيث ضمان حرية التصويت.
المادة 23
- لكل شخص حق العمل، وفى حرية اختيار عمله، وفى شروط عمل عادلة ومرضية وفى الحماية من البطالة.
- لجميع الأفراد، دون أي تمييز، الحق في أجر متساو على العمل المتساوي.
- لكل فرد يعمل حق في مكافأة عادلة ومرضية تكفل له ولأسرته عيشة لائقة بالكرامة البشرية، وتستكمل، عند الاقتضاء، بوسائل أخرى للحماية الاجتماعية.
- لكل شخص حق إنشاء النقابات مع آخرين والانضمام إليها من أجل حماية مصالحه.
المادة 25
- لكل شخص حق في مستوى معيشة يكفى لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، وخاصة على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية، وله الحق في ما يأمن به الغوائل في حالات البطالة أو المرض أو العجز أو الترمل أو الشيخوخة أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته والتي تفقده أسباب عيشه.
- للأمومة والطفولة حق في رعاية ومساعدة خاصتين. ولجميع الأطفال حق التمتع بالحماية الاجتماعية ذاتها سواء أولدوا في إطار الزواج أو خارج هذا الإطار.
لا لدولة المكونات، دولة الطوائف
نعم لدولة المواطنين الأفراد الأحرار
التوقيع
سوري يحلم ويطمح بأن يصبح مواطنا في دولة المواطنة
- الكاتب: محمد حسن معمار
- المقالات التي تعبر عند آراء كتابها لا تعبر بالضرورة عن رأي تيار مواطنة.
اترك رداً